الشيخ مثقال الفايز (كبير قبيلة بني صخر وزعيمها التاريخي في الأردن) بعيون إسرائيلية وسيرة يدونها الصهاينة. ترجمة فيصل كريم الظفيري

توطئة: هذه ترجمتي لمقال نشر على جريدة (تايمز أو إسرائيل) الإليكترونية ويحتوى حوارا مع مؤلف كتاب لسيرة الشيخ الراحل مثقال الفايز شيخ عشائر بني صخر التي استقر بها الحال في أوائل القرن العشرين في شرق الأردن. وقد تبين لي لاحقا أن المقال مترجم في ذات الموقع، لكن بقراءة سريعة لتلك الترجمة، لست متأكدا من دقتها وجودتها ناهيك عن مدى سلامتها اللغوية وعدم ركاكتها، وهو ما سيحكم عليه القارئ الكريم.

أما عن الموضوع وجوهره، فلا شك أن العرب في زماننا هذا لديهم حساسية قصوى من مسائل التعاطي مع الحركة الصهيونية وقادتها، وذلك لسبب جلي معلوم يتمثل باحتلال فلسطين وحبك مؤامرة دولية معقدة جدا لسلب هذه الأرض المقدسة من الأمة الإسلامية والعربية ومنحها بوعد أقل ما يقال عنه إنه وعد من لا يملك لمن لا يستحق”. لكن لا يخفى عن القارئ الفطن أن السياقات التاريخية في تلك ومعطياتها تختلف وإن كان اختلافها ليس بتلك الدرجة الشاسعة. فالتعامل مع اليهود -بتلك الحقبة وما سبقها- كان أمرا عاديا وشبه يومي، إذ ينتشر اليهود في كل بقاع العالم العربي والخلافة العثمانية آنذاك. ومن هنا يجب أن ينبني فهمنا العام على هذه النقطة، حيث سنرى تعاملات تجارية أجراها الشيخ مثقال الفايز آنذاك مع كبار ممثلي الحركة الصهيونية كحاييم وايزمان وغيره. هي مسألة شائكة فعلا، ولا أعلم إن كان أحفاد الشيخ مثقال يشعرون بهذه الحساسية والخطورة لاسيما بعد كل ما عانته الأمة العربية والإسلامية من جرائم وموبقات صهيونية بشعة خلال السبعين عاما المنصرمة، فقد لاحظت تعليقات لأكثر من واحد منهم في ذيل المقال يشكرون فيها مؤلف هذه السيرة ويعبرون عن اهتمامهم بعمله، ما يبدو أنه ما من شعور بالحرج من مدح صهيوني لجدهم. ليس من شأني الحكم على النيات، لكن يجوز لي تقييم تلك الحقبة وما تلاها بأنها فترة حالكة السواد من تاريخ أمتنا حيث اختلط فيها الغاية بالوسيلة وتاهت المبادئ والمرتكزات الكبرى وسط غابات مظلمة من التكتيكات والطموحات والأطماع، ولا عزاء لتطلعات هذه الأمة نحو النهوض والاستقلال والحرية والوحدة. فأترككم مع المقال ولا أزيد.

www-uaekeys-com27

سعى زعيم عشائري أردني لبيع أرض لمنظمة يهودية؛
ثم بعد سنين قليلة أصبح مؤيدا كبيرا للقضية الفلسطينية

عندما تفاوض شيخ مشايخ الأردن

ومؤسس مملكتها مع الصهاينة

 

إسرائيلي يكتب أول سيرة لمثقال الفايز، الزعيم القبلي الذي نصّب الهاشميين

على العرش – ملحمة على غرار لورنس العرب عن بدوي من الصحراء

cimg1083-e1472909914901

كتبه: دوف ليبير
ترجمة: فيصل كريم الظفيري 
This translation is © for www.fisalkareem.com

 

 

استقلّ في الرابع من أبريل سنة 1933 أقوى رجل في إمارة شرق الأردن رحلة نحو فندق الملك ديفيد في القدس. وقد جاء إلى هناك خصيصا للتفاوض مع القيادة الصهيونية على بيع أراض ضخمة تقع على الضفة الشرقية من نهر الأردن. وكان ضمن الحاضرين حاييم وايزمان، الذي سيصبح قريبا أول رئيس لإسرائيل، وموشيه شاريت ثاني رئيس وزراء لإسرائيل، وحاييم أرلوصوروف كبير الدبلوماسيين الصهاينة آنذاك، وهو الذي رتّب الاجتماع.

