بسم الله الرحمن الرحيم
يواجه العالم العربي في هذه الحقبة أخطر امتحان تاريخي نحو تحقيق حريته واستقلاله. ولهذه الحقبة عدة فصول ومنحنيات تتطلب فهمًا عميقًا وإدراكا جديًا للذات. ومن خلال الناتج الذي يخرج من تداعيات الانكشافات المتوالية التي نعاصرها، تتمحص الشخصية العربية بهويتها الإسلامية فتنزع عنها الجلد الذي أُلبسته بأياد خارجية لا علاقة لها بإرادة الأمة ولا بتاريخها ولا بكينونتها. ولكي تنجح في هذا الاختبار، لا بد أن تجاهد في إعادة اكتشاف هويتها ومرجعيتها الحقيقية، ولا بد أن تدفع ثمن التغيير الباهظ الذي لا مفر من دفعه حسب مقتضيات السنن الإلهية التي لا تحابي مسلما أو غير مسلم. فهل نحن كأمة مستعدون للمواجهة الذاتية قبل مواجهة العدو الخارجي؟
قـيـام داعــش
وقبل نقاش الموضوع، نعرض الفيلم المترجم ثم نستعرض أفكار الموضوع
وهنا رابط الترجمة منفصلا
http://subscene.com/subtitles/pbsfro…arabic/1019644
نسخة العمل الوثائقي
PBS.Frontline.2014.The.Rise.of.ISIS.720p.HDTV.x264 .AAC.MVGroup.org
أما العمل الوثائقي فهو لقناة PBS المتخصصة بالوثائقيات السياسية والتاريخية، وصدر تقريبا منذ شهرين. وداعش هو اختصار ترميزي (وإن أصبح إعلاميا يراد به التقليل والحط من الشأن) لجماعة جهادية برزت شوكتها أو كيانها الموحد بدءا من عام 2013، وكان محيط عملها في العراق حيث جرت عمليات المقاومة ضد قوات الاحتلال الأمريكي منذ عام 2003. غير أن هذه الجماعة قررت نقل عملياتها إلى سورية والتوسع فيها بعد وقوع الثورة السورية ضد النظام الأسدي، فأطلقت على نفسها اسم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” وتختصر بـ(داعش). لكن سرعان ما غير التنظيم اسمه (للمرة الرابعة ربما) إلى “الدولة الإسلامية” فقط، وزادوا على ذلك بأن أعلنوا الخلافة من منبر المسجد الكبير في الموصل بداية شهر رمضان الفائت. وعلينا أن نتعرف على الجذور التاريخية لهذه الجماعة التي ظهرت بطريقة فاجأت معظم الناس. لكن التعرف عليها ليست بالمسألة السهلة أو الواضحة، بل هي عملية يكتنفها الغموض والتكتم، وربما التفسيرات الخاطئة لكيفية النشوء. لكن حري بنا أن ندرس الظاهرة حسب ما يتيسر لنا من معطيات ومعلومات، بعضها مؤكد وبعضها الآخر يشوبه النقص أو الغلط أو حتى التشويه، الذي سأجتهد بمحاولة تجنبه حتى أكوّن نظرة تتسم بشيء من الموضوعية وعدم التجني.
ثمة وجهان لدراسة الظاهرة “الداعشية”. الوجه الأولى يُعنى بكيفية نشوئها المباشر على أرض الواقع. والوجه الثاني يتعلق بالجذور الفكرية التي نشأت منها هذه الجماعة. ومن الأهمية بمكان أن نضع بحسباننا أن هذه الظاهرة لم تكن وليدة العصر الحالي، بل تكررت على مدار مئات السنين، وفي ذلك تفصيلات يطول شرحها.
أولا: داعش: كيفية النشوء
رفيقان في السجن، خصمان في الحياة
ظهرت تقسيمات فكرية جديدة ومستحدثة بسبب مخاضات الواقع الصعب، وإعلان الحرب والضغوط الشديدة على الإسلاميين تحت شعار “الحرب على الإرهاب ومكافحته”. وتركز الخطر من أتباع السلفية الذين اضطرتهم الظروف المحلية والأقليمية إلى الانقسام إلى سلفية علمية وسلفية جهادية، بالإضافة إلى “سلفيات” أخرى كالجامية والسرورية والوهابية، وقد تتلاقى هذه السلفيات في ركائز رئيسة، لكنها تختلف ربما من نواحٍ أساسية في إشكالية التطبيق والعصرنة.
ومع دخول العقد الثامن من القرن العشرين، برزت أولى فرص مشاركة السلفيين في الحياة العامة، عند تلبية نداء الجهاد في أفغانستان إبان الغزو السوفييتي عام 1979. وعلى الرغم من إحداث واقعة جهيمان العتيبي واقتحامه للحرم المكي في ذلك العام واعتصامه هو ومجموعته المتأولة صدمة عميقة في عقر دار السلفية وولادة اسئلة جديدة لم تجد لها إجابات واضحة، إلا أن تجربة الجهاد الأفغاني مثلت نقطة البداية المحورية للسلفية الجهادية الحديثة نظرا للمدة التي استغرقها والحركة الفكرية التي شهدتها التيارات السلفية المتعددة والتي أخذت على عاتقها تحرير أفغانستان ليس فقط من الوجود السوفييتي بل طرد الشيوعية الحمراء بأسرها من البلاد. ويبدو أن رجلين ذهبا إلى أفغانستان للجهاد وعادا إلى بلدهما وهما يحملان منظورا يتسم بالجدية والتحديد. حظى الشيخ الدكتور أبو محمد المقدسي بتعليم أكاديمي عالٍ أهله لفهم واسع ومحدد عن الدراسات الشرعية والفقهية بالإضافة لدرجته العلمية في الفيزياء من جامعة الموصل في العراق. أما صاحبه في السجن أبو مصعب الزرقاوي فمستواه التعليمي غير معلوم، على أنه كان من الذين التحقوا بحلقات العلم الدينية في أفغانستان، ولا نعلم إن كان هذا يؤهله لعلم شرعي كافٍ، إلا إن أبو مصعب -رحمه الله- كان من المجاهدين حملة السلاح وليس عالما فقيها متبحرا. وعلى هذا، فإن الشيخ أبي محمد المقدسي أسس منبر التوحيد والجهاد وانضم له الزرقاوي لاحقا. غير أن علينا ملاحظة أن ثمة كلام مؤخرا حول موقع المنبر الإليكتروني الذي اشتكى منه الشيخ المقدسي منه لوجود فتاوى دموية تثير الاستغراب. الشاهد أن المقدسي دخل السجون الأردنية مرارا ولمدد طويلة (أطلق النظام الأردني سراحه منذ بضع شهور). ومن جهة أخرى، ومع وقوع الغزو الأمريكي للعراق في ربيع عام 2003، هاجر أبو مصعب الزرقاوي لجهاد الغزاة، ومن هناك أعلن انتماءه للقاعدة، وأطلق على جماعته اسم “تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين” حيث اشترك مع كثير من التنظيمات الجهادية الأخرى في تكبيد الغزاة ومن عاونهم خسائر فادحة، واستمرت هذه الحال حتى عام 2006 الذي وقعت فيه عدة أمور مهمة ومنها:
– استشهاد أبو مصعب الزرقاوي في غارة أمريكية يكتنفها الغموض، لم يكشف عن تفاصيلها حتى اللحظة.
