بسم الله الرحمن الرحيم
نصل بكم أيها الاخوة بسلسلة موضوع “جريمة عصرية” بهذا الختام لأحد أواخر أعمال المخرج القدير الراحل (أكيرا كوروساوا) الذي صرخ عبره وعبر عن معاناة مواطني مدينة ناجازاكي المنكوبة بإلقاء القنبلة الذرية الثانية على اليابان في غضون ثلاثة أيام. فكانت بمثابة صرخة جريئة وكشفت أن آثار الجريمة لا تتوقف على الكوارث التدميرية والبيئية والصحية بل تنسحب أيضا على القلاقل والاضطرابات النفسية.
جـريـمـةٌ عــصـريـة (3-3)
Rhapsody In August
مشاعر جيّاشة في أغسطس
Hachi-gatsu no kyôshikyoku



العين الرهيبة تحدق بغضب على المدينة




يقتنص المخرج القصة باقتباس عن رواية قصيرة للكاتبة اليابانية كيوكو موراتا (التي عاصرت أحداث القنبلة كذلك) وهي تدور حول امرأة طاعنة بالسن (ساتشيكو موراسي) ناجية من القنبلة يزورها أحفادها الأربعة بعطلة الصيف ببيتها الذي يقع بقرية على أطراف مدينة ناجازاكي. وهم يكتشفون أن لهم قريبا يابانيا يعيش بأمريكا وبهاواي تحديدا ويريدون الذهاب مع جدتهم لقضاء العطلة بها بعد دعوته إياهم هناك ويدعي هذا القريب أنه أخ لجدتهم. لكن الجدة لا تتذكر تحديدا هذا الأخ لأنها كان لديها ما يزيد عن اثنا عشر أخا وأختا مما يثير دهشة الأحفاد. فأخذت تروي لهم عن بعض هؤلاء الاخوة وما جرى لهم في حياتهم دون تذكر ذلك الاخ الغني الذي ظهر لهم فجأة وهو على شفا الموت. رغم أن ابنها وابنتها رجوها أن تحضر لهاواي حسب رغبة أخيها المريض لكنها بكل احترام لا تتذكره مما يضطر ابنهم كلارك (ريتشارد غير وبشكل غير مسبوق ناطقا باليابانية) لكي يقنعها بالحضور، لكنه بعد أن اطلع على المأساة عرف أن زوج عمته (الجدة) كان من ضمن القتلى بالقنبلة أيقن أنه يتعين عليه الاعتذار عن هذا الفعل الاجرامي القبيح. وكان مجرد الموافقة على هذا الدور بالفعل عملا نبيلا من هذا الفنان الأمريكي الكبير رغم جميع الانتقادات الأمريكية التي وجهت له. وسعى كوروساوا بشكل حثيث على ترك الانطباع بأن مرارة الشعور نحو أمريكا “قد انتهت وأن الملام هي الحرب نفسها” حسب ما تقول الجدة. وكذلك عمل على اظهار الأحفاد بألبسة وقمصان غربية وأن لديهم رغبة بالسفر لهاواي، ليثبت منطقية تناول الأحداث وعدم انجرارها نحو المباشرة بشكل فج. إلا أن الابداع يكمن بتلخيص الصورة والمنظر السينمائي لعموم المأساة، وهذا ما يبرع به كوروساوا حتى وهو في عز الكهولة. أن المشهد الذي يشاهد به الأطفال ذلك الحديد المصهور مع البشر الموجود بالمدرسة التي كانت على مقربة من الانفجار يعبر اداعيا عن مجمل الفيلم بشكل كبير وهو يلخص كذلك أحداث العمل، ويظهر عبره مدى الجزع الذي يصيب الانسان أمام ذلك المنظر المروع سواء كانوا يابانيين أو حتى أمريكيين كما عبر عنه ريتشارد غير. ويقدم لنا الفيلم ملمحا من الرغبة السلبية التي التي انتابت معظم الشعب الياباني بطمر هذه الذكرى وتغييبها عن ضميرهم دون مناقشتها والتعبير عن ما يشعرون حولها