الترجمة المشتركة للسلسلة الوثائقية تاريخ بريطانيا A History Of Britain + احتفالية خاصة

بسم الله الرحمن الرحيم

ترجمتُ أنا والزميل أحمد الزعبي في ربيع عام 2010 السلسلة الوثائقية تاريخ بريطانيا، وصادف ذلك ذكرى مرور عامين على انشاء قسم الترجمات الوثائقية في منتدى الديفيدي العربي. فعملنا هذا الموضوع الاحتفالي الضخم

(تذكير: حلقات السلسلة موجودة في القسم الأخير من هذا الموضوع)

——————————-

سـلـسـلـة تـاريـخ بـريـطانـيـا

30vzo01

نقطة البداية
بقلم: أحمد الزعبي
يسعدنا أيها الاخوة الكرام أعضاء ومشرفي موقع الديفيدي العربي العريق أن نقدم عبر هذه الاحتفالية الخاصة بذكرى مرور عامين على انطلاق قسم ترجمة الافلام الوثائقية بمنتدى الديفيدي العربي عبر تقديم سلسلة تاريخ بريطانيا التي عرضها البروفيسور سايمون شاما عبر تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية (البي بي سي) عام 2000. وهذه السلسلة التي تتناول التاريخ البريطاني من منظور تاريخي وإنساني وفلسفي غير تقليدي أثارت الإهتمام لدي للمضي في ترجمتها وإبراز هذا التاريخ للمشاهد العربي للإطلاع والإستفادة من النقاط الحضارية المضيئة عبر تاريخهم الطويل، ومن منطلق الإهتمام بالتاريخ والثقافة والمعرفة، الذي دفعني بقوة للقيام على ترجمة هذا العمل حتى يصل لكل المهتمين بالأعمال الوثائقية التاريخية، لا سيما بعد ملاحظة زيادة طلب الأعضاء في المنتدى، نظرا إلى أن ساحة الوثائقيات العربية تخلو من أي برنامج يتحدث عن التاريخ البريطاني.
تاريخ بريطانيا: بداية موجزة
بقلم: أحمد الزعبي
تاريخ المملكة المتحدة يمثل جزءاً من قصة الأمم التي عاشت في إنجلترا، وأسكتلندا، وويلز، وشمالي أيرلندا، وكوّنوا في عام 1801م ما يُعرف بالمملكة المتحدة. تبلورت حضارة بريطانيا على مر القرون من تشكل ثقافات مختلفة، فقد ساعد أقوام كثيرون على تشكيل تاريخها، منهم من عاش في فترة ما قبل التاريخ، ومنهم السلتيون، وكذلك الرومان، والأنجلز، والسكسون، والفايكنج، وأخيرًا النورمنديون.
بدأت بريطانيا منذ القرن السادس عشر الميلادي تشهد تطورًا اقتصاديًا وثقافيًا وسياسيًا واجتماعيًا سريعاً، وصارت أمة ذات أهمية عالمية، استطاعت أن تطور النظم البرلمانية الديمقراطية، وتسهم في حركة النهضة التقنية إبان الثورة الصناعية، عملت المملكة المتحدة على التأسيس لدولة أوروبية مزدهرة اقتصاديا ومتقدمة علميا وأصبحت بريطانيا اليوم من ضمن القوى الصناعية الرائدة في العالم.وقد تمكنت بريطانيا أيضاً في الفترة من 1500إلى 1900م من بناء أعظم إمبراطورية وراء البحار في التاريخ بالرغم من أنها مجموعة معزولة من الجزر كما أنها أسهمت حضارياً في تكوين أستراليا وكندا والهند ونيوزيلندا والولايات المتحدة الأمريكية وجزر الهند الغربية وكل دول الكومنولث. هذه الإمبراطورية العظيمة كانت يوماً ما تسمى البلاد التي لاتغرب عنها الشمس نظراً لإتساع مستعمراتها. هذه البلاد وهذه القوميات والأمم المتعددة الأجناس والأعراق تستحق النظر في تاريخها والتعرف على ماضيها الذي قادته أحداث وكوارث وحروب ساهمت بتكوين الشكل الحالي لبريطانيا كأول ملكية دستورية، أمة الوثيقة العظمى (الماجنا كارتا).
وأرغب هنا في التحدث عن بعض الصعوبات التي واجهتنا خلال ترجمة هذا العمل واللغة الصعبة والمفردات المعقدة والجمل الطويلة التي تميز بها اسلوب البروفيسور سايمون شاما والتي تحتاج إلى وقفة تأملية مع الإلتزام بالدقة اللغوية والتاريخية إلى أقصى حد، والحكم في النهاية هو للمشاهد، وهذا ما سوف يتطرق له الأخ فيصل في معرض حديثه عن ترجمة العمل. وأود أن ألفت الإنتباه إلى أنني كنت قد ترجمت الحلقة الأولى بعد شهر رمضان دون علمي بأن الأخ فيصل قام بترجمة الحلقة الأولى في فترة سابقة. وبذلك أصبحت توجد هناك ترجمتان لنفس الحلقة. وقد تظافرت جهودنا معا لإظهار ترجمة هذه السلسلة بالشكل المناسب.
وفي النهاية إسمحوا لي أن أضع أمامكم الكلمات الأخيرة التي أوردها (سايمون شاما) في ختام الحلقة الأخيرة من هذه السلسلة، والتي أظهر من خلالها البعد الفلسفي للتاريخ.
اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Simon Schama
لكن يجب عدم خلط التاريخ مع الحنين إلى الماضي. فقد تم كتابته ليس من أجل تكريم الموتى ولكن من أجل إلهام الأحياء. فهو الدورة الدموية لثقافتنا وسر ما نحن عليه الآن، حيث يخبرنا أن نتخلى عن الماضي بالرغم من إحترامنا له. وأن نحزن على ما يتوجب الحزن عليه وأن نمجد ما ينبغي تمجيده. وإذا ما حصل في النهاية أن تحول التاريخ ليظهر إلينا بصورته الوطنية. فإنني أعتقد أن كلاً من (تشرشل) و(أورويل) لم يمانعا ذلك بشدة…
وهنا أيها الاخوة فهرس للمشاركات اللاحقة في الموضوع:
القسم الأول: الحلقات الخمسة عشر مترجمة مع ملخصات لكل حلقة على حدة
القسم الثاني: مشاركة الاخ فيصل كريم: رؤية تاريخية لبريطانيا – الجزء الأول
القسم الثالث: مشاركة الاخ فيصل كريم: رؤية تاريخية لبريطانيا – الجزء اثاني
القسم الرابعالكلمة الاحتفالية بقسم الترجمات الوثائقية وكلمات السادة الكرام ضيوف الموضوع
وختاما نضع بين أيديكم حصيلة هذا الجهد المشترك بترجمة هذه السلسلة غير العادية التي نأمل أن تكون بذرة لتقديم أعمال تهتم بمجال التاريخ، وأن تثري الفكر في مجال البحث والقراءة المعاصرة للأحداث التاريخية، وأن تؤدي الغرض الثقافي والتنويري المرجو منها.
وتقبلوا تحيات أخيكم
أحمد عبد الله الزعبي
فيديوهات السلسلة كاملة وملخصاتها:

الحلقة الأولى
Beginnings
الـبــدايــات
وهي تشمل الفترة ما بين 3100 قبل الميلاد إلى 1000 للميلاد. حيث يبدأ سايمون شاما سرد حكايته
عبر قرية سكارا براي في جزيرة أوركني التي كانت موجودة بالعصر الحجري. وخلال الألف عام
المقبلة قام كل من الرومان والأنجلو-ساكسونيين والفايكنج وقبائل الدنمارك والمبشرين بالمسيحية
بالوصول والقتال والاستيطان حيث ترك كل منهم بصمته وأثره فيما ستكون عليه شعوب بريطانيا.الحلقة الأولى مترجمة

الحلقة الثانية

Conquest
الـغـــــــزو
وتغطي الفترة الواقعة ما بين عام 1000 إلى 1087 ميلادية. ولا يعتبر عام 1066 ليس من أفضل
التواريخ التي يتذكرها البريطانيون من فراغ، ففي غضون 9 ساعات وهي الفترة التي استغرقتها
اشتعال معركة هايستينجز تغير كل شيء. حيث تحولت إنجلترا الأنجلو-ساكسونية إلى النورماندية
للثلاثمئة سنة المقبلة. وتقرر مصير إنجلترا على يد العائلات النورماندية الحاكمة.
الحلقة الثانية مترجمة
الحلقة الثالثة
Dynasty
العائلة الحاكمة
وتشمل الحلقة الفترة الواقعة ما بين عامي 1087 إلى 1216. لا توجد قصة طويلة أقوى من حكاية
عائلة الحكم المـتـنـازعة، حـيـث الوالد المسـتبد والأم الجـميلة الـتي تحـيك المكائد والابناء والبنات
(تحديدا بنات الأخوة) المتشاجرين والإجراميين. وهنا تقع المسرحية الدرامية التي تم تأديتها على
خشبة مسرح التاريخ البريطاني بالأعوام التي تلت الفتح النورماندي.
الحلقة الثالثة مترجمة
 
الحلقة الرابعة
Nations
الأمــــم
وتقدم الحلقة المرحلة الواقعة ما بين الأعوام 1216 و1348. حيث تعرض القصة الملحمية التي
نهضت بها أمم بريطانيا من تحت قبضة ملك إنجلترا إدوارد الملقب بـ”طويل الساقين”. مع وصف
الإدراك عمن كانت هذه الأمم وما هية هويتها التي مكنتها من التبلور إلى هذا العصر.
الحلقة الرابعة مترجمة
الحلقة الخامسة
King Death
ملك الموت
وتشمل الأعوام الواقعة ما بين عامي 1348 إلى 1500. حيث لم يستغرق الأمر سوى ستة أعوام
لكي يعيث مرض الطاعون خرابا بالجزر البريطانية، وسيستمر أثره لأجيال عديدة. لكن من تحت رماد
هذه الطامة، يظهر ما لم يكن متوقعا من بروز طبقة فريدة من نوغها من “الإنجليز”.

الحلقة الخامسة مترجمة

 

الحلقة السادسة

 

Burning Convictions
إشـتـعـال الـمـذاهـب
وهي تشمل الفترة 1500 إلى 1558، حيث يرسم سايمون شاما بدقة تفاصيل الثورة التي تسبب بها
إعلان تدين الدولة. حيث أن الملك الذي سمّى نفسه “مدافعا عن عقيدة الإيمان (الكاثوليكي)” تحول
إلى أشد نصير لعقيدة الإيمان البروتستانتي الجديد.
الحلقة السادسة مترجمة
الحلقة السابعة
The Body of the Queen
جــســد الــمــلــكــة
وتغطي الحلقة فترة ما بين عامي 1558 و1603. حيث يتم تقديم وقائع حكاية ملكتين: إليزابيث
الأولى السياسية البارعة، وماري ستيوارت ملكة اسكتلندا وراعية الكاثوليكية. وهذه الوقائع تشير
بوضوح لولادة أمّة.
الحلقة السابعة مترجمة

الحلقة الثامنة
The British Wars
الحروب البريطانية
وهذه الحلقة تشمل فترة 1603-1649. بعد أن بلغت الحروب الأهلية ذروتها فإنها قد أخرجت حدثين
بارزين بالتاريخ البريطاني: الإعدام العلني للملك، وتأسيس الجمهورية. ويعرض شاما الحرب القاسية
التي شقت البلاد لنصفين وكونت بريطانيا جديدة، وهي المنقسمة ما بين السياسيين والدين، وهي
المهيمن عليها عن طريق أول جيش حديث حقيقي، والقتال من أجل المعتقدات لا من أجل الشخصيات
القيادية.
الحلقة الثامنة مترجمة
الحلقة التاسعة
Revolutions
الثورات
وتعرض الحلقة الفترة ما بين عام 1649 إلى 1689. حيث عصفت الثورات السياسية والدينية
ببريطانيا بعد إعدام الملك تشارلز الأول عندما كانت بلدا جمهوريا كئيبا بلا ملك يقودها أوليفر
كرومويل. ولم يحظى حكمه بالكثير من التأييد الشعبي، وقد تنفس العديد من الناس الصعداء عندما تم
اعادة النظام الملكي للسلطة بعد موت كرومويل، إلا إنه كان كذلك رجلا ذو رؤية طبق إصلاحات بالغة
الأهمية.

الحلقة التاسعة مترجمة

 

الحلقة العاشرة
Britannia Incorporated
بريطانيا الموحدة
وهي تسلط الضوء على الفترة 1690 إلى 1750. ومع بزوغ فجر القرن الجديد، أصبحت العلاقة
بين إنجلترا واسكتلندا اسوأ مما كانت عليه في السابق. إلا أن البلدين بعد نصف قرن لاحق سيعملان
على إقامة مستقبل مشترك على أساس الفائدة والمصلحة المتبادلة. وأصبحت بريطانيا الجديدة ترتكز
على المال لا على الارتباط بالرب.
الحلقة العاشرة مترجمة

الحلقة الحادية عشر

The Wrong Empire
الامبراطورية الخطأ
وهذه الحلقة تعرض الفترة 1750-1800. حيث وضحت التسلسل التاريخي للقصة البغيظة لكيفية
ظهور الامبراطورية البريطانية للوجود عبر مستعمراتها بفترة مبكرة، كمثال جزر الكاريبي من خلال
مزارع قصب السكر (وبمعونة نظام الرقيق)، ومثال الأرض التي أصبحت تعرف فيما بعد بالولايات
المتحدة والهند من خلال شركة الهند الشرقية، وكيف تسنى لها أن بنهاية الأمر السيطرة على العالم.
وهي قصة استكشاف وجرأة ولكنها بنفس الوقت قصة استغلال وصراع وضياع.

الحلقة الحادية عشر مترجمة
الحلقة الثانية عشر
Forces of Nature
قـوى الـطـبـيـعـة
وهي تشمل الفترة 1780-1832. لم تخض بريطانيا مطلقا نوع الثورة التي عصفت بفرنسا في العام
1789، إلا إنها كانت قريبة منها. ولقد انتشت البلاد بمنتصف سبعينات القرن الثامن عشر تحت
تأثير نشاط العمل السياسي. وقد عمل مثقفوا العصر الرومانسي على إعادة اكتشاف طبيعة إنجلترا
مثلما اكتشف كذلك محنة الانسان البسيط، وهذا ما حول الطبيعة إلى قوة ثورية.

الحلقة الثانية عشر مترجمة

الحلقة الثالثة عشر

Victoria and Her Sisters
فـيـكـتـوريـا وأخـواتـهـا

وتعرض الحلقة الفترة ما بين 1830-1910. مع بداية العصر الفيكتوري كان التقدم الهائل في مجال
التقنية والتصنيع يعيد تشكيل كلا من المشهد الطبيعي والبنية الاجتماعية للبلد بأكمله. وستتبوأ المرأة
موقعا مركزيا بالتأثير على تكوين المجتمع لحدود أعظم من ذي قبل.

الحلقة الثالثة عشر

الحلقة الرابعة عشر

The Empire of Good Intentions
امبراطورية النيّات الحسنة

وتسلط الضوء على الفترة 1830-1925. وترسم هذه الحلقة الحياة المتقلبة لامبراطورية المتحررة
من إيرلندا إلى الهند. حيث تم تقديم وعود الحضارة وتحسين الأوضاع المادية وإهداء هذه الشعوب
طرق الاستعباد ووقوع المجاعات.

الحلقة الرابعة عشر

الحلقة الخامسة عشر

The Two Winstons
وينستون و وينستون

وتقدم الفترة 1910-1965. يتحرى البروفيسور شاما بالحلقة الختامية من السلسةالحضور الطاغي
للماضي في القرن العشرين في بريطانيا والصراع القادة في بحثهم عن طريقة لصنع مستقبل وطني
مختلف. وقد ضربت كلا الشخصيتيين البارزتين بالقرن العشرين تشرشل وأورويل
(عبر شخصيته الرئيسية برواية 1984 وينستون سميث) مثالا حسب أساليبهم المختلفة الخاصة بهم
من ناحية استغراقهم بتأمل الماضي الامبراطوري والتصرف بناء عليه. أما ما يشكلل أكبر تأثير علينا
فهو كتابة التاريخ وصياغته.

الحلقة الخامسة عشر

عودة إلى قلم فيصل كريم


لا أملك في هذا المقام سوى تقديم الشكر الجزيل لكل من ساهم بهذه الاحتفالية البسيطة في مظهرها والعميقة في معناها، وأود أن أشير بهذا الخصوص لجهود كل من الأخ الأستاذ عباس مشالي الذي استقطع من وقته وجهده الشيء الكثير لمؤازرتنا بإظهار هذا الموضوع بأفضل شكل ممكن، فله منا جزيل العرفان. وكذلك أوجه شكري للأخ العزيز شابي شحاتة لتصميمه الجميل لبوسترات هذه السلسلة الوثائقية فشكرا جزيلا لجهوده، والشكر موصول للأخ محمد عوض لتكفله بدمج الملفات ورفعها وتوفير روابط الرفع. أما أصحاب الإنجازات فهم أنتم أيها الاخوة المترجمين الكرام بكل ما بذلتموه من جهد وعطاء لثراء هذا القسم وكل الأقسام الأخرى بمنتدى الترجمة. فجزاكم الله كل خير.

رؤية عن تاريخ بريطانيا بقلم: فيصل كريم

أحييكم أيها الاخوة الكرام مرة أخرى وأقدم لكم عبر المشاركتين المتتاليتين هذه الرؤية عن تاريخ بريطانيا الطويل والحافل. ولكن قبل ذلك لا بد أن أشير لهذا الجهد المشترك بعمل هذه السلسلة الكبيرة عن تاريخ بريطانيا التي قدمها لنا البروفيسور سايمون شاما على مدار 15 حلقة استغرقت منا جهدا وعملا حثيثين استمر لأكثر من ثلاثة شهور أو أكثر قليلا، بذلنا عبرهما كل ما نستطيع من أجل إظهار الترجمة على أكبر قدر ممكن الصحة والدقة، وما التوفيق بذلك إلا من عند الله. أما هذا التاريخ الوعر فقد مر بمراحل متعددة اسمحوا لي أن استعرض أهم ما مر به من تشكلات وتحولات وصولا إلى إحداث التأثير وتكوين شخصية الإنسان البريطاني بالعصر الحديث.

إلا أننا قبل ذلك سنعرج على تقديم نبذة بسيطة عن هذه السلسلة ومقدمها. السلسلة الوثائقية A History Of Britain من انتاج تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية BBC في عام 2000 واستمر لمدة ثلاثة مواسم متتالية بشكل متقطع ربما بسبب انتظار الحصول على النجاح والعائدات، وهو ما حصل عليه بالفعل وأدى لاستمرار الحلقات إلى 15 حلقة لتقديم رؤية لتاريخ بريطانيا تصل إلى التاريخ البريطاني المعاصر.

مقدم البرنامج وكاتب نصه هو البروفيسور البريطاني سايمون شاما المؤرخ والمتخصص بمجال التاريخ الفني. ولد البروفيسور شاما عام 1945 في لندن في كنف أبوين يهوديين مهاجرين من أصول ليتوانية وتركية. وقد حاز على منحة دراسية بكلية المسيح بجامعة كامبريدج وتخرج بامتياز نجمي عام 1966. ثم قام على التدريس بالجامعة نفسها، ثم حصل على الزمالة الجامعية من جامعة أوكسفورد متخصصا بالثورة الفرنسية عام 1976. ثم انتقل شاما بعد ذلك للعمل في أميركا، حيث قبل مقعدا للتدريس بجامعة هارفارد في عام 1980.وهو يعمل الآن بجامعة كولومبيا منذ العام 1994، ومتخصص بالتاريخ الفني، وتحديدا تاريخ التراث الهولندي منه. صدرت له العديد من المؤلفات كان من أبرزها كتاب “حقائق ميتة” Dead Certainties عام 1991. كلفته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في عام 2000، بمناسبة حلول الألفية، بعمل برنامج وثائقي متكامل عن تاريخ بريطانيا. إلا أن خلافا قد نشبب حول اسلوب عرض هذه السلسلة بين المنتجين وشاما. فهم أرادوا عرض التاريخ البريطاني الشامل بحيث يكون اسم السلسلة The History Of Britain، بينما أصر هو على تقديم رؤيته الشخصية لهذا التاريخ بحيث يكون A History Of Britain. وبعد شد وجذب كانت الغلبة لرأي مقدم السلسلة؛ لأنه هو من سيقوم بصياغة المادة العلمية للسلسلة، فضلا عن كتابة نصها وتقديمها عبر جميع الحلقات. وقد اتفق الجميع على استحالة عرض كل ملوك وأحداث تاريخ بريطانيا، وهكذا عرضت السلسلة أبرز أحداث وتغيرات هذا التاريخ على بريطانيا والشخصية البريطانية. والاسلوب الذي عرضت به هذه السلسلة يتميز بشكله غير التقليدي في عرض التاريخ، حيث العمق والقراءة المعاصرة للتاريخ التي يصنعها الانسان البسيط والفرد العادي الذي أنجز انجازات يذكرها التاريخ، وقد تؤثر وتغير من مجراه بدرجة أو بأخرى. وهذا العامل الذي اتبعه البروفيسور شاما كان قد دوّنه مؤسس علم الاجتماع والمؤرخ العربي ابن خلدون الذي أشار إلى

“أن الوقائع التاريخية لا تحدث بمحض الصدفة أو بسبب قوى خارجية مجهولة، بل هي نتيجة عوامل كامنة داخل المجتمعات الإنسانية، لذلك انطلق في دراسته للأحداث التاريخية من الحركة الباطنية الجوهرية للتاريخ. فعلم التاريخ، وان كان (لايزيد في ظاهره عن أخبار الايام والدول) انما هو (في باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق وعلم بكيفيات الوقائع واسبابها عميق، لذلك فهو أصيل في الحكمة عريق، وجدير بأن يعد في علومها وخليق(المقدمة). فهو بذلك قد اتبع منهجا في دراسة التاريخ يجعل كل أحداثه ملازمة للعمران البشري وتسير وفق قانون ثابت.”

