يسرني تقديم فيلم بلجيكي ناطق بالفرنسية ويناقش قضية هامة تتعلق بحقوق الإنسان. ونحن في عصر يفرض فيه احترام الحقوق الإنسانية للبشر والحد الأدنى منها هو الحرية والكرامة.
مقيم بصفة غير قانونية
ويتحدث العمل بصورة غير معقدة عن معاناة البشر الذين تضغط عليهم تباين الظروف المعيشية وقسوتها فيلجؤون إلى حل صعب ألا وهو الهجرة من أوطانهم وبلدانهم لأماكن أخرى أملا بحصولهم على فرصة أفضل وأمل بتحقيق مستقبل مبشر بالخير. وقد اختار مخرج الفيلم ومؤلفه أوليفييه ماسيه-ديباس نموذج المرأة لتوضيح صورة الألم لمأساة الهجرة غير الشرعية فتتكشف خيوط الكارثة الإنسانية بكل جلاء، فلا يملك المرء إلا التعاطف مع هذه المرأة الهاربة من مسقط رأسها وترغب بأن تعيش وابنها حياة كريمة وبحرية، والمخرج هنا لا يتعمق كثيرا بأسباب هروبهما من موطنهما سوى على أنه قسوة اجتماعية بشكل أساسي. ويعرض الفيلم كذلك نماذج أخرى بخلاف نموذج بطلة الفيلم، حيث سنرى أناس قادمين من مناطق عديدة مثل المغرب العربي وأفريقيا وأمريكا الجنوبية وأوروبا الشرقية. وسيعري المخرج الأنظمة الأوروبية التي تدعي دائما حماية حقوق الإنسان وأنها ديمقراطية عبر إظهار مدى القسوة والبشاعة بتعاملهم مع هؤلاء المقيمين بصورة غير قانونية والباحثين عن أمل جديد بالحياة. على أن ما يميز أوروبا والغرب عموما ليس إدعاءات الديمقراطية وحقوق الإنسان بقدر وجود منظمات مجتمع مدني تتحرك للضغط على حكوماتها حال انكشاف انتهاكات خطيرة على أراضيها. ولكن الحكومات الغربية ذكية وحريصة جدا، لأنها لا تضرب مباشرة بل من تحت وسادة ناعمة حتى لا ينكشف زيف إدعاءاتها.
نسخة الفيلم:
Illegal.2010.DVDRip.XviD-EPiSODE
الترجمة
وللتعرف على مشكلة غير محددي الجنسية
بدول الخليج العربي يرجى قراءة الرد التالي
—————————————————–
البدون… وما أدراك ما البدون!
مصطلح قد لا يعرفه معظم ابناء الوطن العربي. وقد تم ابتداعه في نهاية السبعينات والثمانينات من القرن الماضي وهو اسم منقوص من عبارة “بدون جنسية أو هوية”. ولكن قبل ذلك لا بد أن أذكر أنني قد ترجمت هذا الفيلم بعد إشارة إليه بمقالة بعنوان “وانتصرت البدون” كتبها الكاتب الكويتي المخضرم الاستاذ عبد اللطيف الدعيج في جريدة القبس الكويتية من هنا. حيث يقصد بها مشكلة “البدون” بالكويت. ولكن مسألة الإقامة غير القانونية أو الشرعية تعتبر قضية عالمية ولا تقتصر على دول الخليج العربي. فتوجد هجرة غير شرعية من دول شمال أفريقيا للدول الأوروبية الثرية كفرنسا وإيطاليا وألمانيا. وهناك هجرة عشوائية من سكان دول أمريكا الجنوبية إلى الشمال الأمريكي حيث “الحلم الأمريكي”. وكذلك توجد هجرة غير منظمة من بعض الناس بالصين والمناطق المحيطة بها إلى اليابان الغنية. وهذا يشير إلى أن البشر يرغبون عادة بالهجرة إلى المناطق الغنية أو التي تتواجد بها فرص لتوفير مستقبل زاهر لهم بعد أن فقدوا الأمل بمواطنهم الأصلية. ولكن هذه البلدان لها الحق في المحافظة على تركيبتها السكانية وعلى ضبط أوضاع هؤلاء المهاجرين حتى لا تحدث الفوضى بحدودهم فيختلط بها الحابل بالنابل وهو ما يطلق عليه “الحقوق السيادية” للدول. وبالتالي فإن الوضع السليم هو حل مشكلتهم عبر تقنين تواجدهم من خلال إعطائهم فرص العمل الكريم والإقامة الشرعية ليكونوا عناصر إيجابية بالمجتمع فيتم لاحقا وبمرور الزمن تجنيس النماذج المفيدة والمنتجة والكفوءة منهم. ولكن المشكلة قد تكون