أعرض هنا جانبا من مشاركة فيصل كريم في ملتقى المثقفين الثاني على هامش معرض الكتاب الثالث والأربعين المقام في دولة الكويت، وذلك بدعوة كريمة من الدكتور عايد الجريد مشرف الملتقى ومنسقه العام
وأقدم بعضا من الصور على هامش الندوة وكذلك تسجيلا لجانب من الكلمة التي ألقيتها فيه، ونص الكلمة في أدنى الفيديو
د. عثمان العصفور عريف الندوة الندوة يتوسط د. عايد الجريد يسارا وفيصل كريم يمينا د. عثمان العصفور عريف الندوة الندوة يتوسط د. عايد الجريد يسارا وفيصل كريم يمينا د. عثمان العصفور عريف الندوة الندوة يتوسط د. عايد الجريد يسارا وفيصل كريم يمينا د. عثمان العصفور عريف الندوة الندوة يتوسط د. عايد الجريد يسارا وفيصل كريم يمينا
وهنا نص الكلمة التي ألقاها فيصل كريم في الندوة
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإخوة الحضور الكرام أحييكم بأطيب تحية
بادئ ذي بدء، أود أن أوجه جزيل الشكر والتقدير للإخوة الكرام القائمين على الملتقى الثقافي الثاني –أخونا الفاضل د. عايد الجريد وجميع زملائه الأكارم (وكلهم متطوعون لهذه المهمة المباركة) وكل السادة الأفاضل المهتمين بالثقافة وشؤونها- وذلك لجهودهم الكبيرة والمعطاءةعلى هامش معرض الكتاب الدولي في أرض المعارض، وأشكرهم كذلك على اختيار شخصيا المتواضع لإلقاء هذه الكلمة في هذه المناسبة الطيبة
الغرض من هذا اللقاء أيها الإخوة والأخوات الكرام ليس استعراض تجربة شخصية بقدر ما هو طرح وجهة نظر ربما تكشف عن حكمة ينتفع منها الناس.
نحن أيها الإخوة والأخوات الكرام بصدد ثلاثة أفكار هامة في هذا اللقاء: الثقافة والهمة والنجاح.
فما معنى الثقافة؟ هل هي “العلومُ والمعارفُ والفنون التي يُطلب الحذق فيها” كما يقول المعجم الوسيط؟ إذا صح ذلك فإن المعرفة التي نرى مظاهرها هنا في معرض الكتاب السنوي هي أساس جوهري في مسألة الثقافة.
إن صح ذلك وانطلقنا من هذه النقطة فإننا سنصل إلى نتيجة مفادها أن المعرفة لا تستقيم إلا بتحرير الفكر من قيود الظلام والجهل، كماأمرنا ديننا الحنيف.
أما الحديث عن الحرية فالنقاش فيه لا ينتهي ولاتكفيه دقائق قليلة. غير أن المقصود منه في هذا الإطار “التحرير من أجل التنوير” وهي المهمة المقدسة التي يضطلع بها المفكرون وأصحاب الرأي والعلم بغرض إشعال أقباس التنوير بين ثنايا المجتمع.
هنا يأتي دور الهمة. أصدقكم القول لا أعتقد أن إسباغ كلمات جميلة على واقع عصيب كمسألة الإعاقة الحركية يؤدي إلى تغيير هذا الواقع، لكن يجدر بنا جميعا ملاحظة أن أهل الهمة ليسوا سوى فئة من فئات هذا المجتمع ويتأثرون به ارتقاءً أو هبوطًا. والارتقاء الذي نرتجيه ليسعضليًا أو حركيًا أو ماديًا –لا طبعا- بل فكري وقيمي بالدرجة الأولى.
الحقيقة أن دولة الكويت كان لها السبق في رعاية حركة ذوي الاحتياجات الخاصة منذ زمن طويل، لكن ما نأمله ونرجوه هنا هو حراك ثقافي وفكري وتنويري بين صفوف هذه الفئة والمجتمع الحر بأسره.
هذا الحراك يقتضي عملا دؤوبا وخطوات محسوبة نحو قراءة الواقع الثقافي ومدى فاعلية مولّداته في المجتمع.
أي إن ممارسة القراءة ماهي إلا استهلال لتحريك هذه المولدات، ثم ما هي المادة التي نقرأها وما هي قيمتهاالإيجابية في حياة الناس.
هل نقرأ مثلا لتجنب الواقع أو الجنوح نحو الخيال أو الإغراق في الرمزية والدلالات المبهمة والرسائل الضمنية؟
ثم هل يصح فهم العالم وتفسير ظواهره وتغيراته ومخاضاته من خلال جانب أحادي من جوانب القراءة؟
لا أقصد هنا الهجوم على الفن الروائي والقصصي أو الشعر والنثر، فهو يظل أحد الفنون الأدبية الهامة والمؤثرة في الوسط الثقافي، بل أرمي إلى أن حصر القراءة في هذا الجانب يعد اختلالا سافرا في موازين تلقي المعرفة.
