هل يعلم من يسمون أنفسهم بـ”القرآنيين” أن الرسول ﷺ قد حدّث عنهم وحذّر من خطورة استفحال أمرهم، ومن قبله أشار لنا القرآن الكريم عنهم؟
فهذا حديث رواه أحمد وأبو داوود والحاكم بسند صحيح عن المقدام أن رسول الله ﷺ قال:
(يوشك أن يقعد الرجل متكئا على أريكته يُحدّث بحديث من حديثي، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرّمناه، ألا وإن ما حرّم رسول الله مثل ما حرّم الله).
ثم كيف يفهم القرآنيون آية
{فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}
كيف؟
هل هو فض شجار (أو خناقة أو عركة أو هوشة كما نقول في لهجتنا) ولعب عيال يعني، أو هو تحكيم لأوامر الله ونواهيه من خلال مضمون متكامل ومتناسق ومتتابع يتجلى بالقرآن والسنة معا لتكتمل صورة الإسلام وبناؤه في عقول المسلمين؟
ولأهل اللغة من القرآنيين، كيف نفهم مدلول هذه الآية الكريمة
{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}
فهو ﷺ يعلمهم أمران إثنان لا واحدا فقط: الكتاب + الحكمة، بدليل حرف العطف (واو) الذي يجمع بين شيئين إثنين. ولو قال الباري عز وجل مثلا (يعلمهم كتاب الحكمة) لكان للقرآنيين حجة وإن شابهها الضعف.
إذ أن القرآن يكثر بآياته باقتران طاعة الله بطاعة الرسول لما يقرب من مائة آية. فطاعة الله نستمدها من القرآن، فكيف نستمد طاعة الرسول ﷺ ومن أين؟ أليس من السنة النبوية الرحبة الواسعة؟ أم من أين؟ وما مغزى هذا الفصل، الذي تتهاوى حججه بسهولة لمن يقرأ الكتاب، بين القرآن والسنة؟
أما حجة أن في الأحاديث ثمة ما هو موضوع وما هو ضعيف، فهي علة هزيلة ومؤودة إذ لا يشكل الضعيف والموضوع وزنا بالمقارنة مع المتواتر (لفظا ومعنى أو الإثنين معا) والصحيح والحسن والمرفوع… إلخ. وعلوم الحديث الشريف صارمة بشروطها كما هو معلوم.
أما الاحتجاج بتطويع بعض الدول (كالأمويين والعباسيين والعثمانيين ومن سواهم) فهي حجة ساقطة كأختها، ولا تحتاج لإشارة لمن لهم شيء من عقل ومنطق.
وأما القول بعدم عصمة النبي ﷺ فهي طامة بحق القرآنيين إن قالوها، فللعصمة وجوبا وضرورة للأنبياء والرسل لا تنبغي لغيرهم ليؤدوا ما أتمنهم الله عليه من رسالة وتبليغ. أو قول إنه جاء بوحي أو شيء مختلف عما جاء في القرآن، وهو قول مردود منقوض إذ لا يتكامل الإسلام بشعائره وغاياته الكبرى والصغرى إلا باقتران مصدري القرآن والحديث اقترانا لا انفصام فيه.
على أن من الفوائد التي رآها كثيرون في منهج القرآنيين عملية تفسير آيات القرآن بآيات القرآن ذاته، وهو منهج جيد لا بأس به على ألا يقتصر التفسير على ذلك بطبيعة الحال. كما أن حرية التعبير (بوجهها الصحيح والمنضبط) وقول الحق من الأسس التي كفلها الإسلام، وليس حرية الشقاق والنفاق واقتفاء ما ليس لأحد به علم، كما نرى حاليا.
والله أعلم
==========
واختم هنا بما جاء في الويكيبديا العربية على لسان ثلاثة من المشايخ في حقب إسلامية مختلفة حول مسألة القرآنيين وحججهم:
[مصدر]
وممن رد على القراّنيين من المتقدمين: ابن حزم الأندلسي، حيث قال: “ولو أن امرأ قال: لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن، لكان كافرا بإجماع الأمة، ولكان لا يلزمه إلا ركعة ما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل، وأخرى عند الفجر؛ لأن ذلك هو أقل ما يقع عليه اسم صلاة، ولا حد للأكثر في ذلك، وقائل هذا كافر مشرك حلال الدم والمال.”
وقال الإمام الشاطبي: “والرابع أن الاقتصار على الكتاب رأى قوم لا خلاق لهم خارجين عن السنة إذ عولوا على ما بنيت عليه من أن الكتاب فيه بيان كل شئ فاطرحوا أحكام السنة فأداهم ذلك إلى الانخلاع عن الجماعة وتأويل القرآن على غير ما أنزل الله”.وحديثا الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف المصري السابق، الذي قال في مقال له:“إن السنة النبوية هي البيان النبوي للبلاغ القرآني، وهى التطبيق العملي للآيات القرآنية، التي أشارت إلى فرائض وعبادات وتكاليف وشعائر ومناسك ومعاملات الإسلام. فالتطبيقات النبوية للقرآن – التي هي السنة العملية والبيان القولي الشارح والمفسر والمفصّل – هي ضرورة قرآنية، وليست تزيّدًا على القرآن الكريم. وتأسيًا بالرسول، وقيامًا بفريضة طاعته – التي نص عليها القرآن الكريم. والعلاقة الطبيعية بين البلاغ الإلهي – القرآن – وبين التطبيق النبوي لهذا البلاغ الإلهي – السنة النبوية – فهى أشبه ما تكون بالعلاقة بين الدستور وبين القانون. فالدستور هو مصدر ومرجع القانون. والقانون هو تفصيل وتطبيق الدستور، ولا حجة ولا دستورية لقانون يخالف أو يناقض الدستور. ولا غناء ولا اكتفاء بالدستور عن القانون.”
وقال المفكر النمساوي محمد أسد: “إن العمل بسنة رسول الله هو عمل على حفظ كيان الإسلام، وعلى تقدمه، وإن ترك السنّة هو انحلال الإسلام… لقد كانت السنّة الهيكل الحديدي الذي قام عليه صرح الإسلام، وإنك إذا أزلت هيكل بناء ما أفيدهشك بعدئذ أن يتقوض ذلك البناء كأنه بيت من ورق؟”