(رومان بولانسكي) و(توماس هاردي) والطبيعة والتشاؤم – ترجمة فيلم Tess 1979

أقدم لكم موضوعا يتعلق بالأدب الإنجليزي وعصر الحداثة والانفتاح نحو القرن العشرين بكل ما تضمنه من تجسيد لحرية الفكر وتعزيز لآفاق الفن الإبداعي وتشخيص لهوية الإنسان وآماله وتطلعاته وتوقه نحو التخلص من قيود الظلام والتخلف. عمل أدبي، لكنه يفتح الباب مشرعا نحو دراسة وصول حرية الفكر لمستويات متطورة بآخر قرون الألفية الماضية، رغم المبالغة باستخدامه في بعض الأحيان.

Tess

تــِــس

و(تــِــس) هو الاسم المختصر أو “الدلع” لـ(تيريزا) وهي الشخصية الرئيسية لهذا العمل المقتبس من رواية الأديب الإنجليزي المرموق توماس هاردي المعروفة بعنوانها الأصلي Tess of the d’Urbervilles. والعمل السينمائي من إخراج المخرج الكبير رومان بولانسكي، ومن بطولة النجمة الألمانية ناستازيا كينسكي ومجموعة متميزة من النجوم الإنجليز. نال الفيلم استحسانا فنيا ونقديا كبيرا وفاز بعدد كبير من الجوائز كان من أهمها 6 ترشيحات للأوسكار عام 1981 وما يزيد عن جائزة وترشيح آخرين.

 

وحين نتحدث عن هذا الفيلم الهام في مسيرة رومان بولانسكي، فلا بد أن ندرك طبيعة اختيار العمل الروائي بحد ذاته. لقد تحدثنا فيما سبق عن المأساة التي تعرض لها بولانسكي بعد مقتل زوجته شارون تيت على يد مجموعة ترويعية قادها شخص باسم تشارلز مانسن. وقصة الجريمة طويلة ومعقدة ولا نود الخوض بتفاصيلها، المهم أن زوجة بولانسكي قتلت بشكل بشع وهي حامل بجنين بالشهر الثامن. وهذا بالتأكيد ما يعتبره بولانسكي كارثة وطامة أثرت بشخصيته وجعلته يتجه نحو صبغة من السوداوية والكآبة وحتى الدموية بأعماله التالية على الجريمة. وهنا سنأتي لمصطلح التشاؤم الذي سيتشارك به مع الأديب توماس هاردي. “التشاؤم” Pessimism هو مصطلح فلسفي عموما لكنه ينسحب أيضا على الفن والأدب. ولا شك أن الأحداث التي مرت على بولانسكي جعلته يعالج هذا المنظور بناء على تجربة شخصية، ولا يمكننا تجنب هذه الفكرة لا سيما وأن بولانسكي عرضها بوضوح منذ بداية الفيلم عبر تسطيره إهداء خاصا لروح زوجته شارون التي ذهبت كضحية لا ناقة لها ولا جمل بسلسلة الجرائم التي وقعت آنذاك. و(تس) ستمثل البراءة بعيني بولانسكي باسقاط مباشر لنظرته عن فترة زواجه القصيرة بشارون تيت والتي وصفها بولانسكي “أجمل أيام حياته”. وبالتالي استحضر مأساة تراجيدية ليجسد بها معاناته الشخصية.

39b8714b30cadbb396b6d00f110efa3f

رومان بولانسكي بموقع تصوير فيلم (تس)

 

roman_sharon
رومان بولانسكي
مع زوجته المغدورة شارون تيت

تميز العمل بعرض الأجواء الإنجليزية إبان العصر الفيكتوري، ومن أهم ما حاول المخرج تسليط الضوء عليه هو الطبيعة وعناصرها الجميلة والهادئة وكذلك عواملها الوحشية والكئيبة. ورغم أن المخرج حاول إبراز ذلك جاهدا إلا إن قراءة الرواية أفضل وأدق بكثير لفهم الصورة التي يريد وضعها هاردي أمام القاريء ذو الخيال الواسع والخصب. أما بالنسبة للأداء التمثيلي فكان مناسبا بشكل عام، ولكن اختيار نستاسيا كينسكي للدور لم يكن موفقا للدور، فلا اعتراض على امتلاك كينسكي لمعالم البراءة والوداعة في قسمات وجهها وأفعالها العفوية، ولكنها لم تخلق أمامي انطباعا كاملا عن شخصية (تس) وكامل معاناتها وتحولها من البراءة الشديدة وقسوة الطبيعة عليها وتفاعل هذا مع شخصيتها وتحولها إلى وضع جعلها ترتكب ما قامت به. لا يمكنني تفسير الاختيار سوى ما قرأته من علاقة المخرج بنستازيا كينسكي بتلك الفترة. والنزوات حين تتملك المبدع فهي مشكلة عسيرة. ولعل النزوات وماضيها لدى بولانسكي لا زالت تطارده إلى هذا اليوم بعد الاتهام الشنيع الذي وجه له بتهمة اغتصاب قاصر مما جعله يهرب من أمريكا بعد صدور حكم غيابي عليه. ولا يستطيع دخول هذا البلد إلى اليوم. وبالتالي، فإن اختيار هذا العمل من بولانسكي واختيار شخصياته يعبر عن حالة خاصة به ويعبر عن تصوره لفكرة التشاؤم بشكل إبداعي ومقتبس من الفن الأدبي.