معقدة بشكل يصعب أحيانا طرح الحلول المنطقية لمعاناتهم، خاصة في ظل وجود التباين الشاسع بالحالة المعيشية للناس عبر المناطق الجغرافية المتقاربة. ولا شك أن الحل الشامل يكون بمساهمة دول الشمال الثرية في انتشال دول الجنوب مدقعة الفقر من مآسيها ومشاكلها ليس الاقتصادية فقط بل أيضا السياسية والاجتماعية والثقافية. فعلينا ألا ننسى أبدا أن القوى الاستعمارية جاءت من الشمال وقامت باستنزاف ونهب خيرات دول العالم الثالث وهي التي ترعى حالة التخلف والاستبداد والفقر التي تعاني منها. وبالتالي فإن الغرب ملزم -أخلاقيا على الأقل- بعمل مشروع ضخم على غرار مشروع مارشال الذي انتشل به أوروبا من الكارثة التي حلت بها بعد الحرب العالمية الثانية. ولكن تكلفة مثل هذا المشروع ستكون باهظة على الغرب الذي لا يريد الاعتراف بمسؤوليته التاريخية لأن مقدار ما نهبوه من الدول الفقيرة بليل ضخم وهائل. وما لم تحل مشاكل دول الجنوب والمناطق المعوزة بالعالم بشكل جذري وجاد، فإن الهجرة والإقامة غير القانونية ستبقى قائمة إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.
ومن ناحية أخرى، فإن منطقة دول الخليج العربي تحتوي على مشكلة الإقامة غير القانونية أو “البدون” كما يطلق عليهم هنا. ولعل السبب الرئيس بوجودها بهذه المنطقة النامية وذات الحدود المستحدثة يكمن بحالة الثراء المفاجيء التي طرأت على المنطقة واكتشاف كميات ضخمة من المخزون النفطي وتعاظم أهمية هذه المادة بعد حرب 1973 مما جعل العديد من المجموعات البشرية تفضل العيش بهذه المنطقة سعيا لتقاسم جزء ولو ضئيل من هذه الثروة الطائلة والطارئة. ولكن هذه المشكلة بالخليج أخذت معالم وسمات تميزها عن غيرها من مشاكل الهجرة الجماعية بالعالم عموما، فهي أخذت طابعا قبليا واجتماعيا وبأحيان أخرى سياسيا. هذه المسألة موجودة بأكثر الدول الخليجية خاصة بالكويت والسعودية والإمارات وقطر. وقد قيل لي بأن المشكلة في السعودية على سبيل المثال في طريقها للحل، ولكنني بكل صراحة لا أتصور إمكانية لذلك بهذه السهولة. صحيح أن ظروف البدون بالسعودية أخف وطأة من نظرائهم بالكويت من ناحية أنه يحق لهم امتلاك بطاقة هوية تسمى بـ”بطاقة نازحين” وهم يستطيعون استخراج جوازات سفر مؤقتة، إلا أن مجموعة كبيرة منهم لا يمتلكون أصلا تلك البطاقة مما ينزع عنهم صفة المواطنة ويجعل كثيرا منهم بلا أمل وبلا مستقبل. وما يجعلني لا أتقبل تصديق مسألة حل مشكلة البدون بالسعودية هو آلية التجنيس ونظامها السائد في المملكة أو فلنقل المناطق القبلية منها. فلا يمكن لأي كان من ابناء القبائل أن يحصل على الجنسية وحق المواطنة إلا بعد أخذ موافقة مسبقة من شيخ القبيلة أو العشيرة (أو ما يطلق عليه شيخ الفخذ) الذي تعتمده الحكومة كمتصرف لشؤون قبيلته. فهو من يمنح وهو من يمنع صكوك المواطنة لمن يشاء، وهذا بلا شك نظام غير عصري وقد يكون ظالما لحقوق الكثيرين. لأنه حين يتم منح حق التجنيس لأشخاص أيا كان مسماهم فهذا يجعل العملية برمتها تخضع للمزاجية وعدم العدل والإنصاف بين الجميع. واعرف بالواقع كثيرا من الناس ينتمون ابنا من ظهر ابن لقبائل ولم يمنحوا الجنسية لا لشيء إلا لأن شيخ القبيلة غير راضي عنهم أو هو بخلاف شخصي معهم. وبالتالي فإن حقوق المواطنة منعت عن الكثيرين بناء على نظام وآلية شخصية غير منصفة وغير منطقية إطلاقا. أتمنى أن يكون هذا الوضع قد تعدل وأن تكون معلوماتي قديمة بهذا الشأن.