– إعلان قيام دولة العراق الإسلامية على يد أميرها أبي عمر البغدادي ونائبه أبي حمزة المهاجر
إلا أن ما تمخض عن هذه الأحداث وما سبقها لم يشِ أن الأمور بين التنظيمات الجهادية تسير على خير ما يرام. فقد اشتكت عدة تنظيمات جهادية من تصرفات “القاعدة في بلاد الرافدين” ومنها جيش أنصار السنة (أو أنصار الإسلام) وهي جماعة جهادية سلفية كردية تعارض حزبي الطالباني والبرزاني، وهي جماعة موثوقة ومعروفة بين الجهاديين. كما أن أبو أسامة العراقي بث شريطا عام 2006 خص به أسامة بن لادن شيخ جهاديي القاعدة شاكيا من الأفعال المؤذية للجماعة التي نسبت نفسها للقاعدة (الشريط من هنا). لكن اختلط الحابل بالنابل وأخذ القوم يخونون بعضهم البعض في ظل عدم قدرة على تمييز كيفية وقوع الاختراق فيما بينهم وهوية المخترقين الذين يعملون لصالح جهات عديدة ومختلفة منها استخباراتية. على أن الاختلاف تفاقم وقيل وزيد في القيل أن الأمور وصلت بين الجهاديين إلى حد وقوع عمليات اغتيال وتصفيات ما بين قيادات هذه التنظيمات. أما اعتراضات تلك التنظيمات على جماعة الزرقاوي فتركزت في أن الأخيرة حاولت إجبارهم على تقديم البيعة لأمير القاعدة في بلاد الرافدين الذي شكّل، كما يزعمون، مجلسا صوريا لجماعات لا وزن لها، أسماه بمجلس شورى المجاهدين، في حين يؤكد المعارضون أن المجلس لم يشكل إلا لتطويع إرادتهم وإخضاعها لأمير التنظيم، وهم لا يعنيهم إلا مقاتلة الغازي الصائل، لا الإمارة أو السلطان. إلا إنه باستشهاد الزرقاوي ومن ثم أمير دولة العراق الإسلامية أبي عمر البغدادي عام 2010 وتبعثر حال التنظيمات الأخرى، تعرض الجهاد لضربات مؤثرة فعلا. لكن يبدو أن تأثير الضربات لم يكن سببه الأمريكان وحكومة بغداد وحذاقتهم، بل سوء العلاقات ما بين التنظيمات الجهادية وعدم توحيد جهودها ونبذ خلافاتها وسعي بعضها لفرض تصوراتها على الأخرى وفقدانها للحاضنة الشعبية (وهم أهل القبائل العراقية في غرب العراق). وللأسف، يبدو أن الناس ضاقت ذرعا من انعدام الرؤية للجهاديين وعدم اطمئنانهم لمشروعاتهم، وهذا ما أدى إلى استغلال الأمريكان لهذا الوضع ونجاحه بتشكيل ما يسمى “الصحوات” وهم بعض ضعاف النفوس من الذين قبضوا المال وتلقوا وعودا (ثبت كذبها فيما بعد) بالمشاركة بالسلطة. وللمرء أن يجزم أن انتشار الصحوات لم يحدث سوى للمارسات الخاطئة لتنظيم الدولة تحديدا، وهي الممارسات التي انتقدها كبار مشايخ السلفية الجهادية كالشيخ المقدسي والدكتور حامد العلي بل وحتى أكثر الشيوخ تشددا كأبي قتادة الفلسطيني، فهذا التنظيم يعد مسؤولا مسؤولية غير مباشرة عن عدم نجاح الجهاديين بضرب الغزو الأمريكي ضربة كبرى تعميه على غرار هزيمته الفاضحة في فييتنام، فخرج الأمريكان بعين سليمة وأخرى مفقوءة. فتهمشت مع مرور الوقت التنظيمات الجهادية بما فيها تنظيم الدولة، وصفه البعض أنه “أصبح مجرد تنظيم سردابي”.
