جريمة عصرية (2-3): ذكرى مأساة هيروشيما عار على البشرية! ترجمة فيلم الأنيمي Barefoot Gen

بسم الله الرحمن الرحيم

———————-

أحييكم أيها الاخوة الكرام بأطيب تحية عرفها الانسان في تاريخه، ألا وهي “السلام عليكم ورحمة الله وبركاته”، لكني على غير العادة أجد أن هذا الموضوع ليس من داعي السرور ولا الغبطة بكل أسف ذلك أن هذا اليوم يشكل عارا وطامة على البشرية جمعاء. إنه يوم السادس من أغسطس، ذكرى إلقاء القنبلة الذرية على مدينة هيروشيما ومواطنيها. ولا تزال آثار هذه الكارثة ماثلة أمام الجميع. والصفات الثلاث الواردة بتحيتنا “السلام” والرحمة” و”البركة” لا تدخل أبدا في قلوب من قاموا بهذا العمل قبل 63 عاما. فابتعدوا عن انسايتهم وتجردوا من ضمائرهم إن كان لهم ضمير أصلا.

———————-

جـريـمـةٌ عــصـريـة (2-3)

———————-

Hadashi no Gen

Barefoot Gen

(جــيــن) حافي القدمين

———————-

الحقيقة أن حكاية الفتى (جــيــن) ليست مجرد فيلم مانجا ممتع ومؤلم بنفس الوقت. بل هي وقائع حقيقية لشعب ابتلي بقيادة مجنونة ومتهورة وعدو نزع من ضميره ومن قلبه معاني “السلام” و”الرجمة” و”البركة”. فلم يسلم من شره لا بشر ولا حيوان ولا أرض ولا حتى الحجر. قد يقول قائل “أن هذه حرب وهؤلاء ضحاياها، ووقع قبلهم وسيقع بعدهم الكثيرون…”. فأرد بالقول أن هذا صحيح، لكن هل حدث قط بالتاريخ أن يقوم طرف محارب بإبادة شعب كامل خلال يوم واحد فقط! لا أعتقد أن تشوها ما بضمير الانسان قد حدث كما حصل بهذه الصورة من قبل. وإذا كانت هذه الكفة التدميرية من العلم هي الراجحة فسحقا للعلم وويلاته على الانسان المغلوب على أمره.

وقصتنا ليست لـ(جــيــن) المسكين، بل هي أحداث حقيقية وواقعية لأحد الناجين من أتون هذه القنبلة المهلكة، إنها لـ(كييجي ناكازاوا)