ومن مميزات هذه السلسلة أيضا تلك المظاهر الخاصة بها، كالجدية بالطرح وعدم المبالغة باستخدام التقنيات الحديثة، واعتمد منتجوا السلسلة على التواجد بالمواقع التي جرت بها الأحداث المختلفة في بريطانيا، أو حتى بخارج بريطانيا مثل فرنسا والولايات المتحدة وجزر الكاريبي والهند. ومن مميزاتها كذلك استخدام الموسيقى المناسبة التي تعبر عن روح المكان والشخصية حسب فتراتها الزمنية المتباينة.

وأود هنا الانتقال إلى طرح رؤية خاصة حول تطور التاريخ البريطاني والشخصية البريطانية عبر المراحل التاريخية المفصلية بهذه البقعة المتطرفة من العالم، التي سادت على الكرة الأرضية ذات يوم وأصبحت “الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.” وسيكون معياري المستمر لتطور هذه الشخصية على مر التاريخ اللغة الإنجليزية وتحولاتها، وذلك بعد كل حقبة تاريخية تمر على هذه البلاد. ذلك إن معيار تطور اللغة أهم أداة لتقييم الشخصية والثقافة البريطانية عموما.

غموض البداية

لا شك أن عدم وضوح بداية تحديد هوية من كان يعيش على الجزر البريطانية بالعصور الغابرة من فترة ما قبل التأريخ أمر طبيعي. لولا أنه تم اكتشاف مستعمرة بشرية تعود للعصر الحجري بجزيرة أوركني بشمال اسكتلندا تشير إلى وجود نوع من أنواع الحياة البشرية الحضرية بتلك الحقبة التي تم تحديدها ما بين 3100 قبل الميلاد إلى 2500 قبل الميلاد. فتم اعتبار تلك المنطقة مكانا أثريا ترعاه اليونيسكو. وليس من الواضح ما هي العوامل التي جعلت تلك الحياة البشرية المنظمة بمستعمرة سكارا براي تتعرض للأفول والزوال. فقد تكون عوامل تغير الطقس القاسية أو الكوارث الطبيعية الهائلة، أو توالي الحروب والغزوات الفتاكة من قبل القبائل المحيطة بتلك المنطقة.. لكن مع المعروف تاريخيا أن بريطانيا كانت تقع ضمن الثقافة السلتية أو الكلتية التي كانت منتشرة بعموم الغرب الأوروبي ما قبل وقوع الثقافة السلتية فيما بين مطرقة الامبراطورية الرومانية وسندان القبائل الجرمانية البربرية شديدة البأس . وما هو مؤكد أن بريطانيا تعرضت لاحقا لقدوم العديد من الزوار الذين بسطوا هيمنتهم عليها. كان أولهم بطبيعة الحال الرومان.

وصول الأباطرة الرومان لبريطانيا

 

بحلول العام 43 ميلادية كانت طلائع القوات الرومانية قد وصلت لبريطانيا إلا إنها لم تتمكن من فرض سيادتها إلا بعد مدة طويلة جدا. مما يشير إلى المقاومة الشديدة التي أبداها سكان هذه الجزر وكذلك صعوبة الوصل إليها حيث أن البحار المحيطة ببريطانيا غالبا ما تميل للهيجان وعدم الاستقرار. وقد يكون هناك سبب آخر ألا وهو الضربات المتتالية التي كانت تسددها القبائل الجرمانية للامبراطورية الرومانية عبر جميع أرجاء القارة العجوز ولن تكون بريطانيا استثناء على كل حال. وقد تكون غزوات الفايكينج والدانمركيين بسفنهم الطويلة قد حالت دون تحقيق الهيمنة الرومانية بوقت أسرع. وعموما، فإن السيطرة الرومانية على بريطانيا تحققت بحلول عام 410 ميلادية. فعمل الرومان على فرض اسلوب الحضارة الرومانية بالجزر البريطانية وجلبوا التطورات الجديدة في مجال الزراعة والعمران، والصناعة والهندسة المعمارية، وتركوا إرثا لا يزال واضحا حتى اليوم. لكن الرومان كانوا يشعرون بالقلق الدائم وذلك بسبب الغزوات القادمة من الشمال حيث القبائل المختلفة من السلتيين أو الفايكينج أو غيرهم. فأقدموا على عمل قد يكون ترك بعض الآثار على الشخصية البريطانية وهو الفصل وإحداث نزعة الإنقسام. ونعني بذلك سور هادريان الكبير.

قام الرومان إبان تولي الامبراطور هادريان بإنشاء سور ضخم يفصل الشمال البريطاني عن جنوبه وذلك لصد القبائل التي تغزو بين وقت لآخر فتقض مضاجع الحكّام الرومان الجدد. ثم ما لبثوا أن قاموا بإنشاء جدار آخر بالشمال من الأول سمّي بسور أنتونين ليكتمل الجدارين في غضون عشرين عاما وذلك سنة 142 ميلادية.

والحقيقة أن هذا الفصل ما بين الشمال والجنوب قد يكون خلّف بعض الآثار داخليا، حيث يلحظ المرء مدى عدم ارتياح الشمال البريطاني الفقير من الجنوب الغني حيث الرخاء والرفاهية إلى يومنا هذا. إلا إن هذه الأسوار كذلك كانت لها بعض المنافع التجارية والتبادلية بين طرفيها، فرب ضارة نافعة.

إلا أن الحُكم الروماني لم يكن ورديا أو بلا شوائب تماما. فقد كانت هناك الكثير من المظالم وطرق الاستعباد التي زرعت الأحقاد والكره بنفوس سكّان هذا الشعب. ولعل من أهم نماذج هذه المظالم نموذج الملكة المنتقمة بوديكا.

ربما تكون قصة الملكة بوديكا التي شكلت أول ثورة في تاريخ بريطانيا ما بين عامي 60 و61 ميلادية، مليئة بالرومانسية الأسطورية، لكنها على أي حال تعبر بوضوح عن فكرة تحدي الحكم غير العادل، وتشير بجلاء لشخصية الانسان البريطاني الثائر والعنيف بشكل مبالغ به في أحيان كثيرة. ولا شك أن ثورة الملكة بوديكا قد أدت لحدوث نتائج إيجابية لاحقا، بالرغم من قمع الرومان القاسي لها، إذ أدركوا أن نوع الحكم السابق لا يستقيم معه الوضع في بريطانيا بالذات وذلك لفداحة الخسائر الرومانية بتلك الثورة. إذ تقدّر السجلات التاريخية أن 70 ألف جندي روماني وحليف قد ذُبحوا من جراء ذلك التمرد الهائل. ورغم أنه رقم خيالي وقد يحتوي على كثير من المبالغة، إلا أن النتيجة المؤكدة هو تغير سلوك نظام الحكم الروماني لبريطانيا نحو الأفضل.

إلا إن الحال لم يدم بالامبراطورية الرومانية بعد تلك الحقبة، فقد جاءت نذر رياح الضعف والتبدل من روما التي تعرضت إمبراطوريتها للانهيار والتفكك بسبب عوامل داخلية وضربات قبائل القوط المتوالية. فانسحبت القوات الرومانية بعد سقوط روما، وأضحت بريطانيا بشعبها السلتي آنذاك بلا حماية من كل المتربصين بها من الشرق والشمال. فأخذت تهاجمها باستمرار قبائل الفايكينج الدموية بما فيهم الدانمركيين والنورد (النرويجيين). فحاول السلتيون أول الأمر الاستنجاد ببقية الرومان إلا أن قضيتهم كانت خاسرة. ثم لجأوا بعد ذلك إلى قبائل جرمانية أخرى ستغير مجرى تاريخهم إلى الأبد.

معيار التطور التاريخي اللغوي:

لم يكن بهذا الوقت من الحكم الروماني أي معلم واضح لوجود اللغة الانجليزية. لكن من المهم الإشارة إلى أن اللغة الانجليزية وما زالت إلى اليوم تأخذ كثيرا من منابعها اللغوية من اللغة اللاتينية المستخدمة بعصر الإمبراطورية الرومانية. وهنالك الكثير من المفردات والكلمات الإنجليزية الحالية مستمدة من الجذور اللاتينية بسبب الوجود الروماني ببريطانيا وفرضه الثقافة ثقافة تلك الحضارة السائدة آنذاك. ومن المحتمل تكوّن خليط ثقافي ولغوي معين بمرور الزمن ما بين الثقافتين الرومانية والسلتية، سيمتزج بدوره مع الثقافة الأنجلو-ساكسونية القادمة بقوة على الساحة البريطانية.

———————————

هجرة القبائل ألأنجلو-ساكسونية لبريطانيا

لا شك أن القبائل الأنجلو-ساكسونية -كما توضح الخريطة أعلاه- قادمة من شمال أوروبا، وتحديدا من شمال ألمانيا وجنوب الدانمرك والنرويج والسويد. وهذه المجموعات القبلية الجرمانية تتكون أساسا من ثلاثة قبائل. الأنجلز، وهم الأكثر والأقوى وسميت البلاد على اسمهم Englaland أي بلاد الأنجليز ثم تغير لاحقا إلى England، والساكسون وهم من كانوا يقطنون ساكسونيا الحالية بشمال ألمانيا، وقبيلة الجوتيين وهي اليوم متمثلة بالدانمرك نفسها. وقد بدأ نزوحهم عام 449 ميلادية كما يذكر الراهب والمؤرخ المعروف بيد في كتابه المترجم من تاريخ الكنيسة والشعب الإنجليزي A History of English Church And People

ولقد كانت النتيجة عكسية على القبائل السلتية بعد الاستعانة بهذه القبائل الشرسة. حيث تعرضوا حسب ما وصفه أحد المؤرخين (المؤرخ ديفيد ستاركي – ح 1 سلسلة Monarchy) إلى أول عملية تطهير عرقي منظم من الأنجلو-ساكسون أدى إلى نزوح معظم السلتيين غربا أو التسلل نحو الأراضي الفرنسية. وتذكر الاكتشافات الحفرية أن الأنجلو-ساكسون قاموا بعملية إبادة للذكور من الشعوب الأصلية لبريطانيا والتعامل بوحشية مع الإناث ما بين إكراه واغتصاب وعنف شديد. النتيجة تمثلت بأن البلاد بمرور فترة وجيزة أمست عرضةً لتغيير شامل، في النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وتكوّنت بهذه الفترة تحديدا الشخصية الانجليزية لبريطانيا. فمن الناحية السياسية نقلت هذه القبائل نظامها السياسي بحيث انقسمت البلاد إلى سبع ممالك شبه مستقلة وهي مملكة كينت ونورثومبريا وميرسيا وإيسيكس وساسيكس ويسيكس وإنجليا الشرقية. وكان الوضع العام يتأرجح ما بين هذه الممالك بمسألة حكم بريطانيا بشكل إجمالي. فتكون الغلبة عادة لأي ملك يظهر بقوة فيخضع له باقي الملوك وباقي البلاد. وكانت السيطرة أو الكلمة العليا تدين لحكام مملكة كينت بالقرن السادس، ثم ما لبثت أن تفوقت مملكة نورثومبريا بالقرنين السابع والثامن، ثم انتقل مركز القوة جنوبا لمصلحة مملكة ميرسيا بالقرن التاسع وهكذا دواليك حتى نهاية الحقبة الأنجلو-ساكسونية ببريطانيا بنهاية الألفية الأولى في هذا الزمان. ومن أشهر ملوك الأنجلو-ساكسون الملك ألفريد العظيم الذي حكم من الفترة 871 إلى 899 ميلادية. وقد أخذ هذا اللقب بعد نجاحه بدحر غزوات الفايكنج المستمرة على البلاد.

أماكن توزع الممالك الأنجلو-ساكسونية بحلول عام 800 م

تمثال الملك ألفريد
بميدان سوق وينتاج

دخلت بريطانيا المسيحية بحلول العام 597 ميلادية عندما أرسل البابا جريجوري الأول القديس أوغسطين مع مجموعة من المبشرين. فعملوا على بناء كاثدرائية كانتربيري وهي الكنيسة الرسمية لبريطانيا إلى يومنا هذا.

ملك مسلم لبريطانيا!

من غير المستغرب أن يكون الإسلام قد وصل لبريطانيا بهذه الفترة المبكرة في بريطانيا، فهذا الدين الحنيف قد بلغ أوجه بذلك التوقيت عبر الدولة العباسية، وآخر الاكتشافات الأثرية أكدت أن العديد من القطع النقدية والفخارية كانت قد وصلت أيضا لليابان في أقصى بقعة شرقية منعزلة من العالم، إلا أن السؤال المهم الذي يفرض نفسه، هل أسلم أحد ملوك بلاد الإنجلتار (كما كان العرب يطلقون على إنجلترا) بذلك الزمان؟

الملك أوفا: ملك ميرسيا وإنجلترا

لقد حيّرت حكاية الملك أوفا -الذي حكم مملكة ميرسيا أولا، ثم دان له حكم إنجلترا عموما، ردحا طويلا من الزمن- المؤرخين وعلماء الآثار الذين اكتشفوا من بين الحفريات التي اكتشفوها عملات نقدية نقش عليها اسم الملك أوفا بالانجليزية وكذلك عبارات أخرى لم يفهموا معناها مباشرة. لكن سرعان ما تبين لهم أن العبارات المنقوشة على وجهي العملة لم تكن سوى عبارات باللغة العربية تذكر الآتي:

0djdpt9u87czacfdi

الوجه الأول للعملة منقوش به “لا إله إلا الله لا شريك له“، وفي حافته كتب “محمد رسول الله” وكذلك الآية القرآنية “وأرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله“. وبالوجه الآخر كتب أيضا محمد رسول الله وفي وسط هذه الجملة سجل اسم الملك “أوفا” باللغة الإنجليزية، أما في الحافة فقد كتب باللغة العربية: “بسم الله، ضرب هذا الدينر (أي الدينار) سبع وخمسين ومئة“. وكما يفهم من إمضاء الملك أوفا فإن هذه القطعة ضربت خلال الأعوام 757م ـ 796م وسنة 157هـ الواردة في قطعة النقد تصادف عام 774م وهي ضمن فترة حكم الملك “أوفا”. مما يجعل المرء يتساءل عما إذا كان ذلك الملك قد أسلم بالفعل. ورغم أن أجابة قاطعة بهذا الشأن من الصعب توفرها، إلا أن ذلك يفتح الباب واسعا أمام الفرضيات المنطقية يطرحها الموقع الإلكتروني الذي نعرضه هنا. ولا يمكننا استبعاد أي من هذه الفرضيات ولا نتائجها المنطقية، إلا أن المؤرخين الغربيين لا يلجؤون لتحري الموضوعية بل يتذرعون بحجج لا تتسم بالقوة ودحض إمكانية إسلام ذلك الملك وهو ما عملت الفرضيات المذكورة على تفنيدها وتفسيرها بشكل منطقي دون مبالغة. ولعل من اجرأ المؤرخين الذين ناقشوا هذه الفرضية بشكل واضح المؤرخ البريطاني فرانك ستينتون. وقد ذكر ذلك الاستاذ دكتور مصفى حسن الكناني بكتابه الممتع عصر أوفا ملك إنجلترا الأنجلوساكسوني 757 – 796 م. وعلى أي حال سيبقى هذا الموضوع مثار جدل كبير ما لم يكن هناك دليل أثري يميط اللثام عن غموض هذا الملك.

معيار التطور التاريخي اللغوي:

من المؤكد أن الأنجلو-ساكسون بأمر هجرتهم واستيطانهم ببريطانيا قد أدى بهذا البلد إلى خلع عباءة اللغة اللاتينية التي تعرضت للاحتضار فيما بعد، وارتداء العباءة اللغوية التي ستسيطر عليهم بدءا من ذلك الزمن، اللغة الانجليزية. بدأت اللغة الإنجليزية القديمة Old English بالتداول بين الناس مع قدوم الحكام الأنجلو-ساكسون الجدد. ويتفق علماء تاريخ اللغة أن أصلها من اللغات الجرمانية، وهي قريبة ومرتبطة بدرجة ما مع اللغة الفريزية القديمة والتي يتم التحدث بها حاليا ببعض مناطق هولندا. واللغة الإنجليزية القديمة تختلف تماما عن اللغة الإنجليزية المتعارف عليها حاليا وتحتاج للترجمة حتى يتم استيعابها. وقد تم تداول اللغة الإنجليزية القديمة بالفترة ما بين العام 425 إلى 1125، حيث زال الحكم الأنجلو-ساكسوني على يد غزاة جدد.

———————————

ثلاثة ملوك وخاتم واحد: الفتح النورماندي

لوحة التطريز الفنية Bayeux Tapestry
التي توضح جميع مراحل الصراع الثلاثي
بين إدوارد وهارولد وويليام

من القصص العجيبة بتاريخ بريطانيا فترة تحول الحكم إلى فاتحين جدد غيروا معالم هذا البلد منذ ذلك الأوان. تبدأ الحكاية من الملك المتدين إيدوارد المعترف الذي تعرض للتهجير والنفي بصغره عند أقربائه النورمانديين في شمال فرنسا. وتعرض للاهمال وسوء المعاملة من أمه إيما النورماندية التي تزوجت من نبيل آخر بعد موت والده الملك إيثيلريد الهارب من بطش غزوات الفايكنج، ثم تعرض للتحجيم حتى بعد تنصيبه ملكا على إنجلترا عام 1042 من قبل أقوى شخصية بالبلاد بذلك الوقت الأمير جودوين الذي زوجه من ابنته لكي يضمن انتقال الحكم إليه. لكن إيدوارد لجأ لسلاح الزهد والورع حتى يقاوم خصمه الخطير، فأُطلق عليه لقب المعترف لهذا السبب. إلا إن الأمير جودوين مات فجأة تاركا إرثه لإبنه الأكبر هارولد. ومن المعلوم عن هذا الأخير أنه قام فيما قبل برحلة غامضة الأسباب إلى النورماندي بشمال غرب فرنسا فألقى عليه القبض أميرها ويليام الشهير آنذاك بابن الزنا William The Bastard. وبعد سجال بينهما يبدو أن هارولد قد أعطى وعدا لويليام بمنحه الحكم كخليفة لإيدوارد المعترف، ويقول المؤرخون النورمانديون أن نفس الوعد كان قد قطعه إدوارد المعترف نفسه لويليام ليخلفه على العرش لقرابتهما من ناحية النساء (ابن خالته). وبعد فترة من الزمن، يحتضر إدوارد ولا يجد أمامه سوى هارولد الذي خرج للناس حال وفاة إدوارد وأعلن نفسه ملكا. ولكن كان الثمن باهظا للغاية. حيث اضطر لمواجهة غزو من ملك النرويج هاردرادا بتحريض من أخ هارولد توستيج الذي كان قد نفي قبل ذلك من قبل أخيه هارولد نفسه، فأتى منتقما. فأجبر الأخير على مواجهتهما بمعركة شهيرة وقعت في ستامفورد بريدج (وهو اسم استاد كرة القدم لنادي تشيلسي حاليا) بسبتمبر عام 1066. فتمكن هارولد من الظفر بالمعركة بعد حركة خداع فقتل كلا من هاردرادا وأخيه توستيج وفر بقية جيش الفايكينج النرويجي نافذا بجلده. إلا أن الأقدار لم تمهل الملك هارولد ورجاله الشجعان الفرح بالنصر المؤزر ولا الاستراحة من مشقة المعركة الكبيرة، حيث أتته الأنباء المفجعة بنزول جيش نورماندي يقوده ويليام ابن الزنا على موقع بقرب تل سينلاك جنوبا. فاضطر هارولد أن يسير بجيشه المنهك أصلا مسافة تزيد على 400 كيلومتر. فوقعت معركة شهيرة أخرى بتاريخ بريطانيا وهي معركة هايستينج بأكتوبر من عام 1066 أي بعد أيام قليلة من معركة ستامفورد بريدج. وبعد معركة شرسة خاضها الطرفان، حوصر الملك هارولد ومجموعة من رجاله الفدائيين فلم يستسلموا واستبسلوا، فقتلوا جميعا عن بكرة أبيهم. وهكذا دان الحكم للنورمانديين، وتحول ويليام الشهير بابن الزنا إلى ويليام الفاتح William The Conqueror.