ثم قامت بعد ذلك الثورة السورية ضد النظام السوري، فوجد تنظيم دولة العراق الإسلامية فرصته بالخروج من التخفي. وكان التنظيم قد نصب أميرا جديدا ألا وهو أبي بكر البغدادي بطريقة غامضة غير معلومة بعد مقتل أبي عمر البغدادي ونائبه أبي حمزة المهاجر ومعظم القيادات الفاعلة لتنظيم الدولة في غارة أخرى مفاجئة. ولعل للمرء أن يتساءل عن سبب دقة هذه الغارات وتوقيتاتها التي تحصد هؤلاء الأمراء، فالأمريكان وأعوانهم لن يستطيعوا بحال من الأحوال عمل هذا بمفردهم، ولن يستطيع المال الحرام وشراء الذمم لوحده أن يؤدي إلى هذه الدقة القاتلة. إذًا هو الاختراق ولا ريب. وهذا ينبهنا إلى التحذيرات المتعددة من اختراق التنظيمات الإسلامية، بل إن الإعلام الأمريكي يشدد ويتشدق دائما أن الموساد الإسرائيلي يخترق كل التنظيمات الجهادية (ضع خطوطا كبرى على كلمة كل)، وهذه لعمرك طامة يصعب الخلاص منها. على أن قياديي هذه التنظيمات يعلمون عن وجود الاختراقات، لكنهم يجهلون كما يبدو كيفية علاجها، ويتضح هذا في أسلوب معاملة الدكتور أيمن الظواهري لتمرد داعش على أوامره.
مع استمرار الثورة السورية وتكثف وجود التنظيمات الجهادية ووقوع الفوضى بالأراضي السورية ونجاح تنظيم أبوبكر البغدادي بالتمدد في الشام ببطء وبشيء من الروية والخداع، أعلن البغدادي قيام الدولة الإسلامية في العراق والشام. وفي ذات الوقت ومع تركيز التنظيم الذي أصبح الآن يسمى “داعش” على سورية، خرجت المظاهرات الكبرى في غرب العراق احتجاجا على طغيان المالكي وحكومته الطائفية وذلك في الحويجة والرمادي والفلوجة. والمفارقة المزعجة والمحيرة أن من اشتركوا بالصحوات من ابناء القبائل، اشتركوا كذلك في المظاهرات، وهنا لا أعمم بل أبعّض. فهل لأن مدد المال الأمريكي قد جف، اشترك البعض بالمظاهرات على المالكي؟ فهذا هو النفاق بعينه والعياذ بالله. إلا إن حيرتنا ودهشتنا ازدادت مع عودة داعش للتركيز على العراق. حيث شنت هجمات كبرى مفاجئة صيف العام 2013 اجتاحت بها غرب العراق وامتدت لتصل إلى أطراف بغداد وكسرت جيش المالكي الطائفي. ويندهش المرء من حدوث هذه الانجازات العظمى من تنظيم لا يزيد تعداد مقاتليه عن 20 ألف مقاتل منتشرين في سورية والعراق مما يجعل من تركيز قوته بمثل هذا الوقت القصير غير قابل للتصديق. لكننا إذا قلّبنا الأمور على وجوهها سنلحظ أن إلغاء الجيش العراقي السابق بجرة قلم من بول بريمر (الحاكم الأمريكي للعراق خلال الاحتلال) لا بد وأن تحدث من ورائه تداعيات قد يصعب حسابها أو تصورها، وهذا موضوع قد يطول ويتشعب، لكن من الواضح أن ردة الفعل على جريمة الأمريكان تلك لم يتصورها الأمريكان أنفسهم قطعا، وإلا فكيف بضباط مخضرمين عملوا فترات طويلة تحت ظل البعث (وهي العقيدة الكفرية الطاغوتية بحسب السلفيين الجهاديين) يقدمون البيعة لأمير داعش ثم يبايعونه خليفة على المسلمين؟ فهذا مما لا يهضم بسهولة! وستنبئنا الأيام القادمة بما خفي من هذه الأمور، فالمسرحية طويلة ومن يؤدون أدوارها لم تتوقف أدوارهم.
ثانيا: الجذور الفكرية لـ”داعش”
إن الجذور التي جاءت منها داعش وأتباعها مسألة تخضع للدراسة والتمحيص على يد كثير من العلماء والمفكرين، على إنني لا أقدم هنا أحكاما قطعية جازمة، بل مجرد استقراءات قد تخطئ وتصيب، وقد لا تعجب كثيرا من الناس وتروق لبعضهم الآخر، وما بين هؤلاء وأولئك علينا أن نصفي النية ونتقي الله وألا نتهم أحدا دون بينة، لكن الحق أحق أن يتبع.
لا شك أن الغلو هو مصدر مثل هذه الأفكار التي أخرجت لنا مثل داعش وغير داعش على مدار القرون القليلة الماضية. ومهما شرقنا وغربنا، لا يمكننا التغاضي عن الفكر الوهابي الذي رعى هذا النموذج. على أن الجدير بالذكر أن الغلو لم يخرج فقط من الفكر الوهابي، بل هو موجود قبل الإسلام وبعده. فانظر إلى حال اليهود وكيف انتهى بهم الأمر، وانظر إلى المسيحيين وكيف انتهى بهم الأمر! فالغلو والزيادة فيما لا زيادة فيه وإعمال التأويل والتعسف فيه عند قراءة النصوص يؤدي لا محالة إلى الوقوع بشراك الهوى والميل فالغلو والتعصب والإقصاء. وليس من السهل الإشارة إلى ربط هؤلاء الغلاة المعاصرين بالفكر الوهابي كحاضنة لهم، إلا أن المطلع بعمق سيكتشف هذا الاستنتاج بما لا يدعو للشك. والفرق الغالية موجودة منذ بداية الإسلام، الذي لا يرتبط بها على الإطلاق وبريء منها ومن فهمها الخاطئ لتعاليم ديننا الحنيف، لكن ما نجحت به الوهابية -ظاهريا- هو تأسيس دولة يعترف بها العالم ويدعمها. وأقول ظاهريا لأن الوهابيين انشقوا على أنفسهم في مراحل تاريخية متعددة، حيث اصطدموا بالشرخ بين النظرية والتطبيق، ومن أهمها عقيدة الولاء والبراء وفهمها فهما سليما ينطبق على الواقع، وهو ما لم يحدث في توقيع اتفاقات مع الكافر الصائل في بلاد المسلمين، وهو ما أوقع انقسامات عنيفة بين الوهابيين أنفسهم، وفي ذلك يتعين دراسة حركات “إخوان من طاع الله” في الثلث الأول من القرن العشرين، ثم أزمة حركة جهيمان العتيبي ومحمد القحطاني، ثم وصولا إلى القاعدة وداعش ودولتها، ولا ندري ما الذي ستنتهي عليه هذه السلسلة المريرة من الانشقاقات. في حين أن الأمر بالإمكان معالجته بطرق أسلس من ذلك بكثير لو أن ثمة قدرة حقيقية على المراجعة العلنية وتصحيح الذات ونقدها والنأي بالنفس عن الهوى والكبر، وهو ما قام به أحد من ينتسب إلى المدرسة الوهابية وفقهها، وهو نايف آل منسي الذي أرى أنه قدم مراجعات مخلصة للوهابية وذات قيمة علمية، وقبل أن أضع محاضرات الأستاذ نايف آل منسي، أورد لكم جانبا من سيرته الذاتية حتى يتبين لنا علمه وتأهيله الأكاديمي.
