عن البحرين: رأي بالأحداث والمظاهرات

بخصوص الشأن البحريني وما نجم عنه من أحداث وتداعيات، فنصيحتي للجميع أن نبتعد عن الاصطفاف المذهبي ونحكم العقل. أيها ناس إن الله قد وهبنا العقول لنفكر بها ونتعظ لا أن نشك بالآخرين ونرمي بسلاح الظنون دون تيقن.

 

الموضوع سياسي بحت، فلنتحدث بلغة سياسية ولنعمل على تفعيل مصطلح سياسي مفيد بحالتنا هذه ألا وهو

 

إدارة الاختلاف

 

إذا آمن كل منا بأن لكل وجهة نظره والكل (ولنفترض الكلية هنا) مختلف مع الآخر فهذا أمر إيجابي مرحليا، لأنه سيقودنا للخطوة التالية وهي إدارة هذا الاختلاف بشكل سليم ومؤدي لحلول صحيحة، وليس بالضرورة أن يقتنع البعض بوجهة نظر البعض الآخر بنهاية النقاش (وأقول ليس بالضرورة بمعنى أنه قد يحدث اقتناع بآراء ما وقد لا يحدث). المهم هنا هو الحوار وتبادل الأفكار، وقد يكون ما هو أهم من الحوار هي لغة الحوار نفسها فهي عامل من عوامل تقليل الاحتداد أو التعصب أو التمترس بالرأي. ومن هذا المنطلق سأدخل للإدلاء بوجهة نظري المتواضعة.
 
لا يمكنني أن أنكر انحيازي وتأييدي للموقف الشعبي المطالب بالحرية والإصلاح الوطني وأنا من المعجبين بتجربة الأخوة بالمعارضة البحرينية (ولا يعنيني إطلاقا من أي مذهب كانوا). وأؤمن كذلك أن السلطة في البحرين وكل دول الخليج العربي عليها التزامات ومسؤوليات كبرى بترسيخ مفهوم الحرية بكامل صورها التي كفلتها الشرائع السماوية وشرعنتها القوانين الوضعية وكذلك حفظ كرامة الإنسان والتكفل بتوفير حياة كريمة ولائقة له. أما وقد بدأت الثورات العربية في تونس ثم مصر وتلتها اليمن وليبيا وسورية، فإن الأخوة بالبحرين رأوا بهذا فرصة مناسبة لتقديم المطالب الإصلاحية الوطنية الكفيلة بترسيخ الديمقراطية وتشريع ما يريده الشعب من تفعيل مظاهر الحرية، فبدأوا بداية طيبة كما ذكر العديد من الأخوة هنا ورفعوا شعارات ومطالب وطنية لعل من أهمها عزل رئيس الوزراء الذي استمر بالكرسي ما يزيد على 40 عاما وهذا مطلب مشروع لأن الرجل طرف رئيسي بالعديد من الإخفاقات السياسية وهذه حقيقة نعرفها نحن ابناء الخليج ولا يستطيع الكثير إنكارها. فاستمر الوضع مدة تقارب أسبوعا بشكل حضاري ووطني إلى أن أقدمت السلطة على العنف فقتل بعض المتظاهرين وجرح البعض الآخر إثر ذلك. ولكن السلطة لم تأخذها العزة بالإثم وتراجعت عن هذا الفعل المستنكر وأعلن بموقف لافت وزير الداخلية (شيخ) اعتذارا رسميا مما حدث. وعمل كذلك ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد على مد يد الحوار الصادقة لصياغة إطار عام تقبل به جميع الأطراف وهو ما يبرهن على جدية السلطة بحل المشكلة حلا حقيقيا.
 
ولكن المؤسف كل الأسف أن المعارضة والمتظاهرين لم تحسن استثمار هذا التحول الإيجابي ولم تتشبث بالمواقف الإصلاحية بل رأينا لغة أخرى تماما. فقد ظهرت الشعارات الطائفية البغيضة وارتفعت صور الرموز المذهبية وعلت شعارات غير متفق عليها بين فصائل المعارضة مثل “الشعب يريد اسقاط النظام”. وقد خاب أملي وأمل الكثير من المتأملين بترسيخ مكتسبات الحرية والديمقراطية برؤية الأخوة بالمعارضة يقودهم الطائفيون ورموزها وأدواتها بالبحرين. ورغم أنني متأكد أن الشيخ علي سلمان وجمعية الوفاق يمثلان صوتا وطنيا مطالبا بالإصلاحات الديمقراطية والدستورية، إلا إننا رأينا الرجل ينقاد أمام هذه الأصوات اللاعقلانية وينجر لهذا المنزلق الخطير بلا إدراك لتداعيات هذه التحركات الغريبة والمريبة.
 
