عن فيلم “صمت” الياباني 1971: المسيحية ممنوعة في اليابان وصمت ربها عن ذلك

 قدم المخرج الياباني ماساهيرو شينودا رؤيته السينمائية لرواية شوساكو إندو الشهيرة بعنوان 沈黙أو “صمت” وذلك بفيلمه الذي أنتج سنة  1971. وأدى دور القسيس البرتغالي سباستيان رودريغيز الممثل والمؤلف الأمريكي ديفيد لامبسون ودور كريستوفاو فيريرا الممثل الياباني المعروف تيتسورو تانبا.

001e11a5

silence-shusaku-endo

تعد رواية إندو من أعظم الأعمال الروائية التاريخية في العصر الحديث، وتتحدث عن وقائع تاريخية حقيقية في اليابان وفي القرن السابع عشر تحديدا حيث يصل قسيسان برتغاليان شابان خفية للشواطئ اليابانية بحثا عن قسيس سبقهم إلى اليابان قبل ثلاثين عاما وكون كنيسة يسوعية محلية  لكن أخباره انقطعت تماما بعد حظر المسيحية في اليابان، فترسلهما الكنيسة الكاثوليكية (ولا نعلم تحديدا الجهة التي أرسلتهما هل هي الكنيسة البابوية في روما أو فرعها في لشبونة) لستعلم عنه وعن الكنيسة اليابانية. لكن مسألة تجسيدها للسينما تختلف باختلاف المعالجة والتناول، غير أن مجرد محاولة التجسيد سينظر له بعين الثناء والقبول. أما الفيلم الذي أخرجه شينودا فيعد من الروائع التي تدرّس في عالم السينما. فانعكاس لقطات الفيلم على نفسية الشخصية الرئيسة وهو القسيس الشاب رودريغيز عجيب إلى حد بعيد، إلى أن يخيل لنا أن الشخصية ذاتها هي للسيد المسيح نفسه -بملامحه النمطية في الفكر الغربي وحزنه وقنوته حسب كل لقطة على حدة- إثر توظيف درامي غير مفتعل وعميق. وتميز العمل بلوحات بصرية عن مناطق اليابان وجمال جغرافيتها. وظهرت لحظات السكون والترقب المشوب بالحذر في بداية الفيلم إلى أن تتصاعد الأحداث وتتوالى ويقع التأثير الصادم عند الذروة. أما توظيف المطر والألوان في الفيلم فهي عادة احترافية يابانية يتفوقون بها على أقرانهم السينمائيين في بقاع العالم الأخرى.

silence1

لكن فيلم شينودا يتجه دراميا إلى ما هو أعمق وأبعد من ذلك. فالحبكة وشخصياتها تبتعد عن السطحية ابتعادا ملحوظا. فالأشرار بالعمل ليسوا أشرارا بالمعنى النمطي التقليدي ليمنعوا المسيحية ويضطروا لاضطهاد أتباعها فقط لرغبة ونزوة، بل لديهم مبررات أخلاقية وقيمية قوية لتفسير ما يقومون به من عمليات اضطهاد منظم في اليابان. كما أن أبطال العمل لا يخلون من الوقوع في عيوب واضحة أو سذاجة شديدة. فالمسألة ليست بسهولة نشر دين والتبشير به وانتهى. فالمسألة التاريخية التي يعالجها العمل الروائي أعقد من ذلك بكثير.

silence-pdvd_012
silence-4

يتضح لنا أن اليابان كانت تغلي قبيل ذلك الزمن حيث خرجت لتوها من حرب أهلية دامية بين توكووغاوا وتويتومي وأتباعهما من الأمراء والساموراي ولم تنقضِ أوزارها إلا بعد معركة سيكيغاهارا سنة 1600. وكانت اليابان آنذاك في أمس الحاجة إلى الهدوء والاستقرار بعد الدمار الذي سببته تلك الحرب الدامية بل الحاجة الشديدة إلى “الصمت” كما هو عنوان الرواية. لكن ما حصل تاليا جلب لليابان متاعب أخرى بسبب تصارع المسيحيين الأوروبيين على فتح أبوابها، مما اضطر حكام اليابان إلى إتخاذ أغرب قرار في التاريخ.

 

700px-print_commodore_perry

 

لن يسهل فهم خلفية الرواية والفيلم إلا بعد معرفة الأحداث التي سبقته ألا وهو ما أطلق عليه “تمرد شيمبارا” الذي وقع أواخر سنة 1637، وتمخض عن مقتلة كبرى بين اليابانيين. وفي النهاية قرر حكام اليابان إتخاذ القرار الأغرب، ألا وهو “سياسة الانعزال الوطني” 鎖国 الذي صدر سنة 1639 وطبق بكل صرامة منذ ذلك الحين وحتى 1850. منعت اليابان أي تواصل مع الخارج بناء على هذا القرار، وهو ما أدى إلى مشاكل لاحقة يصعب ذكرها في هذه السطور.

49400943-cached
silencecover

من جانب آخر، قدم المخرج الأمريكي المعروف مارتن سكورسيزي رؤية جديدة لرواية “صمت” لإندو شوساكو عبر فيلم يعرض الآن في دور السينما العالمية. وكنت أنتظر أن يعرض الفيلم على صالات سينما الكويت، لكنني تفاجأت بمنعه رقابيا كما يبدو. فالفيلم تجاهلته شركة السينما الوطنية، ثم ذكر موقع شركة غراند الحمرا أنه سيعرضه، لكن مع وصول موعد العرض دهشت من عدم عرضه على سينمات الحمرا. فمن الواضح أنه مُنع. فعيب يا رقباء هذا الكلام، تسمحون بأفلام تافهة كثيرة وعندما تأتي أعمال عميقة تمنعونها بلا مبرر. وعجبي!

2 responses to “عن فيلم “صمت” الياباني 1971: المسيحية ممنوعة في اليابان وصمت ربها عن ذلك

أضف تعليق