بكاليريوس شريعة من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. ماجستير / الجامعة الأمريكية العالمية. دبلوم “أنظمة” معهد الإدارة العامة بالرياض. عشر سنوات عمل بهيئة التحقيق والادعاء العام بدأت بالادعاء العام أمام المحاكم الشرعية واختتمت بوحدة المستشارين بمكتب رئيس فرع هيئة التحقيق والادعاء العام بمنطقة مكة المكرمة. محكم معتمد من قبل وزارة العدل. رئيس قسم/ دائرة تقييم المخاطر بالبنك الأهلي التجاري وحاصل على درع الأداء المتميز من البنك. مؤلف كتاب “خلاصة التعاميم” و “المرجع السريع لنظامي الإجراءات الجزائية والمرافعات” أحد أهم المراجع لدى المحققين والقضاة وضباط الشرطة والمهتمين. الممارسات العملية الناجحة لعدد من القضايا الحقوقية والجنائية والتجارية. له مؤلفات أخرى شرعية وهي كتاب (الخلاصة الذهبية للمسائل الفقهية) وكتاب (بدعة التكفير) وكتاب (الالتزام في قفص الاتهام). |
أما مراجعاته عن الفكر الوهابي فهي كالتالي:
======================
======================
تحديث: بما أن جلسات الأستاذ نايف آل منسي قد حذفت من اليوتيوب بطريقة أو بأخرى، أجد من اللازم أن أقتبس من كلامه الذي ذكره في تلك المحاضرات ما يفيد أفكار موضوعنا هذا ويثريه. وأضع هنا جانبا مما عرضه آل منسي في هذه السطور.
مراجعات الأستاذ نايف آل منسي للفكر الوهابي
الرجاء العودة للمشاركة الأولى لقراءة سيرته الذاتية
مراجعة الفكر الوهابي
1
تبدو دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لمن يقتنع ويسلم بها ألا شائبة تشوبها. وهي بالفعل بدأت كذلك، غير أن توالي الأحداث والأيام أظهر انحرافاتها الكبيرة ومساوئها الجلية. فأكبر المسائل التي عالجتها الدعوة مسألة الشرك، وقد تورطت الدعوة بعدم وضع تعريف محدد للشرك أو بوضع تعريف واضح للشرك بصنفيه الأكبر والأصغر. فمن المعلوم أن الشرك الأصغر لا يخرج صاحبه من الملة ولا يُكفر، لكن من المتفق عليه أنه أكبر من المعاصي والكبائر وأقل من الشرك الأكبر الذي يخرج من الملة (الشرك بالربوبية – الشرك بالألوهية – الشرك في الصفات والأسماء). أما ما أخذَت عليه الوهابية في ذلك الوقت هو مما يعمل عند القبور والأضرحة، وهذا بلا شك مما يخدش التوحيد وينافي السنة، لكنه ليس شركا أكبر. فأولئك الناس ما عبدوا تلك القبور والأحجار والأوثان بل كان معظمهم يفعل ذلك عن تأول أو عن جهل أو عن تطيّر أو عن ضعف إيمان ساد آنذاك. إلا أن دعوة الشيخ عبد الوهاب قامت على تكفير الناس كافة، وأنهم قد ارتدوا وأشركوا شركا مخرجا من الملة، فاستباحوا دماؤهم وأموالهم.
بيد أنه من الجانب الآخر، يحاول أتباع المدرسة الوهابية ومشايخها إظهار الجانب المضيء بالدعوة الوهابية فقط وأنها جاءت لمحاربة البدع والخرافات، ولم يظهروا الجانب التكفيري الواضح بهذه الدعوة.