والمثير للاهتمام أن الشيخ عيسى قاسم وكيل المرجعية أو “المرشد الديني” قد عاد للظهور بقوة خلال هذه الأحداث وقاد بنفسه المظاهرات كما رأينا جميعا. ومن المعلوم أن الشيخ قاسم يمثل المرجعية المذهبية بقم في البحرين. ولكن من المهم أن نعلم أيضا أنه قبل عام تحديدا لم يقاطع الانتخابات كما قامت بقية مجموعات المعارضة، بل حث على المشاركة فيها دعما للسلطة البحرينية. فكان موقفه سيئا بذلك الوقت وزاد الطين بلة حاليا حين لم يدرك أن المطالبات الإصلاحية يجب أن تنبع من مفاهيم وطنية خالصة وهي ليست ثورة دينية كما كان يأمل. ولقد كان تشجيعه على رفع الصور الطائفية (كرفع صور خامنئي والهتاف بشعارات مذهبية لا محل لها من الإعراب بهذه المطالبات الإصلاحية) سببا بتفرق شمل الحركات الوطنية المعارضة وإعطاء الفرصة الذهبية للسلطة للظهور بمظهر الضحية. ومقابل هذا الخطأ القاتل من الشيخ قاسم، يبدو أن السلطة قد أُلهمتب فكرة ناجحة بجميع المقاييس وهي أنها تركت المتظاهرين بدوار اللؤلؤة وشأنهم وجعلتهم يسرحون ويمرحون مدة ليست بالقصيرة. وقد شوهد بعد فترة مراسل السي إن إن يحمل امتعته مغادرا المنامة، فقيل له لماذا تغادر والأمور محتدمة باللؤلؤة فذكر بالحرف الواحد: “There is no case here” أي أن الجماعة باللؤلؤة أفلسوا من أي أفكار منطقية وهادفة أو مطالب إصلاحية حقيقية. ويبدو أن الرجل لم يشذ كثيرا عن الحقيقة. فالأصوات طائفية والشعارات مذهبية، وزاد الأمر سوءا أن بعض “الغربان” قد أتوا من بعض دول الخليج (خاصة من الكويت) ليزيدوا النار بالحطب بدلا من أن يسعوا للخير والحوار بين أبناء البلد الواحد بالبحرين.
 
وحدث تاليا ما كنا نخشاه جميعا من زج إيران بكل ثقلها الإعلامي والسياسي بالمشهد البحريني. فأخذت تأجج من الأمور وتزيد من التحريض على الخروج عن المنطق. وأمعنت من التهديد والوعيد واستغلت الأمر لصالحها ورفعت مقولات تصدير الثورة مجددا ونقل مفهوم نظام جمهورية الملالي وحكم الفقيه للضفة الغربية من الخليج العربي. وهي بذلك أثبتت أنها لا تريد صالح ابناء المنطقة ولا رخاءها ولا أمنها بل تريد تفريق شمل الناس ما بين سني وشيعي لكي تسود وتبقى كلمتها هي العليا. وهذا خطأ قاتل ترتكبه أي حكومة إيرانية وقد يودي بالمنطقة لشلالات من الدماء لا يمكن تصورها أو تخيلها، فالخلط المتعمد ما بين المذهبية والسياسية لعب بالنار التي قد تحرق الأخضر واليابس. على أن حكام طهران بموقفهم السيء هذا قد أهدوا حكام دول الخليج هدية ثمينة لا تقدر بثمن، فقد جلبوا لهم ذريعة مناسبة جدا لإيقاف مسيرة المطالبة بالحريات العامة والإصلاح. وما يبرهن على ذلك أن بعض المعارضين بإحدى الدول الخليجية طالبوا زملاءهم المعارضين من الشيعة بنفس الدولة بعدم تحريك أي شيء من جانبهم بالمراحل الأولية حتى لا تتذرع السلطة بذرائع “الفتنة والمذهبية” إلا إنهم لم يستجيبوا لهذا النداء لسبب بسيط وهو أن أمرهم ليس بإيديهم حيث أتتهم الأوامر من طهران وقم بالتحرك تحت أي ثمن. وعلينا أن نقارن هنا الذكاء السياسي لحركة الأخوان في مصر حين امتنعوا عن تصدر المشهد إبان الثورة حتى لا يتذرع النظام بإنها مجرد أعمال إرهابية وأحزاب دينية.
 
وبالتالي نحن بالخليج نعاني من ثلاثة عوامل تقض مضاجع المطالبات الإصلاحية نحو الحريات والديمقراطية:
 
– التغول والتوغل الإيراني المذهبي
– قمع الأنظمة والسلطة الحاكمة ورفضها ترسيخ الحريات والديمقراطية
– السذاجة وعدم الوعي الفكري والسياسي لدى معظم الناس والجماهير
 
 
ولأن وضعنا محاصر بهذه العوامل والضغوطات فإن الأمل الحالي للتغيير نحو الأفضل يبقى صغيرا إن لم يكن ضئيلا. لأن الناس تبدأ بالتغيير من الخارج وهذا سلوك غير فعال، فالتغيير الحقيقي يبدأ من الداخل وتغيير الأفكار النمطية التي ثبت قصورها وضيق أفقها. فلن يتغير وضعنا إلا إذا أمنا بالحكمة الإلهية المطلقة
 
{إنَّ اللهَ لا يغيّرُ ما بقومٍ حتى يُغيروا ما بأنفسِهِم} الرعد/ 15
 
فسنة الله تبارك وتعالى بالأرض هي التغيير نحو الأفضل. ولكن هذا التغيير لا يأتي إلا بعد إصلاح الذات ومكافحة الرغبات والشهوات
وحب الخير للغير. فالتغيير هنا كالمشكاة يكون نتائجه طيبة إذا ما كانت بذرته صالحة
الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s