انهزام جيش المالكي المفاجئ منتصف العام 2014

تفاجأ الناس بما يجري في ‫#‏العراق‬ من تقدم مفاجئ وكاسح للثائرين على نظام نوري ‫#‏المالكي‬ الذي انهارت قواته وانفرط عقدها أمام هذا الهجوم المنسق والمخطط له بدقة. وقد انهالت عليّ طلبات الأصدقاء بمعرفة ‫#‏داعش‬ التي يطبل لها الإعلام ليل نهار وأخذوا يتساءلون عنها وعن حقيقتها. ويبدو أن معظم متابعيني الكرام -لاسيما الشباب المصري منهم- لم ينتبهوا لما كنت أكتبه عن داعش طوال الشهور الماضية، وهم لا يلامون على ذلك بكل الأحوال، حيث تفاقم الوضع في ‫#‏مصر‬ بعد أن طغى من طغى واستكبر من استكبر. وتنظيم داعش (وهو اختصار لاسم بلا هوية: الدولة الإسلامية في العراق والشام واختصاره بالإنجليزية ISIL ) هو امتداد تاريخي لتنظيمات تتبني فكر السلفية الجهادية وتسير على خطى التنظيم الأكبر القاعدة. وضعت أدناه روابط لمعظم مشاركاتي السابقة حول تصرفات داعش النكراء والإجرامية في الشام، لعل فيها إفادة لمن يريد معرفة خلفيات داعش كتنظيم وكفكر. لكني سأحاول قبل ذلك تفسير ربط الأحداث في العراق وعلاقتها بداعش.

إن تمرد المناطق الغربية في العراق كمحافظة ‫#‏الأنبار‬ الشاسعة لم يكن وليد اللحظة، بل كان ومازال حراكا غاضبا منذ صيف العام الماضي، حيث ثارت العشائر ضد طغيان المالكي واستمراره بسياسة الاقصاء والتهميش كما استفحلت حالة سوء الخدمات ورعاية الدولة لمناطقهم واهدار الميزانيات الضخمة للعراق بالسياسات الأمنية القمعية لحكومة المالكي الذي استمرأ هذا الوضع مع تطويعه للبرلمان الذي أصبح وكالة حكومية فرعية، ومع شرائه لذمم كثير من الكتّاب والمثقفين الذي باع كثير منهم ضمائرهم فغضوا الطرف عن انتهاكات المالكي وأخذوا يرمون الآخرين بالتخوين والعمالة، فأصبحوا كالعاهرات اللاتي يحاضرن عن الشرف. وبعد كل هذا وذاك، أخذت مجموعات منظمة، كما يبدو، تنسق فيما بينها تخطيطا لعمل كبير يهدم أركان النظام الذي أسسه الأمريكان وقفز عليه المالكي ليصبح رئيسا لحكومته ردحا من الزمن. ويبدو أن هذه المجموعات، التي تسلحت بالصمت والكتمان الشديد، عملت على استثمار جملة من المتغيرات في الواقع العراقي. فهي قد درست واقع عمليات المقاومة السابقة ضد الأمريكان وحلفائهم وما آل إليه الوضع بسبب ممارسات سيئة من بعض التنظيمات الجهادية، كما إنها استعانت بخبرات عسكرية مميزة من الجيش العراقي المنحل، وهذا يتضح من دقة العمليات واختراق قيادات جيش المالكي من الداخل (وهو ما اعترف فيها المالكي بنفسه) إلى الحد الذي جعلهم يهربون ويتركون آلافا مؤلفة من الجنود بلا قيادة وكذلك أعدادا ضخمة من القطع العسكرية الثقيلة كالدبابات والمدرعات بل وحتى الحوامات والهليكوبترات الأمريكية الحديثة.

أما ماهية هذه المجموعات القتالية، فيصعب الجزم بتحديدها على وجه الدقة. فثمة من يقول إنها من العشائر العراقية أو من ضباط الجيش العراقي المنحل وهناك من يقول إنهم من جيش الأنصار ورابع يزعم أنهم من جيش النقشبندية (بزعامة عزت إبراهيم الدوري نائب الرئيس العراقي الأسبق) بالإضافة إلى الزعم الإعلامي أنهم في معظمهم من داعش، وآخرين يؤكدون أنه تحالف منسق بين هؤلاء جميعا. والحقيقة التي لا جدال فيها أن سياسة التعتيم الاستراتيجي تعد من أكفأ الأسلحة التي تستخدم بالحروب والجهود العسكرية حيث لا يجد الخصم ثغرة ليعرف منها نوايا الطرف الآخر أو مخططاته، وبالتالي يفشل في وضع الخطط والاستراتيجيات اللازمة لمواجهته وهو ما حدث مع المالكي الذي أخذ على حين غرة. ولعل من المثير للاهتمام ذلك الدفع الغريب باسم داعش بهذه المعارك واسعة النطاق في الموصل ونينوى وتكريت وحتى أبواب بغداد. فهل تنظيم داعش، الذي اعتاد على العمل السردابي والبطش بالبسطاء والتنكيل بهم، قادر على أداء كل هذا الانفتاح الاستراتيجي في العراق؟ فإذا كانت الإجبة نعم، فلماذا لم يفعل ذلك في سورية وقد وضع كل ثقله المعروف فيها؟ كان تنظيم الدولة الإسلامية في العراق مجرد فصيل جهادي حاول السيطرة على فصائل المقاومة الأخرى وأخذ البيعة منها بالقوة والترهيب، ولم يتميز عنهم بشيء سوى أنه أعلن انتماؤه لتنظيم القاعدة في أفغانستان. ثم أصبح تنظيما منبوذا ومكروها من العشائر العراقية حيث نجح المالكي باستغلال هذه الفجوة فانشأ الصحوات، ما جعل التنظيم يفضل الهروب من السراديب في العراق نحو سوريا التي تسللوا إليها شيئا فشيئا. وبالتالي، فإن الزج باسم داعش بهذه الطريقة قد يكون من استراتيجية الكتمان التي تتبعها المجموعات القتالية المتحالفة (ولا أنفي تماما وجود عناصر من داعش بعمليات العراق الأخيرة لكني لا أعتقد أنهم الفصيل الأكبر فيها) حيث يصعب على داعش، إن لم يكن مستحيلا، أن تنتشر بهذه المساحات الكبيرة وذلك لمحدودية أعدادها وضعف تسليحها النوعي، كما أن أسلوبها السابق بالتعامل مع الناس لم يكن بمثل هذا الحصافة والحكمة التي رأيناها في الأحداث حيث طمأنوا المواطنين وأمّنوهم على أرواحهم وممتلكاتهم وتعهدوا لهم بضبط الأمن، أما داعش التي نعرفها فلم تحسن سوى سفك الدماء والتفجير بأسواق البسطاء وأخذ البيعة عنوة وتحت تهديد السيوف. فسلوكيات من قام بالعمليات الأخيرة تبتعد عن الأفعال الإجرامية لداعش في العراق طوال السنوات الماضية (راجع شريط أبو أسامة العراقي سنة 2006 الذي ظهر مؤخرا على اليوتيوب) وانتقل ذلك إلى سوريا بانتقال داعش إليها.

ما زال الحكم على حقيقة الأحداث سابق لأوانه فالغموض يسيطر على الموقف. ولننتظر ونرى ما سيحدث

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s