وهو مؤلف قصصي لرسوم (المانجا) لم يدر بخلده أنه سيكتب شيئا ما بيوم من الأيام عن مأساة تلك الحرب التي لا يريد الجميع سوى نسيان أمرها. لكن واقع الكارثة لم يترك مجالا حتى للنسيان. فحين حانت منية والدته في بداية الستينات، ونوى أن يدفنها -فصدقوا يا اخوان أو لا تصدقوا- لم يجد بها عظاما ولا لحما لكي يدفنه، فقد تفتت بها كل شيء حال موتها البطيئ الذي كانت تعاني منه. فاهتاج (ناكازاوا) غضبا وألما، لأنه لم يجد لا “السلام” ولا “الرحمة” ولا “البركة” حتى بحال توديع الذين أحبهم لمثواهم الأخير. فقرر الرجل وهو الرسام والمؤلف القصصي البارع أن يستخدم كل ما لديه من مهارة وجهد أن يوصل رسالته للشعب الذي يحاول الكثيرون طمس معالم هذه الجريمة والتغطية على مرتكبيها المباشرين وغير المباشرين من اليابانيين والأمريكيين على حد سواء. وهذا الفيلم بالواقع هو سيرة ذاتية لهذا الرجل المصاب بماضيه وحاضره ومستقبله. وقد لاقت قصصه التي ألفها بنهاية الستينات من القرن الماضي نجاحا ورواجا هائلا على امتداد سنوات السبعينات والثمانينات واستثمرها لصالح عمل المزيد من هذه القصص بهدف إيقاظ ذاكرة الشعب الياباني وجعلها أعمالا راسخة لا تنمحي من هذه الذاكرة الجماعية Collective Memory . وعلى الرغم من أنه خشي بالبداية من عدم نجاح هذه السلسلة بسبب حكم اليمين لليابان وعدم رغبته بالاشارة لماضي الياباني قبل الحرب العالمية الثانية خشية المطالبات الصينية والكورية عن الفظائع التي ارتكبها بعض اليابانيين وقت احتلالهما. إلا أنها وبشكل غير متوقع لاقت صدىً هائلا لدى الشعب الياباني وعموم العالم إلى يومنا هذا، حيث بعد النجاح المدوي للقصة تم انتاج الجزء الأول لـ”(جـيـن) حافي القدمين” في عام 1983 -وهو العمل الذي نحن بصدده اليوم- ثم تم انتاج الجزء الثاني عام 1986، وقد قيل كذلك بأحد المواقع أنه يوجد جزء ثالث لكن تظل هذه المعلومة غير موثوقة تماما. وقبل ذلك تم عمل سلسلة مانجا للعمل تلفزيونيا. والخبر الجديد أن محطة تلفزيون “فوجي” قررت أخيرا انتاج مسلسل تلفزيوني واقعي بنفس العنوان هذا العام. وهذا يدل على استمرارية ونجاح هذه الفكرة إلى يومنا الحالي، وأعتقد أن مثل هذه الأفكار ستستمر لأن بكل بساطة مرتكب الجريمة لم ينل عقابه إلى الآن. مما يضعنا أمام حقيقة ساطعة ناصعة أن الأمم الحية لا تنسى جلاديها حتى لو مروا بحالة ضعف.

———————-

لكننا حين نتطرق لهذا العمل “(جـيـن) حافي القدمين” فإننا سنرى عملا يجمع الدراما والرعب والفكاهة معا، ذلك أن كلما كانت المأساة قاسية وبشعة كلما ازداد الأمل والتشبث بالحياة عبر رسم الابتسامة على الشفاه الحزينة رغم حرقة القلب وبكائه. والخيط ما بينهما رفيع ومن الصعب إن لم نقل من المستحيل التعلق به بثبات في زمن هذه الطامة الكبرى. يتحدث العمل في جو عائلي مرح رغم المعاناة -قبل القنبلة- من الحصار وقلة الحصة التموينية وندرتها. فنرى عائلة الفتى “القافز” كما يصفه ناكازاوا في قصصه، تتكون من والده ووالدته وأخته التي تكبره وأخيه الذي يصغره. وهم يعيشون حياة يكافحون بها الجوع وقت الحصار، ومما زاد الطين بلة أن أمهم حبلى بشهرها الأخير فتحتاج لمزيد من الطعام حتى يتغذى الجنين جيدا. ونعيش مغامرات مرحة (جين) مع أخيه الصغير (شينجي) وحياة يسودها الأمل والتفاؤل رغم وقت الحرب العسير وقرع انذارات الغارات الجوية بين كل وقت وحين. وفي صباح هادئ بمثل هذا اليوم السادس من أغسطس يشاهد أهالي هيروشيما ومنهم (جين) أمرا غريبا. طائرة بي-29 تحلق بكل هدوء في سماء المدينة ثم تذهب دون أي قصف أو عمل عسكري ما، فيمضي كل لعمله أو دراسته ظنا منهم أنها مجرد طائرة استطلاع فقط. ثم وفي تمام الساعة الثامنة والربع من نفس الصباح المشؤوم يحدث ما لم يتخيله أو يتصوره انسان. فطيرة المشروم أمر معروف لدى عموم الناس، لكن انقضاض شيء عملاق يسمى “السحابة المشرومية” “فطيرة الرجل المشروم العملاق” خلق مفهوما شيطانيا جديدا لدى العالم. لا يمكن وصفها إلا بالصور