 

أما الشخصية الأردنية الهامة التي عملت علنا مع المنظمة اليهودية فكان مثقال باشا الفايز، زعيم حلف عشائر بني صخر، الذي سيغدو فيما بعد صانع ملوك الأسرة الهاشمية.

حياة مثقال ستكون مادة كتاب “شيخ المشايخ: مثقال الفايز الزعيم القبلي في الأردن الحديث” لمؤلفه الباحث الإسرائيلي يوآف ألون.

وقابل ألون، الذي يقول إنه أول باحث إسرائيلي يقوم بعمل ميداني في المملكة منذ إتفاقية السلام الإسرائيلية-الأردنية سنة 1994، الأحفاد المباشرين لذلك الشيخ الكبير ليخرج بمادة كتابه إلى النور.

1200px-chaim_arlosoroff-635x357
حاييم أرلوصوروف (يجلس في المنتصف) وحاييم وايزمان عن يساره في لقاء مع قادة عرب في فندق الملك داوود في القدس في الثامن من أبريل 1933. ويظهر في الصورة أيضا موشيه شيرتوك (شاريت) وإسحق بن زفي (وقوفا في اليمين)، وممثلا شرق الأردن الشيخ مثقال باشا الفايز زعيم بني صخر وراشد باشا الخزاعي كبير مشايخ جبل عجلون ومتري باشا زريقات القائد المسيحي في مقاطعة الكرك وشمس الدين بيك سامي زعيم شركسي وسليم باشا أبو العجم شيخ مشايخ منطقة البلقاء. وطبقا لجريدة دافار عدد 11 يونيو 1958، ألتقطت الصورة عشية عيد الفصح 1931 أثناء مناقشات حول بيع أراض في شرق الأردن (ويكيميديا)

 

ويردف ألون قائلا إن حياة مثقال، الدبلوماسي البارع والمقاتل الجرئ والزعيم الحكيم، كانت مليئة بعناصر الإثارة وأسر الألباب، ما يجعلها تصلح كمادة سينمائية لفيلم هوليودي. فقد شن هذا الشيخ الغارات وعمل كقاض بين الآلاف من أهل قبيلته واضطر لحبك المناورات للمرور من مستنقعات ومتاهات سياسية عديدة كالاستعمار البريطاني والمشروع الصهيوني والقومية العربية، وفي ذات الوقت رعى شؤون قبيلته.

لم يبع مثقال في النهاية أية أرض للصهاينة بالرغم من قبوله أخذ أموالا منهم. وأصبح لاحقا خلال أعوام الثورة العربية على البريطانيين في فلسطين من أكبر مؤيدي القومية الفلسطينية متحديا بذلك عبد الله بن الحسين الذي ساعد بتنصيبه قبل ذلك على العرش.

سعى البريطانيون والصهاينة بل وحتى الهاشميين إلى استغلال مثقال، الذي يجزم ألون أنه قاد الجيش الأقوى في إمارة شرق الأردن في ذلك الوقت. لكن ظهر جليا كذلك أن الشيخ أستاذ بارع في لعب الشطرنج، حيث عمل مع كل الأطراف وفي ذات الوقت عزز خزينته من المال والسلطه السياسية.

