الترجمة السماعية للفيلم الفرنسي الإيطالي Le droit d’aimer – ترجمة عباس نشأت، وتقديم: توني تيسير وفيصل كريم

يقدم المترجم

ترجمته السماعية المباشرة للفيلم الإيطالي/الفرنسي المشترك

أما عنوانه العربي، فقد جرى نقاش بيني وبين مترجم العمل وراعيه (الأستاذ توني تيسير) حول مدى جدوى الالتزام بحرفية الترجمة ووضع عنوان مثل “الحق في الحب”، غير أننا وصلنا إلى فكرة تبتعد عن هذه الحرفية، فاقترحت عنوان

وذلك بعد التمعن بقصة الفيلم المقتبس من رواية للكاتبة الفرنسية الراحلة فرانسواز زيناكيس بعنوان elle lui dirait dans l’ile (لعلها تخبره في الجزيرة)

إذ يتبين لنا أن أطراف القصة كلهم كانوا عرضة لاغتصاب حقوقهم وسلبها. فالبطل (عمر الشريف) سُلب حقه في الحرية والإرادة، والبطلة (فلورندا بيلكِن) مسلوب حقها في الحب والاستقرار، بل لا نغالي إن قلنا باغتصاب قدرة شخصيات القصة على الاختيار والرؤية، بما فيهم السجانين. وهو ما سنناقشه في هذا المقال.

أخرج الفيلم

المخرج الفرنسي فيتنامي الأصل إريك لو هانغ

الذي قدم للمشاهد رؤية درامية مميزة سلطت الضوء على مكنونات شخصيتي الفيلم الرئيستين، ونفذت إلى أعماق مشاعرهما الإنسانية عبر لجوئه إلى الأسلوب البيرغماني (نسبة إلى إنغمار بيرغمان) في التركيز على تصوير تقاسيم الوجه، وتسليط الكاميرا إلى زوايا تبيّن الانفعالات، مع أنها تظل مكبوتة ولا مجال لها للانفجار. وهذا أسلوب عسير وشاق على الممثلين عموما. وأبدع بطلا الفيلم بإظهار هذه التعابير، وإن كنت أرى أن عمر الشريف تفوق من هذه الناحية أكثر نسبيا من النجمة البرازيلية فلورندا بولكان؛ لأن دوره ربما ركّز على تعابيره أكثر من كلامه وحواراته القليل نسبيا.

تحديث: قبل الانتقال إلى “قضية الفيلم”، أود الإشارة إلى أن من أوائل من تكلم عن العمل في وسائل التواصل وأشار إلى أهميته الأخ العزيز أبا الجراح العتيبي (مؤسس موقع الديفيدي العربي الشهير)، إذ كتب على صفحته في الفيسبوك تقريرا شيقا عن الفيلم، أضع رابطه هنا للفائد

تبرز الفكرة الرئيسة التي يناقشها العمل ألا وهي قضية القمع وكبت الحريات الذي يؤدي إلى ضياع الحقوق واغتصابها، سواء أكان الحق في الحرية (كما يتمنى البطل)، أم الحق في الحب والزوج والاستقرار (كما تتمنى البطلة)، أو على صعيد أشمل من ناحية سلب حق شخصيات العمل كلها في الاختيار والرؤية. فحتى قائد السجن مسلوبة إرادته، ونرى ذلك من خلال شكوكه بما يحاك من وراء ظهره عند الجهات العليا، وتيقنه من رغبتهم بالاطاحة به والكيد له.

ومع أن قضية قمع الرأي وسجن أهل الأفكار على اختلافها قضية عالمية عانت منها أمم وشعوب شتى، إلا إننا نرى انعكاس هذه المسألة المؤلمة على عالمنا، حيث كانت السجون وما زالت ممتلئة على بكرة أبيها بأهل الرأي، وزادت المسألة عن حدها بوصول أعداد السجناء في البلد الواحد إلى عشرات الآلاف، وقيل مئات الآلاف، لا سيما بعد اندلاع الثورات العربية منذ عام 2011. بل تفاقم الأمر حتى سمعنا أن كثيرا من سجناء الرأي لم يقولوا أصلا أي رأي، فهم أسرى أسمائهم ومنزلتهم عند الناس فقط لا غير. والإنسان العربي لا ينسى كارثة سجن تزممارت في المغرب، لكن يبقى السجناء عند الكيان الصهيوني من أكبر علامات تقييد الأمة؛ لأن الصهاينة لا يريدون كسر إرادة الفلسطينيين فحسب، بل إذلال الأمة العربية والتشفي بهم وإسقاط جذوة المقاومة في صدورهم. فاقرأ بذلك ما كتبه كثير من الأسرى في سجون الكيان الصهيوني، مثل كتاب “خمسة آلاف يوم في عالم البرزخ” للأسيرحسن عبد الرحمن سلامة، وكتاب “أمير الظل، مهندس على الطريق” للأسير عبد الله غالب البرغوثي، وكتاب المئذنة الحمراء” للأسير إبراهيم أبو غوشة. بل إن يحيى السنوار قائد المقاومة في غزة (نصرها الله) حاليا له كتاب جميل إبان أسره بعنوان “الشوك والقرنفل”. وكلها عناوين تقدم لنا تجارب صادقة عن هو السجن وتأثيره العميق على الإنسان، وهو ما قد نرى ملامح منه في تحطم شخصية عمر الشريف في هذا الفيلم الأوروبي لحظة لقائه زوجته.

