ترجمة الفيلم الوثائقي The Third Crusade – الحملة الصليبية الثالثة – ترجمة وإعداد: فيصل كريم الظفيري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحملة الصليبية الثالثة

شنها الغرب المسيحي بعد سقوط مملكة أورشليم القدس على إثر معركة حطين التي وقعت عام 583هـ/1187م، وانتصر فيها جيش المسلمين بقيادة صلاح الدين الأيوبي

نقدم تفاصيل أهم معاركها الاستراتيجية وتخطيطاتها العسكرية عبر هذا الفيلم الذي عرضته قناة

Kings and Generals

وترجمه لكم وأعد نسخة العرض: فيصل كريم الظفيري

فلنشاهد الفيلم ثم نتحدث عنه

وعلى موقع OK

الحملة الصليبية الثالثة – ترجمة وإعداد: فيصل كريم الظفيري

يعرض هذا العمل الوثائقي قصة الحملة الصليبية الثالثة، وقد فصّل المؤرخون في أبرز أحداث هذه الحرب الشعواء، والحقيقة أنني لا أجد وقتا كافيا لعرض شيء من هذه التفاصيل وتحليلها، وتأمل تداعياتها. لكن لي أن أهيب بالمشاهد والقارئ الكريم بأن ينتبه للنقاط الآتية:

  • يعرض العمل تفاصيل كثيرة ومعقدة، أرجو ألا يأخذها المشاهد العادي على علاتها. بل عليه أن يدرسها ويقارنها بما اتفق عليه المؤرخون شرقا وغربا. وأشير في هذا الصدد إلى مراجع متخصصين بارزين، منهم الدكتور سعيد عاشور رحمه الله وكتبه الكثيرة عن هذه الحملة، والمؤرخ الإنكليزي ستيفن رنسيمان ومجلده ذي الثلاثة أجزاء “تاريخ الحروب الصليبية”، وكذلك المؤرخ سهيل زكّار رحمه الله وكتابه الضخم “الموسوعة الشاملة في تاريخ الحروب الصليبية”، وهناك كتاب لطيف آخر كتبه المؤرخ شاكر مصطفى عنوانه “صلاح الدين الفارس المجاهد والملك الزاهد المفترى عليه” (أنصح بقراءته كثيرا)، وأعمال ومؤلفات أخرى كثيرة.
  • الحذر عند قراءة المؤرخين المعاصرين لفترة الحملة الصليبية أو حولها، مثل ابن الأثير (قيل لأنه موال لنور الدين زنكي بعد خلافه مع صلاح الدين)، والمقريزي (بسبب أصوله الفاطمية المعروفة، وهو أول من طعن بصلاح الدين بسبب أهوائه). فأمثال هؤلاء المؤرخين القدماء لا يعتد برأيهم كثيرا في هذه المسألة. كما أن المرء يجب أن ينتبه كذلك للمؤرخين الموالين لصلاح الدين، مثل ابن شداد والقاضي الفاضل، وذلك لمبالغتهم بتمجيده؛ مع أنهما وضعا وثائق صلاح الدين الرسمية ومراسلاته المهمة، مثل رسائله للخليفة العباسي.
  • وبطبيعة الحال، ينبغي على القارئ والمثقف الواعي ألا ينظر البتة فيما يجعجع فيه بعض السفهاء والمتخرّصين على شاشات التلفاز، أمثال يوسف زيدان (وهو روائي وليس له علاقة بدراسة التاريخ البتة، ورأيه مبتور، إن أحسنا الظن به)، وأبو حمّالات (لا يحتاج إلى تعريف طبعا 😂)، نظرا لعدم تخصصهم والشبهات المثارة حولهم، فضلا عن بعض الطائفيين إن تكلموا عنه (وهذا طبيعي، لأن صلاح الدين أزال دولتهم الطائفية من حكم مصر والشام، وهي تستحق ذلك، لأنها تسببت بسقوط العالم الإسلامي أمام الحملات الصليبية)، وكذلك بعض الصعاليك الحاليين الذين تجرأوا بالخوض بالمسائل التاريخية، أمثال بعض الممثلين والرقاصين والحشاشين الجدد. هؤلاء كلهم إن أصغيتم لهم، فأنتم مخطئون أيها الناس.
  • ليس الغرض من دراسة هذه المرحلة تقديس شخصية صلاح الدين؛ فهذا مما لا جدوى من ورائه ونحن واقعون تحت احتلال جديد، وأرضنا المقدسة مغتصبة منذ ما يربو على 70 سنة عجاف. فهذا الرجل حاكم آخر ضمن حكام كثيرين في هذه المنطقة؛ لكن لماذا تميّز من بينهم، وما زالت الصفحات تفرد له شرقا وغربا بالرغم من مرور 900 عام على وفاته حتف أنفه رحمه الله؟ هنا السؤال المهم والمثير.
  • من أقام المآتم والملاطم على صلح الرملة الذي عقده صلاح الدين الأيوبي مع الصليبيين ليحسم به مصير الحملة الصليبية الثالثة، رغبةً منه بالطعن في هذا القائد الأيوبي، يرد عليه هذا الوثائقي ليوضح ضرورة عقد هذا الاتفاق، وأنه يعد نصرا للمسلمين (حسب ظروفهم الصعبة في تلك المرحلة) وهزيمة للصليبيين (الذين كان هدفهم الأساسي استرجاع القدس وهم في زخم القوة، وفشلوا في ذلك، بعد أن حرمهم صلاح الدين من ذلك). أي أن صلاح الدين إن فرط في أي شيء -بسبب تعقيدات الموقف السياسي آنذاك- فهو لم يفرط في شبر من القدس ووضع حياته ثمنا دون ذلك؛ وهذا برب الكعبة يكفيه شرفا.
  • ارتكب صلاح الدين عددا من الأخطاء العسكرية التي كان لها ثمن باهظ لاحقا. لكن لولا هذه الأخطاء لظنه الناس ملاكا، وهذا رحمة الله. فانتصاره في المعركة الكبرى حطين كان هائلا وعظيما بحيث أن اهتزت أوروبا المسيحية عن بكرة أبيها، وتداعت لأخذ الثأر واسترجاع القدس بأي ثمن، وهو ما لم يحدث بفضل الله، ثم بالتضحيات الكبرى التي حدثت. وأخطاء صلاح الدين تذكرني بطريقة أو بأخرى بأخطاء الصحابة رضوان الله عليهم في خلافتهم الراشدة، التي لو لم تقع لظنهم الناس ملائكة، نظرا لعدالتهم ورشدهم وانتصاراتهم المتتالية الكبرى.
  • تظهر لنا عند دراسة صلاح الدين وعصره ومقارنته بعصرنا الحالي الذي مات فيه كل أمل بظهور قائد مخلص وعادل يحرر الأمة مما هي فيه من احتلال واستبداد وتخلف؛ ويبدو أن صلاح الدين قد أتعب من بعده فعلا، وربما -بطريقة أو بأخرى- قضى على الصورة النمطية في أذهان الناس عن القائد والزعيم المحرر والمنقذ. لقد رأينا أن معظم زعماء عصرنا يتمسحون بصورة صلاح الدين وأنهم محررين ومخلّصين بزعمهم، غير أننا لم نشهد منهم سوى الاستبداد والقمع والتبعية ونهب ثروات الأمة، بل وحتى التبعية للأجنبي وإبادة الشعوب العربية. وكأني بحلم صلاح الدين قد تحول إلى كابوس: فهل تحرير الأمة يكون عبر استعبادها والإمعان في إذلالها؟ فما هذا التحرير الذي يبغضه الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم ﷺ. ليس هذا ذنبا لصلاح الدين، فالرجل أدى ما عليه، بالرغم من المشاكل والعراقيل التي واجهها، لكنه ذنبنا نحن الذين ننتظر هذا المنقذ من العدم، فاعتلى ظهورنا شذاذ الآفاق، وأصحاب الإيديولوجيات المستوردة، وذوو المكر والخداع والخبث ممن لا خلاق لهم. رأيي أن حقبة البطل الأوحد قد ولت، وعلى الناس ألا يضحك عليهم من يضحك على ذقونهم؛ أما البطل الحقيقي فيظهر حسب ظروفه الطبيعية وبيئته التي توجده بأصالة.
  • ظهرت أعمال سينمائية ودرامية كثيرة تعرض قصة صلاح الدين، أو قدرا معينا منها، ومعظمها مما لا يُعتد ولا يُحتج به، لأن معظم صناعها لهم أغراض غير حميدة وخبيثة، أو واجه كثير منهم ظروفا أدت لأن تظهر أعمالهم بشكل هزيل ومبتذل. وأنصح المشاهدين بألا يأخذوها على محمل الجد. وقد تناولت في هذه المدونة قبل شهور أحد هذه الأوجه، عبر استعراض فيلمي يوسف شاهين وريدلي سكوت، وكيف أن الأول اعتمد على قصة ليوسف السباعي شابتها أباطيل تاريخية مخجلة، فيما أن الثاني اعتمد في فيلمه Kingdom of Heaven على كذبة ضخمة تهدم الأساس المنطقي لفيلمه، مفادها أن باليان إبلان (بطل الفيلم) لم يشترك في معركة حطين؛ بل آثر البقاء في القدس والدفاع عن أهلها. ويعرض لكم الفيلم بوضوح أن باليان قاد مؤخرة الجيش الصليبي في حطين، وفر هاربا منها بعد أن رأى أن أمواج المعركة مالت لصالح جيش المسلمين. كما أنه استأذن صلاح الدين لاحقا بدخول القدس وقت حصاره لحاميتها الصليبية، فجعله الأخير يقسم بكتابه المقدس ألا يرفع السلاح إن سمح له بدخول المدينة. فكان أول شيء فعله بعد أن دخلها نكثه ليمينه. فهذه هي حقيقة بطل ريدلي سكوت باتفاق المؤرخين مسلمين وغربيين.
  • من المهم أن يدرك المشاهد أن هذه الحملات والحروب ليست دينية في حقيقتها، بل تجلى منها الطابع الاستعماري والاقتصادي والعسكري؛ إنما أخذت شكلها المسيحي آنذاك لكي تستحوذ على زخم شعبي، وتستغل الحمية الدينية والحماس المسيحي عند عامة الناس والرعاع، وهؤلاء هم وقود الحرب. إذن هي كما ذكرنا في مقال سابق، ليست حربا بين الإسلام والنصرانية، بل صراع شنه الغرب المتشح بعباءة المسيحية على العالم الإسلامي، الذي يكفل دينه -شرعا- ممارسة الطقوس والشعائر للديانات كلها. وهناك من يعترض كلمة “نصارى” و”نصرانية” ويظن أنها وصف إزدرائي، وهم بذلك يجهلون أن العكس هو الصحيح، حسب أبجديات التاريخ المسيحي، (الرجاء العودة لهذا المقال الذي كتبته قبل قبل ستة أعوام في المدونة) لكن مع إصرار بعضهم على وصف “المسيحية” للأوروبيين، فلا بأس عندي، لأنه إصرار على على مصطلح إزدرائي، وهم يستحقون الازدراء فعلا، وليسوا كفئا لأن يناصروا الرسول عيسى ابن مريم عليه السلام وينصرونه، وهو عليه السلام ابن الناصرة؛ بل يتمسحون به تحقيقا لرغباتهم العدوانية، والنصارى الحقيقيون منهم براء. وقد ذكر بروفيسور اللاهوت البريطاني ديارميد ماكولوك شيئا من ذلك في سلسلته الوثائقية “تاريخ المسيحية” التي ترجمها د. إيهاب محمد عبد السلام.