يشدد ألون، إلى جانب عرضه ملحمة شبيهة بقصة لورنس العرب، على مسألة الدور المحوري الذي يمثله مثقال في فهم القوة الحالية لسلطة الملكية الأردنية.

mideast-jordan-_horo-e1383477127169-635x357
الملك عبد الله الثاني ملقيا خطابا في الجلسة الافتتاحية للبرلمان في عمان، الأردن. يوم الأحد الثالث من نوفمبر، 2013. (صورة محمد حنون أسوشييتد برس)

 

لقد اجتازت المملكة الهاشمية حدثي الربيع العربي –الذي انقلب شتاءً- مؤخرًا وكذلك قيام الدولة الإسلامية بأفضل مما تعامل معهما أيًا من جيرانها العرب الآخرين. وضمّن آلون بحثه ذلك الجدل الدائر بين عديد من الخبراء من أن العلاقة الوطيدة مع قبائل البلاد المحلية –الذين يشكلون نصف تعداد السكان- قد شكلت دورا مفصليا في استقرار جيران إسرائيل الشرقيين.

وقال ألون، الذي التقى مؤخرا مع جريدة (تايمز أوف إسرائيل) الإليكترونية في تل أبيب بُعيد زيارته للأردن، إن كتابه قد تُرجم إلى العربية. لكن ناشره لم يجد أردنيا واحدا مستعدا لترجمة هذه السيرة لأن كاتبها إسرائيلي، إلا إنه في نهاية الأمر وجد مترجما مصريا يقوم بهذه المهمة.

img_45541-195x293
يوآف ألون

 

على ذات النحو، وافق أحفاد مثقال وورثته على منح ألون حق إجراء مقابلات معهم، بعد ترددهم في البداية عن الحديث معه، حيث ما لبث أن أثار عمل هذا الإسرائيلي اهتمامهم الشديد.

وذكر ألون “بما أن جميعهم ينتمون لقبيلة بعينها وهو ما قد يجلب عليهم شبهة التحيز وتضخيم دور قبيلتهم التاريخي، وبما أن لا قبيلة لدي…” وهو يلمح هنا إلى اقتباس للورنس العرب يقول فيه “أنا قادر على فعل ذلك بشيء من المصداقية.”

 

الحوار التالي هو نسخة منقحة ومختصرة من مقابلة أجرتها (تايمز أوف إسرائيل) مع ألون.

 

قبل التطرق إلى موضوع مثقال، هل لك أن تشرح ما الذي كان يجري في الشرق الأوسط خلال بزوغ نجمه؟

 

عندما وُلد مثقال، كانت الإمبراطورية العثمانية المحتضرة تمر بعملية تحديثات وإصلاحات ذاتية. ومن ضمن تلك الإجراءات ممارسة السيطرة على نواحيها البعيدة وتحديدا أطراف الصحراء. وعمل جد مثقال ووالده بقرب شديد مع حكام سوريا العثمانيين، واستفادوا من تلك العلاقة مع الحكومة ليصبحوا أقوى من أسلافهم المشايخ سلطةً ونفوذًا من خلال دمج مركزهم بتركيبة النظام. ونجحوا بتكوين سلالات حاكمة. أما أسرة مثقال فتزعمت بني صخر –حلفه العشائري- بدءًا من منتصف القرن التاسع عشر على أقل تقدير إلى اليوم.

لقد أدّت عشيرة مثقال الفايز مهمة حراسة طريق الحج إلى مكة إلى ما يقرب من سنة 1900. وتكفلوا كذلك بتوفير إمدادات الطعام والمياه والجمال للحجيج. كان هذا هو المناخ الذي ولد في أجوائه.

cimg1165-195x293
صورة لمثقال إلى جانب جمل. مكان الصورة وتاريخها مجهولان.

أخبرنا عن مثقال نفسه: أين ولد؟ وكيف وصل للسلطة؟ وما هي أبرز الأحداث التي كان له ضلع فيها؟

 

لا نعلم تحديدا مكان ولادته. هو ولد حول ثمانينيات القرن التاسع عشر وفي مكان ما من الصحراء في ما قد يكون اليوم الأردن أو سوريا أو السعودية. وقد ترعرع مغتربا عن عائلته لأن أباه توفي عندما كان طفلا صغيرا وعاش مع أمه التي جاءت من قبيلة أخرى. ولم يعد لقبيلته إلا حول سنة 1900. وقد برع في شن الغارات وخوض المعارك وذاع صيته بهذه الطريقة، حيث كانت هذه منصة انطلاق جيدة جدا للإعلان عن مدى جودة قيادته.