شعار حكام إنجلترا آل بلانتيجينينت

ودخلت بريطانيا بريطانيا حقبة جديدة ألا وهي حقبة الحكم النورماندي بكل ما فيه من إيجابيات أثرت ببريطانيا وسلبيات أودت بها إلى حروب أهلية طاحنة. ومن أشهر العوائل النورماندية التي حكمت إنجلترا عائلة بلانتيجينت عبر ملكها الأول هنري الثاني الذي أسس القانون المشترك ولكنه ترك البلاد ممزقة ما بين ابنائه الذين تنازعوا الحكم بعد موته وأبرزهم ريتشارد الشهير بقلب الأسد (الذي تفضل بزيارة غير مرحب بها لأرض بيت المقدس بأكبر الحملات الصليبية وواجهه الناصر صلاح الدين الأيوبي الذي أجبره على العودة مخذولا)، والثاني جون الذي اشتهر بأمرين الأول أنه عدو بطل القصص الشعبية روبن هود، والثاني هو ضعفه كملك بحيث أدى لأن ينتزع منه النبلاء إقرار الوثيقة العظمى (الماجنا كارتا) إلا أن ضعفه هذا كان بالتأكيد لصالح الشعب عبر التخلي عن بعض السلطات الملكية والمشاركة الشعبية بالحكم وإن كانوا فقط من النبلاء فقط بهذه المرحلة. إلا أن سخريات القدر لها من القدرة على تحقيق الأماني كما هي قاسية في معظم الأحيان، أو هكذا يشعر الانسان. فقد أدت موجات الطاعون الدبلي التي ضربت بريطانيا وأوروبا بالقرون الوسطى لأكثر من مرة إلى وجود فراغ اجتماعي واقتصادي استفاد منه مجموعة كبرى من ابناء عموم الشعب العاديين، فساهم هذا بتضعضع النظام الإقطاعي Feudal System وعمل على تكوين طبقة جديدة أقرب ما تكون إلى الوسطى تتمتع بمصالح تجارية واقتصادية متنامية. وقد حاول النظام الملكي الإقطاعي مقاومتها ومحاربتها إلا إنه لم يستمر بذلك بسبب تبادل المصالح مع هذه الطبقة الناشئة وللحالة الضعيفة التي أصبح عليها بعد ضربات الطاعون المتتالية والذي لم يكتشف علاجه الناجع إلا بعد أن قضى على نصف الشعب البريطاني تقريبا مما أدى إلى ضعف الحكم ونتائج وخيمة على الاقتصاد والمجتمع. إلا أن مقولة رب ضارة نافعة تحققت هنا رغم تلك النتائج الكارثية، حيث أصبح للشعب البريطاني صوت عال مسموع في بلاط الملوك. فإن لم يسمعوا سيكون مصيرهم كمصير الملك تشارلز الأول، حبال المشنقة!

معيار التطور التاريخي اللغوي:

 

بدخول بريطانيا حقبة الحكم النورماندي فإنها تعرضت لمحاولات شديدة من الحكام الجدد بفرض اللغة الفرنسية على جميع الأجهزة الرسمية للبلاد. وهذا أدى لحدوث نوع من أنواع التجاذب في بداية الأمر فيما بين اللغتين عند عموم الشعب. فالطبقات العليا من النبلاء والدوقات والأمراء ورجال الدين أصبحت اللغة الفرنسية ذات اللهجات النورماندية القديمة (لهجات شمال وغرب فرنسا) طابعا رئيسيا وملمحا من ملامح التقرب لرأس السلطة. في حين أن عموم الشعب كان بالبداية يتحدث باللغة واللهجات التي سادت إبان الحقبة الأنجلو-ساكسونية أي الفترات الحديثة من اللغة الإنجليزية القديمة Old English. إلا إنه مع مرور الوقت أصبح هناك نوع من التمازج ما بين اللغة التي سادت سابقا وهي اللغة ذات الأصل الأنجلو-فريزي مع اللغة النورماندية الجديدة على البلاد. وبالتالي أخذت اللغة الناشئة تكتسب الكثير من اللغات الرومانسية وهي اللغات ذات الأصل اللاتيني كالفرنسية وغيرها. وقد يكون هذا العامل الإيجابي قد أدى باللغة الانجليزية أن تكون قادرة على استيعاب المدخلات الجديدة عليها سواء من ناحية المفردات Vocabulary أو من ناحية التركيب الصرفي Grammatical Structure. ومن الجلي أن ناتج هذا المزيج هو نشوء ما سمي باللغة الأنجلو-نورمانية بدءا من القرن الثالث عشر وحتى الخامس عشر وقد تم تعميمها بقاعات المحاكم والدوائر الرسمية والمدارس والجامعات وما بين طبقة النبلاء والبرجوازيين. وبهذا تحولت اللغة الإنجليزية لأن تكون لغة مفتوحة غير منغلقة تضيف إلى أصولها مظاهر متجددة مما أكسبها القدرة على الحيوية بمرور الزمن، وقد يعتبر هذا العامل من إنجازات النورمانديين سواء شعروا به أم أتى تلقائيا مع توالي الأحداث.

———————————

حروب أهلية… ووراثة مفقودة… وعذراء

هنري الثامن

نشبت حرب الوردتين War Of Roses بالقرون الوسطى ما بين فرعي آل بلانتيجينيت الرئيسيين يورك ولانكاستر ما بين عامي 1455 إلى 1485، وأفضت نتيجتها إلى تولي الملك هنري (السابع) آل ثيودور. ورغم أن هذا لم يغير من الأمر شيئا فهو ينبع من نفس العائلة السابقة، إلا إنه سيدخل البلاد بأزمة وراثة العرش لا سيما وأنه محصور بهذه العائلة الأصغر. بالإضافة إلى التحريم المطلق الذي تفرضه الكنيسة الكاثوليكية على مسألة التطليق والانفصال الزوجي وخاصة على الأسر الحاكمة. مما أوصل الأمور إلى أزمة حقيقية إبان تولي الملك هنري الثامن الحكم حيث لم ينجب من زوجته كاثرين أميرة أرجون الأسبانية القشتالية سوى ابنته ماري التي حكمت لاحقا، فرأى من الضروري أن تنصاع الكنيسة الإنجليزية لرغبته بالتطليق ليتزوج من أخرى حتى ينجب وريثا ذكرى للعرش. فأدخله هذا الأمر بأزمة مع مستشاره توماس مور الذي لم يوافقه على ذلك. إلا أن هنري الثامن أقدم رغم ذلك على فصل الكنيسة الإنجليزية عن الكنيسة البابوية في الفاتيكان، فتحولت بريطانيا نحو البروتستانتية رغم عدم إيمان الملك بها. إلا إنه لم ينجب ذكرا من آن بولين زوجته الثانية بل أنثى، فعاقب زوجته الجديدة بالاعدام بعد اتهامها بالخيانة، حيث يُروى أنها حاولت إنجاب الوريث الذكر من أي رجل كان. ولم ينجب من زيجاته الست إلا ذكرا واحدا وهو إدوارد السادس الذي تولى الحكم وهو فتى صغير ولم يعمر طويلا. إلا أن المولودة التي أنجبها هنري الثامن من آن بولين كبرت لتكون إليزابيث الأولى أهم ملوك وملكات بريطانيا على الإطلاق ولقب عصرها بالعصر الإليزابيثي. تولت الملكة إليزابيث الحكم بعد أحداث دراماتيكية صعبة بسبب توصية أبيها بعدم توليها العرش لاعتباره إياها ابنة غير شرعية من آن بولين، إلا أنها تولت العرش بنهاية العام 1558. ومن إنجازاتها تعميق الشخصية البريطانية بالبلاد والتمسك بالمذهب البروتستانتي والقضاء على أي نفوذ كاثوليكي خاصة بعد اتهام ملكة اسكتلندا ماري ستيوارت (راعية الكاثوليكية بالبلاد) بالخيانة وتنفيذ حكم الاعدام بها. مما أغضب الفاتيكان فحرض البابا ملك أسبانيا (“حامية حمى الكاثوليكية”) فيليب الثاني على غزو إنجلترا. فحدثت أخطر موقعة بحرية بالتاريخ البريطاني ألا وهي معركة الأرمادا عام 1588. والمدهش أن إليزابيث لم تجزع ولم تنكفيء. بل ارتدت الدروع وامتطت الحصان وأخذت تتقدم الصفوف ملوحة بالسيف أمام جيشها الذي ينتظر أكبر اسطول بحري بالعالم آنذاك. فصمد البريطانيون صمودا هائلا وساعدتهم عوامل الطقس الهائج بحرا، فدمروا معظم هذا الاسطول الغازي مما سيكون له أكبر الآثار بسيادة بريطانيا على بحار العالم ومحيطاته عبر القرون التالية. فسمي هذا العصر بالعصر الذهبي، عصر إليزابيث حكما وعصر شكسبير أدبا وفنا.

 

والحقيقة أن هناك الكثير مما يقال حول هذه الفترة الذهبية التي سعت من خلالها هذه الملكة التي حلقت شعرها وارتدت نطاقا أشبه بالذقن لتبدو كالرجال، إلى تعميق الاستقرار بالبلاد وتعليق الحروب الإنجليزية الفرنسية وإحداث نوع من النهضة الإنجليزية المغلفة بطابع بروتستانتي متسامح. فنجحت هذه الملكة العذراء حيث فشل أعتى عتاة الرجال الملوك. إلا أن النهايات السعيدة لا توجد إلا بخيالات القصص والروايات الحالمة. فسرعان ما أن أوقدت شرارة الفتنة بعد موت إليزابيث التي لم تتزوج أبدا فلم تخلف وريثا للعرش. ودارت مرة أخرى دائرة الصراع الكاثوليكي البروتستاني الذي طحن الملكية البريطانية وقذفها خارج البلاد لأول مرة بالتاريخ.

معيار التطور التاريخي اللغوي:

تبلورت اللغة الانجليزية بعد التفاعلات التاريخية التي مرت بها إلى شكل جديد وهو اللغة الانجليزية الوسطى Middle English. وقد ظهرت أول الأمر بعد اضمحلال نفوذ النورمان بحلول العام 1200 وبمرور الوقت ظهرت لغة مستقلة إنجليزية حيث استخدمها أول مرة الملك إدوارد الثالث بمخاطبة البرلمان عام 1362. ومن ثم حدثت تحولات حروف العلة الكبرى Great Vowel Shift التي أدت تغيير كبير بلفظ ونطق اللغة الانجليزية عموما وحدث هذا خلال فترة طويلة استغرقت ما بين عام 1450 إلى 1750. وهذه التحولات تشير إلى التطويل بأصوات العلة وحروفها خلال مد الكسر ككلمة see أو مد الفتح ككلمة that أو مد الرفع ككلمة shoot، مع توضيح لعملية إضافة حرفي علة متتاليين Diphthong ككلمات loud و loin و lair وغيرها.

وهذه التحولات تشكل الفاصل فيما بين اللغة الوسطى وبدايات اللغة الانجليزية الحديثة، والتي وضع بها أكبر عباقرة الأدب واللغة الانجليزية أعمالهم مثل ويليام شكسبير بشعره وأعماله الدرامية الرائعة، وظهرت كذلك شخصيات أدبية مهمة بهذه الفترة أمثال إدموند سبينسر وفيليب سيدني وكريستوفر مارلو وتوماس ديكر وغيرهم.

———————————

ملكية بائسة… خير من جمهورية دموية

كان عصر إليزابيث قد أرخى استقرارا نسبيا بدا لاحقا أنه هش، وتحطمت جميع أحلام النماء والازدهار. فمع تتويج جيمس الأول عاد التوتر بعد اعلان الملك عن تفضيله للمذهب الكاثوليكي وأنه ملك ذو حق إلهي. ثم ما لبثت الأمور أن ازدادت سوءا بعد تولي خلفه تشارلز الأول حيث تورط الملك والبرلمانين الانجليزي والاسكتلندي بحروب مدنية أهلية كان من نتيجتها أن تم محاكمة الملك وتوجيه تهمة الخيانة العظمى التي أدين بها، فأعدم علنا في العام 1649. فدخلت بريطانيا بهذا نظاما جديدا لم تعتد عليه من قبل ألا وهو النظام الجمهوري البرلماني، أو كما اسماه الجمهوريون جمهورية الرابطة الانجليزية Commonwealth of England ثم انضمت لها كل من إيرلندا وويلز واسكتلندا فيما بين عامي 1649 إلى 1660. وقد حاول حثيثا أوليفر كرومويل قائد الثورة ضد الملكية تثبيت أركان هذا النظام إلا إنه لم يدم طويلا. فقد شاهد الشعب أن الحكم تحول للأسوأ حيث أصبح الحكم عسكريا إلى حد كبير، وكانت المحاكمات والاعدامات بالجملة وتسير حسب الظنون والشكوك، وقد ساهم تخوين رفاق الثورة بعضهم بعضا وشيوع الشكوك فيما بينهم في إضعاف حكمهم، بالإضافة إلى تربص الملكيين بهم أملا بتنصيب الوريث الشرعي تشارلز الثاني. وقد تم هذا الأمر فعلا بعد عودته من منفاه عام 1660 منهيا أول وآخر حكم جمهوري خاضته وعانت منه بريطانيا وقد سبقت بذلك جارتها فرنسا، إلا أن الشعب البريطاني لا زال يؤمن أن حكما ملكيا سيئا أفضل بكثير من نظام جمهوري متسلط ودموي. فيما أن من الأمور التي تحسب للبريطانيين أنهم قاتلوا من أجل نيل الحرية ونبذ الطغيان المتمثل بفساد الحكم والمُلك، ولن يستبدلوا حكما قابلا لإصلاح الإعوجاج بحكم أشد طغيانا وفسادا.

معيار التطور التاريخي اللغوي:

دخلت اللغة الانجليزية المرحلة الحديثة عبر تمهيد سمي ببداية اللغة الانجليزية الحديثة الذي وقع بعد تحولات حروف العلة الكبرى الذي حدث تدريجيا كما ذكرنا أعلاه. وقد استهلت هذه المرحلة بإصدار أول قاموس لغوي محدد سنة 1604. أما في عام 1755، فقد أصدر صامويل جونسون قاموسا جديدا يتجاوز المرحلة المبكرة من العصر الحديث للغة اسماه قاموس اللغة الانجليزية Dictionary of the English Language. ويتميز بزيادة المفردات عن القاموس السابق حيث واكبت اللغة الحاجة الجديدة من الكلمات بعد مرحلة الثورة الصناعية، وكذلك استيعاب دخول المفردات الجديدة على الانجليزية من المستعمرات، فأديا هذين العاملين إلى تحقيق عنصر الحيوية والتجدد على اللغة الانجليزية. وهنا أخذت هذه اللغة الشكل الواضح والقريب مما استقرت عليه الآن، وهذا ما يبدو جليا من أعمال شكيبير الشعرية والدرامية المسرحية على سبيل المثال. ولا زالت هذه الأعمال تثير الإلهام وتحدي القراءة الجديدة والمعاصرة رغم كل تلك القرون التي مضت عليها. ومن النقاط المثيرة لشكسبير هو استخدامه البارع للغة وإعمال الفن بها مما أكسبها عمقا وصدقا. فلا زالت أعمال مثل الملك لير وعطيل Othello وماكبث وغيرها تضرب بقفاز التحدي لقراءات معاصرة لأنها لم تتوقف عند فترتها فحسب بل تجاوزت ذلك لتكون قابلة للتجسيد بأي عصر ومكان.

إلا أن دخول بريطانيا مرحلة الثورة الصناعية قد أثرى اللغة والأدب وجعلهما يتجاوزان مرحلة شكسبير لآفاق أبعد وأوسع. فقد ازدهر الأدب بالقرن التاسع عشر لا سيما بالعهد الفيكتوري، حيث انتشر الرخاء الاقتصادي. وبرزت آنذاك اسماء لامعة وكبيرة كالروائي تشارلز ديكنز حيث الدراما ذات التأثير العاطفي برواياته الكبيرة (أوقات عصيبة Hard Times – ومغامرات أوليفر تويست The Adventures of Oliver Twist – وحكاية مدينتين A Tale of Two Cities وغيرها) والاخوات برونتي حيث العمق الدرامي الواقعي برواياتهما الشهيرة (مرتفعات ويذرينج Wuthering Heights لإيميلي برونتي – جاين أير Jane Eyre وغيرها) والشاعر والروائي والتر سكوت برواياته التاريخية الرومانسية (Ivanhoe والقرصان The Pirate)، ثم ننتقل إلى نوع جديد من الفن الروائي المسرحي نشأ بعصر الرفاهية الفيكتوري وهو ما قام به أوسكار وايلد بأعماله حيث التهكم عبر كشف المجتمع المنغمس بالملذات والتوافه كما بمسرحيته الكوميدية أهمية أن تكون مخلصا The Importance of Being Earnest. ثم ظهر نوع آخر من الفن القصصي عبر الكاتب الدنماركي الأصل جوزيف كونراد الذي اعتبر من المجددين بالأدب الحداثي وتبرز أعماله المهمة في الرواية القصيرة قلب الظلام Heart Of Darkness والتي اقتبسها المخرج الأمريكي فرانسيس فورد كوبولا بفيلم Apocalypse Now، وبروايات أخرى مثل نوسترومو Nostromo وخيط الظل The Shadow Line حيث تظهر أمامنا واضحة عناصر أدب الترحال واكتشاف المزيد من المواقع، مما يعكس لنا عنصر الفتوحات الاستعمارية لأوروبا عموما وأثرها على الأدب. أما على صعيد تطور اللغة فقد واصلت الانجليزية انفتاحها وتلقيها للمفردات الجديدة مع المحافظة على التركيب اللغوي لها. وقد ازداد الاهتمام باللغة إلى الحد الذي أوجد علما خاصا بها ألا وهو علم اللغويات Linguistics بفروعه المتشعبة لكل العناصر اللغوية كعلم الصوتيات وعلم الدلالة وعلم الصرف وغيرها من العلوم الأخرى، وهي تنطبق على جميع اللغات الكونية لا على الانجليزية وحدها.

———————————

فتح للبحار وسيطرة على العالم =
الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس

ظهرت بوادر سيطرة بريطانيا على البحار والمحيطات بعد أن هزمت أسبانيا في معركة الأرمادا. واستغلت بريطانيا الاكتشافات البرتغالية لرأس الرجاء الصالح المحيط الهندي وبحر العرب والطريق نحو الغرب للامريكيتين لمصلحتها فكونت اسطولا هائلا مكنها من التفوق على جميع الأمم الاستعمارية الأخرى. فاستعمرت أمريكا الشمالية وهيمنت على الهند وتوغلت بعيدا نحو الصين. وكان عنوان حصادها الاستعماري “التجارة”. فتحت ذريعة التجارة دخلت إلى الهند وكونت الحكم البريطاني للهند British Raj بدءا من عام 1858 وأصبحت شبه القارة الهندية درة للتاج البريطاني. وتحت نفس الذريعة أي التجارة طُردت بريطانيا من شمال أمريكا بعد أحداث تمرد شاي بوسطن بنهاية عام 1773 وحدوث الثورة الأمريكية واعلان الاستقلال عام 1781. ورغم أن ذلك شكل صفعة مذلة للامبراطورية البريطانية، إلا أن ذلك لم يثنها عن الاستمرار بالسيطرة والسعي للامتداد الامبراطوري شرقا وغربا، فكان أن نجحت بذلك المسعى وأضحت بريطانيا لمدة طويلة “الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس”. بل وظلت مسيطرة على طرق التجارة البحرية التقليدية عبر رأس الرجاء الصالح. ولم تقل سيطرتها إلا بعد تطبيق فكرة إيصال الشرق بالغرب، وذلك بعد شق قناة بنما بناء على فكرة فرنسية وتنفيذ أمريكي عام 1914 (يبدو أن الفرنسيين متخصصين بشق القنوات الكبرى بعد قناة السويس قبل بنما). الشاهد أن هذه السيطرة الامبراطورية انعكست على شخصية الانسان البريطاني فظهرت عليه بوادر لم تكن موجودة من قبل. يذكر البروفيسور سايمون شاما بكل موضوعية عبر سلسلة تاريخ من بريطانيا “أن البريطانيين بعد أن كانوا شعبا يبحث عن الحرية وعدم الاستبداد أصبح يدير امبراطورية تستعبد خُمس سكان العالم”، حيث يروي تفاصيل مقززة عن كيفية نظام الرق الذي قاموا على رعايته وكيفية حدوث عمليات الأسر والتجرد من البشرية خلال عمليات الاستعباد وخاصة على الساحل الغربي من أفريقيا. والمفارقة أن حجة بريطانيا بالدخول لمنطقة الخليج العربي بنهاية القرن الثامن عشر مثلا هو منع تجارة الرقيق، فكانت حجة موفقة لوضع قدم لهم بهذه الأرض المنسية. أما في أستراليا وجنوب أفريقيا فقد كان التطبيق البشع لنظرية داروين لا سيما جزئية التطور الطبيعي لدى البشر وأنهم وجدوا هناك ضالتهم بالحلقة المفقودة حيث البشر القريبين من القردة كما زعموا. وكنا قد ذكرنا بأحد المواضيع السابقة (من هنا) كيف أن السكان الأصليين لم ينفعهم أن تنصروا ودخلوا المسيحية، “حيث أنهم من جنس لا يرقى للجنس الأبيض حتى وإن دانوا بالمسيحية”.

