إن شبه القارة الهندية منطقة من أهم أقاليم العالم وأكثرها كثافة سكانية وعمقا حضاريا وتاريخيا. وتحدها جبال الهملايا شمالا وجبال الهندوكوش شرقا وجبال أركان غربا، كما يحدها بحر العرب غربا وبحر البنغال شرقا وتطل مباشرة على المحيط الهندي جنوبا. وللهند تاريخ قديم قدم البشرية، وتعد من أولى مناطق التجمعات الحضرية والزراعية في التاريخ. غير أنني بهذه السطور القليلة أحاول الإشارة إلى أهمية وحدة هذه البقعة المؤثرة في التاريخ الإنساني، وألفت الانتباه أنه لا يعنيني إن أبدى أحدهم عدم رضاه عن الفكرة التي سأذكرها بتجرد ومنطق.
لقد حكم المغول المسلمون الهند أكثر من 300 عام، وحافظوا على وحدتها وتركوا وراءهم الأعاجيب التاريخية والحضارية.
وحكمها البريطانيون بعدهم لتسعين عاما ليخلفوا الانقسام والحروب والتوتر القائم حتى اليوم.
إن انقسام ما تسمى باكستان ثم بنغلادش ونيبال عن شبه الجزيرة الهندية لتكوين كيانات تعمل على زرع زعزعة استقرار هذه المنطقة الحضارية يعد من الخطايا التاريخية.
ليس دور المسلم إكراه الناس على الإعتقاد بالإسلام، بل يدخل من صميم معتقده حماية الناس والحفاظ على حرياتهم الدينية طالما جنحوا للسلم وعدم الإضطهاد بسبب المعتقدات.
لقد تعايش المسلم والهندوسي والبراهمي والسيخي والبوذي وغيرهم في الهند لمئات السنين. ومن شاء آمن بالإسلام، ومن ظل على معتقده عاش آمنا ومستقرا، مثله مثل المسلم لا ينقصه شيء ولا يختلف عنه في شيء. ومن يقولون غير هذا فليأتوا ببرهانهم إن كانوا صادقين.
بعد إنقسام الهند سنة 1947 إلى ما يسمى “باكستان” و”هندوستان” وقعت حرب كارثية بين أبناء البلد الواحد، وحدثت كارثة أكبر تمثلت بهجرة ملايين البشر شمالا بعملية نزوح قسرية وصِمت بعار الاقتتال الديني الذي دمر الفسيفساء الاجتماعي النادر الذي عاشته الهند طوال قرون عديدة. وكانت هذه طامة كبرى فعلا، لأن المسلمين في الهند لم يعيشوا في منطقة محددة داخلها بل انتشروا في طول البلاد وعرضها. فكيف يُجبر ملايين منهم للنزوح شمالا وتكوين دولة اسمها “باكستان” بجناحيها الغربي والشرقي، الذي انشق لاحقا بعد حرب مدمرة أخرى سنة 1971 لتكون دويلة جديدة عانت الفشل والفقر والكوارث ألا وهي “بنغلادش”.

“نموذج من مأساة نزوح ملايين المسلمين شمالا نحو ما يسمى “باكستان
فهل إنشاء “باكستان” وقع فقط لإرضاء غرور محمد علي جناح لأنه يرى في نفسه “رجل دولة” ولا مكان له في السلطة في ظل وجود مهاتما غاندي وجواهر لال نهرو وغيرهم من ورثة الحكم البريطاني للهند “راج”؟ وهل يحاول جناح أن يعطي انطباعا أنه “إسلامي” وقلبه على المسلمين الذين تعرضوا لاضطهاد مفاجئ بعيد انسحاب القوات البريطانية من شبه الجزيرة الهندية؟

جواهر لال نهرو (يمينا) ومهاتما غاندي (وسط) ثم محمد علي جناح