أقدم لكم أيها الأخوة والأخوات اليوم عملا هاما من أعمال الموسم الفني توج على أثره بالعديد من الجوائز الفنية التقديرية عالية المستوى. ويعتبر فيلم اليوم أول عمل أصافح به السينما التايلندية التي ازداد عدد معجبيها ومريديها كثيرا بالسنوات العشر الأخيرة، ومع أنني لا أخرج كثيرا عن دائرة السينما اليابانية لإعجابي الشديد بروائعها وأعمالها إلا إنني هذه المرة خرجت عن الطوق لأهمية عملنا الذي سنطرحه حاليا وإمكانية إثارته للجدل حول الأفكار البوذية الوجودية والمتعلقة بالحياة والموت وإعادة تجسد المخلوقات.
Uncle Boonmee Who Can Recall His Past Lives
العـم بـونـمـي واستدعاء الأرواح الـسـابـقـة
حاز الفيلم على عدد من التقديرات والجوائز الفنية كان من أهمها السعفة الذهبية بمهرجان كان بدورته الأخيرة وهو ما فاجأ جميع متابعي هذا المهرجان المرتقب عالميا، حيث إنه أول فيلم تايلندي يقتنص الجائزة على مدار تاريخ مهرجان كان وأول فيلم آسيوي يفوز بالسعفة الذهبية منذ عام 1997 بعد الفيلم الياباني سمكة الإنقليس الذي ترجمه زميلنا العزيز محمد العازمي. أما ما جعلني أتعرف على الفيلم فهو فوزه كذلك بجائزة أفضل بمهرجان السينما الآسيوية المقام في هونج كونج، إذ قدمت الزميلة أروى تاج الدين الفيلم الرائع الذي نافس على ذات الجائزة Poetry. والعمل من إخراج التايلندي أبيتشاتبونج ويراسيثاكول ومقتبس من كتاب الراهب فرا سريبارياتيوتي بعنوان “رجلٌ قادر على استدعاء أرواحه السابقة” حيث جاءه رجل طاعن السن يدّعي أنه قادر على تذكر الشخصيات التي عاش معها بوضوح وجلاء، فأسرّ بهذا لرئيس الدير القريب من منطقته مما أدهش ذلك الكاهن البوذي، فكتب تلك التجربة بالكتاب المذكور. وبالتالي فإن العمل يعد من ضمن أهم أفلام العام المنصرم من الناحية النقدية والفنية، غير أنه قد لا يلاقي نفس الإقبال من الناحية الجماهيرية، وهذا ما يدركه المخرج جيدا. والفيلم أخذ من الكتاب الفكرة العامة، لكنه اعتمد على سلسلة برامج فنية وفيلمين قصيرين بعنوان رسالة للعم بونمي وأشباح نابوا، بمعنى أن تركيب قصة الفيلم لها خلفيات سابقة.
غابة الرّحم
تأهب للموت
ورغم أن الفيلم يعتمد منهج الواقعية السينمائية عبر استخدام الكاميرا الثابتة ذات الأسلوب الشبيه بالأفلام الوثائقية التسجيلية، إلا إنه يصعق المتفرج عبر جرعة تصل للشك بحقيقة حياة الشخصيات المجسدة للأدوار أو… موتهم. فمن يشاهد الفيلم كاملا سيشعر أنه لا يصدق ما رآه ببدايته من مناظر وحوارات قد تُأوّل لعدة تفسيرات. ولهذا سيجد المشاهد نفسه أمام صورة يراد لها عدم اليقين بالواقع. بل أن الحيوانات أو المخلوقات الأخرى بحد ذاتها قد تكون تجسيدا لحياة بشرية أخرى ومن نوع مختلف. مما يجعل المتفرج مندهشا أمام هذا المنظور غير التقليدي للحياة بالأرض.
لا فاصل بين الأموات والأحياء
وكل هذا بطبيعة الحال ينبع من فلسفة الديانة البوذية وتشعباتها وتعقيداتها بتصور الحياة البشرية، وارتباطها بالمخلوقات والكائنات على الأرض. وهنا يظهر أمامنا مفهوم الـ(كارما) البوذي وهو يعني باختصار تأثير الأفعال التي يقوم بها الإنسان ليحدد ما سيكون عليه مصيره بعد عملية تجسيده التالية بالكون. بمعنى أن الإنسان إذا كان قد أحسن من تصرفاته وكان خيّرا، فإنه قد يتجسد بعد موته بهيئة أخرى جميلة أو محبوبة كأن يتحول لفراشة أو قطة وديعة أو غيرها، والعكس صحيح كأن يتحول لمخلوق شرس أو بشع أو خلافه. ومن الممكن بعد التجسيد أيضا أن يتحول الرجل لامرأة والمرأة إلى رجل، وهكذا. وطبعا محصلة هذه الفلسفة الدينية بمجملها أنها عبث في عبث. ولو جاء بوذا فعلا ورأى ما يقوم هؤلاء الناس باسمه لنبذهم واستبرأ منهم. ذلك أن من يقرأ سيرة هذا الرجل الصالح بدقة سيجد أنه كان يلتزم بفضائل الأخلاق كالكرم والتسامح والمحبة والصبر وغيرها من المباديء الأخلاقية الطيبة، ولم يدعُ لمثل هذه الأباطيل والأراجيف. فإن كانوا صادقين بزعمهم فلماذا لا يتجسد مرة أخرى بصورة امرأة أو قرد متكلم (كما رأينا بالفيلم لشخصية أحدهم) مثلا، لأن التجسيد عبر الـكارما متكرر إلى الأبد حسب منهجهم الفكري. ومع كامل الاحترام للشعوب التي تؤمن بالبوذية إلا إنها لا حظ لها من المنطق وتحكيم الفطرة والعقل، فهداهم الله عز وجل عن غيهم.
والفيلم هكذا مرتبط ارتباطا وثيقا بالأفكار البوذية ويعمل على تجسيدها بالحقيقة تارة وبالخيال تارة أخرى، والحكم بالنهاية سيكون للمشاهِد.
=============================================
تمت الترجمة على نسختين
(الرابط لنسخة التورنت)
الأولى
Uncle.Boonmee.Who.Can.Recall.His.Past.Lives.2010.D VDRip.XviD-WRD
رابط ترجمتها
والثانية (فائقة الجودة)
Uncle.Boonmee.Who.Can.Recall.His.Past.Lives.2010.7 20p.BluRay.x264-CiNEFiLE
رابط ترجمتها
وتقبلوا مني أطيب تحية
فيصل كريم الظفيري