عن هذه الترجمة وما يليها

بدأت هذه الترجمة ما قبل شهر رمضان العام الماضي، وما إن حل الشهر المبارك حتى شعرت بعدم المقدرة على إنهائها، مع أنني تجاوزت منتصف ملف الترجمة. ثم أنني انشغلت بعده بترجمة كتاب “تاريخ العقد الاجتماعي” ثم أجريت عملية إزالة مياه بيضاء في عيني اليمين أواخر شهر أغسطس/آب 2021، فكان أن توقفت عن أي عمل ترجمي أو كتابي ثقيل لعدة شهور. وقد ترجمت بعد ذلك كتابا بعنوان “آل رومانوف: الأيام الأخيرة” بالمشاركة مع الزميل المترجم المميز الأستاذ محمد أمين الشامي سينشر قريبا بمشيئة الله، وقد انتهينا منه قبل أسبوع تقريبا من حلول رمضان 1443. وقبل أن نمضي إلى أعتاب رمضاننا هذا، أشفقت على ملف “الحملة الصليبية الثالثة” الذي ظل حبيس أدراج جهاز الكمبيوتر لعام ونيف، فقررت العودة إليه لإكمال ما تبقى من ترجمة هذا الوثائقي، لشعوري بأهميته، لكن عملية هذه الترجمة اقتضت تعديلا مكثفا لتزامن السطور مع حوار الفيلم، وأخذت مني وقتا وجهدا كبيرين. ونجحت ولله الحمد بإنهائها أثناء عيد الفطر. ولا أعلم، قد تكون هذه ترجمتي المرئية الأخيرة، والبركة بمن يحمل اللواء من بعدنا، وأظن أنني نقلت شيئا من مبادئ الترجمة المرئية للهواة إلى أبنائي وبناتي في المدرسة العربية للترجمة وخارجها، مع إدراكي بصعوبة مهمة الترجمة التطوعية في عالم مادي لا يرحم.

الحقيقة أنني سأنخرط في مشروع نشر الكتب الإليكتروني، سواء من خلال الترجمة أو التأليف، في المرحلة القادمة؛ فإن نجح المشروع وأتى أكله، فسيفتح هذا لنا بابا يمكننا من التعبير عن الذات، وفتح أفق ثقافي جديد. ونسأل الله التوفيق والسداد وفتح أبواب الرزق الكريم.

ترجمة فيلم “الحملة الصليبية الثالثة” إهداء لزميلنا المترجم المميز:

إسلام صقر

فيصل كريم الظفيري

أضف تعليق