هذا ردي على ما فعله صاحب ملتقى الأدباء والمبدعين العرب محمد شعبان الموجي من إقدامه على حظر الأستاذ العلامة الدكتور عبد الحميد مظهر حفظه الله:
========================
يبدو أن من السهل إلقاء أي كلمة وتأويلها ذاتيا وحسب الهوى والمزاج هذه الأيام، والأدهي والأمر أن يتم ذلك عبر الإيهام أن هناك قانونا بالملتقى يخول لصاحبه حذف ما يشاء من مواضيع وردود. والحقيقة أن هذا القانون لا يوجد إلا في مخيلة الأستاذ صاحب الملتقى. أما الكلمة التي أشار إليها صاحب الملتقى فهي “التطاول”. أي إن الدكتور عبد الحميد مظهر تطاول (ولا نعلم على من تحديدا!) وأن مكانته العلمية “لا تمنحه توقيعا على بياض في التطاول على الآخرين وتوجيه الإهانات المتكررة والمتعمدة للملتقى ككل” على حد زعم صاحب الملتقى. والحقيقة أن هذه ورطة كبيرة أوقع السيد صاحب الملتقى نفسه بها. فهو هنا يشعر بأن الضيق الذي تولّد في نفسه من أسئلة الدكتور مظهر العميقة والمحرجة هو ضيق موجود بنفوس كل من بالملتقى! فكيف عرف بذلك؟ وهل دخل بنفوسنا جميعا لكي يوقن أننا جميعا نشعر بالإهانة على حد وصفه؟ أم أنه وجه رسائل خاصة للجميع وعرف منهم أنهم يشعرون بالإهانة المزعومة من “تطاول” الدكتور مظهر؟ ألا يذكركم هذا أيها الناس بما ورد بآيات الذكر الحكيم
{قَالَ فِرعون مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} غافر: 29
فهذا يتجاوز زعم الاطلاع على نفوس الناس، ويتعدّاه إلى استغلال ذلك لأخذ تفويضهم لعمل ما لم يتفقوا عليه أو يصرحوا به (على غرار تفويض السيسي المشؤوم، سبحان الله!) وهي طامة حظر الدكتور عبد الحميد مظهر وكأنها مسألة ستمر مرور الكرام على الناس الذي يفترض بهم سهولة الانقياد والمهادنة. فلا ورب الكعبة، ولا خير فينا إن انبطحنا لذلك.
وإذا كان المقصود بـ”التطاول” هو التناول بالتحليل ما قام به الجنرال السيسي من عمل أودى بالبلاد إلى هاوية مجهولة، فهو قصد مغرض ويأبى النقاش التحليلي العلمي والموضوعي لواقع الأمة وما تواجهه من تحديات كبرى.
ثم أين هو “قانون المكان” هذا الذي حكم به صاحب الملتقى على الدكتور مظهر ليحظره بناء عليه؟ وما هي مواد هذا القانون ومتى استُفتي عليه ومن الذي استفتى به وصوّت؟ وكيف أُقرّ ومتى نُشر؟ أم أنه فرمان “ليذهب الملتقى للجحيم…” الذي أصدره صاحب الملتقى بنفسه مؤخرا؟ والغريب أنني أتذكر أنه خلال معظم عامي 2011 و2012 طالب الكثيرون (ومحدثكم منهم) بضرورة وجود قانون يمنع كميات السباب والشتائم البذيئة التي تفشت إثر الثورة السورية من الشبيحة والنبيحة المزروعين بالملتقى، فماذا فعل صاحب الملتقى آنذاك؟ ضرب كل هذه المطالبات عرض الحائط، وقال “لا، أنت حر ما لم تضر”. ولمّا نعرف بعد ما هو معنى الضرر ومتى يكون وكيف؟ وما هو مقياس الحرية المأمول هنا؟ وهناك من يجادل أنه “قانون الهوى والمزاج”، ولا أعلم كيف يمكن دحض هذا الجدل بعد واقعة حظر الدكتور عبد الحميد مظهر التي لعمري اعتبرها زلزال يهز أركان الملتقى بأسره، بل هي واقعة قد تهدم المعبد على من فيه.
أنا هنا لا أخاطب صاحب الملتقى الذي اتخذ خطا هو حر فيه ولا ألزمه برد أو جدل لا طائل من ورائه، لكنني أخاطب أعضاء هذا الملتقى وروّاده، وأشعر بالأسف الشديد على مستوى ردودهم المجاملة لصاحب الملتقى والتي لا تسمي الأشياء بمسمياتها. فوالله الذي لا إله إلا هو لم يُضِعنا ويودي بنا إلا هذه المجاملات والمهادنات التي ما أنزل الله بها من سلطان. ولا أعلم أسبابها، هل هو شعور بالحنين لهذا المكان الذي تجمعوا به فترة من الزمن؟ أم هو تعلّق بشخصيات محترمة ألفوها وعاصروها بهذا الملتقى؟ أم هي أسباب أخرى لا أعرفها؟ كل هذا لا يغني عن الحق بشيء، فأرض الله واسعة والأماكن والمنابر الحرةكثيرة، فقسما بالله أنني هجرت أصدقاء أعزاء كثر عندما وقفوا مع الظالمين والمجرمين وليس بناء على خلاف بالرأي يتسع لدائرة الخلاف والحوار، فأحمد الله أنني لا أدنّس أذناي وعيناي بمشاهدة الكذب والدجل، هكذا خلقني الله تعالى وإليه سأعود لأحاسب وأحاكم على ما تلفظ به لساني وخطته يداي وما نويته في قلبي وضميري، فهذا مصير أمة أيها الناس ومسألة شرف وضمير، فهل نسمح بأن يتلاعب بها الجهلة وعميان القلب والمأجورين والعملاء والخونة؟ هذه هي مسؤولية كل إنسان شريف حر منكم، وسيسألكم الحق تعالى يوم لا مفر لكم منه “لماذا لم تقل كلمة حق بوجه كل من تجبر وطغى في الأرض؟” و”لماذا لم تقف بوجه أعوان الظلمة وسحرة فرعون وأشباههم وأزلامهم؟” كلنا سنموت غدا ونحاكم المحاكمة الكبرى.
اليوم عبد الحميد مظهر، وغدا غير عبد الحميد مظهر. فلا تقولوا آنذاك “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”. وبالأمس لم يكن هناك قانون، واليوم ظهر علينا “قانون مكان” من حيث لا نعلم.
فأقولها لك يا سيد محمد شعبان الموجي: احظرني كما حظرت الدكتور عبد الحميد مظهر، احظرني من قبل أن أقول لك كلاما لا يليق بتربيتي وجميل صبري على المكاره والجحود واللؤم. احظرني “والوجه من الوجه أبيض” كما نقول بلهجتنا البدوية، أي أن رايتي منك بيضاء، احظرني فأنا أود أن ألقي بنفسي بنار عبد الحميد مظهر ولا أتمنى الاستلقاء بجنّة محمد شعبان الموجي ونعيمه. فاحظرني الآن أفضل لي ولك.