 

 

 

توماس هاردي… والطبيعة… والتشاؤم

 

أولا اسمحوا لي بتقديم الشكر الجزيل للدكتور جمال بورسلي الأستاذ بقسم اللغة الإنجليزية وآدابها بكلية الآداب جامعة الكويت على تعاونه الطيب معي عبر تقديم محاضرة صوتية عن علاقة الأديب توماس هاردي بالطبيعة وكذلك بعض الملامح الأدبية برواية (تس دربرفيل) وهي بصوت البروفيسور تيموثي سبيرجين استاذ جامعة لورنس بالولايات المتحدة الأمريكية. فشكرا جزيلا يا د. جمال بورسلي.

يعدّ توماس هاردي من أهم أدباء وروائيي العصر الفكتوري Victorian Age، وبالرغم من تصنيفه لنفسه كشاعر بشكل أساسي دخل مجال كتابة الرواية لأسباب مادية وكمصدر للرزق، إلا أن رواياته هي من أسهمت بشهرته وشيوع اسمه كروائي مميز. ورواية Tess of the d’Urbervilles من أهم رواياته على الإطلاق. وقد أعاد ذكر هاردي بي إلى الوراء مدة 12 عام تقريبا حين درست رواية أخرى له بعنوان Far From The Madding Crowd عبر مقرر “الأدب الحديث” الذي درسته الاستاذة الفاضلة د. زهرة حسين. وسنجد أن الفكر الذي قام به هاردي واشتهر به يحمل سمات مميزة لتلك الفترة. ولعل الفكرة الرئيسية التي يعالجها هي “التشاؤم” وذلك من منظور أدبي وإبداعي. وإذا تمعنا بحياة توماس هاردي الشخصية قليلا فلن نستغرب هذا الأمر. ولد هاردي عام 1940، وبدأت مسيرته مع التشاؤم منذ ولادته حيث ظنوه جنينا ميتا بلا حراك، لولا أن إحدى القابلات انتبهت له ولأنفاسه الضئيلة، فكـُتبت له الحياة بمشقة. ثم تلقى تعليما جيدا، لكنه كان على خلاف أقرانه الأدباء منطويا ويشعر بالاغتراب. اعتلت صحته بفترة وسيطة من حياته مما جعله يفضل ويلجأ لحياة الطبيعة والريف. وكان هاردي متدينا ببداية حياته ثم ما لبث أن فقد إيمانه بالعشرينات من عمره وأمعن بدراسة نظرية تشارلز داروين للتطور والانتقاء الطبيعي. أما ما كرس من حزنه فهي قصة زواجه الحزينة، حيث لم يعمر زواجه سوى بضعة سنين حتى انفصل وانعزل. فأدى هذا إلى تكريس فكرة التشاؤم برواياته لا سيما الأخيرة منها مثل موضوع روايتنا اليوم والرواية المذكورة أعلاه وكذلك رواية The Mayor of Casterbridge وغيرها من الأعمال الروائية. وبالتالي فإن هاردي يجيد طرح الأعمال التراجيديا وخلق النهاية المأساوية لأبطاله، ومن المثير أن نعلم أن التراجيديا لم تكن منتشرة كثيرا بمنتصف العصر الفيكتوري وحتى بداية القرن العشرين وقليل من الكتاب مارس هذا الصنف الأدبي، ولعل من بينهم الكاتبة الشهيرة -التي تبنت اسما أديبا ذكوريا- جورج إيليوت والتي كانت تتشارك مع هاردي طرح أفكار خيبة الأمل والفشل. وكانت هناك عوامل إحباط تسود الكتاب عموما بسبب القيود التي فرضت على المطبوعات الروائية، ويتحدد السخط من قبل الروائيين بقضية الرقابة على طرح قضايا جريئة مثل الجنس بالروايات. فدور النشر والمجلات امتنعت عن نشر روايات لا تصلح لكافة أفراد الأسرة. والغريب أن رواية (تس) تدور حول فكرة الرغبات الجنسية، ومن الملحوظ أن هاردي لم يقدم على وضع مشاهد صعبة التقبل ببداية نشر الرواية على حلقات بل انتظر لفترة طويلة أخرى حتى يرى مدى الموافقة على هذا. وقد تم هذا لاحقا بعد وضع فصول الرواية مجتمعة بكتاب واحد. ومن ناحية أخرى، علينا أن ندرك بدقة عندما نقرأ أو نشاهد أعمالا لهاردي أنه لا عدالة شاعرية لشخصياته Poetic Justice فقد ينتهي بهم الأمر لنهاية يشعر القاريء أنهم لا يستحقونها وبهذه القسوة، كنهايات (تس) و(باثشيبا) في رواية Far From The Madding Crowd مثلا. فهي تجعل الطبيعة رغم جمالها وصفائها -عند هاردي- تودي بهم لمآسي محزنة. فشخصية تس تمثل عالم البراءة والطفولة المتناهية، فكيف منطقيا تنتهي هذه النهاية الحزينة؟ قد يتوفر الجواب عند القراءة، ولكن ليس بالضرورة. ومن المميزات الروائية التي يتميز بها أسلوب هاردي الروائي استخدامه لأماكن تخيلية غير موجودة على أرض الواقع، وقد استحضر التاريخ بهذا الجانب من خلال تكراره لمسمى منطقة ويسيكس التي تقع جنوب غرب إنجلترا (اقرأ هنا لزيادة المعلومات بهذه النقطة)، وكانت بفترة ما قبل الفتح النورماندي لإنجلترا من ضمن الممالك السبعة التي تكوّن البلاد ضمن فترة الحكم الأنجلو-ساكسوني، وجميع القرى والبلدات التي يضعها هاردي برواياته هي عناوين واسماء تخيلية لا علاقة لها بأرض الواقع (وقد أصابني هذا الأمر بالحيرة والارتباك عند دراستي لتوماس هاردي بالكلية). وبذات الوقت، فإن عنصرالشر لدى هاردي غير تقليدي، فالشخصيات الشريرة برواياته نجدها محبة ومتعاطفة ومنطقية إلى حد بعيد، وهذه من مميزات توماس هاردي وعلامات تفوقه الفني الأدبي.