لكن هل ثمة أدلة وشواهد على هذا الأمر؟
الجواب نعم، وهنا أهم جوانب من الأدلة الثابتة:
1. انطلاق الشيخ عبد الوهاب بالبحث عن أمير يبايعه على الجهاد وإقامة الإسلام. فهو قد ذهب لأمير العيينة عثمان بن معمر الذي بايعه فحدث ما حدث منهما ومعهما، ثم ذهب لأمير آخر وهو أمير الدرعية محمد بن سعود الذي بايعه على السيف والجهاد، وكذلك حدث منهما ما حدث من غزوات واستباحة دماء وأموال باسم محاربة الكفريات والشركيات (مع عدم إثباتهم للشرك الأكبر والارتداد). فهل ينسجم هذا مع دعوة ربانية تدعو للتوحيد وهل تتناسب تلك الأفعال مع دعوة مفادها النهي عن البدع والخرافات؟
2. أما كتب الشيخ فهي طافحة بالتكفير وقد أنكر عليه علماء عصره ذلك وبدّعوه وأخرجوه من السنة (قيل إن عددهم وصل إلى 150 عالم) منهم أخيه الشيخ سليمان بن عبد الوهاب وأيضا الشيخ عبد الرحمن بن عفالق (الحنبلي السلفي) في الإحساء وأقام حملة شعواء على بن عبد الوهاب واتهمه فيها أنه من الخوارج والتكفيريين. لكن محمد بن عبد الوهاب تجرأ على ما هو أكبر وأفدح حيث كفر عددا غير قليل منهم (التكفير عنده سهل يسير) واقرأ هنا أسباب تكفيرهم بلسان الشيخ نفسه
http://www.azahera.net/showthread.php?t=4653
* يبرز سؤال مهم: هل طبق الشيخ محمد بن عبد الوهاب قواعد أهل السنة والجماعة في تكفير المعين؟ أو أنه كفر الجميع دون استثناء؟ فأهل السنة لديهم قاعدة أن هنالك فرقا بين الكفر والتكفير. فالفعل الكفري يطلق عليه كفرا لكن صاحبه ليس بالضرورة يصبح كافرا، لأن من قواعد تكفير شخص بعينه ضرورة الحكم من خلال القضاء الشرعي بذلك، فيتبين القاضي إن كان فاعل الكفر جاهلا أو عالما أو ناسيا أو مكرها أو هل قامت عليه الحجة، فربما هذا الشخص لا يريد الكفر وليس على باله، أو لا يعلم أنه مودي إليه، لكن ظروفا ما جعلته يفعل فعله الكفري البائن. فلا يجوز إطلاق التكفير على المسلم إلا بحكم قضائي واضح وسليم. أما الشيخ بن عبد الوهاب فلم يفعل ذلك، بل كفر الناس واستباحهم بالجملة، مع التأكيد أنه لا يحمل صفة الاختصاص لعدم كونه قاضيا قبل شن حملاته.
* وإذا تبين أن مفهوم الشرك لدي محمد بن عبد الوهاب مغلوط أو مشكوك فيه بأحسن الأحوال، فإنه يمعن في التورط بالتكفير من خلال تكفير من لم يكفر من وصفهم بالمشركين، وذلك حسب المبدأ الثالث من كتابه “نواقض الإسلام” الذي ينص على التالي
“من لم يكفر المشركين، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم، فقد كفر.”
وهو بذلك لجأ إلى تكفير عموم الناس، ومنهم من جاوره من المسلمين، فقط لأنهم خالفوا منهجه واعترضوا فأصبحوا بذلك من “المشركين”. فلو افترضنا أن مدينة أو بلدة ما يسكنها 20 ألفا من الناس ومارس منهم 100 أو 300 أفعال زيارة القبور أو التبرك بها فهؤلاء مشركين كفار عبدة قبور (سواء بلا إقامة حجة أو بها عند الوهابية) أما إذا حاول أهل المدينة البحث عن عذر لهم، فهم كفار معهم. وهكذا استباح الوهابيون الأوائل المدن والبلدات القريبة والمحيطة بهذه الحجة. وكما ذكر أحد الباحثين المعاصرين “إلا أنهم ارتكبوا خطأ يكشف عن منهجهم المختل، فهم قتلوا رجال المدن واستولوا على أموالهم لكنهم لم يأخذوا نساءهم كأسيرات أو جواري. فحكم غزو أهل الكفر المحاربين للإسلام يجيز قتالهم وأخذ أموالهم واستباحة نسائهم. فلمَ لم يفعل الوهابيون ذلك يا ترى؟ (وهو يتحدث عن أهل البلدات المجاورة للشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه تحديدا).
* من أهم المراجع التي يعتمد عليها للإطلاع على تاريخ نشأة الدعوة الوهابية كتاب الشيخ حسين بن غنام “تاريخ نجد” (حمل النسخة المنقحة وقيل إن المنقحين تدخلوا بالكتاب تدخلا سلبيا من هنا)، وتكمن أهمية بن غنام أنه كان مرافقا للشيخ محمد بن عبد الوهاب وحضر معه جميع المشاهد والأحداث، وكان عبد الوهاب يطلب منه كتابة تاريخه، فأخرج ذلك الكتاب بناء على طلبه. والشيخ ابن عبد الوهاب زكّى تلميذه حسين بن غنام وهو من رشحه لإخراج الكتاب. وثمة كتب أخرى ككتاب عثمان بن بشر الذي يبدو كتكرار لكتاب بن غنام، كما أن كتاب الشيخ سليمان بن عبد الوهاب يحمل أهمية بالغة لدراسة جوهر فكر محمد بن عبد الوهاب حيث حاججه أخوه بمعظم الأفكار التي طرحها.
* عندما نقرأ كتاب تاريخ نجد لبن غنام نلحظ التالي (وهذا وصف يبتكره الأستاذ نايف آل منسي بنفسه): يلجأ الخوارج والتكفيريون عموما إلى التكفير حسب شيء يطلق عليه “التركيب والمقتضى“: فالله مثلا نهى عن الزنى، فلما يرتكب أحدهم الزنى يقول التكفيريون إنه خالف أمر الله بالنهي عن الزنى وتعمد ذلك إذًا فهو كافر، وهكذا يجيئون بالمقتضى ويركبونه على الفعل تركيبا حسب تفسيرهم ورؤيتهم، وهو ذات ما لجأ إليه الوهابيون عند تكفير الناس وهو ما سطره بوضوح بن غنام في كتابه من أخذهم لمقتضى فعل مجموعة من الناس وتركيبها على حكم معين: “فهم يزورون القبور، فهم يعبدونها ويشركون بعبادة الله، وبهذا المقتضى حسب تفسيرهم هم كفار مرتدون” وهي الصيغة الطاغية والمستمرة في الكتاب.
* مشكلة الوهابيين أنهم لا يشترطون النية في الكفر، ويمكن للمرء عندهم أن يكفر وهو لا يشعر.