أما أول وثيقة مدونة عنه فتعود إلى حول العام 1906، ومنذ تلك اللحظة أصبح يذكر كشيخ بارز. لكنه في الحقيقة حظى باسمه ومكانته أثناء الحرب العالمية الأولى، إن لم يكن قبلها قليلا. وأصبح اليد اليمنى لأخيه الأكبر شيخ عشائر بني صخر آنذاك.

تحالف مثقال في الحرب العالمية الأولى مع العثمانيين لا مع الهاشميين، حكام الأردن المستقبليين.  قدّم نفسه أثناء ذلك الوقت لمنصب الزعامة على التحالف العشائري، فخسره لصالح ابن عمه. غير أن الحكومة العثمانية عوضته عن ذلك بمنحه لقب باشا، وهو اللقب الذي كانت له أهمية بالغة ويتطلع كل رجل مهم للحصول عليه. أعتقد أنه الشخص الوحيد الذي تمتع بذلك اللقب في الأردن آنذاك.

 

إذًا ما هي أهم الأحداث التي اشترك فيها مثقال؟

 

ساعد العثمانيين أثناء الحرب العالمية الأولى على إجهاض الهجمات البريطانية شرقي نهر الأردن من خلال ضمان عدم مساندة بني صخر للبريطانيين.

والحقيقة أنه ثمة قصة تُتداول مفادها أن شيخًا من بني صخر عرض على الجنرال ألنبي المساعدة بهزيمة القوات العثمانية في إمارة شرق الأردن. فصدّق ألنبي عرض المساعدة هذا وأمر بالهجوم على شرق الأردن في شهر أبريل/نيسان 1918، وكانت النتيجة كارثية. فبني صخر لم يظهروا وهَزم العثمانيون القوات البريطانية بسهولة وأجبروهم على الانسحاب إلى غربي نهر الأردن بعد تكبيدهم خسائر فادحة. ليس من الواضح إن كانت هذه حيلة من العثمانيين وبني صخر أو فشلا إستخباراتيا بريطانيا.

تبيّن لمثقال بعد انقضاء أوزار الحرب، وهو الذي تلقى الأموال والسلاح من العثمانيين، أنه راهن على الحصان الخاسر. لكنه كدبلوماسي ماهر دائما، أصلح من علاقاته مع الهاشميين.

edmund_allenby
الفيلد مارشال إدموند ألنبي بعد غزوه للقدس

 

حاول البريطانيون بعد الحرب وأثناء صيف سنة 1920 أن يوسعوا حكمهم من فلسطين وحتى شرق نهر الأردن. فكان مثقال هو الذي بادر بتشكيل المقاومة الأقوى ضد البريطانيين ومنع القوة الاستعمارية العظمى من إقامة حكومات محلية ذات حكم ذاتي.

تعترف التقارير البريطانية في ذلك الوقت أن قوة مثقال فاقت قوتهم. وفي تقرير صدر سنة 1920 على سبيل المثال، يصف ضابط بريطاني مثقال بأنه “وضيع بشع، وما أود سوى أن يُمسح من خارطة شرق الأردن.”

أقدم مثقال ذات مرة على سجن أحد ضباط بريطانيا في إسطبلاته يوما كاملا. وماتزال هذه القصة تدور في الذكريات عنه حتى اليوم في الأردن لتُروى كحكاية مقاومة ضد الاستعمار البريطاني.