ومن الصفات الأخرى التي طرأت على الشخصية البريطانية حب الانفتاح على العالم الجديد المكتشف وإن تغلف بالطابع الاستعماري. حيث نجد الانسان البريطاني قادر على التكيف والتأقلم بمناطق وشعوب وحضارات مختلفة تماما عنه بدءا من القارة الأمريكية غربا ومرورا بأفريقيا الغربية والجنوبية وأستراليا وانتهاء بالهند والصين. ورغم أن مظاهر الفكاهة والطرفة معروفة عن شخصية الانسان الانجليزي بالذات، إلا أن التجارب التي لاحظناها عنه خارج موطنه تشير لسلوكيات العنجهية والغطرسة والميل لسفك الدماء. حدث هذا بالماضي داخليا وعانت منه الأمم المستعمرة بعد ذلك، فمن يقل سمعا وطاعة سيُعلى من شأنه ويصبح من علية القوم، أما من يفكر بكلمة “لا” فقد فتح على نفسه باب استخدام الاسلحة البريطانية وأقواها على الإطلاق سلاح “فرق تسد” وهو الانجاز الأكبر الذي خلفته بريطانيا لمستعمراتها. فمن تخلص منه ومن آثاره نما وازدهر كماليزيا والهند رغم عقباتها الهائلة. أما من لا يزال يجري وراء وهم هذا السلاح -كبلداننا العربية التي تطبق أنظمة حكمها ذلك المبدأ- فلن تجني سوى الخراب والدمار. ولهذا فإن لا بد لنا من الإيمان إن شعارات الحرية والمساواة والتفكير السليم وسيادة القانون، وهي الشعارات التي بنيت عليها الحضارة والثقافة البريطانية، ما لم تكن قابلة للتطبيق من قبل راعيها بكل مكان على وجه البسيطة وبكل صدق وإخلاص للبشرية جمعاء فإنها لن تساوي الورق الذي طبعت به، بل ويعتبرها البعض بمثابة درجات السلم الذي يتم الصعود من خلاله للوصول إلى جنان العالم.

بريطانيا والبريطانيون… والوطن العربي

400px-map_of_the_british_empire_in_the_1920s

الامبراطورية البريطانية ببداية القرن العشرين

قبل الولوج لمجمل هذه العلاقة بين بريطانيا ومنطقة الشرق العربي، لا بد أن نشير لتغير مهم طرأ على الشخصية البريطانية بشكل عام. ألا وهو سيطرة أخلاقيات العصر الفيكتوري على بريطانيا والشعب البريطاني. فالملكة فيكتوريا التي حكمت الامبراطورية ردحا من الزمن استمر من عام 1837 إلى 1901 عملت على ترسيخ حكم مستقر وهاديء ومشبع بالأخلاقيات الروحية التي لا تخلو من الجوانب البراغماتية والمباديء العملية سواء لصالح الفرد أو المجتمع. فأخذ المجتمع الانجليزي والبريطاني يتسم بسمات لم يتصف بها من قبل ألا وهي الهدوء والوقار والحكم المنطقي المبني على الموضوعية لا على المشاعر والأحكام المسبقة Common Sense. والسبب بذلك يكمن بديهيا بالاستقرار الاقتصادي والسياسي الكبير داخل وخارج البلاد حيث أصبحت بريطانيا بالعصر الفيكتوري “الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس” رغم خروجها المذل قبل ذلك من أمريكا الشمالية بنهاية القرن الثامن عشر. إلا أن بريطانيا القرن التاسع عشر كانت لا تزال تسيطر على أستراليا وسواحل غرب أفريقيا وطريق رأس الرجاء الصالح البحري وسواحل بحر العرب والمحيط الهندي والخليج العربي وصولا لدرة التاج البريطاني الهند وانتهاء عند التمدد نحو السواحل الصينية والسيطرة على هونج كونج وسنغافورة وغيرها من الجزر. ومما لا شك فيه أن التجارة وطرقها التي تسيطر عليها بريطانيا آنذاك قد انعكست على شخصية الانسان البريطاني، ففكرة الامبراطورية الضخمة بالأساس مبنية على التجارة والسوق الحرة، وهذا ما استوعبه المهاتما غاندي وعمل على التخلص من قيود هذه الامبراطورية عبر المقاطعة التجارية. أما بالمجتمع الانجليزي نفسه، فقد كان يسمى هذا العصر بـ”العصر الرومانسي“. حيث انعكس ذلك بالإيجاب على الأدب، حيث ازدهر الفن الروائي بالذات على يد مجموعة من خيرة الروائيين ممن ذكرناهم أعلاه. وبالمجمل فإن هذا يقدم لنا ملمحا، بالإضافة إلى ما ذكره البروفيسور شاما في سلسلته، عن شخصية الانسان البريطاني من مظاهر الثراء والنماء والثقة بالنفس والثقافة والعلم والتطور التقني بالحياة بفضل الثورة الصناعية وإنجازاتها بالقرن التاسع عشر. وبالإضافة لذلك، فقد لاحظنا خاصية بالانسان البريطاني وهي التكيف مع الشعوب الجديدة عليه. وسنضرب أمثلة طريفة على ذلك أدناه. ولكن كل هذه الإيجابيات والنمو والرخاء كان لا بد لها أن تتحقق على حساب شعوب أخرى سُرقت منها آمالها وطموحاتها هي الأخرى. والمثال عليها واضح وسافر.

المهاتما غاندي:
رمز تحدي الامبراطورية البريطانية بالعالم

——————————-

نموذج مصر

لم يتطرق البروفيسور سايمون شاما لعلاقة بريطانيا بالوطن العربي حيث اكتفى بذكر نموذجي الهند (ولم يتطرق كذلك لتجربة المهاتما غاندي الفريدة) والولايات المتحدة مع قليل من الربط بفرنسا، حيث يبدو أن شجاعته الأدبية لم تمتد لهذا الموقع الهام من العالم والتي سخرت بريطانيا كل قواها من أجل الحفاظ عليه ولأجل المحافظة على المكتسبات التجارية الضخمة من ناحية السيطرة على الطريق البحري المؤدي إلى الهند والصين، وأدت الأرباح الطائلة التي جنتها إلى إنجاز المشروع الحلم الذي كانت يتمناه الغرب وخصوصا فرنسا وبريطانيا منذ القدم ألا وهو فتح ممر مائي ضيق يربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر – مشروع قناة السويس الذي عملت له فرنسا بالبداية عبر مجهودات فرديناند دي ليسيبس. وتم لها ذلك بالفعل عام 1869 حيث أقيم احتفال دولي كبير أقيم فوق مقابر جماعية لـ 125 ألف مصري عملوا بالسخرة لشق وحفر هذه القناة. ولكن الأقدار لم تهمل الفرنسيين حيث استولى البريطانيون على المنافع بعد استعمارهم لمصر بدءا من عام 1882 مستغلين أحداث الثورة العرابية لصالحهم، لكن استعمار مصر لم يتحقق لهم إلا بعد معارك دامية كمعركة البصاصين ومعركة التل الكبير، وخيانة الخديوي توفيق وغدر دي ليسبس الذي فتح القناة لمرور قوات الإنجليز وأخيرا خيانة خنفس باشا قائد حامية القاهرة.

احمد عرابى امام قصر عابدين
في 9 سبتمبر 1881

والواقع التاريخي يثبت أن الإنجليز كانوا على عكس ما يهتفون له من شعارات الحرية والمساواة وسيادة القانون حيث طبقوا خارج بلادهم ما يتناقض وكل هذه المباديء السامية بالمناطق التي استعمروها بل وحتى التي تم انتدابهم عليها من عصبة الأمم كفلسطين والعراق. وتبرز لنا حادثة بسيطة في مصر لكنها توضح مدى الغطرسة التي وصلت لها الشخصية الإنجليزية والذي اعترف بها (أي هذه الغطرسة والصلف) الكاتب والمؤلف البريطاني الشهير جورج أورويل مؤلف أهم روايتين سياسيتين بالقرن العشرين مزرعة الحيوانات و 1984 وهو من سيشير لأهميته شاما بالحلقة الأخيرة من السلسلة. الحادثة بالطبع هي حادثة دنشواي. الحادثة التي وقعت عام 1906 تتلخص بأن مجموعة من الضباط الإنجليز كانوا يريدون الترفيه عن أنفسهم عبر صيد الحمام عند بلدة دنشواي الريفية فلما حاول أحد الريفيين تنبيههم أنهم قد “يحرقون التبن في جرنه” لم يفهموا ما يقول فأطلق أحد جنودهم عيارا فقتل زوجة شقيق ذلك الرجل فهاجت القرية وماجت باحثة عن الثأر إلا إنه للأسف تم إنقاذ الجنود البريطانيين قبل أن يفتكوا. لكن البريطانيون ومن لف لفهم لم يتركوا الأمر يمضي بسلام، فأصروا على محاكمة الأهالي. وبعد تقديم 52 مواطنا مصريا لمحاكمة صورية هزلية، حكموا على 4 منهم (وبرواية أخرى 6 منهم) بالإعدام والبقية تفاوتت أحكامهم ما بين الأشغال الشاقة والجلد. ومن المعروف أن من قضاة تلك المحكمة بطرس باشا غالي وقيل أيضا أنه هو من صادق على الحكم كونه كان وزيرا مؤقتا للعدل، ثم لاقى مصيره بعد أن قام شاب مصري صيدلاني هو ابراهيم ناصف الورداني باغتياله إبان تولي بطرس باشا لرئاسة الوزراء وذلك عام 1910. والمدهش أن من قضاة تلك المحكمة أيضا كان أحمد فتحي زغلول الأخ الأكبر للزعيم الوطني سعد زغلول الذي كان يدرس حينها القانون بفرنسا. فما كان من الزعيم سعد إلا أن قاطع أخيه الأكبر عقابا له على اشتراكه بظلم وقهر الشعب. وهذا مجرد مثال غير حصري بفساد وسوء حكم الإنجليز ببلاد عظيمة كمصر ذات تاريخ وحضارة.

——————————-

نموذج العراق

أما بالعراق فحدث ولا حرج من من عظائم الأمور رغم قصر فترة حكمهم المباشر بناء على وصاية انتداب عصبة الأمم. فقد أدى ضعف الامبراطورية العثمانية ومن ثم ظهور بوادر هزيمتها بالحرب العالمية الأولى، أدى لوصول طلائع القوات البريطانية بجنوب العراق بجيش قوامه من الجنود الهنود. ومع انتهاء الحرب عام 1918 حاولت بريطانيا فرض هيمنتها وسلطتها الكاملة على البلاد. إلا أنها ووجهت بمقاومة شاملة من جميع أطياف الشعب العراقي، واندلعت شرارة هذه المقاومة منذ وطء البريطانيين أقدامهم على أرض ذلك البلد العربي. ولعل هناك صورا عديدة للبطولات والتضحيات التي قدمها ذلك الشعب بوجه الحكم البريطاني الراغب بإدامة وجوده بهذه البقعة بكل تأكيد إذا ما استقبله شعبها بالترحاب والورود، لكن حساب الحقل لم يطابق البيدر عندهم. وسنأخذ هنا نموذجا بطوليا ليتحدث عن تلك التضحيات .إنه الشيخ البدوي الوطني الثائر ضاري بن ظاهر المحمود شيخ عشيرة زوبع وهي من أفخاذ قبيلة شمّر العربية العريقة. فقد أقسم هذا الشيخ أن لا كرامة له ولا لأي عربي إن طاب المقام لأي بريطاني على تراب وطنه. فكان أن حاز على شرعية اسطورية وستفتح له أبواب التاريخ للأبد. ولنرى ما هي حكاية هذا الشيخ المقاوم:


الشيخ ضاري بن ظاهر المحمود

الصورة الوحيدة المتوفرة للقائد البريطاني كولونيل جيرارد ليتشمان
(أو لجمان كما أسماه العرب) متخفيا بزي بدوي
وهو من قتله الشيخ ضاري


يعتبر الشيخ ضاري 1848-1928 شيخ عشيرة (زوبع ) والتي هي احد بطون قبيلة شمر من المؤسسين لثورة العشرين. لقد سكنت زوبع على ضفاف نهر الفرات. ولما كانت هذه القبيلة وشيخها قد شاركوا في الثورات والتمردات، رأت بريطانيا أن الوقت قد حان للانتقام وتصفية حساب الماضي من ناحية , وتجنب تكرار مثل هذه المشاركة في المستقبل من ناحية أخرى.
كان ضمن الوسائل التي اعتمدتها بريطانيا في معاقبة (عشيرة) زوبع وزعمائها أن شددت عليهم الحصار واتهمت الكثير من أفراد زوبع بقطع الطريق وجعل الملاحة في الفرات صعبة ومستحيلة. فزادت بريطانيا من تضييقها على زعماء ثورة العشرين من (عشيرة) زوبع وذلك بفرض المزيد من الضرائب وفي حالة عدم السداد بالوقت المحدد كانت بريطانيا تقطع المياه عن أجزاء كثيرة من المنطقة لإتلاف المحاصيل.
كان لأفراد زوبع مواقف لاتحصى لمقاومة الاحتلال البريطاني والحكومة العميلة لها والصراع الذي دار بين الشيخ / ضاري المحمود زعيم عشيرة زوبع والكولونيل (( لجمان )) المسئول السياسي للبادية الغربية يعتبر مظهرا للإصرار المتبادل بين الطرفين على أن ينهي كل منهما الأخر ليس من خلال تسجيل النقاط وإنما بالضربة القاضية.
فالشيخ ضاري الذي شارك في ثورة العشرين وكان همزة وصل بين الثورة في الفرات الأوسط والجنوب وبين المنطقة الوسطى فالشمال كان يمون الثورة بالرجال والسلاح والمؤنة من اجل استمرارها وتحقيق النصر، لا بل جعل العراق يثور من جنوبه لشماله.
والإنكليز كانوا يتحينون الفرص لكي ينتقموا من الشيخ ضاري وقبيلته خاصة وانه مثل التحالف العضوي الوثيق بين السنة في علاقتهم مع الشيعة في مواجهة الغزاة. لهذا أسندت مهام الانتقام للكولونيل لجمان – المسئول السياسي عن البادية الغربية- و الذي كان جاسوسا ومخططا بارعا وعسكريا ناجحا خاض الكثير من الحروب قبل عمله هذا.
عقد الكولونيل لجمان اجتماعا لمشايخ القبائل بمنطقة الرمادي محددا المواقف بصورة نهائية ضاربا على وتر الطائفية وبحضور الشيخ الضاري الذي عارض الطرح بصراحة واشتبك مع لجمان في مناقشة حامية وهو يشجب الروح الطائفية ويطلب من المجتمعين نبذها والتشبث بالروح الوطنية الجامعه.
بعد مضي شهر بعث لجمان إلى ضاري أن يقابله في ( خان النقطة ) مقر عمل الكولونيل والذي يقع بين الفلوجة وأبو غريب. اعتذر ضاري أكثر من مرة لكنه ما لبث أن قابله بتاريخ 12 أغسطس 1920م، وبدا الكولونيل (لجمان) بالسب والشتائم لعشيرة زوبع، وضاري يتحمل إلا انه استمر بالإهانة ووصل الأمر إلى حد التهديد بالتصفية. فخرج ضاري من النقطة مسرعا وبكلمات بسيطة لمجموعة من رجاله خارج المقر هب أقرباء ضاري وجماعته لنجدته حيث أطلق ثلاثة من رجال ضاري وهم ابنه ومعه اثنان النار على الحاكم البريطاني لجمان وأصابوه إصابة بالغة إلا انه لم يمت. فما كان من الشيخ ضاري إلا أن توجه إليه وأجهز عليه بالسيف. منهيا بذلك حياة أهم قائد عسكري بريطاني في العراق. وجن جنون بريطانيا لهذا العمل.

واضطر وينستون تشرشل وزير الحربية آنذاك أن ينفق ما يزيد على مبلغ 40 مليون جنيه استرليني من أجل إنقاذ الحملة على العراق. وهو ما تم اعتباره أمرا فادح التكاليف ويفوق تحمل تلك الامبراطورية القائمة أصلا على جني الأرباح التجارية لا على الإنفاق العسكري غير المحدود. فخطرت للبريطانيين فكرة الحكم غير المباشر، أو ما تمت تسميته التحكم عن بعد أو الحكم بالوكالة. فوجدوا ضالتهم بشخص الأمير فيصل بن الحسين بن الشريف علي الذي طرده الفرنسيون من سوريا التي يمم وجهه صوبها أولا ولقي ترحابا من شعبها. فعرض عليه البريطانيين حكم العراق، فيعملون بذلك على نزع فتيل الأزمة بينه وبين حلفائهم الفرنسيين، وبنفس الوقت يطمئنون لحكم غير مباشر لهم بالعراق، والأهم من ذلك أن يكون غير مكلف. فلاقت خطتهم حظا من النجاح قدرا من الزمن. إلا إن النتائج كانت كارثية جدا على سلالة الملك فيصل الأول فيما بعد.

الملك فيصل الأول متوجا على عرش
العراق وحوله الضباط الإنجليز

——————————-

نموذج فلسطين

أما ثالثة أثافي نماذج علاقة بريطانيا بالعالم العربي، فهي تمثل طامة تاريخية على كل من الطرفين. ألا وهي مسألة انتدابها لفلسطين. لقد تحدثنا فيما سبق وبموضوع آخر، عن إن أول من دعا لإقامة دولة لليهود على أرض فلسطين كان نابليون بونابرت امبراطور فرنسا إبان حملته العسكرية على كل من مصر والشام بنهاية القرن الثامن عشر. ورغم أن دعوته تلك لم تكن جديّة بقدر ما كانت تكتيكية، ولم يصدقها أو يتقبلها حتى اليهود الشرقيون أنفسهم، إلا إنها بعد ذلك أعطت الشرارة الأولى لصياغة خطة جديدة تفعّل استراتيجية جديدة تعمل على زرع كيان يهودي بأرض فلسطين التي تطلّ على شرق بلاد العرب وغربها. وكانت هناك ثلاث امبراطوريات اتفقت على تحقيق تلك الغاية، الامبراطورية الروسية القيصرية والجمهورية الفرنسية، وامبراطورية بريطانيا العظمى. ولكن حدث ما لم يكن بحسبان هذه الامبراطوريات وثارت شعوب إحداها وقلبوا نظام حكمها وقتّلوا بعائلة القياصرة تقتيلا. وما كان من النظام الجديد في روسيا سوى أن كشف عن مخطط سايكس-بيكو الذي اتفقت به بريطانيا وفرنسا بعام 1915 (ومن المعلوم أن مخططات السيدين سايكس وبيكو حيكت في السودان) على تقاسم النفوذ بالبلدان العربية وتفتيتها إلى دويلات بحدود اصطناعية وهمية لا وجود لها بالواقع. فشعرت بريطانيا بالحرج الشديد من موقفها المخجل هذا خاصة أمام حلفائها العرب والذين انقلبوا على الدولة العثمانية من أجلها، وأكد من شكوكهم بها وصدى وعد بلفور المزعج لمّا يزل بعد. لكن كلا من بريطانيا وفرنسا أصرتا على استكمال المخطط، لا سيما وأن غاية التخلص من اليهود يشترك بها معظم سكان القارة الأوروبية بشكل أو بآخر. إلا إنهم فضلوا نقل المشكلة اليهودية إلى مكان آخر حتى يستريح بالهم هم ويشقى الآخرون.وتحقق إصرارهم عبر مقررات مؤتمر سان ريمو عام 1920، ثم أقرت عصبة الأمم وثائق الانتداب على المناطق المعنية عام 1922. والغريب بالأمر أن بريطانيا وقعت بتناقض هائل عند انتدابها فلسطين. فقد عملت منذ البداية على السماح للهجرات اليهودية وتدفقها لفلسطين وشراؤهم للأراضي بشكل ممنهج ومنظم، ثم ما لبثت بريطانيا أن أوقفت بريطانيا هذا التدفق أو حاولت وقفه بعد أن شعرت بخطورة الأمر. وهذا التناقض موجود حتى بوعد بلفور ذاته المذكور أعلاه حيث يشير لرغبة بريطانيا بوجود وطن قومي لليهود في فلسطين على ألا “ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين” وهذا جهل بوقائع الأمور وتغييب للمنطق والعقل. لكن ذلك لا يهم ما دام أنه خارج نطاق المناطق البريطانية وليحترق الآخرين بنارهم التي ستأكل بعضهم بعضا. ومن المعروف أن الصهاينة لم يرضوا عن هذه السياسة غير الواضحة فكوّنوا عصابات خاصة بهم مثل عصابة الهاجاناة والآرجون ومن أشهر عملياتهم الترويعية الإجرامية تفجير فندق الملك داوود عام 1946 في القدس، رغبةً منهم بالتخلص السريع من سيطرة الانتداب البريطاني والاستفراد بالشعب الفلسطيني الأعزل، وهو ما تم لهم سابقا بعد النكبة. ومن أشهر الشخصيات الصهيونية التي اشتركت بذبح البريطانيين في فلسطين رئيس الوزراء الأسبق مناحيم بيجن وزميله التالي إسحق شامير وهما من أعمدة حزب الليكود، وقد أصدرت بحقهما بريطانيا مذكرة اعتقال بحكم اتهامهما بالضلوع بعمليات إرهابية ضد القوات البريطانية في فلسطين.