يعترف حسين بن غنام في كتابه “تاريخ نجد” أن العلماء المعاصرين لشيخه بن عبد الوهاب شنعوا عليه واقعة رجمه للزانية المحصنة التي أتته
* اقرأ مسلسلات القتل التي ارتكبها الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأعوانه في كتاب “تاريخ نجد”
خريطة لمناطق نجد خلال القرن الثامن عشر
(معظم هذه البلدات والمدن مازالت موجودة حتى اليوم)
* من المهم جدا عندما نقرأ كتاب “تاريخ نجد” لحسين بن غنام -وهي الوثيقة التي يجوز تصنيفها كدليل إثبات على ما ارتكبه الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأعوانه من أفعال- أن نلاحظ خريطة الأحداث التي انطلق منها الشيخ ودعوته. فنحن نتحدث على مناطق وبلدات وقرى متقاربة جدا في نجد. فلأحداث تبدأ في حريملا حيث مسقط رأس بن عبد الوهاب، ثم انتقلت إلى العيينة حيث تحالف مع أميرها عثمان بن معمر، ثم الدرعية حيث تحالف مع أميرها محمد بن سعود، وما حولها وما جاورها من البلدات في قلب نجد. وما علينا سوى النظر للخريطة لملاحظة هذه الأماكن المتقاربة التي يتهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب أهلها جميعا بالشرك والكفر والارتداد عن الدين، وكلهم من الحنابلة والشافعية كما هو معلوم، فيما الشيخ ومن يختاره هم أهل الإسلام وصفوته.
=================================
“نواقض الإسلام” للشيخ محمد بن عبد الوهاب
ورسالة شقيقه الشيخ سليمان بن عبد الوهاب
في البداية، انظر كتاب الشيخ سليمان عبد الوهاب، وهو رسالة مطولة عبر هذا الرابط
http://www.4shared.com/postDownload/_Lpiczsp/_____.html
وهي رسالة مطولة بعثها لأحد أتباع شقيقه الشيخ محمد، ويفند فيها ما ترتكز عليه الدعوة الوهابية من حجج. وقد وُصفت الرسالة أنها “مؤصلة تأصيلا علميا”، إذ أن الشيخ سليمان سبق شقيقه بدراسة الشرع والفقه وعلم الحديث، وكان يكبره سنا وله مكانة لدى أبيه الشيخ والقاضي عبد الوهاب بن سليمان آل مشرف ويثق به أكثر من شقيقه محمد الذي، كما تذكر بعض الروايات التاريخية، “توجس من ابنه محمد وتوسم فيه أنه سيحدث حدثا” وهو ليس موضوعنا بطبيعة الحال.
لكن القارئ للرسالة سالفة الذكر قد يلاحظ التالي:
* تبرز الإشكالية الكبرى في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهابية قوله إن:
§ النذر لغير الله
§ والذبح لغير الله
§ والتمسح بالقبور وزيارتها
§ بناء الأضرحة والقباب
§ التعامل بالسحر
§ وغيرها من أمور البدع والضلال
إنها من الشرك الأكبر وتخرِج صاحبها من الملة ويكفر، ولم يكتفِ الشيخ بذلك بل كفّر من لم يكفره أو حتى شك بكفره. ومما لا شك فيه أن ابن تيمية وابن القيم -وهما الشيخان الذي ينتمي لمدرستهما الشيخ محمد بن عبد الوهاب- ذكرا أن هذه الأفعال من الضلالات والمعاصي الكبرى ومن الشرك الأصغر، لكنهما لم يذكرا قط أنها من الشرك الأكبر الذي يخرج صاحبه من الملة. وهذا مما صرح به سليمان لأخيه محمد في رسالته.
* على هذا المنوال، كفّر الشيخ ابن عبد الوهاب جميع أمة الإسلام (فهم واحد من هؤلاء، إما يمارس الشرك أو ساكت عليه أو شاك به، وكلهم كافر عند ابن عبد الوهاب) بما فيها الحرمين الشرفين اللذين عدهما الشيخ بلاد حرب، واستحل أتباعه في عهده ومن أتى بعده كل ما فيها حسب ما تواتر من التاريخ المكتوب وغير المكتوب، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
* أما إقامة ابن عبد الوهاب الحجة -كما يذكر الشيخ سليمان في كتابه- فهي مجرد إلقاء لها ولا يهم ما إذا اقتنع أهل العلم بها أو لا، فمن خالف يكفر وتحل دماؤه وماله.
* يزعم حسين بن غنام في كتابه أن سليمان قد عاد و”تاب” وانصاع لأخيه بعد ذلك. ويبدو أن هذا الكلام يحمل شبهات وشكوكا عديدة. فكتاب سليمان مؤصل تأصيلا شرعيا كما أثبت ذلك علماء كثر، وهو مرصن ترصينا جليا، فكيف يعود المرء عن أمر صحيح قاله. كما أن ابن غنام لم يثبت عودة سليمان إثباتا واضحا في كتابه، أما النقطة الأقوى وهي أن محمد بن عبد الوهاب نجح كثيرا في دعوته وأصبحت له دولة قوية توسعت في كل مكان، فيبدو أن سليمان آثر السلامة وتنازل عن الجهر بالمعارضة لاسيما وأن أبيه قد توفي ولم يعد أحد من أهله قادر على الوقوف بوجه أخيهم محمد الذي استفحل أمره وعظم شأنه.
نواقض الإسلام:
مقدمة:
* مشكلة من يسلك منهج التكفير -كالوهابية- أنهم لا يشترطون النية بالكفر. فمن المعلوم بالضرورة في الإسلام أن لكل امرئ ما نوى و”إنما الأعمال بالنيات” كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام. فالنية تشترط في الصلاة والوضوء والصيام والزكاة وغيرها، فكيف لا يشترط النية بالكفر؟ وعليك بسيرة عمار بن ياسر رضي الله عنهما الذي أُجبر على سب الله والرسول ومدح الأصنام دليلا على وجوب اشتراط النية بالكفر. وأجمل قول في ذلك قول الله سبحانه
{مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} النحل -106
فهل من يستغيث بالأموات أو يطوف القبور أو ينذر لغير الله شرح بالكفر صدرا؟ أو أنه شرح (بفعله) صدرا؟ وقد شرح الكبري هذه الآية قائلا: “أي من أتى الكفر عن اختيار واستحباب” وقال كذلك عن ابن عباس “لأن الله سبحانه إنما يأخذ العباد بما عقدت عليه قلوبهم”.