لم يمنع تفوق قوة مثقال على البريطانيين من بسط حكمهم المباشر على أرضه فحسب، بل سرعان ما سيمنحه مركزه القوي ميزة صانع الملوك. وكان الرجل أحد أوائل مناصري عبد الله بن الحسين [الذي أصبح لاحقا الملك عبد الله الأول سنة 1946] ودعاه للقدوم من مكة إلى شرق الأردن.

ذهب عبد الله إلى عمان في مارس/آذار 1921 بناء على دعوة الشيخ مثقال الذي أجبر البريطانيين على التعاطي مع الوضع الجديد. كان البريطانيون في ذلك الوقت ملتئمين باجتماع لهم في القاهرة للوصول إلى قرار بالإجراءات التي سيتخذونها حيال أقاليمهم في الشرق الأوسط. فجاءت حكومة فلسطين باقتراح تمثل بطرد جيش عبد الله. وقرر تشرشل الذي تولى آنذاك منصب وزير المستعمرات، أنه يفضل الوصول إلى تسوية مع عبد الله.

 

cairoconference1921
صورة ملتقطة لاجتماع القاهرة سنة 1921. يجلس يمين الصورة ونستون تشرشل وهيربرت صامويل. ووقوفا في الصف الأول من اليسار: غيرترود بيل والسير حزقيل ساسون والفيلد مارشال إدموند ألنبي وجعفر باشا العسكري. (ويكيميديا)

 

كان القرار البريطاني إلى حد كبير نتيجة معارضة مثقال للإمبريالية الاستعمارية ومناصرته التي لا تلين لعبد الله.

لقد أراد الشيخ قدوم عبد الله لسبب جزئي تمثل بإلمام الأمير بكيفية القيام بالشؤون القبلية، لكن ليس لذلك فحسب، بل لأن عبد الله ضعيف أيضا. لم يكن بحوزة عبد الله كثيرا من الوسائل أو جيشا من حوله، فلذلك كان بمقدور مثقال وقومه التمتع باستقلالية أكبر.

 

كم تقريبا عدد الرجال الذين كانوا تحت إمرة مثقال في تلك الفترة؟

 

 

هذا جوهر الزعامة القبلية ومحط الاهتمام بها. فالشيوخ لا يصدرون الأوامر، بل يجب أن يحكموا أفراد قبيلتهم بالتوافق ويقودونهم بإطلاق النموذج الصالح.

 

لو كان بحاجة إلى قوة على الأرض، فكم جنديا يستطيع أن يجمع في تلك المرحلة؟

 

من الناحية النظرية، عدة آلاف من الرجال. أما عمليا، فهذا الأمر يشوبه التعقيد والصعوبة. ليس بمقدور معظم الشيوخ، بما فيهم مثقال، سوى أن يستدعوا بضع مئات من الرجال في كل مرة على حدة.

 

وأين تمركزت قوة مثقال تحديدا؟

 

في منطقة عمان، فقد كانت آنذاك مجرد قرية صغيرة يقدر عدد سكانها بين 3 إلى 5 آلاف نسمة. نصفهم من الشركس والنصف الآخر تجار. ومن أسباب تمتعه بالقوة في عمان أيضا زواجه من ابنة العمدة. ثم أصبحت عمان لاحقا العاصمة، وهو ما زاد من نفوذه في البلاد.

abdullahofjordan-195x293
تتويج الملك عبد الله في عمان. (من يمين الصورة) الملك عبد الله ثم الأمير عبد الإله (وصي عرش العراق) ثم الأمير نايف (أصغر أبناء الملك عبد الله) (ويكيميديا)

 

إذًا ما الذي حدث بعد قتاله للبريطانيين في الحرب العالمية الأولى ثم مساعدته عبد الله للوصول إلى السلطة؟

 

ساعد عبد الله بتعزيز سلطته، وأصبح الشخص الأقرب له في شرق الأردن. وعلينا أن نضع في الاعتبار أن عبد الله غريب عن هذه المنطقة كونه جاء من مكة. فكان بحاجة إلى ضرب جذوره عميقا في البلاد، ومثقال هو حليفه المقرب. لكن علاوة على ذلك، لم يمتلك عبد الله جيشا حقيقيا. ولذلك أصبحت قبيلة مثقال بطريقة أو بأخرى الجيش الفعلي للبلاد لاسيما وأن مخيماتهم قريبة من عمان وأن أعداءهم الرئيسين كانوا في الواقع السعوديين.