صورة مذكرة الاعتقال لصهاينة مطلوبين للعدالة
من بريطانيا ومن بينهم إسحق شامير في المنتصف

وبالتالي خرج الأمر عن سيطرة البريطانيين وخرجوا خروجا مذلا من فلسطين وفشلوا بتأدية مهمتهم بالحفاظ على هذا البلد من العبث الذي تسببوا به. إلا إن أفعال الغربيين تفضح نواياهم منذ البداية. ألم يأتوا لضريح الزعيم التاريخي الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي بعد احتلالهم للشام وقال أحد قادتهم بكل وقاحة “ها نحن عدنا يا صلاح الدين؟!” فأنى لهم أن يقيموا العدل والحكم السليم وقد تعمدوا وضع بلادنا بحالة غريبة كشفوا عن مسماها السياسي لاحقا، “الفوضى الخلاقة”.

طرائف تاريخية من الشخصية البريطانية

يتميز البريطانيون والإنجليز منهم تحديدا كما أسلفنا بسمات طارئة عليهم بعد نعيم العصر الفيكتوري. فقد أصبحت لديهم قدرة على التأقلم والتكيف بل وحتى الانخلاع من ثقافتهم الخاصة بهم في سبيل تحقيق مصالح امبراطوريتهم المترامية الأركان. ويتميزون كذلك بجانب كبير من الدهاء والذكاء والمعرفة العامة بأوضاع الشرق، مما يوقعهم بأغلب الأحيان بتناقضات قد تصل أحيانا لحد الطرفة والعجب. وهنالك أمثلة شهيرة بهذا الجانب نورد منها هذه العينات.


المثال الأول:

لم يكن توماس إيدوارد لورانس سوى ضابط صغير بالجيش المتمركز بالقاهرة، لكنه اشتق لنفسه مسارا غريبا أدهش قادته أنفسهم. فترك المكان الوثير المريح واختار العمل بقلب الصحراء القاحلة لتحقيق الهدف الامبراطوري بطرق غير تقليدية. وكان يعلم تماما أنه لا يمتلك حظا بالارتقاء إلا بعد عمل مفاجيء يكسر الأعراف لا سيما وأنه لا يمتلك نصيرا ومعينا داخل بريطانيا لأنه ابن زنا هو الآخر. فقام بتحريك “ثورة العرب” التي لم يستفد منها سوى البريطانيون بحربهم ضد العثمانيين. فصال وجال بقلب الصحراء فأسموه -ويا لضحكات القدر- “لورانس العرب”.

المثال الثاني:

يعد أنتوني إيدن، رئيس وزراء بريطانيا الذي استلم السلطة لمدة وجيزة من عام 1955 إلى 1957 بعد مشوار طويل بعمله كوزير للخارجية، من مثقفي الإنجليز ودهاتهم. وقد كان عار العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 الذي خطط له إيذانا بدق المسمار الأخير في نعش حياته السياسية شخصيا، والمسمار الأخير في نعش التمدد الخارجي للإمبراطورية البريطانية بعد أن أنذرتها القوى العظمى آنذاك. ومن الطرائف التي رواها عنه الاستاذ محمد حسنين هيكل عبر برنامجه الاسبوعي “تجربة حياة“، أنه (أي إيدن) ذهب إلى مصر قبيل العدوان برفقة وفد سياسي وعسكري كبير وقابل القيادة في القاهرة. وفي أحد جلسات العشاء الرسمية تحدث أحد الجنرالات الإنجليز بأسلوب فظ نوعا ما أثار انزعاج الرئيس جمال عبد الناصر وجميع من كان حاضرا لمأدبة العشاء. فما كان من أنتوني إيدن، بعد أن لاحظ الانزعاج باديا على الوجوه، إلا أن قال الجملة التالية: “أيها الجنرال، لسانك حصانك إن صنته صانك وإن خنته خانك!” فاندهش جميع الحضور المصريون منهم والبريطانيون بهذه الفصاحة العربية على لسان رئيس وزراء بريطانيا آنذاك. ولا يجب أن نتعجب كثيرا من ذلك، فقد درس أنتوني إيدن في بداية حياته الأكاديمية اللغات الشرقية بكلية كنيسة المسيح وهي إحدى أكبر الكليات التي تتبع جامعة أوكسفورد.

المثال الثالث:

السيدة فيوليت ديكسونمحاطة بابنتها زهرة (على يمين الصورة) وحفيدتها بيني – صورة مأخوذة عام 1987

تعتبر السيدة فيوليت ديكسون التي اشتهرت بالكويت بكنية “أم سعود” مثالا مثيرا للاعجاب للشخصية البريطانية. فقد تركت هذه السيدة موطنها وفضلت المعيشة بالكويت بفترة صعبة حينما كانت بلدا فقيرا لا يمتلك رفاهية الكهرباء ولا الماء ولا المواصلات. وعاشت فترة 61 عاما بالكويت من عام 1929 إلى 1990. ورغم أنها ببداية الأمر كانت برفقة زوجها الوكيل السياسي في الكويت الكولونيل هارولد ديكسون، إلا أنها أثبتت حبها لهذه البلاد بعد وفاة زوجها عام 1959 حيث أصرت على البقاء بهذا البلد بعد أن تعلقت به وبدراستها بصحاريه وباديته علم النبات حيث تمت تسمية إحدى أنواع زهرة الخزامى على اسمها بلندن تكريما وتقديرا لمساهماتها بهذا الجانب. وهي كذلك تجيد اللهجة المحلية الكويتية أفضل من كثير من الكويتيين أنفسهم. ويمكننا الاستماع لها وهي تتحدث عبر هذه المقابلة التي أجراها معها السيد رضا الفيلي

وقد قام الكاتب إيان فليمنج (الشهير بتأليف شخصية جيمس بوند الجاسوسية) على كتابة سيرتها الذاتية بكتاب “أربعون عاما بالكويت“. ومن المثير للدهشة كذلك أنها قد تلقت ميدالية تكريم تسمى (أي الميدالية) ميدالية “لورانس العرب” من قبل الجمعية الملكية للشؤون الآسيوية وذلك تقديرا لإسهاماتها ما بين نساء البدو العربيات وتكريما لها لدراساتها عن زهور الصحراء ونباتاتها”. فتبقى “أم سعود” أو فيوليت ديكسون نموذجا صارخا على تطور الشخصية البريطانية، لا سيما الشخصية النسائية غير التقليدية منها.

فيوليت ديكسون مع ابنائها الصغار سعود (واسمه الرسمي توجو) وزهرة في أحد خيام بيوت الشعر بالبادية

ولقد تبين أن عامل التمدد الخارجي قدم لنا مثل هذه النماذج التي قد تختلف توجهاتها بأمور كثيرة لكنها تتفق جميعا على تحقيق الهدف والغاية التي سعوا لها حثيثا، ألا وهي نشر مباديء الحضارة التي جاؤوا منها. وسواء كانت تعتريها الشوائب أو يكتنفها الغموض أو تضيئها التجارب الإيجابية، فإن هدف التمدد بكل أصقاع الأرض لهو هدف وأمل ورغبة تشترك به جميع توجهات الشعوب البريطانية قاطبة.

الترجمة… دار الحكمة

إن من يدخل مجال الترجمة لا بد أن يتيقن أنه يقتحم حقلا شاقا ليس بيسير. فطريق الترجمة يحتاج لأن يتحلى به السائر بدربه للعديد من الأدوات والخصال. ومن أهمها الدراسة والاكتساب والثقافة وسعة الأفق والتمكن من اللغات المترجم إليها والمترجم منها، وكذلك الجَلَد والصبر وروح التحدي والعزم والجهاد. لأن المترجم سيقتحم معركة فكرية وعقلية، فإما أن يهزم ما يواجهه وإما أن يتعرض للهزيمة. النص هو ساحة المعركة والأفكار والعبارات هي عدوك أيها المترجم فإن لنت لها واستخفيت بها هزمتك ووضعتك بموقف صعب لا تحسد عليه حيث النتيجة التي تبتعد عن المعاني المطلوبة بالنص الأصلي ولب المراد إيصاله من أفكار على علاتها دون مبالغة أو إسفاف، ودون تهويل للمعاني و دون التقليل من أهميتها، مع تحري الدقة الدائم.

فهم اختلاف المرادفات

من الأبجديات التي على المترجم أن يتوخاها، درجات تباين المرادفات Synonym للغة المنقول إليها الترجمة. وهو أمر حاسم لمدى دقة الترجمة أو عدم دقتها. فالكلمة الواحدة تحتوي على عدة معاني أو مرادفات قد تكون مقتربة بمعانيها أو متباعدة عن بعضها البعض. ولنضرب هنا أمثلة بسيطة حتى نتحلى بالعملية. كلمة Buy من المعلوم أنها تعني يشتري أو يبتاع. لكنها إن جاءت بهذا السياق فمعناها قد ينحرف قليلا.

I can not buy what Obama has said

ومن الواضح أننا يصعب علينا منطقيا تقبل معنى الشراء هنا، إلا إن كان بالمعنى اللهجوي الدارج، كأن نقول “كلامك لا يباع ولا يشترى”. ولكننا هنا نحتاج لكلمة تتفق والسياق المنطقى لمجرى الحديث، والكلمة المناسبة هي التصديق أو الإيمان بالصحة، والترجمة المقبولة بأقصى حد ممكن


لا يمكنني تصديق ما زعمه أوباما

أو حول هذا المعنى حسب ما يفضله اسلوب المترجم. وبالتالي فإن ما يقرب المترجم أو يبعده عن صحة المعنى المستهدف هو امتلاكه لمنطق لغوي لفهم وإدراك المعاني الواضحة والغامضة والسطحية والعميقة. فعلى سبيل المثال، عندما نقول Long arm لا يتساوى معناه عندما نقول Extended arm رغم أن كلمتي long و extended متساويين بالمعنى بشكل كبير، وهنا ندخل لمنطقة الغموض اللغوي Ambiguity وهو ما يجب على المترجم أن يدركه ويشعر به وألا يستهين بفحواه.

إدراك قيمة علامات الترقيم بمعنى الجمل

من المسائل المهمة التي يجب على المترجم الحرص منها وعليها علامات الترقيم الغربية Punctuation. والحقيقة أن اختراع الترقيم اللغوي طاريء على اللغة العربية وملتبس حتى على العديد من أشهر الكتاب بالصحف والمجلات أو دور طباعة الكتب وغالبا ما يعتمد هؤلاء على المصحح اللغوي الذي يعمل بتلك الأماكن. وأزيد التأكيد مرة أخرى، لا يجب إطلاقا على المترجم إن يستهين بهذه الأشكال الترقيمية لا سيما من ناحية اللغة الانجليزية واللغات الغربية عموما. لكن بنفس الوقت المترجم ليس ملزما بتقليدها عند النقل للغة العربية. أدرك صعوبة شرح هذه الفكرة ولكنني سأحاول على أي حال. عند نقل المترجم من اللغة المترجم منها (الانجليزية مثلا) إلى اللغة المترجم إليها (العربية مثلا) فإنه لا بد أن يدرك تماما وظيفة علامة الترقيم بالنص والذي قد يغير أو يبدل المعاني أو الأفكار الرئيسية مع الأفكار الجزئية. ولا بد كذلك أن يهيمن المترجم على هذه الأفكار ويميز بين ما هو رئيسي أو جزئي منها حتى يمكنه من طرح صياغته للنقل بكل وضوح وسلاسة. فالمترجم هنا مطالب بتتبع مسار بداية الجملة ونهايتها (وفي حالة الترجمة المرئية ليس على المترجم أن ينتبه فقط للسطر المرئي بل يجب فهم الجملة عموما حتى لو أتت على خمسة أو ستة سطور مرئية متتابعة). بمعنى بدءا من النقطة أو علامة الاستفهام أو التعجب ونهاية بما هو مثلهم حيث يكون محتوى الجملة وأفكارها مستقلة بحد ذاتها. ومن بداية الجملة إلى أن تنتهي بالنقطة فهذا يعبر عن فكرة أو أفكار مكتملة وتامة. أما العبارات التي تكون ما بين الفواصل فهي تعبر عن أفكار جزئية غير تامة بحد ذاتها. وهذا يدفعنا للحديث عن التركيب اللغوي للجملة.

التركيب اللغوي للجملة

ومن المعروف أن الجمل Sentences باللغة الانجليزية -واللغات الغربية عموما- تحتوي من ناحية التركيب اللغوي Structure على أربع درجات وأنواع: الجملة البسيطة simple sentence والجملة المركبة compound sentence والجملة المعقدة complex sentence وأخيرا الجملة المركبة المعقدة complex-compound sentence. وما يهمنا هو النوع الأخير لأنه هو ما واجهنا باستمرار باسلوب المؤرخ سايمون شاما وما شكل تحديا لإخراج الترجمة بأصح معنى ممكن. وإليكم هذا المثال حتى تتضح الصورة أكثر.

George W. Bush won two presidential elections, but his father, who was better than him, only won once

وهنا يتحتم عليك كمترجم أن تدرك ما هي العبارات المستقلة Independent Clauses والعبارات غير المستقلة بالجملة Dependent Clauses حتى تتضح أمامك الفكرة الرئيسة والأفكار الفرعية. ومن الواضح هنا أن العبارات المستقلة هي


George W. Bush won two presidential elections

و

but his father only won once

أما العبارة الغير مستقلة فهي

who was better than him

فتصبح لديك الأفكار هنا طيعة وقابلة للمعالجة بكل سهولة عند النقل للغة العربية. طبعا من غير اللائق أن ألفت الانتباه أننا كمترجمين هواة متخصصين بالترجمة المرئية Visual Subtitling لا بد أن ننتبه لبداية الجملة ونهايتها، بمعنى الانتباه لأول الجملة ما بعد النقطة Full Stop التي سبقتها وتسلسلها إلى وصول النقطة التالية بغض النظر عن تتابع التترات أو سطور الترجمة. فالمهم هو بداية الفكرة الرئيسة وفروعها إلى النهاية طبعا مع مراعاة ما يتم لفظه بالتتر وعدم تخطيه للجملة التي تليه حتى تكون الترجمة متماشية مرئيا مع ما يلفظ من حوار. وهذا التأكيد ليس إلا حرصا على تذكير الاخوة المترجمين بأهميته، لا سيما المترجمين والمترجمات الصاعدين والشباب.

معركة الترجمة مع البروفيسور شاما

أما بالنسبة لما واجهناه من اسلوب يبعث على التحدي والمغامرة من قبل البروفيسور سايمون شاما فقد كان نزالا متعددا صممنا أنا والاخ أحمد الزعبي على خوضه حتى النهاية، والحكم بالنهاية على من انتصر يعود للمشاهدين الكرام. لقد تسلح البروفيسور شاما بسلاح الجمل الوصفية الطويلة والتي تعتمد تركيبيا على صيغة الجمل المركبة المعقدة بشكل مستمر واعتمد كذلك على المترادفات المبهمة أحيانا والغامضة أو الغير مباشرة أحيانا أخرى، مما كان يجبرنا على التوقف عند الجمل وملاحظة مدى اتساقها منطقيا وعدم وقوعها بالتناقض الحاد والذي قد يخل بالمعنى. ومن الأمور الطريفة والمحبطة بنفس الوقت أننا قد نواجه عبارات واصطلاحات قد لا نجد لها معاني بالقواميس العربية المعتادة (إلا إذا كانت هناك قواميس جديدة طرحت سنشعر بالامتنان لو تم إرشادنا لها لكن على أن تحتوي ما هو مفيد وجديد)، بمعنى أنك كمترجم قد تنجو من مسألة المترادفات والجمل المعقدة المتشابكة، لكن كيف ستنجو من اصطلاحات لا توجد لها ترجمات بالقواميس اطلاقا. الجواب يكمن طبعا بالقواميس الانجليزية المتخصصة بالعبارات الرسمية أو الدارجة. وهي ستتنوع ما بين قاموس مريم-ويبستر ومواقع اللهجات الشعبية مثل Urban dictionary و Online Slang Dictionary وموقع شرح العبارات المهم The phrase Finder بل وحتى موقع الجوجل نفسه إن وضعت بمحرك بحثه العبارة بشكل صحيح سيضعك أمام العديد من المواقع المتخصصة بشرح العبارات الانجليزية باللغة الانجليزية. وطبعا أنصح الاخوة المترجمين، بعد عديد من التجارب، باعتماد موقع الترجمة بجوجل كقاموس أساسي للعديد من الأسباب لأنه متجدد وقابل للاضافة وفي حالة عدم وجود المرادف العربي سيرشدك للمرادف الانجليزي لنفس الكلمة وكذلك لأن الموقع مرتبط بموسوعة الانترنت الويكيبيديا لزيادة شروح المواقع الجغرافية وأسماء الأعلام والأحداث التاريخية. ولكن تتمثل مشكلته بأنه يتطلب توفر الولوج على الشبكة العنكبوتية باستمرار. وإليكم أيها الاعزاء مثل هذه العبارة التي لم تكن توجد لها ترجمة بالقواميس العربية

Becket knew that when Henry
extended the hand of friendship, he was capable of following it
by frosty withdrawals of affection, unpredictable explosions
of carpet biting, incendiary fury

وتمثل الإشكال بمصطلح carpet biting فمن غير المنطقي ترجمته كما يبدو على الظاهر، فضلا عن ذلك سيخل بمعنى الجملة عموما. فكان البحث وتحري الدقة طريقا لحل الإشكالية. فكانت ترجمة الجملة بعد فك لغز ذلك المصطلح

وقد أيقن (بيكيت) ذلك عندما مد (هنري) يد الصداقة، وكان قادرا على اتباعها عبر الإنسحابات الباردة لحالة الإعجاب التي أبداها، وعبر الانفجارات الغير متوقعة والغضب المستشاط والحنق الهائج.

ومن المطبات التي كدنا أن نقع بها لولا دقة انتباه الاخ أحمد الزعبي -وهذا يدل على بصيرته الحادة وتمكنه من اللغة- جملة ستبدو عابرة وبسيطة للوهلة الأولى إلا أنها تحتوي على لغمين


Somehow, though, this vision of the Vikings as rapid-transit,
long-distance commercial travellers, singing their sagas as they sail
to a new market opening, wouldn’t have cut much ice with the priests here at the cathedral
of Bradwell-on-Sea, just a crab scuttle away
from the area where I grew up, on the Essex shore

وتمثل اللغم الأول بعبارة Cut no Ice الذي قيل بشكل مختلف قد لا يفوت على البعض وقد يفلت من استيعاب البعض الآخر. أما اللغم الثاني بالجملة فظهر بعبارة crab scuttle away التي لا تشكل مصطلحا بحد ذاتها إلا أن توظيف مفرداتها المناسبة للسياق كان يمثل مشقة بدرجة ما.

لكن بطريقة ما، فإن هذه الصورة للفايكينج كرحالة سفن تجارية
سريعة قادمون من بعيد وهم ينشدون أشعارهم بينما يبحرون لافتتاح سوقٍ جديد، فإن ذلك لم يترك انطباعا لدى الكهنة هنا في كاثدرائية (برادويل) البحرية، فهم لم يبتعدوا سوى مسافة قريبة جدا من المنطقة التي ترعرعت بها كطفل على ساحل (إيسيكس).