غلاف الطبعة الأصلية لرواية
Tess of the d’Urbervilles

الكاتبة والمترجمة ماري آن إيفانز
الشهيرة باسم جورج إيليوت

الخلاصة، أن الفكر الذي يطرحه توماس هاردي غير معتاد وغير تقليدي لا سيما أنه ينتمي لمدارس فكرية مثل المذهب الطبيعي Naturalism والرومانسية Romanticism وكذلك التنويرية Enlightenment وهي مدارس تحمل أفكارا تجديدية وثقافية وشكلت آنذاك تناقضا مع قيم المجتمع وأعرافه المتحفظة. وحين أتحدث عن نفسي فاعتبر أن مدرسة توماس هاردي الأدبية تشكل أهمية بالتاريخ الأدبي، لكني أفضل عنها اسلوب جوزيف كونراد الروائي بكثير، وهو من خلت له الساحة مع مجموعة من الأقلام الجديدة آنذاك بعد أن قرر توماس هاردي اعتزال الأدب قبل وقت طويل من وفاته عام 1928.

 

 

 

تمت الترجمة على النسخ التالية
Roman Polanski 1979 – TESS XviD

نسخة التورنت

Tess.1979.1080p.BluRay.x264-[YTS.AG]

Tess.1979.Dvdrip.Xvid-Unseen

نسخة الروابط المباشرة أدناه

Tess.1979.DVDRip.XviD.iNT-NewMov
—————————————
—————————————
—————————————

———————————–


اتفاق جنتلمان ثلاثي

وبهذا أيها الأخوة والأخوات فإنني أعلن أنني أنهيت جانبي من اتفاق الجنتلمان الثلاثي ما بيني وبين كل من الأخوة الكرام محمد العازمي وسليمان الراشد، الذي كان ينص على ترجمتي لفيلم سيرانو دو برجوراك مقابل أن يقوم الأخ محمد العازمي بترجمة فيلمين آسيويين غير طويلين. وكذلك ترجمتي لفيلم (تس) مقابل أن يقوم الأخ سليمان الراشد بترجمة فيلمين آسيويين غير طويلين. وذلك من أجل أن يستفيد كل من القسمين الأوروبي والآسيوي أقصى استفادة، رغم أن مفاوضات هذا الاتفاق كانت عسيرة للغاية.

رسالة قصيرة: أوجه تعازيي الحارة لضحايا التفجير الترويعي الإجرامي الذي وقع بمدينة الاسكندرية بجمهورية مصر العربية. وأتمنى لأهاليهم أن يلهمهم الله الصبر والسلوان. وأقول للحكومات العربية عموما: فشلتم بتقديم الحرية المكفولة للجميع، وفشلتم بتوفير الرخاء الاقتصادي ومنع الفساد، فهل فشلتم أيضا بتوفير الأمن والأمان للمواطنين؟ وكيف لا تفشلون حين جعلتم من مهمة أجهزة الأمن ملاحقة المنتقدين الذين لا يتسلحون إلا بالكلمة فقط، وتركتم عتاة المجرمين والمدمرين يسرحون ويفجرون. حسبنا الله ونعم الوكيل.

وتقبلوا مني أطيب تحية

فيصل كريم

أضف تعليق