فمُنح مثقال نظرا لمعاونته عبد الله عديدا من المكافآت. فقد أعطاه سيارةً وسائقًا، واستثناه وأفراد قبيلته من دفع الضرائب، ووهبه أرضا، وهي المكافأة الأكثر أهمية. وغدا مثقال جراء ذلك أكبر مالك للأراضي في البلاد. وامتلك عند أواخر حياته ما يقرب من 120 ألف دونم (ما يساوي 30 ألف فدان). وبلغ مثقال خلال عشرينيات القرن العشرين ذروة قوته، وكان الرجل الثاني بعد عبد الله، أو ربما أقوى منه بأشكال عديدة.

 

حضر مثقال بنفسه ذات مرة إلى فندق الملك داوود في القدس لمقابلة حاييم وايزمان رئيس المنظمة الصهيونية الذي سيصبح أول رئيس لإسرائيل. ماذا كان فحوى اجتماعهم، وما هو الدور الذي أداه مثقال للصهاينة؟

 

خلال الثلاثينيات  تعرض مثقال لأوقات عصيبة. فقد عانت شرق الأردن من أزمة إقتصادية شديدة وسنوات عديدة من الجفاف وتداعيات الأزمة الإقتصادية العالمية. وأصبحت الحكومة كذلك –تحت الحماية البريطانية- أكثر تدخلا في الحياة القبلية.

وامتلك مثقال قطعة أرض كبيرة، لكن معظمها تُرك بلا فلاحة، وقد تراكمت عليه الديون. فبحث عن مشترٍ لأرضه. وتصادفت هذه الأزمة مع الاهتمام المتجدد للوكالة اليهودية بأراضي شرق الأردن.

إن الوكالة اليهودية لم تتقبل قط الورقة البيضاء لسنة 1920 عندما استثنت الحكومة البريطانية فلسطين شرقي نهر الأردن من وعد الوطن القومي لليهود. وسعت الوكالة اليهودية لاستغلال أزمة إمارة شرق الأردن الإقتصادية لتسويتها. وهنا تقاطعت مصالح مثقال والحركة الصهيونية.

لقد صُنف مثقال ضمن أوائل ملاك الأراضي في البلاد الذين تواصلوا مع الوكالة اليهودية.

 

هل أجرى اتصالا مع الصهاينة أولا؟

 

نعم، فأحد مهندسي الوكالة اليهودية كان يقوم بمسح لأرض في شرق الأردن، فسمع به مثقال وتوجه نحوه. ربما لم يعلم أنه مرسل من الصهاينة في ذلك الوقت بل مجرد شخص مهتم بأرضه. ولم يمضِ وقت طويل حتى انكشف إلى العلن ما بدأ على أنه علاقة سرية. وقد تصادف هذا أيضا مع علاقة عبد الله مع الصهاينة، إذ منح إثنين من الوكالة اليهودية سنة 1933 حق تأجير أرض يمتلكها في وادي الأردن. وكان يُفترض أن يظل ذلك طي الكتمان بيد أنه تسرب إلى الجرائد الفلسطينية وتسبب باضطراب كبير.

weizmann_and_feisal_1918
حاييم وايزمان (يسارا) والأمير فيصل الأول (ويكيميديا كومونز)

 

قاد مثقال في ذلك الحين مجموعة من الملاك وزعماء القبائل الآخرين ممن حاولوا استثمار حق البيع والشراء اليهودي. وتواصل كثير من الشيوخ القبليين في البلاد مع الحركة الصهيونية، بيد أن مثقال كان أكثرهم مواظبة وبرز كقائد لتلك المجموعة، وتميز بكونه أوطد الأردنيين علاقةً مع الوكالة اليهودية. وهذا الذي يفسر قدومه إلى فندق الملك داوود سنة 1933.

