ربما لم أقلها في السابق لكثرة الأحداث وتعددها. إن ما أطلق عليه “المبادرة الخليجية” يعدّ من الحلول الخاطئة للأحداث التي وقعت في اليمن منذ ربيع 2011 فصاعدا، وهو تدخل لا معنى له، ولم يقصد منه إلا إنقاذ المخلوع علي عبد الله صالح وحفظ ماء وجهه. وكان خطأ القوى السياسية اليمنية بالتوقيع على المبادرة خطأ فادحا، لأنه ببساطة: خروج عن الإرادة الشعبية بمحاسبة علي صالح ومحاكمته على كل موبقاته بحق الشعب اليمني طوال ثلاثين عاما قضاها ونظامه في سدة الرئاسة. ومع تآكل الثقة بين الأحزاب السياسية والجماهير المطالبة بالإصلاح والحرية، تجلى الوضع عن شرخ أدى إلى السماح للقوى الأخرى كالحوثيين -وبدعم مستمر من إيران- باستغلال الأوضاع الرمادية والتمدد الممنهج على حساب مؤسسات الدولة اليمنية التي لمّا تتحرر من قبضة صالح وحزبه الهلامي. فالتمدد الحوثي لم يقع بين ليلة وضحاها، بل ببطء وروية وعلى مسمع ومرأى من الناس أجمعين. ولأن الخطأ يجر أخطاء وسلسلة العثرات إن بدأت لا تنتهي إلا بالسقوط، فإن ضرب الحوثي بهذه الطريقة لن يؤدي إلا إلى التوغل بمسيرة السقطات. فها هو صديق الأمس أضحى عدوا، فعلي عبد الله صالح (الذي لأجله قامت المبادرة الخليجية) يعلن تحالفه الصريح مع الحوثي. والتورط في المستنقع اليمني ليس من صالح أحد، فأساس المسألة أن الشعب اليمني أراد نيل حريته وقراره، وهذا لم يعجب البعض، وحل المشكلة لن يكون إلا يمنيا محضا، لا بتدخل إيران ولا أمريكا ولا الخليج. الشعب اليمني ليس طفلا حتى يُوجّه إلى ما ينبغي فعله، بل هو شعب ناضج ويعرف كيف يحل قضاياه الداخلية. وقد تتعقد المسألة بتدخل إيران عسكريا ونصبح في مواجهة ليس من المفترض أن تكون اليمن ملعبا لها. والسؤال هنا: هل دول الخليج مستعدة فعلا لمواجهة مفتوحة مع إيران، مع العلم أن الأخيرة قد تعمل على توسيع مسرح العمليات ليشمل مناطق أخرى كالخليج العربي، أو ربما رد “ضربة اليمن” في مكان آخر لا نتوقعه، كما لا ننسى أن خلايا إيران النائمة قد تنشط في أية لحظة. فهل يدرك جميع الناس هذه الاحتمالات بدقة؟ إن قرار مواجهة إيران ووقفها عند حدها يجب أن يكون قرارا صريحا ومباشرا لا تلكأ فيه وليس عبر منطق الحروب غير المباشرة التي لا طائل من ورائها. وعلينا ألا ننسى أن تمدد الحوثي لم يسنح إلا بعد سطوع الضوء الأخضر من أمريكا وحلفائها!