———————-


في أحد سنوات الثمانينات عندما كنت بمقاعد الدراسة تحدث لنا مدرس العلوم قليلا عن ما حدث بالقاء القنبلة الذرية على اليابان، فأكد قائلا أن الذي ألقى القنبلة وشاهد مثل هذه الفطيرة المشؤومة قد أصابه مسٌ من الجنون بسبب هول ما رأيت عيناه من قبلة تدمير شامل على رؤوس عشرات من الناس معظمهم من الأطفال والنساء والمسنين. والأدهى أنهم أطلقوا على التي ألقيت على مدينة هيروشيما “الفتى الصغير” نظرا لأنها أصغر من التي ألقيت على ناجازاكي التي أطلقت على قنبلتها “الرجل الضخم” لكن العكس هو ما حصل حيث قتل بقنبلة هيروشيما 140 ألف قتيل في الحال، فيما قتل بناجزاكي 80 ألف فقط وذلك لأن الجبل المحيط بناجازاكي خفف من أثر تفجير القنبلة الضخمة وعمل على عدم اتساع نطاق تأثيرها. لكن يبدو وكما شاهدنا بالفيلم الوثائقي “هيروشيما” الذي قام بترجمته الاستاذ وائل عودة أن أيا من الذي قام بتفجير القنبلة على هيروشيما لم يتحرك بضميره أي شيء بل ولم يبدون جميعهم أي مقدار من الأسف أو الندم، فكان ضمير استاذنا وانسانيته لا ينطبق على أمثال هؤلاء. لكن لحسن الحظ يبقى ذلك الفيلم الوثائقي دليلا على ارتكابهم الجرم بكل تباهي وغطرسة وسيحين وقت حين نرى المجرمون يتبرؤون من جرائهم ويهربون عن الأنظار. ومن ضمنهم جرائم الصهاينة في فلسطين ولبنان ومصر وكل مكان وطئت أقدامهم النجسة عليه، فبئسا لهم!

صور غريبة لما تدعى “لجنة القوات الأمريكية لضحايا القنبلة الذرية” حيث يقول واضع الصورة “أنهم فحصوا الضحايا دون تقديم أي نوع من الدواء، بل فقط أخذوا بياناتهم للدراسة” ربما لمزيد من التدمير!

ضحية بلا عظام أو جسم بكتلة واحدة

بعد ارتفاع كل ما كان بالأرض واختلاطه بالغلاف الجوي مع النشاط الاشعاعي هطل على هيروشيما ما يعرف “بالمطر الأسود” القاتل وقد هلك بسببه آلاف عديدين من البشر كما تظهر آثاره بالصورتين أعلاه

———————-

فيلم (جـيـن) حافي القدمين عمل لن يمحى من الذاكرة، حتى لو كنا لم نسمع به من قبل -وهذا عيب بنا نحن- بسبب مضمونه الذي أشرنا إليه آنفا. وكذلك لأنه عمل مترابط وموضوعي يحمل ما بين ثناياه رسالة درامية غير مباشرة. والصورة الدرامية التي توقعها هذه الأحداث ليست مفتعلة وليس هدفه فقط ما حل من تداعيات لكارثة هيروشيما فقط. بل هو عمل ذو رسالة قوية ضد كل الحروب ويهدف كاتبها إلى عرض الصورة كما هي دون افتعال أو ابتذال أو لاجترار العواطف أو لاستدرار المشاعر. وما يمنح القصة قوة اضافية هو الادراك أن الذي ألفها هو أحد الناجين من أهوال الكارثة مما يمنحها صدقا وتلقائية تامة. ولا تتوقف المسألة على رؤية قنبلة هائلة على رؤوس الجميع ولا مشاهدة الرعب الذي فتك بالناس بعد وقوع القنبلة، بل هي معايشة لواقع الكارثة ونتائجها وتداعياتها ورعبها وأهوالها وهي تنطبق مصيبة أي حرب تقع أو أي دمار متعمد للبشر. يجدر بالذكر أن عملنا اليوم هو للجزء الأول من سلسلة “(جـيـن) حافي القدمين” الذي يناقش ما قبل وأثناء وقوع القنبلة. أما الجزء الثاني فيعرض تداعيات ونتائج ما بعد الكارثة حيث وقعت مأساة ما عرف حينها “أطفال هيروشيما” حيث ظل الآلاف من الأطفال دون أهل أو آباء أو أمهات أو حتى أقارب بعد مقتل الآلاف منهم جراء القنبلة، وسأقوم بترجمته حال حصولي على ملف ترجمة سليم له لأن الذي بحوزتي للجزء الثاني هو ملف ترجمة IDX فقط. فيلم “(جـيـن) حافي القدمين” يستحق المشاهدة فهو يصف ما لا يستطيع أي عمل وثائقي أو درامي وصفه، وأشكر بالمناسبة الصديق م/ شادي جمال الذي زودني بنسخة الفيلم وأشار لأهميته.