ألاحظ أن كلما ذكرنا القراءة نرى ذلك يرتبط بالقصص والروايات، وهناك من يحصر القراءة فيها، ولست متأكدا إذا هذا الحصر أصبح متكرسا في الأوساط الشبابية المثقفة الذين نراهم في وسائلالتواصل الإجتماعية.
أعتقد أن النجاح يكمن فيتعديل كفة هذا الميزان، وفتح آفاق معرفية متعددة ومتنوعة ينطلق فيها محبو العلموالوعي والاطلاع على تلمس موقعنا من العالم وعدم الجمود والتقوقع فيه. ولا أرى أفضل من يضطلع بهذه المهمة سوى: الترجمة.
كما تلاحظون في معظم معارض الكتاب أن الكتب المترجمة تفوق الكتب المؤلّفة، إلا إنه كما يبدو أن للترجمة دور أخطر وأكبر من ذلك. يقول د. محمد حسن يوسف في كتابه (كيف تترجم) ما نصه”إن الترجمة الناجحة تتضمن تحديا فكريا من أعقد التحديات الفكرية التي عرفتهاالبشرية (…) وهو ما يعطي للمترجم موقعا استراتيجيا في غاية الأهمية” فالمترجم أيها الإخوة الكرام يواجه فعلا تحديات فكرية متتالية ليعمل على حلها،وبذلك تتكون لدينا قدرات عقلية وذهنية متدربة على معالجة المعضلات اللغوية والثقافية المعقدة. وهذا العقل مؤهل بطبيعة الحال للتعامل مع معظم الإشكاليات على اختلافها وتنوعها.
لكن أيها الإخوة والأخوات الكرام، واقع الترجمة العربية مؤلم جدا. يكفي أن نعلم أن منظمة اليونسكو تقول في دراسة لها: “إن ما تُرجِم إلى اللغة العربية، منذ عصر المأمون في سنة 813م إلى اليوم، لم يتجاوز العشرة آلاف كتاب، وهو عدد يساوي ما تترجمه إسبانيا في سنة واحدة فقط. ثم أن ما تترجمه الدول العربية مجتمعة في السنة الواحدة لا يعادل خُمس ماتترجمه اليونان وحدها في العام”.
لقد أشرت العام الماضي فيندوة يوم المترجم إلى أن مسؤولية معالجة هذا الخلل تقع على عاتق الجهود الشعبية التي يجب أن تتحلى بالتنظيم وحسن الإدارة. ويبدو أن الأجهزة الحكومية المعنية بالثقافة توقف لديها الزمن ولم تعد تستوعب أسماء جديدة تساهم في نشاط الترجمة والمعرفة.
لست وحدي من واجه هذا الواقع، تبين أن كثيرين غيري تُرفض مساهماتهم الترجمية حتى وإن كانت بلغات نادرة وحيوية، فقط لأن أسماؤهم غير معروفة عند مسامع مسؤولي أجهزة الثقافة الحكومية. فكيف نصل إلى النجاح إذن؟ وكيف يكون السعي إليه؟
النجاح أيها الإخوة والأخوات لا يتأتى بجهد الفرد، وإن كان مشكورا، ولا يتحقق برميات الحظ أو الضربات العشواء، بل يتجسد بالمساعي الجماعية الدؤوبة والمثابِرة والتنظيم المجتمعي والشعبي الذي يدرك خطورة التخلف عن ركب العالم وعدم مواكبة كل جديد.
وقناعتي الشخصية أن نجاحي الشخصي لا يتحقق إلا بالنجاح المشترك والجماعي، هكذا علمتنا الترجمة التي يبدوأنها تقوّم النفس البشرية وتهذبها –نعلم أن النفس البشرية مهما تواضعت وسمت تعيش فيها نبتة حب الذات ولا بأس بذلك ما لم تتعاظم هذه النبتة لتغدو شجرة طاغية على النفس- ففي مجال الترجمة مازلت أشعر بصدى النجاح حين أرى أعمالنا الجماعية تؤثر فيحياة الناس، وأحرص دائما بعد كل نشاط ترجمي على أبراز أسماء من اشترك فيه، ومعظمهم أسماء جديدة وطلاب علم، وأترفع عن تصدير اسمي وإن تكالب عليّ الإجهاد والعناء.أعتقد أن السعي نحو النجاح لابد وأن يحمل شيئا من هذه السمات والمزايا. وتجدون شيئا من ذلك في المدونة التي اجتهدت بتنشيطها قدر الاستطاعة، حيث شجّعت وحرّضت عشرات الإسماء بخوض غمار الترجمة ومازلت أجتهد في ذلك.
أما كلمتي الأخيرة فهي لسان حال كل مترجم يطمح بتقديم جهوده بإخلاص: لا تسقطوا القلم من يدي، لاتسقطوا القلم من يدي!