وهذا مجرد غيض من فيض ما ذكره وقاله البروفيسور سايمون شاما عبر أسلوبه الشيق، حيث أنه هو من كتب نص أو سيناريو السلسلة عموما وقام بتقديمها بنفسه. والحقيقة أن هناك كثيرا من الأمثلة على هذا المنوال، إلا إن ضيق الوقت والخشية من طول الموضوع بما لا يلاقي استحسان القراء حالا من الاسترسال بسرد مزيد من هذه النماذج المثيرة، ولكن من سيتابع هذه السلسلة الشيقة سيتلمس مزيدا من هذه الأمثلة.

وهكذا أيها الاخوة الكرام لا يسعني سوى حمد الباري عز وجل وشكره شكرا كثيرا تعالى علوا كبيرا عما يصفون، على ما أفاء به علينا من نعمة العقل وحب التعلم والاكتساب والميل نحو التواضع والاحترام وحب الناس، فمن لا يحب الناس نبذوه ومن لا يزرع الخير وينزع الأشواك عن الآنام هجروه. وصلى الله وسلم على نبينا وشفيعنا خير الخلق الرسول المصطفى محمد بن عبد الله النبي الأمين عليه أفضل الصلوات والتسليم. وشكركم أيها الاخوة الأعزاء على صبركم علينا بتقديم هذا العمل ولم نرضَ بتقديمه إليكم إلا بصورة متكاملة ترضي طموحنا بالإنارة والاستنارة. وأنا لا نبغي من وراء جهدنا هذا الذي زاد على الأربعة شهور ونيف سوى مرضاة الله عز وجل وإفادة الخلق ما أمدنا الحق تعالى من عمر ومقدرة وقدر من علم واجتهاد. فإن أصبنا ظفرنا بالحسنتين وإن أخطأنا فلنا أجر الاجتهاد.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

——————————————

المصادر والمراجع

http://www.cambridgemuslims.info/Did…fa/Default.htm

http://www.paradoxplace.com/Photo%20…/Lichfield.htm

http://www.uni-due.de/SHE/HE_GermanicInvasions.htm

http://sweet-300.maktoobblog.com/101…3%D9%84%D9%85/

https://dvd4arab.maktoob.com/showthread.php?t=1597102

http://blackintrospection.blogspot.c…h-slavery.html

http://www.aljazeera.net/NR/exeres/E…18D90DE466.htm

http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%…B3%D9%8A%D8%A9

http://en.wikipedia.org/wiki/Main_Page

http://alboraq.info/showthread.php?t=35695

https://dvd4arab.maktoob.com/showthread.php?t=2088094

http://www.7anein.info/vb/showthread.php?t=133162

http://www.kuwait-history.net/vb/showthread.php?t=1176

http://www.merriam-webster.com/

http://www.urbandictionary.com/

http://onlineslangdictionary.com/

http://www.phrases.org.uk/index.html

http://www.google.com/dictionary?hl=en

الكلمات الاحتفالية بمناسبة مرور عامين على تأسيس قسم ترجمة الأفلام الوثائقية

عامان على انشاء قسم ترجمة الأفلام الوثائقية (التسجيلية)

انـجـازات ومـواقــف

بقلم: فيصل كريم

أحييكم أيها الاخوة الكرام أجمل تحية، ويسعدني بهذا الاطار تقديم هذه الاحتفاء بقسم ترجمة الأفلام الوثائقية بمناسبة مرور عامين على انشائه بنهاية العام 2007، وأيضا بمناسبة نشر سلسلة تاريخ بريطانيا، وبعد سلسلة متميزة من العطاءات والانجازات والمجهودات السخية التي قدمت بهذا القسم الفريد من نوعه عربيا والمتميز بأعماله ومترجميه ومشرفيه ومؤسسيه، وهو ما يدعونا للوقوف عند هذه الاستحقاق بحق هذا القسم وإدارته المتمثلة بمجلس إدارة الترجمة وهيئة المشرفين القائمين عليه. ولا شك أن ذلك استدعى منا التنادي والحركة الدؤوبة لرموز أقسام الترجمة ليدلوا بدلوهم بهذه المناسبة الطيبة حيث نسمي الأشياء بمسمياتها ونشير لفضل كل من ساهم بهذا القسم ولو مساهمة بسيطة، وإن لم نتمكن من حصر جميع اسماء هؤلاء الاخوة الكرام الذين تفانوا واجتهدوا بتقديم كل ما لديهم من فكر وبصيرة، ولا نملك إلا قذفهم بوردة الشكر المتواضعة بحقهم. فلهم منا جزيل الشكر المعطر.

وقبل التطرق لما سيورده الاخوة الأفاضل، يسرني تقديم من اشتركت معه بترجمة هذه السلسلة الوثائقية الطويلة. ألا وهو الاخ المترجم أحمد عبد الله الزعبي (ابو تيسير) من الجمهورية العربية السورية الشقيقة، المتخصص باللغة والأدب الانجليزي، ومن الشغوفين بالأفلام والسلاسل الوثائقية التسجيلية سواء ما هو موجود منها على الشبكة العنكبوتية أو ما يعرض على شاشات التلفزة المتخصصة كالجزيرة الوثائقية أو البي بي سي أو غيرها من القنوات الاخبارية. ويسرني كذلك الاشارة إلى أننا اتفقنا أنا والاخ الفاضل عباس مشالي والاخ أحمد الزعبي على اقتحام مشروع جريء آخر وهو ترجمة سلسلة The Adventure Of English بإذن الله تعالى خلال فترة قادمة، وكما تم الاتفاق على ترجمة سلسلة مهمة أخرى وهي سلسلة The American Future: A History بإذنه تعالى وذلك لنفس البروفيسور المتعب سايمون شاما. وهذه المرة سيكون المجهود رباعيا بالمشاركة مع كل من الاستاذين الفاضلين عباس مشالي كذلك وهاني إدريس. وسيتم العمل بهذين السلسلتين خلال فترة ستحدد لاحقا بحول الله تعالى ما لم تظهر لهما ترجمة عربية بالفعل.

“في البدء كانت كلمة”
هذا ما سيتفضل به الاستاذ م/ إيهاب الشربيني مشرف عام المنتديات وأحد الذين قدموا اسهامات بارزة بفكرهم لنشاط هذا القسم باستمرار، وسيشرح لنا منظوره عن قسم ترجمات الأفلام الوثائقية أو التسجيلية حسب ما يفضل أن يسمي هذا القسم وكيفية نشأته وتكوينه.
اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة hippo
في البدء كانت كلمة

كلمة عابرة قيلت بيني وبين الأخ محمد عوض (ونتر سوناتا)، عن فكرة عمل منتدى لترجمة الأفلام الوثائقية، حاولت أن أترجم الفكرة على أرض الواقع، وما أصعب ذلك ، في ظل وجود عدد قليل جدا من ترجمات الأفلام الوثائقية لدينا، فمجرد التفكير في عمل منتدى للأفلام الوثائقية كانت فكرة خجولة، فما بالك بتطبيقها ،

ولكن ما أعطاني دفعة معنوية هائلة وجعلت قلبي يقوى كثيرا هو تصدي المترجم الرائع وائل عودة لترجمة أكثر من خمسة عشر فيلما و سلسلة وثائقية ضخمة بعنوان walking with فقمت بوضع طلب لإدارة منتدى الترجمة لإنشاء هذا المنتدى ، وكم كان هذا الطلب جريئا جعل جميع أعضاء المجلس يفكرون كيف يطلب عمل قسم للأفلام الوثائقية رغم أن عددها كان قليلا للغاية ولكن في الحقيقة بدأ الجميع يتشجعون معي وبدأت الأفكار تأتي تباعا وعقد الجميع العزم على الموافقة على إنشاء القسم مع اشتراكهم في فرق عاجلة لترجمة عدد من الأفلام الوثائقية لتكون دعم كبير لافتتاح القسم وهو ما حدث فعلا باشتراك المترجمين الكبار سعيد عبد الجليل و شاكر حمدي وفيصل كريم وطارق عبد الهادي في ترجمة باكورة افتتاح القسم وهي سلسلة space المكونة من ستة حلقات ، وبعد ذلك تبدأ مرحلة جديدة على يد المترجم الكبير هاني إدريس الذي تصدى وحده لترجمة عدد كبير من الترجمات فاق الخمسون ترجمة، وحمل العربي الفلسطيني وائل عودة مع العربي المصري هاني إدريس على عاتقهما مسئولية نشر الفكر الوثائقي في العالم العربي كله وكم ارتسمت على وجهي علامات العجب من هذا التقدم الرهيب وهذا النجاح الذي لم يكن ليتحقق في أكثر أحلامي وردية، وبالأمس القريب انضم إلى كتيبة الرواد الوثائقيين الدكتور سامح نور والذي نحى بالقسم منحى جديد ويشق بمعوله الطريق نحو القمة بقوة وصلابة، واليوم عندما أتأمل في عدد الترجمات الموجودة بالقسم بعد أقل من عامين على إنشاءه وأجدها بالعشرات، وعندما أتأمل مترجم مثل سامح نور وترجماته التي تعدت حتى لحظة كتابة هذه السطور خمسة وستين ترجمة !! وعندما أراقب هؤلاء العمالقة الذين ضحوا بوقتهم الثمين من أجل نشر الثقافة

ابتسم وأنا أتذكر كيف قاتلت في البداية من أجل ظهور هذا المنتدى إلى النور وأنا فقير في عدد ترجماتي له والتي لم تتعد الثمانية ترجمات و تتملكني الغيرة الأدبية من مجهودهم الكبير و لكن قلبي يدعو لهم بالتوفيق و النجاح في حياتهم ثوابا على ما قدموه من مجهود في ترجمة العشرات من الأعمال الثقافية والعلمية والتاريخية المفيدة،

المفيدة جدا لنا كعرب كتب الله على أجيالنا أن تعيش على هامش الحضارة والتقدم.

هذه السلسلة

تاريخ بريطانيا

في الحقيقة كان اختيار موفق من الأخ فيصل كريم والأخ أحمد الزعبي لترجمة تاريخ بريطانيا والتي تعد واحدة من أهم دول العالم في الألفية الماضية ، وهي الدولة التي حددت ورسمت شكل معظم دول العالم لأنها كانت يوما أقوى دولة بالعالم و نجحت في استعمار عشرات المناطق والدول ، وعندما خرجت منها تركتها فريسة للصراعات الداخلية والحدودية مع جيرانها، والمتأمل في تاريخ دولة كبريطانيا خاصة إذا تابعت السلسلة من بدايتها سيستغرب كثيرا كيف نجحت هذه الدولة الصغيرة ذات المناخ المتقلب في السيطرة على العالم أجمع وتشكيله بهذه الصورة.

من الحوادث التاريخية الغريبة أن بريطانيا في يوم من الأيام كانت ستتحول إلى دولة مسلمة، قي عهد الملك جون الشقيق الأصغر للملك الشهير ريتشارد قلب الأسد ، حيث تزايدت الضغوط على هذا الملك من قبل الكنيسة لكي يتنازل عن بعض سلطاته وازدادت المعارضة له، وبعد تفكير عميق قام هذا الملك بإرسال بعض وزراءه لمقابلة الخليفة العربي في المغرب يطلب منه المعونة العسكري مقابل أن يدخل هو والشعب البريطاني في الدين الإسلامي ، ورفض الخليفة العربي العرض ولم يأخذه بمأخذ الجد وصرف الرسول، وهكذا ضاعت فرصة مفارقة في التاريخ بدخول بريطانيا إلى الدين الإسلامي ، وهذه القصة تفسر الكره الشديد الذي يكنه المؤرخين الإنجليز لهذا الملك الذي وقعت في عهده وثيقة الماجنا كارتا وهي أهم الوثائق التي ظهرت في التاريخ الوسيط والتي تقلل من سلطات الملك لصالح الشعب والتي تعد إلهاما حتى اليوم للنظم الديمقراطية، لم يذكر المعلق في السلسلة قصة عرض الملك جون للدخول في الإسلام ولكنه أسهب كثيرا في تاريخه وتاريخ أخيه وأبيه هنري الثاني وتمضي السلسلة قدما بين جنبات تاريخ بريطانيا العريق واعتقد أنها فرصة مواتية و رائعة للتعرف على تاريخ هذه الدولة في كبسولات من خمسة عشر حلقة لن تشعر بالملل معها.

أما كلمة الاستاذ سعيد عبد الجليل مدير عام منتديات الترجمة التي تفضل بتقديمها مشكورا فتقدم لنا ذكرياته رؤيته لهذا القسم وانطباعاته عن تأسيسه وحاضره ومستقبله.
اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة said00




حين تم افتتاح منتدى ترجمة الأفلام التسجيلية والوثائقية ، كان الأمر وكأنه درب من الخيال ، فكان المتوقع أنه ليس هناك الكثير من المهتمين بهذا الأمر وتلك النوعية من الافلام ، وليس هناك كذلك من يهتم بترجمة أمثال تلك الأعمال إلا القليل،
وكانت البداية بعض ترجمات متناثرة ، ثم تلى تلك الأعمال المنفردة سلسلة الأخ العزيز (وائل عودةفي رفقة الديناصورات) التي وللحق يقال كانت بمثابة الإنطلاقة المباركة والبذرة الطيبة التي نبتت منها تلك الشجرة الفارعة (منتدى ترجمة الأفلام الوثائقية ).ثم تقدم اعضاء مجلس إدارة منتدى الترجمة ومن باب التنشيط لهذا المنتدى الوليد بترجمة سلسلة الفضاء وتلى ذلك سلسلة الاخ هاني ادريس عن سباق الفضاء وغيرها … ثم تتالت وتتابعت السلاسل وجهود المخلصين بصورة بسرعة لم نكن نتوقعها وما كان لأحد أن يتصور أن يحقق هذا المنتدى الوليد كل هذه النجاحات ومن هذا المنتدى (منتدى الدي في دي العربي) بدأت كل المنتديات الأخرى المهتمة بالترجمة تضع ضمن اقسامها قسم خاص بترجمة الافلام التسجيلية ( ولكن هياهات هيهات ) وهي النوعية التي ما كانت تفكر فيها من قبل وما كان لاحد أن يستطيع فتح مثل هذا المنتدى لديهم من قبلوالفضل في ذلك لله عز وجل أولا وىخيرا ثم بفضل اخوة كرام وزملاء اعزاء ومترجمين قلما تجد لهم مثيل في اي منتدى من المنتديات (والحمد لله على ذلك).وللحق يقال، فإن منتدى الدي في دي العربي بكل منتدياته الخاصة بالترجمة على وجه العموم ومنتدى ترجمة الافلام التسجيلية على وجه الخصوص ، يحوي شباب من خيرة المترجمين على المستوى الوطن العربي كله .
واصبح اليوم
منتدى الأفلام التسجيلية بكل من فيه وبعطاء مترجميه وجهود مشرفيه ، لهو بمثابة بصيص نور من بث الثقافة لشباب الوطن العربي نحو المعرفة .
وهذه السلسة كان قد اقترحها علينا من قبل الاخ الغالي ( فيصل كريم) بمجلس ادرة منتدى الترجمة ولكن حالت الظروف دون تحقيق هذا الحلم الجميل ،وإذا كنا اليوم نحتفي باتمام ترجمة هذا العمل الفريد ( وهو ترجمة السلسلة الصخمة من تاريخ بريطانيا) فاسمحوا لي

أن أتقدم بداية بالشكر لكل من أعطى وبذل من أجل انجاح هذا المنتدى ، ومن أجل أن أن يكون هذا المنتدى كيان وأصل ثابت ضمن منتديات الترجمة …

وأخص بالشكر على سبيل المثال لا الحصر

الاخ العزيز (وائل عودة) – والصديق الحبيب هاني إدريس – والاستاذ الكبير إيهاب الشربيني – والمعطاء الدؤوب الدكتور سامح نور – وشيخ مترجمي الافلام التسجيلية الاستاذ عباس مشالي – والاخ العزيز والمترجم النشيط بيتر – والمترجم الرائع مهند … وكل من اعطى وبذل في هذا المكان الطيب .ثم اسمحوا لي أن أتقد بأسمى آيات الشكر والتقدير والعرفان للاخوة الأعزاء الذين قدموا وبذلوا الكثير والكثير من أجل إخراج هذا العمل الضخم للنور
الأخ العزيز والصديق الطيب
الاستاذ فيصل كريم
والاخ العزيز الذي فاجئنا جميعا باختياره و العمل على هذه السلسلة في صمت
الاخ العزيز أحمد الزعبي

شكرا جزيلا لكم اخواني الكرام على ما قدمتم وبذلتم من أجلنا
وأسأل الله لكم كل الخير
ودوما من نجاح لنجاح
ودوما في توفيق ورعاية الله .
وقد تفضل الاخ الكبير الاستاذ عباس مشالي مشكورا بتقديم كلمة هامة أشار من خلالها لأهمية دور ترجمة الأعمال الوثائقية، وقد طرح بكلمته أفكار ومعايير هامة لأسس هذه الأهمية المتنامية للمواد المرئية التسجيلية وأثرها بزيادة وتقدم الفكر العلمي والحضاري بحياة الانسان.
اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة mashally52
بسم الله الرحمن الرحيم
تحية طيبة لجميع الإخوة الكرام بقسم ترجمة الأفلام الوثائقية
في الحقيقة علمت من الأخ الفاضل الموقر/ فيصل كريم انه بصدد تقديم ترجمة للسلسلة الرائعة
تاريخ بريطانيا بالتعاون مع الأخ/ أحمد الزعبي بمناسبة مرور عامين على إنشاء
قسم ترجمة الأفلام الوثائقية وأثناء حديثي طلب مني تقديم كلمة بهذه المناسبة.
وها نحن هنا يتقدم الأخ الفاضل/ فيصل كريم والأخ/ أحمد الزعبي بتقديم سلسلة لتاريخ بريطانيا
وهذا ليس بالأمر البسيط الذي قد يعتقد البعض ممن يطالعون العمل على انه مجرد فيلم،
فأقول لهم “لا”، عليكم أن تتمعنوا وتتفحصوا وتدركوا وتستفيدوا لزيادة حصيلتكم
الثقافية وتوسيع إدراككم بمجال العلم ليقودكم نحو التقدم.
والحق يقال بأن عمل مثل تاريخ بريطانيا وخصوصا أسلوب اللغة التي تطرق لها مقدم
العمل “سايمون شاما” شاقة جدا حتى على الإنجليز أنفسهم، وحتما هناك
فرق بين الأسلوب البسيط العامي والأسلوب الأدبي حتى بلغتنا العربية الجميلة.
أثناء محادثتي مع الأخ فيصل اعترف لي بأنه قد أخطأ أثناء عمل الترجمة وكان منزعجا
لما قام به من أخطاء،
فقلت له طالما نقد الذات مبني على الصراحة، وانك قد أدركت ما أخطأت وأعلنته أيضا
فهذا شئ جميل لأنك تعلمت منه، والحقيقة أنك مثل أعلى لابد وان يحتذي به، ولكن هناك
البعض الذين لا يدركون ذلك أثناء قيامهم بعمل الترجمة ولا يقبلون النقد، والنقد هنا بمعني
مراجعة النفس والاضطلاع على العمل قبل تقديمه وقبول الرأي الأخر للاستفادة منه ربما يتضح
منه شئ لم نكن ندركه.
مما لا شكَّ فيه أنَّ أيَّ تخصص يعتمد بالدرجة الأولى على المصادر والمراجع الأساسية.
وعليه فإن الترجمة لها دور قوي وفعال يوضح قمة التخصص وخاصة في ترجمة الأفلام
الوثائقية ومعرفة هذه المصادر والمراجع أمر لابدَّ منه لأي باحث ومتخصص
في أي مجال من مجالات التاريخ والثقافة والعلم .
ومن هنا فإنني أسعى في عمل دراسة لتقديمها في كتاب لي بعنوان :
(ترجمة الأفلام الوثائقية، واقعها وآفاقها في التأثير بمجالات البحث)،
وبعد إتمامه سوف يطبع وينشر ليكون في متناول جميع المهتمين بأعمال ترجمة الأفلام الوثائقية
سوف يشمل الأسس والنظريات التي يجب مراعاتها في العمل الذي نقوم به والذي ينطوي
تحت نظرية الأدب المقارن والذي ينبثق من خلاله نظرية المحاكاة ونظرية التعبير والفلسفة الواقعية.
ذلك النوع من الدراسات الأدبية الذي يتمثل جوهره في إجراء مقارنات بين آداب للغات قومية مختلفة
وهذا ما يقوم بتقديمه المترجم بالفعل والذي يتم من خلاله المقارنة كوسيلة معرفية ليستفيد
منها الباحث ومن يطلب العلم لزيادة حصيلته العلمية والثقافية والفكرية بشتى المجالات.
كذلك دراسات التأثير والمنهج التاريخي لأعمال الترجمة.
إن فن الترجمة جوهر التاريخ، وخلاصته وهو يعبر عن حقيقة الوثائق التاريخية، حقيقة الإنسان في
زمن معين ومكان معين وعلم معين، وبذلك فالأعمال الفنية ومنها الترجمات ما هي إلا وثائق تاريخية
مثلها مثل الآثار، والترجمة بالمنهج المكلل بآداب اللغة والثقافة هو صورة لبيئة المترجم لكونه
يعكس أثر العلاقات الاجتماعية، وبنية المجتمع.
وعلى إثر الانحطاط الفكري والسياسي والثقافي، فإن ما نقوم به من أعمال
الترجمة سوف يكون يوما ما عامل مساعد للقضاء علي هذا الانحطاط.
ومن جهة أخرى فإن علامة استفهام كبيرة قد ارتسمت على تاريخ الترجمة وتأثيرها
على الأدب نفسه. هل يمكن إيواء عدد كبير جداً من أعمال الترجمة ضمن حظيرة تاريخية واحدة؟
بالفعل هذا ما حدث ويحدث وسيستمر في منتدى الديفيدي العربي بقسم ترجمة
الأفلام الوثائقية بل إنها رؤية واضحة بكم العمل منذ فترة عامين لإنشاء هذا القسم وما افرزه
من جدل وديناميكية رائعة
تبناها بمنتهى الحرفية الأخ العزيز الفاضل/ إيهاب الشربيني
ومعه العزيز الفاضل/ سعيد عبد الجليل
بتكاتف من كم رائع من المترجمين.
تمنياتي لجميع الأخوة الكرام مترجمين وأعضاء ومديرين بالتوفيق الدائم
وشكرا جزيلا لكم جميعا.