* التكفير حسب “التركيب والمقتضى” حسب الشرح الوارد أعلاه
* استخدام الوهابيين لآيات نزلت على المشركين وإسقاطها على المسلمين. فالوهابيون يستخدمون مثلا هذه الآية { أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ غڑ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} لتبرير توسعهم في التكفير. ومن المعلوم أن هذه الآية نزلت في الكفار وسياقها واضح بذلك. فكفار العرب كانوا يؤمنون بتعدد الآلهة ولم ينكروا وجود الخالق لكنهم لم يؤمنوا بوحدانيته، فاتخذوا بعض الأصنام وسائل لتقريبهم إلى الله زلفى، وعليك أن ترى الفرق الشاسع بينهم والمسلمين الذين آمنوا بوحدانية الله ولم يشركوا به شيئا وآمنوا برسوله ورسالته. وكيف أن دخول بعض المعتقدات الخاطئة والمعاصي والضلالات استدعت المعالجة الإيمانية والعقائدية الصحيحة وليس تكفير المسلمين بالجملة ثم استباحتهم على ذلك.
يستخدم الوهابيون كذلك دائما هذه الآية {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ () لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} وهذه الآية قيلت في المنافقين, والمنافقون كفار أصليون وليسوا من أهل الإسلام، وبالتالي لا يجوز إطلاقها على المسلم الذي قد يفعل فعل استهزاء معين على رجل متدين مثلا أو نحو ذلك (طبعا لا يشمل ذلك الاستهزاء بشعائر الدين أو الاستهزاء بالرسول مثلا، فهذه مودية للكفر والعياذ بالله) والفعل يؤخذ بظاهره المعلوم لا حسب تأويله أو مقتضاه.
أما نواقض الإسلام العشرة الواردة بكتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب فالحق أننا لو طبقناها فلن يبقى مسلم على وجه الأرض. ومن أولى الملاحظات عليها أنها ليست سوى تجميع لكل ما يصدر من خصومه تجاهه فجعلها نواقض ليكفرهم بها:
الناقض الأول: الشرك بعبادة الله تعالى ومنه لمن يذبح لغير الله كالجن أو القبر
وهنا إشكالية كبيرة تكمن بعدم تصور أن التوحيد قد يشوبه نقص، فالتوحيد مثل الإيمان كلاهما يزيد وينقص. ولا يعني خدش أحدهما أن يصبح المبتلى بذلك مشركا شركا أكبر، فما من كامل إلا الله سبحانه والنقص قد يعتري الجميع. فمجرد الاشتراط بعدم وجود الشرك بالعبادة فهذا يعني أنها يجب أن تكون صافية مائة بالمائة وهذا يستحيل على البشر. وعد لهذا لحديث الرسول عن خوفه على أمته من شرك الرياء، فمجرد أن ينظر المصلي للآخرين بالصلاة فهذا رياء، والرياء شرك أصغر، فهل إذا تراءى المرء في صلاته أو بأي شعيرة فإنه قد كفر؟ هذا يعود إلى عدم إدراك أن العبادة قد يشوبها النقص والشرك بدرجات معينة قد يدخل في أية لحظة في نفس الإنسان -سواء في العبادة أو غيرها- وهذا لا يعني أنه قد كفر، وإلا لحكم الله على آدم عليه السلام بالكفر بأكثر من مناسبة ومنها أكله من الشجرة، وكذلك ما ورد في سورة الأعراف {فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون } وكذلك لكان حكم بالكفر على يونس عليه السلام حين عصى. وهذا تطبيق لما ذهب إليه الخوارج الأوائل ولكن ليس على الإيمان بل على الألوهية، فهو يرى أن أي نقص يشوب الاعتقاد بها فأنت كافر كفرا أكبر، وهذا غير صحيح لأن الإشراك بالعبادة وارد وممكن أن يقع فيه المسلم ولا يسلم منه أحد أصلا، فمن يسلم من الرياء ومع ذلك لم يجعله الرسول عليه الصلاة والسلام كفرا أكبر. والكافر المشرك بالله حقيقة هو الذي يشرك بعبادة الله لأنه يصرف عبادته لآلهة غير الله، أما المسلم فهو يشرك بعبادته إما جهلا أو سهوا أو تأولا أو خطأ في الفهم أو غير ذلك.
الناقض الثاني: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسالهم الشفاعة ويتوكل عليهم كفر اجماعا
فما قول من يتبع الدعوة بما ذكره البخاري “ حدثنا الحسن بن محمد حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثني أبي عبد الله بن المثنى عن ثمامة بن عبد الله بن أنس عن أنس رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال فيسقون ”
ألا يعد هذا دليلا على جواز الشفاعة والتوسط، أم أن عمر قد كفر؟ فالشيخ هنا لا يستوعب الفرق بين التعامل مع المسلم الذي يؤمن بالله والكافر الأصلي الجاحد، فالمشكلة ليست في الفعل ذاته، إن كان وسيلة أو واسطة أو نحو ذلك، بل بالاعتقاد والمنبع.
الناقض الثالث: من لم يكفر المشركين أو شك فى كفرهم او صحح مذهبهم كفر
وهنا الطامة التي كفر بها الشيخ ابن عبد الوهاب عموم المسلمين بلا برهان أو دليل. وهذا المبدأ يصح عندما ينطبق على المشركين الأصلين أو الكفار الحقيقيين الذين لا خلاف عليهم كمن يعبد بوذا أو البقر أو النجوم، وليس أهل حريملة والزلفي ومكة والمدينة مثلا.