أما في الكويت، يمكننا اعتبارها نموذجا لتطور هذه المأساة الإنسانية. ورغم أنها أخذت بهذا البلد طابعا يقرب إلى أن يكون سياسيا، إلا أن أشكال المشكلة تعقدت وتباينت بسبب تقادم الزمن عليها دون حل شامل. ومن أهم أسباب تفاقم قضية البدون بالكويت، بخلاف المماطلة الحكومية واللعب على أوراقها سياسيا واقتصاديا، هم البدون أنفسهم. فقد ساهموا -لا سيما الجيل الأول منهم- بتعقيد مستقبل ابنائهم والرضى بهذه الحالة غير الواضحة التي يعيشونها، فهم لم يطالبوا بحقوقهم وتقنينها بشكل صريح وبنفس الوقت لم يغادروا لبلدانهم الأصلية -كما تزعم الحكومة- أو لبلدان تعترف بآدميتهم، فارتضوا بأن يكونوا ورقة يتلاعب بها الآخرين، تارة نواب مجلس الأمة الذين يتذاكون عليهم وهم ليس بيدهم شيء وتارة أخرى ما يسمى اللجنة المركزية لحل أوضاعهم التي اتخذت من الأسلوب الأمني وغير الإنساني للضغط عليهم. وأنا من المؤمنين أن موطن الإنسان يكمن في قلبه، وليس هناك فائدة من التواجد في أرض لا تعترف بك بينما أنت إنسان فاقد للإرادة -وكما ذكرت بعنوان لأحد مواضيعي السابقة- ولا تستطيع تغيير مصيرك بيديك فجعلت الآخرين يتحكمون بك. وزيادة على ما أوردته بهذا السياق، أضع هنا تسلسلا تاريخيا لتطور مشكلة البدون بالكويت بحكم معاصرتي لها واحتكاكي بها. وقد كتبت هذا التسلسل بناء على طلب الزميل والصديق د. أحمد صديق في منتدى لفهم أبعاد مشكلة البدون بالكويت بعد تسليط الضوء عليها بالآونة الآخيرة، أعيد نشره هنا للفائدة العامة.

ثم تشكلت الدول والمشايخ الخليجية بعد اتفاقية العقير عام 1922 عبر تحديد البريطاني المستعمر لخطوط الحدود حسب مصالحه الآنية آنذاك. ثم ظهر النفط مبكرا بالثلاثينات وتم تصديره في منتصف الأربعينيات. وبعد أن اتخذت بريطانيا قرارا بجلاء قواتها من الشرق والخليج، دخلت الكويت وبقية مشايخ الخليج (ما عدا السعودية) بمفاوضات مع بريطانيا حول كيفية تحقيق صيغة الاستقلال المقبولة. فكان أن أعلن الشيخ عبد الله السالم استقلال الكويت عام 1961 وأنجز بعدها انجازا تقدميا مستنيرا حيث تمت صياغة الدستور الكويتي وهذا مما يحسب له كإنجاز لم يسبقه أحد من قبله من حكام المنطقة. ويتميز دستور دولة الكويت بأنه حديث ويلبي الحد الأدنى من حقوق المواطنة والدولة العصرية.