ثم تفضل أحد مؤسسي قسم ترجمة الأفلام الوثائقية الاستاذ وائل عودة بتقديم كلمة له بهذه المناسبة. والحقيقة أنني أثمن هذه المشاركة بشكل خاص نظرا للظروف التي تواجه اخواننا في غزة من تقطع كبير للكهرباء وعدم توفر النت، فجزاه الله كل خير وفك الله كربة الاخوة بهذا المنطقة العربية وكل بلاد العرب.

اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة waolaaa

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إخوتي وأحبتي، زملائي وأصدقائي مترجمي ومتابعي ورواد منتدى ترجمة الأفلام الوثائقية الأعزاء
قبل أعوام قليلة …خرج إلى النور قسم فريد من نوعه على مستوى منتديات ومواقع الإنترنت العربية، ألا وهو قسمنا العزيز على قلوبنا (منتدى ترجمة الأفلام الوثائقية
ما يزيد عن العامين قدم فيهما خيرة شباب ومترجمي الوطن العربي الجهد الجهيد ليكون هذا القسم ما هو عليه الآن، المرجع الأول لكل محب للأفلام والبرامج الوثائقية … ومنارة للعلم والمعرفة تشع وسط بحر الابتذال و الإسفاف الذي بتنا نغرق فيه.
اليوم وبمناسبة فريدة من نوعها ، مناسبة تقديم ترجمة سلسلة “تاريخ بريطانيا”
تتداعى الصور التي تذكرنا كيف جاء هذا القسم وكيف كان، وتدق لنا أجراساً ترشدنا أين نمضي لدربنا الذي اخترنا أن نسلكه سوية.
ما قبل القسم:
لا ينسى أحد من المهتمين والمتابعين للترجمات الوثائقية ممن كانوا متابعين لمنتدى الترجمة مجهودات زملاء أعزاء كانوا الشرارة الأولى للفت النظر لهذا المجال من الترجمات
والذين رموا وراء ظهورهم حب الظهور والشهرة وترجمة الأفلام الحديثة وتصدوا -في إنكار مذهل للذات- لترجمة أعمال كان متابعوها لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة
على رأس هؤلاء, الزملاء الأعزاء:
م. إيهاب الشربيني : صاحب أول ترجمة لأول فيلم وثائقي في الديفيدي إن لم يكن على الانترنت كله ، و مهندس القسم والداعم الأول له منذ يوم انطلاقه وحتى اللحظة.
electricdream: المترجم المتفاني صاحب ترجمات islam – empire of faith
the lost tomb of jesus

خطاب : صاحب ترجمات planet earth الشهيرة التي جذبت الكثيرين للاهتمام بهذه النوعية من البرامج، ومطلق الشرارة الفعلية لانطلاق القسم بتقديمه لهذا العمل الفريد من نوعه كماً وكيفاً.
المنتدى- الحلم:
كانت الفكرة حلم يراود الكثيرين، حلم حال دون تحقيقه مخاوف وأسئلة عدة …. هل هناك من يترجم مثل هذه الأعمال فعلاً، ويكرس وقته ومجهوده لمثل هذه المهمة؟ هل هناك من يهتم بمتابعتها؟ هل للمعرفة مكان في حياة واهتمامات شبابنا؟
أصبح الحلم حقيقة اليوم بفضل رجل دائماً ما كان الجندي المجهول وراء منتديات الترجمة كلها، ألا وهو أستاذنا العزيز أ. سعيد عبد الجليل
مع طرح ترجمة سلسلة walking with dinosaurs والتي وعلى غير المتوقع حققت نسبة متابعة عالية جداً وصنعت ما يمكن أن نسميه مجموعة الرواد من متابعي الترجمات الوثائقية في منتديات الديفيدي العربي والذين كانوا نعم التشجيع المطلوب لتكتمل ترجمة كل أجزاء سلسلة walking with بمجموع حلقاتها الذي وصل لـما يقارب الـ22 حلقة (17 ساعة بث ).
طوال تلك الفترة – وكما هو دائماُ – كان أ. سعيد نعم العون والمساند و الدينامو المحرك لها، لم يبخل بنصيحة ولا جهد ولا عمل لتخرج السلسلة بأروع ما يكون وتحقق الهدف المنشود منها في كسر الحاجز الذس يقف بين كل محب للأعمال الوثائقية وبين الحلم بوجود قسم خاص بترجمتها ومتابعتها
لذا وبفضل مجهوده وإخلاصه ومعه م. إيهاب الشربيني خرج منتدى ترجمة الأفلام الوثائقية للنور يوم 31-12-2007
لم يكد القسم ينطلق ومنذ أسبوعه الأول في الوجود حتى أنضم له واحد من أروع وأكبر مترجمي الوثائقيات على الإطلاق
ألا وهو أخي وصديقي أ. هاني إدريس …الذي قدم وصلة من العطاء اللامتناهي المنفرد كانت و معها مجهودات و مساهمات مترجمي الديفيدي الكبار من امثال أ. سعيد عبد الجليل ، محمد علي، طارق عبد الهادي، إيهاب الشربيني السبب الرئيسي والدفعة الضرورية لاستمرار بنفس الحماسة والهمة التي صاحبت انطلاقته.
تمر الأيام لتكشف عن شعلة تنير الدرب اسمها د. سامح نور، هذا الرجل الذي كان وما زال مثالاً ونموذجاُ للإخلاص والإثار و حب الخير للجميع .
مرت الأيام والسنون سريعاً منذ ذاك اليوم إلا أن منتدى ترجمة الأفلام الوثائقية وبحمد الله تعالى ما زال باقياُ بنفس الهمة والحماسة والنشاط كيومه الأول، لا يمر أسبوع أو يوم إلا وينضم له باقة من مترجمين كبار و متابعين ومحبين ليصبح مائدة يتجمع حولها مجموعة من خيرة شباب ومثقفي المجتمع العربي على الإنترنت :
بيتر سيمون، حسام الجبرتي، مهند مسلم، عباس مشالي، محمد علي، فيصل كريم، طارق عبد الهادي، محمد عوض، بدر، أحمد صديق، د.جمعه…. والكثيرين الذين يعجز المرء عن شكرهم و الثناء على ما قدموه للقسم والمنتدى وقبل كل هذا للشباب العربي، كلها أسماء من نور حفرت اسمها في قلب ووجدان كل متابع ومحب للأعمال الوثائقية وللمعرفة .
كل يقدم ما يستطيع ويساهم بما أمكنه في صورة قل ما تتكرر في تجمعات الانترنت العربية، فلأن الهدف نبيل كان العطاء بلا حدود ، ولأن العلم هدف المثقف كان الاحترام والحب والتفاني و الإثار متلازمات لاسم “منتدى ترجمة الأفلام الوثائقية”

المستقبل:
اليوم نجتمع محتفلين ومهنئين بترجمة لعمل يعجز المرء ان يتخيل كمية الجهد المبذول لخروجها للنور ، يقف وراء هذه الترجمة …..ومنذ أن كانت بالبداية مجرد فكرة وخطة وحلم رجل واحد….ألا وهو أ, فيصل كريم ، واحد من أروع من أنجبهم منتدى الديفيدي من أعضاء ومترجمين ومثقفين. وقد سعدنا جميعا بمشاركته مع مترجم جديد وطموح ألا وهو الاخ العزيز أحمد الزعبي الذي أتمنى له المزيد من النجاح والتألق هنا بالديفيدي العربي.
الأعمال الكبيرة لا يقوى عليها إلا الكبار ، لذا كان أ.فيصل والاخ أحمد لها ,,,ليضيفا صفحة جديدة في كتاب منتدى ترجمة الأفلام الوثائقية ، ويخطا سطراً آخر ناصع البياض في تاريخ هذا القسم
ليطمئنانا ومعهما كل الزملاء الكرام، بأنه لا يُخشى على “منتدى ترجمة الأفلام الوثائقية” بعد اليوم من خفوت لهمة ولا من قلة لمتابعة ، فالمستقبل للقسم بإذن الله بأبنائه الذين كانوا وما زالوا يحرصون على أن يظل منتدى ترجمة الأفلام الوثائقية
و كما كان منذ لحظته الأولى …منارة وشعلة معرفة في بحر متلاطم الأمواج من الإسفاف والابتذال والجهل .

كلمتي الأخيرة لكل زملائي : شكراً لكم من كل قلبي ، على كل لحظة وكل جهد وكل فكرة وكل سطر وكلمة ……كلمة شكراً تفقد معناها و قيمتها أمام عظمتكم .

ومن ثم تفضل مشكورا الاستاذ طارق عبد الهادي المشرف العام بمنتدى الترجمة بتقديم كلمة أثرى بها هذا الاحتفال وهذا نصها.
اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة tomy601k

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته …

طلب مني الأخ الغالي على قلوبنا جميعا … الأستاذ الفاضل فيصل الظفيري (أبوعبدالله) … أن أكتب كلمة تخص قسم ترجمة الأفلام الوثائقية … وذلك بمناسبة وضع ترجمات سلسلة (تاريخ بريطانيا) كاملة في القسم … وذلك احتفاءً بهذا القسم المتميز … وأصارحكم القول أنني لم أكن أعرف ما الذي يتوجب عليّ كتابته بالتحديد … فهل أتحدث عن أهمية الأفلام الوثائقية في حياتنا … أم أتحدث عن أهم المنجزات التي مر بها القسم منذ نشأته … أو حتى عن تاريخ القسم نفسه … وفي نهاية الأمر اهتديت إلى أن أرسل رسالة لجميع الأعضاء الذين يقرؤون هذه السطور …

إخوتي وأخواتي الكرام …

لا أعتقد أن أيا منا يستطيع أن ينكر أهمية وفضل ترجمة الأفلام الوثائقية … وذلك لما لها من قيمة علمية وثقافية وتاريخية … ولا أتحدث هنا عن عموم الأفلام الوثائقية … فحتى الأفلام الوثائقية لا تخلو في بعض الأحيان من محاولات للاستفادة المادية لأقصى حد … وذلك بتغليب الاهتمام بالمادة البصرية المشاهدة على حساب المادة العلمية المقدمة … وقد يكون ذلك مقبولا … إن كان الاهتمام بالمؤثرات البصرية متوازنا … أو على قدم وساق … مع المادة العلمية المعروضة … وهنا يأتي دور المترجم “الحذق” في فرز الغث من السمين من هذه الأفلام الوثائقية … واختيار ما يناسب الجمهور من تلك الأفلام … فباعتقادي الشخصي … ولا أعلم إذا ما كنتم توافقونني الرأي أم لا … إن المساهمة في ترجمة الأفلام الوثائقية … ونشرها … مسؤولية … بل هي أمانة … في أعناقنا جميعًا … لِمَ لا نعتبر هذا الأمر بداية الطريق لإعادة بناء مجد أمتينا العربية والإسلامية … فما أشبه اليوم بالبارحة … ألم يكن الغربيون يقومون بالتعلم في جامعاتنا وعلى يد علمائنا والترجمة من كتبنا في العصور الغابرة … وتمكنوا بعد ذلك من التحكم في مقدرات شعوبنا … وبالمثل … علينا نحن أيضًا اليوم أن نعيد الكرّة … وأن نتعلم ونتعلم ونتعلم … ولا أجد طريقة أفضل ولا أجمل للتعلم أكثر من الاهتمام بترجمة الأفلام الوثائقية … والتي تقدم العلم والفائدة في قالب جميل لا يدخل الملل إلى نفس المشاهد أو طالب العلم …

وفي الختام لا يسعني سوى أن أوجه تحية تقدير وإعزاز لكل من ساهم ويساهم هنا في هذا القسم … من مشرفين ومترجمين وأعضاء … وأتمنى أن تواصلوا مشوار العطاء بنفس الهمة التي لا تكل ولا تمل … بارك الله فيكم وجزاكم كل خير …

وتفضل كذلك الاخ العزيز د. سامح نور مشرف قسم الترجمات الوثائقية بتقديم وجهة نظره النيرة بهذه المناسبة وانطباعاته وآماله لهذا القسم المتميز.

اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة dr_sameh_nour

البداية فكرة تمّ طرحها…فقُبلت…فنمت…فتقدّمت.
هذا حال منتدى ترجمة الوثائقيات منذ نشأته حتى الآن.
بدأ صغيراً لكن نما بسرعة ووصل إلى نضجه الآن، وقاد ريادة ترجمة الوثائقيات في الوطن العربي.
كان يقوم عليه قلة من المترجمين أسّسو بُنيانه وأعلو قوامه فنهضو به ونهض بهم، لم يُثنيهم عن ذلك قلّة مرتاديه أو صعوبة ترجماته، فأتى الجهد أكله وأصبح يحمل القسم لواء التقدّم، ووجد فيه المتعطّشون للعلم والثقافة والتأمّل ضالّتهم فهدو واهتدو.
ثمّ مرّ القسم بفترة انتقالية خطيرة تمثّلت في غياب مشرفيه دفعة واحدة لظروف لا تخفى على أحد فعمد إلىّ المسئولون وقتها بالإشراف فوافقتُ على مضض لصعوبة الرّسالة وضيق الوقت، وتمثّلت طموحاتي التي لا تخفت في مواصلة الإرتقاء بالقسم حتى وصل لحالته الآن وبمساعدة الجميع.
لا شكّ أن ترجمة الوثائقيات مختلفة عن أي نوع آخر لكثرة المصطلحات ولأنها تحتاج لبُعد بصيرة وحسن تعبير ولأن جمهورها من نوع فريد-ذوّاق- لا يقبل إلا بإمتاع نفسه وعقله.أتوقّع أن تستمرّ مسيرة الوثائقيات نحو الأفضل لتراكم أفكار التطوير وأصبح بالإمكان العمل على تنفيذها لوجود جيل جديد من المترجمين والمحبّين الذين حملو على عاتقهم النهوض بالقسم، بل وعدّلو كفّة ميزان نوعية المادّة المترجمة، فبعدما غلب على القسم ترجمات أفلام الطبيعة والكون، أصبح يعجّ الآن بالترجمات العلمية والتاريخية وأخرى عالية التخصّص في مجالات شتّى…ومازال العطاء مستمرًا.

وقد شرّفني زميلنا في المنتدى الكاتب الملقب بـ(قسطنطين ليفين) و المتخصص بفنون الأدب والفن الروائي بتقديم رؤية عن التاريخ والأدب البريطاني عبر هذا المقال يسعدني أن تستمتعوا بقراءته مثلما استمتعت أنا بذلك.
اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قسطنطين ليفين
“أحب أن أعرف الخطوات التي سارها الإنسان في طريقه من الهمجية إلى المدنية”

 

من المربك حقاً كتابة مقال عن موسوعة التاريخ البريطاني للبروفيسور سيمون شاما, إذ كيف يمكن الإحاطة بتلك الحقب من التاريخ السحيق في العصر الحجري, عندما كان الأقدمين يحاولون التكيف مع الظروف المحيطة وبناء ما يمكن أن يكون في يوم من الأيام مكاناً لائقاً للحياة إلى المدنية في القرن العشرين. طرحت عدة تخمينات حول البداية, قد يبدأ بالقرون الوسطى في القرن العاشر, أو يبدأ بالعصور الرومانسية أو العصر الفيكتوري الذي ليس بغريب على أغلب قراء الآداب الإنجليزية. ولكن شاما يرفض هذه النظرية ويبدأ من القرون السحيقة قبل الميلاد عند قدوم الرومان وغزوات الفايكنغ لتبيان كيفية التطور ومسيرة حقب التاريخ البريطاني من بدايته وحتى القرن العشرين. تنبع أهمية هذه الموسوعة في تقديم مادة غنية تطرق كل الأبواب المؤسسة في علم الإقتصاد والتجارة والآداب والفنون والفلسفة. نحن نقرأ لشكسبير المولود في القرن السادس عشر! دائماً ما أجد هذه الصياغة ظاهرة أمامي: عند قراءة أدب من الآداب لا يكفي أن تشرح العمل وبنيته الأساسية, بل انظر لما وراء الوراء, إلى تاريخ الأمة وثقافتها وتاريخ حياتها والظروف المحيطة لكي تعطي رأياً سليماً هو أقرب للحقيقة من العمل الأدبي نفسه.

– هل كل هؤلاء حكموا انجلترا ؟
– نعم .. كل هؤلاء حكموا انجلترا .. منهم من أحدث تغييراً قلب رأس الدولة رأساً على عقب, ومنهم من تعرض للإغتيال. منهم من لم يطمئن في كرسي الحكم دقيقة واحدة, ومنهم من تخلى عن العرش من أجل امرأة. منهم من حارب أباه الملك من أجل كرسي الحكم” ريتشارد قلب الأسد”, ومنهم من حارب أخاه لكي يحكم. كل هذا وأكثر ستجده في التاريخ البريطاني.
– وهذا الشخص من هو ؟ لا يبدو لي ملك لانجلترا؟
– إنه لويس السادس عشر, ملك فرنسا. وهذا نيلسون, قائدنا البحري العظيم الذي كسر شوكة نابليون في معركة طرف الغار.. وهذا الدوق الحديدي ولينغتون. ألم تسمع به؟ أقرأ عن واترلو وستعرف.

هذا الحوار البسيط والي اختصرت منه الكثير دار بيني وبين أحد المشرفات على قصر باكينغهام عندما سنحت لي الفرصة لزيارته الصيف الماضي. من هو مهتم بالتاريخ وخصوصاً التاريخ البريطاني, أقول له لا تفوت فرصة زيارة هذا القصر الرئيسي في لندن. إنه يصرخ تاريخ, ويحدثك عن معركة هنا, وانقلاب هنا, وعائلة ملكية غادرت, وعائلة ملكية تحكم. عن تفاصيل ورؤى ومشاهد تجبرك على البحث أكثر, وهذا هو التاريخ. عند قراءتك وبحثك في التاريخ لن تجد اتفاق عام بين طيات المجتمع البشري. سوف تجد التنازع والتناحر كطرف رئيسي في عملية التطور الحضاري وسيره للأمام. المدنية جاءت للإنسان بخير عظيم, لكنها جاءت له أيضاً بشر أعظم منه, فهي قد اطلقت الفكر من حبسه فأخذ يجوب الفضاء ويستفهم عن كل شيء. إنها أطعمت البشر من معرفة الخير والشر وأذاقتهم ويلات الخير والشر قسطاً كبيراً. التنازع والتعاون هما دعامتا الإجتماع البشري. والحب والبغض متلازمان في النفس كتلازم التعاون والتنازع في المجتمع. لا يمكن أن تقوم جماعة بشرية إلا ويكون حافز التعاون كامناً فيها. وهو كما عبر عنها عالم الإجتماع الكبير ابن خلدون بقوله : إن التنازع عنصر أساسي من عناصر الطبيعة البشرية, فكل إنسان يحب الرئاسة, وهو لا يتردد عن التنازع والتنافس في سبيلها إذا وجد في نفسه القدرة على ذلك.