———————-

لكننا اليوم إذ نتذكر هذا اليوم الحزين والمشؤوم بكل أسف عبر التاريخ الانساني، فإننا نعرب عن تضامننا مع كل الضحايا الأبرياء والمساكين. وانتهزت فرصة ترجمة هذا العمل الهادف للاعراب عن مشاطرتنا لكل انسان وشعب تعرض للظلم والطغيان الأسى والحزن بهذه الذكرى الأليمة. لأننا كذلك شعب يتعرض حاليا للتدمير وتوجد هناك قوة غاشمة محتلة تهددنا بسلاحها النووي بغية محونا نحن الآخرين من على وجه الأرض من مغربنا العربي إلى مشرقنا. فماذا نرد؟ هل نسعى نحن أيضا للحصول على نفس السلاح الفتاك؟ لا والله، فإن فعلنا ذلك نكون أيضا قد دخلنا لعبة الموت وتخلينا عن انسانيتنا كذلك. فيجب أن يتضامن كل الأحرار والشرفاء وينادون بل يسعون نحو ازالة هذا الخطر الداهم على البشرية جمعاء. من جميع الدول والأمم سواء الولايات المتحدة أو روسيا أو الصين أو بريطانيا أو فرنسا أو الهند أو باكستان وبالأخص من “الطفل اللقيط” المسمى “اسرائيل”، بل وحتى من إيران الساعية إليه دون وعي أو تفكير. فهو سلاح مدمر لا يعرف الصديق من العدو وخير مثال على ذلك ما حصل في مفاعل تشيرنوبل عام 1986 (السوفييتي آننذاك) حين انفجر بسبب خلل بشري فلم يبقي لا بشر ولا زرع ولا ضرع، وهو منذ مدة قريبة على أي حال ويستحيل أن ننسى فاجعته. وأختم حديثي بالقول أنه لعن الله إينشتاين ومن عمل من قبله ومن بعده بمجال الذرة إذا كان هذا هو اكتشافهم الذي سيودي البشرية إلى التهلكة، حتى لو قالوا أنه سلمي من أجل الطاقة كذلك، وما أتعسها من طاقة.

———————-معلومات عن نسخة الفيلم:

اسم النسخة: Barefoot.Gen.1983.DVDRip.XviD-MiNT
المدة: ساعة و23 دقيقة
حجم النسخة: 697 ميجا بايت
معدل الاطارات: 23.976

———————
مواضيع جريمة عصرية

جريمة 1جريمة 2جريمة 3

وتقبلوا مني جزيل التحيةفيصل كريم

الإعلان

2 responses to “جريمة عصرية (2-3): ذكرى مأساة هيروشيما عار على البشرية! ترجمة فيلم الأنيمي Barefoot Gen

  1. التنبيهات: جريمة عصرية (3-3): (كوراساوا) يبكي ناجازاكي- ترجمة الفيلم الياباني Rhapsody In August | faisal175·

  2. التنبيهات: جريمة عصرية (1-3): تبرير للجريمة الدامية ترجمة الفيلم الوثائقي Japan’s War in Colour | faisal175·

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s