هذا الفيلم يعد من الأعمال التي ليس لها ترجمة إنكليزية للحوار بما يمكن المترجمين العاديين من ممارسة “الترجمة من لغة وسيطة”. فكان أن حدثني بشأنه الزميل توني تيسير وعن رغبته بضرورة ترجمة هذا العمل. فظهر واضحا أنه بحاجة إلى مترجم يتقن مهارة الترجمة السماعية من اللغة الإيطالية (مع أن من الواضح أن الفيلم كتب حواره باللغة الفرنسية، ثم دُبلج لاحقا إلى الإيطالية). فتصدى له الزميل عباس نشأت، وترجمه بالفعل خلال مدة وجيزة، وأجاد بتكوين ملف ترجمة نصي srt أمكن تعديله وضبط توقيته حسب شروط الترجمة التلفزيونية الصحيحة والمعيارية.

وقد ذكرنا فيما سبق، عبر عدد من الترجمات التي خضن غمارها وقدمناها في هذه المدونة، كثيرا من الملاحظات والعقبات الواجب على المترجم السماعي مراعاتها أو تجنبها إذا أردنا الحصول على ترجمة لائقة تساعد المشاهد على تشرّب العمل، واستيعاب أفكاره المهمة. ومنها عقبة التترات السريعة التي تحول مجاراة حوار قد يبدو سريعا ومتواليا، وهو ما يؤدي بالمترجم المرئي إلى تكوين تترات ذات توقيتات أو مدد سريعة، وهنا على المترجم الانتباه إلى أن هذا الوضع قد لا يساعد المشاهد على قراءة هذه التترات السريعة. وعلاج هذه المسألة يتجلى بالتزام القاعدة التي طالما رددتها هنا، ألا وهي العلاقة بين عدد حروف التتر ومدته، فلا بد أن تكون علاقة متناسبة، ويبدو على الأغلب أنها لن تخرج عما أسميها “العلاقة العشرية“، أي أن التتر إذا كانت حروفه عشرة، فينبغي ألا تقل مدته عن ثانية واحدة، وإن كان ثلاثين حرفا، فلا بد أن تكون مدته حول الثلاث ثوان، وإن كان ستين حرفا، فلا مفر من جعل مدته تدور حول الست ثوان، وهكذا دواليك بطريقة تناسبية وتقريبية، ولا أقول دقيقة بالكامل. فإذا التزم المترجم بهذا المنهج التزاما تقريبيا (ولا أقل دقيقا بالضرورة) أضحت ترجمته المرئية إلى الوضوح بعين المشهد أقرب.

ومن جانب آخر، قدمتُ فيما مضى من سنين محاضرات حول أفضل برامج الترجمة المررئية، حيث نصحتُ تكرارا ببرنامج Subtitle edit، لكن ثمة مترجمين آخرين يفضلون برنامج Aegisub فأقول لهم لا بأس إذا يلبي معايير ترجمة مرئية سليمة. لكننا في واقع الأمر واجهنا بعض المثالب في هذا البرنامج زادت من قناعتي بعدم تشجيع المترجمين على استعماله عند ممارستهم للترجمة، منها مثلا عدم سهولة تنصيف التتر، في حين يمكنك برنامج “إيديت” من ذلك بضغطة زر على كل التترات دفعة واحدة. ومسألة تنصيف التتر إلى سطرين مهمة للغاية لأي ملف ترجمة. كما أن برنامج إيديت يشتمل على تقنيات أخرى تسهل الترجمة السماعية بالذات، ومن ثم فهو برنامج لا غنى عنه لأي مترجم مرئي محترف.

من هنا

وبذلك تم هذا المشروع على خير ولله الحمد

وتقبلوا تحيات فريق العمل

عباس نشأت و  توني تيسير و فيصل كريم

أضف تعليق