 

من الذي دعاه لفندق الملك داوود؟

 

الوكالة اليهودية. وهو قد تمتع بعلاقة وطيدة مع حاييم أرلوصوروف. ثم مع خلفه موشيه شاريت بعد إغتيال أرلوصوروف.

kdhotel

فندق الملك داوود في القدس (ويكيميديا كومونز)

 

 

وتكرس الهدف من اجتماع فندق الملك داوود بالنسبة للزعيم الصهيوني بالبرهنة للبريطانيين أن ثمة تأييدا في شرق الأردن لفكرة المستعمرة اليهودية في بلادهم.

 

هل روّج الصهاينة لاجتماعهم مع مثقال وأعلنوا عنه؟

 

جرى ذلك علنا وبانفتاح. فمثقال كان يأتي إلى مكاتب الوكالة اليهودية ويدخلها سواء في القدس أو تل أبيب وقد زاره المسؤولون الصهاينة في الأردن.

أما الشيء العملي الوحيد الذي تمخض عن هذه الاجتماعات فتلخص بوضع رهن على أرضه بتسجيل الوكالة اليهودية. وحتى اليوم، هذا هو أساس كل الشائعات التي تحوم حول بيع مثقال إرضه لليهود. في حين أنه لم يبع أية أرض قط لليهود.

 

لماذا لم يبع الأرض في النهاية؟

 

لأن البريطانيين رفضوا السماح للصهاينة دخول شرق الأردن. وبما أن ذلك لم يجدِ نفعا، على الرغم من استمرار مثقال بالضغط على الصهاينة المعنيين بالترويج للمشروع، إلا أنهم أدركوا في نهاية المطاف ألا قدرة لهم بإقناع البريطانيين بذلك.

مع اندلاع شرارة الثورة العربية في فلسطين سنة 1936، تنبه مثقال لحلفاء جدد. فسرعان ما أصبح مناصرا متحمسا للقضية القومية الفلسطينية في شرق الأردن.

لم يكن هناك أثناء ذلك الوقت وجود للقومية العربية في شرق الأردن. فلأي شيخ أن يعمد إلى الانتفاع من أي وضع لزيادة عقود بيعه وشرائه وموارده، ولذلك أمكنه أن يعقد الصفقات مع الصهاينة وأمكنه عقدها مع الفلسطينيين كذلك.

 

ما الذي كان يمكن أن يربحه من الفلسطينيين؟

 

فائدتان إثنان: أولاهما، أنه تمادى كثيرا بعقد صفقاته مع الصهاينة علانية. ونظم بعد اجتماع الملك داوود مؤتمرا في منزله في عمان وانتهى بفشل ذريع، إذ لم يحضر إليه كثير من الناس وتعرض للحرج من قبل الحكومة الأردنية. فهو لذلك فقد بطريقة ما مؤهلاته وبريقه.، ولهذا السبب سمحت له الحركة الفلسطينية بتحسين موقفه أمام العالم العربي.

palest_against_british
صورة للثورة العربية في فلسطين 1933-1936 (ويكيميديا)

 

أما ثانيهما، فتمثلت بالمكاسب المالية التي جناها من الحركة القومية الفلسطينية. وأخيرا، برهن مثقال لأبناء قبيلته، من خلال تحدي البريطانيين وعبد الله، الذي عارض دعم الفلسطينيين عسكريا، أنه ليس بذلك الإمعة ولم يفقد استقلاليته.

 

هل قاتل أي من رجال مثقال الصهاينة؟

 

كلا، بل أصدر بيانات للجرائد وحضر للزيارة للإعراب عن دعمه، واستضاف لاجئين فلسطينيين في معسكره ومنزله. ومع ذلك، حشد كثيرا من أفراد قبيلته للقتال جنبا إلى جنب مع الجيش الأردني في حرب 1948 في فلسطين.