في بداية القرن الثامن, تعرض للنفي إلى بريطانيا أحد الذين أثاروا القلاقل والهرج والمرج في فرنسا. كانت بريطانيا التي وجدها هذا الشاب – وهو بالمناسبة فُولتير – أمة تتمتع بربع قرن من السلام النسبي عقب جيل من انتصاراتها على فرنسا. أمة غدت الآن سيدة البحار، وسيدة التجارة، وسيدة المال، ممسكة برافعة القوى وميزانها فوق حكومات القارة. تلك هي بريطانيا التي أحرزت قبل ذلك التفوق العالمي في العلم بفضل نيوتن، وأنجبت جون لوك الثائر دون عمد منه، والتي كانت تقوض المسيحية بالربوبية، والتي ستحل الشاعر الكسندر بوب محل بابوات روما أجمعين، والتي سترقب في قلق عمليات ديفيد هيوم العقلية المدمرة. إنها بريطانيا التي أحبها الفنان هوجارت وشجبها بقوة في محفوراته، بريطانيا التي وجد فيها هندل وطناً وجمهوراً مستمعاً، وحجب فيها ضوء كل موسيقار إذ غدا أعظم مايسترو أنجبه العصر. ثم هنا، بدأت الثورة الصناعية تغير وتبدل كل شيء إلا الإنسان.

الثورة الصناعية؟ الثورة؟ الصناعية؟ هل كلمة ثورة تستحق فقط أن تطلق على تلك الفترة فقط؟ التاريخ البريطاني بأكمله هو عبارة عن سلسلة متصلة غير متوقفة من الثورات. في كل فترة من فترات التاريخ البريطاني لا بد أن تظهر كلمة ثورة, فماذا تعني؟ كل فكرة جديدة تحدث تأثيراً مدوياً تحتاج إلى كلمة جديدة, سواءً جرى صياغة كلمة جديدة للتعبير عن التجربة الجديدة, أو تم استخدام كلمة قديمة وجرى إعطاؤها معنى جديداً تماماً. كانت الكمات التي تخطر على البال لوصف الثورة هي العصيان “rebellion” أو التمرد “revolt”. ومعناهما قد تحدد و معروف منذ العصور الوسطى المتأخرة. ولكن هاتين الكلمتين لم تشيرا أبداً إلى تأسيس حرية جديدة. كانت النظرية في القرون الوسطى تعرف العصيان المشروع, والنهوض ضد السلطة القائمة, وتعرف التحدي والتمرد. ولكن الهدف من كل هذا لم يكن اعترضاً على السلطة أو النظام القائم, بل كان دائماً تبادلاً مع الشخص الذي في السلطة. كتبادل المغتصب بالملك الشرعي أو تبادل المستبد الذي أساء استخدام سلطته بالحاكم القانوني.

كلمة ثورة في الأصل كانت مصطلحاً فلكياً اكتسب أهميته المتزايدة من خلال العالم الفلكي نيكولاس كوبرنيكوس في كتابه de revolutionibus orbium coelestium. في الشئون العملية احتفظت كلمة الثورة بمعناها اللاتيني الدقيق, مظهرة بوضوح الحركة الدائرية للنجوم, وبما أن ذلك هو خارج تأثير الإنسان, وبالنتيجة فهو لا يقاوم. الكلمة لا تشير إلى العنف, بل تشير إلى حركة دائرية متكررة. كان أصل الكلمة قد نشأ في علم الفلك واستخدم على سبيل التشبيه في السياسة, فإذا استخدمت الكلمة للتعبير عن شؤون البشر على الأرض, فهي إنما تفيد بأن أشكال الحكومة القليلة المعروفة تدور بين البشر الفاني بتكرار أزلي وبالقوة ذاتها التي لا تقاوم, وتجعل النجوم تسير في الدروب المرسومة لها في السموات. حين نزلت كلمة “الثورة” من السماء لأول مرة وأدخلت في الإستعمال لتصف ما حدث على الأرض بين بني البشر الفانيين, فقد بدت بوضوح كمجاز أو استعارة, وهي تحمل الفكرة التي تفيد بحركة أزلية متكررة باستمرار لتقلبات المصير الإنساني صعوداً وهبوطاً, والتي شُبهت بالشروق والغروب للشمس والقمر والنجوم منذ الأزل.

معرفة التاريخ البريطاني ضرورية جداً لمعرفة أسس الثورة ونتائجها. الثورة لا تعني الثورة الفرنسية الشهيرة فقط, بل تسبقها الثورة الصناعية التي اندلعت في بريطانيا, والتي كانت بشكل مباشر وبشكل غير مباشر كذلك سبب في ثورتين آخريين أخرى على جانبي الأطلسي في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا. في وقت ما من ثمانينات القرن الثامن عشر سقطت للمرة الأولى في التاريخ الإنساني الأغلال التي كانت تكبل القوة الإنتاجية للمجتمعات البشرية, والتي أصبحت قادرة منذئذ على مضاعفة البضائع والخدمات على نحو مستمر سريع. بمعرفة هذه الثورة الصناعية ونتائجها نستطيع أن نفهم الكثير من الحركات الإجتماعية والفلسفات التي كانت وليدة لها. مثل ظهور البروليتاريا في أربعينيات القرن التاسع عشر والشيوعية وشبح البيان الشيوعي.

في إحدى حلقات التاريخ البريطاني استعان المقدم البروفيسور سايمون برواية الروائية الإنجليزية إليزابيث غاسكيل “mary barton” لتبيان التأثيرات الإجتماعية التي عصفت بالسكان. سأستعين أنا كذلك بإحدى روايات إليزابيث غاسكيل “north and south” لتبيان كيف كان التأثير في بريطانيا والعالم أجمع عبر الثورة الصناعية. في رواية إليزابيث غاسكيل ترتبط شخصيات العمل الفني روحياً وعاطفياً وأخلاقياً بروح المدينة واتجاهاتها وعلاقة السكان بعضهم ببعض. سكان الجنوب يميلون للتدين والعطف على الفقراء, وأغلب أعمالهم تتعلق بالزراعة والحصاد. وهم إلى ذلك شخصيات تعبر عن عواطفها مباشرة رغم حدتها, فلا مجال للكذب أو المراوغة. وكل ذلك يتأتي من طبيعة تلك الأرض الخضراء الممتدة. سكان الأرياف كما يقول هيجو هادئون, ميالون للسلام والإبتعاد عن المنغصات مهما كانت. أما الشمال فهو يشير إلى عالم الثورة الصناعية, عالم المال والأعمال والدخان المنبعث من المصانع, إنه عالم أسود, عالم العلاقة السيئة بين سيد العمل والعمال, هذا العالم في حالة حركة دائمة ومستمرة وعاصفة, تأثير رجل الأعمال يمتد ليشمل جميع العمال العاملون في المصنع بعكس الجنوب الذي يركن فيه كل إنسان لوحده. بطلة الرواية مارغريت هايل, ابنة القس السابق حين تفد إلى أراضي الشمال تتفاجأ بهذا العالم الذي لا يحكمه ضمير, العمال يعملون بصورة رهيبة ولوقت طويل, وفي ظروف طبية وصحية سيئة. لم يعد هناك الطبيعة الخضراء, بل ماكينات المصانع والمداخن التي تلوث الجو وتعبث بالجميع. تستطيع مارغريت بشعور أهل الريف الجنوبي تكوين صداقات مع بعض عمال المصانع وأهاليهم, ومنهم نيكولا هيقنز, العضو بالإتحاد العمالي والعامل في مصنع جون ثورنتن. أعجبتني المؤلفة جداً حين قررت أن يكون صدام الشمال والجنوب عبر شخصيتين تمثلان هذه المناطق, مارغريت هايل مقابل جون ثورنتن, رجل الأعمال المتشدد. تخوض هاتين الشخصيتين صراعات منطقية حول صواب رأي كلاً منهما, جون ثورنتن رجل أعمال بنى مصنع القطن من اللاشيء, ويمارس القسوة تجاه العمال خوفاً من الفشل والسقوط المريع الذي ذهب ضحيته والده وهو صغير. أما مارغريت على العكس من ذلك, فهي تقابل الشدة والضرب من قبل جون ثورنتن تجاه العمال بالعطف عليهم والإحسان والتبرع لهم.

ترفع غاسكل من وتيرة الشمال والجنوب حين يقرر عمال المصنع بقيادة هيقنز الإضراب عن العمل في مصنع جون ثورنتن من أجل زيادة الرواتب وتحسين شروط العمل. أصبح الموضوع الآن الصدام بين رأس المال والعمل, الثورة الصناعية, لماذا يتحتم وجود البطالة, وكيف يجب أن يتصرف العمال عندما يجدون عائلاتهم تهلك جوعاً؟ الثورة الصناعية لم تغير شيئاً, لكنها أطلعت الجمهور على مساوئ كانت موجودة دائماً. كان هناك سكر, ومصانع تعمل في القباء وتسيء استغلال العمال, واستغلال الاطفال في الصناعة, لكن وجودها على هذا النطاق الهائل لم يدع هناك مهرباً من الإحساس بها. كان الفساد وشعور التعاسة اللتان نجمتا عنها من العظمة بمكان بحيث لم يكن بمقدور أي إنسان أن يتأملها دون أن تنتابه قشعريرة. في القرن الثامن عشر كان طغيان الإنسان على الإنسان هو الأكثر تأثيراً, أما في القرن التاسع عشر فحل طغيان أكثر تعقيداً: طغيان القوى الإقتصادية. وهذا ما نشاهده بالتحديد في هذه الرواية. يبدو الشمال لمارغريت همجياً غريباً. إنها ترفض الحضارة. لا يستشعر القارئ لروايات العصر الفيكتوري ذلك الإحساس القوي بان انجلترا عبارة عن أمتين: أمة الشمال الصناعي, وأمة الجنوب الريفي. القارئ والمشاهد سوف يكتشف الشمال انطلاقاً من الجنوب, من مارغريت هايل نفسها. نكتشفه على نحو خاص في شخصية جون ثورنتن, صانع القطن الواثق من نفسه. جون ثورنتن هو أنجح شخصيات إليزابيث غاسكيل من الذكور, وهو بالنسبة لي كرجل يفوق أياً من رجال تشارلوت برونتي وجين أوستن اقناعاً بكثير. هو ليس شخصية خيالية, فهو نتاج ملاحظة امرأة تعرف العالم, وتحكم عليه في الرواية فتاة ذات شجاعة فائقة وذكاء وقيم راسخة. وينشأ عن الصراع بين قيم مارغريت وقيم ثورنتن جزء كبير من حقيقة ثورنتن. وتحقق غاسكل نجاحاً خاصاً في تصوير جزء من جوانب ثورنتن الإجتماعية, بما في ذلك الصفات التي تجعل منه واحداً من أصحاب المصانع في تلك الفترة. وهناك على سبيل المثال, المشهد البالغ الدقة, والذي يلتقي فيه رجل الأعمال ثورنتن وزعيم الإضراب هيجنز كنتيجة لمساعي مارجريت في نوع من الصداقة الحذرة تقوم على معرفة كل واحد منهما بأن الآخر عدواً له.

بقراءة روايات غاسكيل مثلاً نستطيع أن نفهم عبر حقب التاريخ البريطاني, كيف كان ديكنز الروائي الأشهر في العصر الفيكتوري يضع القلم في مواجهة الطغيان الإقتصادي المدمر للعلاقات الإجتماعية, ونستطيع أن نفهم كذلك كيف كان برنارد شو في مواجهة الظلم الإجتماعي عبر اختياره أميناً لصندوق الإضراب. والأهم من كل ذلك التأثير عبر العالم: الحرية. كيف تحولت أمة أصبحت الحرية هي شعارها الرئيس إلى أكبر مستعبد في الكرة الأرضية.

هذه الأسئلة وتأثيرات التاريخ البريطاني في العالم يقدمها لنا سايمون شاما ببراعة وإنتاج غير مستغرب من البي بي سي المشهورة بنتاجها الوثائقي الضخم. عندما شاهدت الإعلان عن ترجمة التاريخ البريطاني كنت أكبر المتحمسين لهذا المشروع نظراً لأن المادة الوثائقية هذه تطرح كل الأبواب: من سياسة وفكر وثقافة وفنون وآداب وتاريخ ومعتقدات دينية وغيرها. ألا يحق لي إذن أن أصف ترجمة التاريخ البريطاني بالترجمة الأكثر طموحاً والأكثر تأثيراً للعقد المقبل من الآن؟ أنا مؤمن بذلك.

وقد تفضلت كذلك الاخت الأديبة والكاتبة أشعار الباشا بتقديم مساهمة بالموضوع قدمت من خلالها رؤية موضوعية عن تاريخ بريطانيا عبر هذا المقال.

من زاوية واحدة



تمثال الملك آرثر

إن كنت مهتماً بالتعرف على تاريخ بريطانيا العظمى في بداية تاريخها بعد الميلاد , بعد نهاية غزوات قبائل الأنكلوسكسون والنورمنديون على يد الملك آرثر الذي ما زال يسمى عند الإنجليز ( شعب ويلز تحديداً ) بالملك الأسطورة, و أحياناً الأسطورة الملك ؛ فإن النصيحة الأفضل التي أقدمها لك هي أن تعرفه من أهالي بريطانيا الذين شهِدوا و عاشوا بداياتها , أولئك الذين دونوا الحكاية شفوياً حتى وصلَت إلى جيل وثَّقها بالكتابة. ثم تطور تدوين تاريخ هذه الإمبراطورية العظمى عبر أحفاد الشاهدين الذين قاموا بتوثيقها من خلال الميديا و الفن التشكيلي .

كان لبريطانيا قبل وبعد ميلادها عدة نقاط ضعف أنهكتها وأخرَت تطورها الحضاري والاقتصادي . أهمها فترة قرونها الوسطى حين انتشر فيها ( لندن ) وباء الطاعون و أثَّر على قوة الأيدي العاملة بمختلف مجالاتها في بريطانيا ثم قضى على ثلث سكانها مما دهوَر اقتصاد البلاد . وكان هذا بعد أن استقلت كعاصمة لبريطانيا يحكمها الإنجليز أنفسهم. و ثانيها بعد الميلاد في القرن العشرين , بعد الحرب العالمية الثانية . لم تنهض بريطانيا و تصبح دولةً عظمى فور انتهاء الحرب , بل قضت سنين عديدة تعاني من مخلفات الحرب الجسدية والاقتصادية إلى أن شكَّل الشعب الذي يطمح إلى إعادة إحياء وطنه حزباً أطلقوا عليه اسم حزب العمَّال قام ببث الحماس في الأيدي العاملة وشكلوا ” خدمة الصحة العامة ” التي انطلقت منها مشاريع تنموية عملاقة حولت بريطانيا إلى مركز تجاة و اقتصاد و تعليم عالمي اليوم . و ما زال الحزب مستمراً في أعماله حتى الآن متبنياً قضايا جديدة مثل الإبقاء على باب الهجرة إلى بريطانيا لأنها تنفعهم اقتصادياً , و قضية تخفيض الضرائب العامة على ذوي الدخل المتوسط إلى المنخفض . و هو يشكل أهم حزب في بريطانيا منذ ولادته حتى اليوم و أكثر أحزابها شعبيةً و دعماً من الحكومة و الشعب .

إنَّ أهم قصة كانت و ما زالت تقصها الأجيال عن نقطة تحول بريطانيا عهداً و بلداً و شعباً هي قصة الغزو الروماني الذي استمر أكثر من سبعة عشر عاماً على يد حاكمهم الأول لوندنيوم .ثم استمر إلى ما يقارب الخمس مئة عام بعد استقرار الغزاة الرومان في بريطانيا . ما زال المؤرخون و المنقبون يفتشون عن آثار تلك الفترة في المناطق المسماة بمناطق وجود الماء (وادي وثن أنموذجاً ) حيث كان يخبئ الجنود والغزاة سيوفهم وأدوات حربهم . وما زالت لندن و اسكتلندا هي أكثر مدينتين يتحدث أهلها عن الغزو , لأن لندن لم تكن عاصمة بريطانيا منذ ولادتها , بل كانت كولتشيستر طوال فترة العصر الحديدي إلى منتصف العصر الروماني ( فترة الغزو ) ثم قام لوندنيوم بتنصيب لندن عاصمة لبريطانيا بعد احتلاله الثاني لها إلى أن ترك حكمها للإنجليز في منتصف القرن الثاني عشر بقيادة الحاكم الإنجليزي ايثرلند .

نهاية الحكم الروماني كان هو بداية ولادة بريطانيا الحقيقية بيد شعبها و حبهم لها .
كان ثقل بريطانيا بعد انتهاء الغزو مرتكزاً على العاصمة لندن. و لم تخيب مدينة الضباب آمال شعبها المنكوبين إثر مصائبهم من الغزو و بعده الطاعون . نمَت لندن في القرن الثامن عشر بسرعة أدهشت الإمبراطوريات المجاورة و جعلتها أكبر وأسرع مدن العالَم ازدهاراً و تنمية . كما بدأت لندن مشاريع تهدف إلى تخصيبها والتعريف بها بشكل سريع و بنقطة كبرى و لم تبدأ من الصفر, مثل مشروع استقبال المهاجرين و نقل أكبر مركز حكومي إليها .
في الفترة 1837 – 1900 كان العهد الجورجي يليه العهد الفكتوري . تميز العهدان بإطلاق مشاريع حكومية جديدة و إرساء قواعد عسكرية و أنظمة أدت إلى إصدار دستور الشعب ببنوده الست التي أصبح خمس منها أركان أساسية في دستور التشريع البريطاني الحالي ؛ و المعروف باسم الدستور العرفي, لأنه لم يبدأ ببنود مدونة بل قام الشعب بتشريعها و طبقها زمناً طويلاً حتى أصبحَت عرفاً سُنت عليه الأنظمة الحالية و قوانين المعيشة و استخدام المستهلكات باستثناء الدستور السياسي المدوَّن .

أما في فترة العصر الإليزابيثي ( عصر الملكة إليزابيث الأولى ) فقد كان عصر النهضة الإنجليزية في جميع مجالاتها الاجتماعية و العمرانية . عصر ازدهار الفنون و الآداب , عصر شكسبير و بقية روائع المسرحيات الخالدة التي أسسَت لمدارس الأدب المسرحي فيما بعد .

إنك إن كنت تبحث عن تاريخ دولة لا تقبل بالألقاب ولا النياشين التي يمكن لأي مناضل الحصول عليها بل دولة بحثت و صنعت لنفسها ألقاباً حصريةً لها , تفردت بها .. فإنك لن تجد بديلاً لبريطانيا . و ها هو التاريخ يشهد ..

تم الموضوع بحمد الله

 

الإعلان

4 responses to “الترجمة المشتركة للسلسلة الوثائقية تاريخ بريطانيا A History Of Britain + احتفالية خاصة

  1. ألا يوجد تورنت لهذه السلسلة القيمة للغاية؟ وهل بالإمكان توفير ملفات الترجمة منفصلة

    إعجاب

  2. أنا أحب الترجمة مثلك وممارس ترجمة ولكني لست مترجما مبدعا مثلك . تعجبني جزالة ألفاظك وكلماتك وجملك البليغة بالعربية ، ولكي لا أكون مجاملا أكثر من اللزوم هناك لك بعض الأخطاء النحوية البسيطة ، مثل:
    1. قاتل أو قتل المحاربين، بل قاتل أو قتل المحاربون ، (فاعل أو نائب فاعل)
    2. كانوا حديثين العهد ، بل كانوا حديثي العهد ، (بحذف النون ، مضاف إليه)
    3. لم يمضي وقت طويل ، بل لم يمض وقت طويل ،(مجزومة بحذف الياء)
    4. ذهب الطالبين ، بل ذهب الطالبان ، (مرفوعة بالألف)
    6. كان الأمر سهل ، بل كان الأمر سهلا (خبر كان منصوبة)
    7. في الخمسون من العمر ، بل في الخمسين من العمر ، (مجرورة جمع مذكر سالم)
    8. بعث بكتابا ، بل بعث بكتاب (مجرور بعد حرف جر)
    9. جاء والديهما ورأيت والداهما ، بل جاء والداهما ورأيت والديهما. (مثنى مرفوع بألألف ومثنى منصوب بالياء)
    10. صلي على النبي ، بل صل على النبي (لأنها أمر وتجزم بحذف الياء )

    حبذا لو يتم تدارك هذه الأخطاء والتي تقع بغير عمد ، ,ولكنها عند النحويين تعتبر قاتلة. وأنا قد سقطت في الامتحان بسببهم ، وقالوا لي هي لغة القرآن إذا أنت تتدبره كل يوم . وشكرا

    إعجاب

    • شكرا لك أخي علي الهاشمي على هذه النقاط اللغوية الهامة.
      يا حبذا -إن أمكن- لو ذكرت في أي الحلقاات وردت هذه العبارات لنستفيد أكثر ونصلح ما يمكن إصلاحه.
      وتقبل جزيل الشكر

      إعجاب

  3. 11. عن العهود الغير نقية ، بل عن عن العهود غير النقية (غير الــ ….. غير تدخل على الاسم) في فيلم تاريخ بريطانيا – حلقة 13- الوقت 5:19.

    لكنها ترجمة وجهد جبارين بكل ما للكلمة من معنى . وكان صعبا علي أن أشق لك غبار. ما عدا هذه النقاط البسيطة التي لا تكاد تذكر. كل الود والتقدير من عاشق ومحب لترجماتك ومواضيعك الشيقة فعلا . فلك الله يا مبدع .

    إعجاب

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s