من مرارة وحسرة خاصة لأولئك الذين ذاقوا الأمرين منها ومن كارثة وقوعها. ويتمثل لنا ذلك في آباء الأحفاد وأمهاتهم من رغبة لعدم ذكر تلك القضية “الحساسة” لأنها تؤثر على مصالحهم ومنافعهم الدنيوية دون أي اعتبار للضحايا الأموات منهم والاحياء. وهنا وقفت الجدة بصلابة وقالت “أن من لا يريد تذكر ذلك فهو حر، لكننا أحرار أيضا بالتحدث عن هذا الأمر وعلى الآخربين الابتعاد عن الوقاحة عبر اسكاتنا هكذا” وهذا الخطاب موجه أساسا للداخل الياباني ذو المصالح التجارية والاقتصادية وكذلك للامريكان الذين يريدون بأي وسيلة طي هذه الذكرى المخزية. وعدم اعترافهم بمسؤولية هذه المأساة واضح حتى بالفيلم ويتجلى هذا عندما زار الأطفال موقع النصب التذكارية للضحايا في قلب مدينة ناجازاكي والتي ارسالها من معظم دول العالم فيما عدا الولايات المتحدة حيث تساءل أحد الأطفال عن ذلك. والغريب في الأمر أنه كلما فتحنا موقعا في الانترنت يناقش الفيلم يقولون أنه لم يكن متوازنا بعرض موضوع “بيرل هاربر” مثلا! وهو شيء عجيب ويدعو للدهشة فعلا. فعملية بيرل هاربر استهدف بها موقع عسكري للاسطول الامريكي المتجحفل في المحيط الهاديء وكانت ضربة انتقائية صرفة لم يكن ضحاياها سوى من العسكريين الأمريكان. أما قصف هيروشيما وناجازاكي لم يكن سوى استهداف سافر للمدنيين العزل رغبة بلي ذراع الحكومة العسرية اليابانية، فأين وجه المقارنة والتوازن؟! ومن الصور الابداعية لذلك المخرج الفذ هو تشبيه الانفجار وما تلاه من تراكمات انفجارية بالعين الهائلة الضخمة والمرعبة، عبر روايتها للاطفال عن أحد أخوتها الذي انزوى بعد القنبلة وحيدا وظل مستمرا برسم تلك العين أينما حل أو رجل. ومن جانب آخر، يعمل الفيلم على ادخال عامل الطرفة والفكاهة كما هي عادة كوروساوا حتى يدخل المشاهد لشيء من السرور خاصة مع مرح هؤلاء الأطفال وانطلاقهم نحو الحياة. أعتقد اجمالا أن هذا الفيلم قد لا يعبر عن الفكر السينمائي الرائع لأكيرا كوروساوا لكنه يمثل رسالة ابداعية منه نحو كل الأجيال أن مثل هذه الجرائم لا يمكن أن تمحى من الذاكرة ولا يتعاقبها الزمن بأي حال من الأحوال.
الجبل المحيط بناجازاكي الذي منع من ازدياد ضحايا القنبلة رغم أنها أضخم من قنبلة هيروشيما
وبذلك أيها الاخوة ننهي هذه السلسلة من المواضيع المخصصة للذكرى الثالثة والستين لـ”جريمة عصرية” والتي بدأناها عبر هذه المواضيع
مواضيع جريمة عصرية
جريمة 1 – جريمة 2 – جريمة 3
وإلى أن نلقاكم بمواضيع هادفة على كل خير
معلومات عن نسخة الفيلم:
اسم النسخة: Hachi-Gatsu No Rapusodi 1991
الحجم: 745 ميجا بايت
المدة: ساعة 37 دقيقة
معدل الاطارات: 23.976
عدد الاسطوانات: واحدة
التنبيهات: جريمة عصرية (2-3): ذكرى مأساة هيروشيما عار على البشرية! ترجمة فيلم الأنيمي Barefoot Gen | faisal175·
التنبيهات: جريمة عصرية (1-3): تبرير للجريمة الدامية ترجمة الفيلم الوثائقي Japan’s War in Colour | faisal175·