 

هل لمثقال مواقف أخرى مع الصهاينة؟

 

الحالة الأخيرة حدثت سنة 1943، عندما أبدت الوكالة اليهودية اهتماما في أرض أردنية. وهذه المرة ليس من أجل الاستيطان أو الهجرة اليهودية بل للتفكير بنقل الفلسطينيين إلى هذه المنطقة. لم يكشفوا هذه الفكرة للشيخ . ومرة أخرى، لم ينتج شيء عنها، إلا أنهم دفعوا لمثقال مبلغا جيدا نظير أتعابه. وعلى مدار ارتباطاته مع الوكالة اليهودية، كان يستغل الصهاينة ورؤوس أموالهم. فهو ممن كان لهم منظور مفرط حيال الموارد المالية للصهاينة، كغيره من الكثيرين في المنطقة.

في نهاية الأمر، ربما قد استلم بضع آلاف من الجنيهات من الصهاينة نظير أتعابه، وهو مبلغ كبير آنذاك.

 

يثير كتابك جدلا حول الصلة بين نفوذ قبيلة مثقال وقدرة النظام الملكي الأردني. ما هي العلاقة الراهنة بين بني صخر والنظام الهاشمي الحالي؟

 

يُنظر لبني صخر كأحد أعمدة الدعم للنظام الهاشمي. وكان مثقال حليفا مقربا للأمير والملك القادم عبد الله، وابنه عاكف كان مقربا جدا للملك حسين. تعين على حسين سنة 1957 اجتياز محاولة انقلابية في الجيش. وتلقى ابن مثقال نبأ بذلك من أحد ضباط بني صخر في الجيش، فأبلغ الملك وذهبا معا إلى معسكر الجيش وواجها الضالعين في الانقلاب. وفي ذات الوقت، حشد ابن مثقال ألفي رجل من البدو المسلحين وتوجهوا لعمان لحماية الملك. ونظير ذلك، نُصّب ابن مثقال كأول وزير بدوي في الحكومة.

mithqal-and-king-hussein-2-1
صورة للملك حسن مع الشيخ مثقال. تاريخ الصورة ومكانها مجهولان.

 

أما حفيد مثقال، فيصل الفايز، فهو مقرب جدا للملك الحالي للأردن عبد الله الثاني، وقد خدم في جميع المراكز الحكومية التي تُمنح في الأردن لغير أبناء الأسرة الهاشمية، كمناصب رئيس البلاط الملكي ورئيس الوزراء ورئيس المجلس النيابي. وهو يشغل حاليا موقع رئيس مجلس الشيوخ.

واجه الملك عبد الله الثاني في خريف سنة 2012 –ذروة الربيع العربي- أعظم تحديات فترة حكمه على الإطلاق. فالأردنيون الذين أصابهم الإحباط من المشاكل الاقتصادية المزمنة والإيقاع البطيء للإصلاحات السياسية والاقتصادية، نزلوا إلى الشوارع، وهتفوا بشعار “تسقط الحكومة!” وهو الهتاف الذي انطلق من ميدان التحرير في القاهرة وترددت أصداؤه في شوارع عمان.

أعلن فيصل الفايز أثناء ذروة المظاهرات في نوفمبر/كانون الأول وفي بث مباشر على التلفاز أن بني صخر “سيقطعون يد” كل من يسعى لتقويض سلطة الملك. فسرعان ما اختفت المظاهرات ولعب تهديد فيصل دورا كبيرا في تضاؤلها.

 

هل فعلا حدّت هذه التحركات من زخم الربيع العربي في الأردن؟

 

كلا، ليس هذا لوحده. إنما قادت تحركات الربيع العربي في الأردن مجموعات من المحيط القبلي والعشائري، فتعين على الملك أن يظهر للعلن أن أغلب القبائل تؤيده وتدعمه. وهذا يبرهن على أن دعم قبيلة بني صخر ومساندتها له مسألة هامة جدا.


رابط المقال بلغته الإنجليزية: من هنا
الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s