الناقض الرابع: من اعتقد ان غير هدى النبى صلى الله عليه وسلم اكمل من هديه او ان حكم غيره احسن من حكمه كالذى يفضل حكم الطواغيت على حكمه فهو كافر
هذا المبدأ يتضمن تكفير صنفين من الناس:
§ المبتدعة: فكل مبتدع -حسب المقتضى الوهابي- يعتقد أن هدي غير النبي أكمل من هديه، وبالتالي كل مبتدع بناء على هذا الناقض يصبح كافرا
§ من لم يحكم بغير ما أنزل الله: فهم كفار بناء على هذا الناقض، وهو ما يضعنا أمام مسألة “الحاكمية” والخلاف حولها. وابن عباس يقول “من جحد ما أنزل الله فقد كفر، ومن أقر به ولم يحكم فهو فاسق ظالم”
الناقض الخامس: من ابغض شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به لكفر
فأين نذهب بقول الله تعالى {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون} فهل كفر الصحابة وهم المؤمنين هنا كما وصفهم الله تعالى؟ يقول ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية “لما شاور النبي – صلى الله عليه وسلم – في لقاء العدو ، وقال له سعد بن عبادة ما قال–وذلك يوم بدر ، أمر الناس فعبئوا للقتال ، وأمرهم بالشوكة ، فكره ذلك أهل الإيمان ، فأنزل اللهالآية“. فنكرر أن هذه الأفعال لو صدرت من كافر فهي بسبب الجحد والكفر بالله، أما إن صدرت من مسلم فهي من الذنوب والمعاصي وليست من الكفر.
الناقض السادس: من استهزأ بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثوابه أو عقابه
فهذا فعل ممتنع بلا شك. فمن هو المسلم الذي قد يستهزئ بشيء من دين الرسول فلا يوجد مسلم عاقل يستهزئ بالله ورسوله مهما بلغ عصيانه وفسقه، إلا إن كان يريد أن يستهزئ بشخص ما لسبب أو ظرف معين (كمن يستهزئ بمطوع أو مطاوعة مثلا لتشددهم معهم فهذا أمر آخر). لكن المطلع على تلك الحقبة يرى أن معظم الناس كانوا يكرهون أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب ودعوته وكانوا يسخرون منهم عبر القصائد والأشعار التي سادت في ذلك العصر فوضع الشيخ هذا الناقض خصيصا لمواجهة حملة السخرية التي تلقاها هو وجماعته. ويذكر حسين بن غنام في كتابه أنهم قتلوا أهل ضرما صبرا “لاحتقارهم الدين” أي أنهم قتلوهم جميعا وهم عزّل، أما احتقارهم الدين فيعني بها احتقارهم وسخريتهم من دعوة محمد بن عبد الوهاب وأتباعه. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الناقض السابع: السحر ومنه الصرف والعطف فمن فعله او رضى به كفر
اختلف العلماء حول مسألة السحر ولم يحدث اتفاق ما إذا كان مقتضى السحر هو الكفر أو لا. والله أعلم
الناقض الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين
وهذا من عقائد الإسلام وركائزه. لكن شرط النية واجب أيضا، فليس كل فعل من هذا يصب في اتجاه مظاهرة المشركين، فقصة حاطب بن أبي بلتعة موجودة ولم يكفره الرسول على فعلته. لكن من الصحيح صعوبة تبيان النية في ذلك، غير أن المهم أن الكفر يطلق على الفعل ذاته أما تكفير الناس بالجملة فهو المحظور، وهو ما وقع فيه الوهابيون.
الناقض التاسع: من اعتقد ان بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام فهو كافر
لم نفهم ولم نرَ أحدا قال إن بوسع بعضهم الخروج عن شريعة الرسول لأي سبب أو أسلوب. كيف يكون ذلك ويحدث ويعد المرء نفسه مسلما. ولا نظن أن أتباع المذاهب الخارجة عن الإسلام كالدروز والنصيرية والإسماعيلية يجادلون كثيرا في أنهم مسلمون فعلا، فهؤلاء لم يسعهم شيء وخرجوا عن الملة ولا ينكرون ذلك. لكن إذا كان المقصود هو الخروج شريعة الدعوة الوهابية فهنا تتضح الخطوط وتظهر المرامي، وقد أظهرت الوقائع التاريخية المثبتة شيئا كثيرا من هذا.
الناقض العاشر: الاعراض عن دين الله تعالى، لايتعلمه ولايعمل به
فما هو دين الله؟ هل الذي جاء بالقرآن والسنة، أو الذي يعرضه الشيخ محمد بن عبد الوهاب في دعوته؟ ثم إذا طبقنا هذا المبدأ فإن كل العصاة كفار، فمن يبقى في الأمة؟ وهل فيهم أحد لم يرتكب معصية ولم يتعلم دين الله ولم يعمل به، إلا إذا كان المقصود بالدين هو الدعوة الوهابية ومن يعرض عنها فهو كافر.
وباختصار شديد، فإن كل هذه النواقض -أو معظمها- أفعال للكفار أتى بها الشيخ وطبقها على المسلمين.
ويقول ابن عباس رضي الله عنهما هذه المقولة الهامة:
“لا تكونوا كالخوارج، تأولوا آيات القرآن في أهل القبلة، و إنما أنزلت في أهل الكتاب و المشركين، فجهلوا علمها فسفكوا الدماء وانتهبوا الأموال، وشهدوا على أهل السنة بالضلالة، فعليكم بالعلم بما نزل فيه القرآن”
==========================
ولمزيد من النقاش حول هذا الموضوع فللقارئ أن يدخل هذا الرابط ليطلع على نقاش موسع مع الدكتور عبد الحميد المظهر المهتم في دراسة الظاهرة الجهادية وطبيعتها
http://www.atinternational.org/forums/showthread.php?t=10193
وتقبلوا أطيب تحية من مترجم العمل وكاتب موضوعه
فيصل كريم الظفيري