وبهذه الأثناء كان معظم البدو لا يزالون يعتمدون على التنقل والترحال حسب طبيعتهم وبيئتهم القاسية. ولكن حدث ما لم يكن بالحسبان من حدوث ردة على المشروع النهضوي الذي أراده الشيخ عبدالله السالم بعد وفاته عام 1965، حيث قامت السلطة بتزوير انتخابات عام 1967 وتم إعلان رغبة صريحة بتنقيح الدستور وتعطيل الحياة البرلمانية أكثر من مرة وهذا دليل على عدم اقتناع السلطة بالدستور. وقبل هذا، كان أن تم وضع قانون الجنسية عام 1959، أي قبل صياغة الدستور مما جعل البعض يطلق عليه أنه “قانون غير دستوري”. وكان من نتائج الردة على مشروع النهضة أن تم اللجوء لعملية “التجنيس السياسي” في منتصف الستينات لأن السلطة رأت أن تجنيس مجموعات قبلية موالية سيؤدي إلى وصول أصوات غير مزعجة لها للبرلمان ولعمل نوع من التوازن مع الأصوات الوطنية التي قامت بعهدها صياغة الدستور، وقد يؤدي إلى تسهيل عملية تنقيح الدستور بحيث يمنح للسلطة صلاحيات أكبر وينزع مميزات الرقابة على المال العام وأملاك الدولة من المجلس المنتخب.
وفي ظل هذا الواقع غير المستقر سياسيا بالكويت، تم استغلال الحلقة الأضعف بهذا الصراع ألا وهم البدون. ورغم أن مشكلة البدون موجودة كذلك بدول خليجية أخرى كالسعودية وقطر، إلا أنها بالكويت أخذت طابعا سياسيا إلى حد بعيد. ولكن يجدر القول أن البدون وإلى عام 1986 تقريبا كانوا يعيشون حياة طبيعية فكان يحق لهم العمل بجميع المؤسسات تقريبا والحصول على الرعاية الصحية المجانية والتعليم إلى ما هو أبعد من الدرجة الجامعية. ولكن كل هذا ذهب أدراج الرياح بيوم وليلة كما تقول وردة الجزائرية. البدون هم الضحية لأي حدث داخلي أو خارجي، فقد كانت الحرب العراقية الإيرانية وعدم تأييد مجموعة من المواطنين الكويتيين والبدون ممن ينتمون للمذهب الشيعي للوقوف مع صدام حسين بحربه ضد إيران وتورطهم ببعض العمليات المخلة بالأمن سببا بحرمان كل البدون من الحقوق الإنسانية السابق ذكرها، رغم أنه من المعلوم أن هؤلاء الذين قاموا بهذه العمليات ليسوا إلا قلة قليلة جدا من البدون ويعدون بالعشرات فقط في حين أن تعداد البدون قبل الغزو الصدامي كان يناهز 200 ألف تقريبا. المهم أن الأمور أخذت بالسوء أكثر بالنسبة للبدون منذ عام 1988 إلى أن وقعت الكارثة الكبرى على الجميع بعدها بعامين.
اتخذ الرئيس العراقي السابق صدام حسين قرارا كارثيا بغزو الكويت عام 1990. ولم يستفق الناس صبيحة يوم الخميس (وصف بالخميس الأسود) الثاني من أغسطس ألا بالدبابات العراقية وهي تحاصر قصر الأمير وتحتل جميع المباني والدوائر الحكومية وخرجت الحكومة الكويتية تاركة البلاد والعباد يواجهون مصيرهم. هناك من الناس من كان غير مستعدا بعد لفهم واستيعاب هول الكارثة وما الذي يتعين عليه عمله والبعض الآخر استوعب ما جرى وقرر خلال مدة بسيطة لم تتعد بضعة أيام الهرب، حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا. ولذلك انقسم الناس ومنهم البدون ما بين هارب بالخارج وبين صامد بالبلاد. ورغم أن من صمد من البدون كأشقائهم الكويتيين قاموا بعمليات مشرفة مثل المحافظة على عمل الشؤون الحياتية بشكل طبيعي مثل المخابز والبوتاجاز والمياه وغيرها بل وشارك بعضهم بعمليات المقاومة المسلحة ضد القوات المحتلة، إلا أنهم يظلون الحلقة الأضعف. فبعد عودة السلطة بعد التحرير لم يشفع لهم كل ما قام به معظمهم وتم النظر إلى عمومهم بتشكيك كبير ويؤخذ الكل بجريرة ضعفاء النفوس منهم والذين تعاونوا مع المحتل Collaborators بسبب انعدام الرؤية لديهم وقساوة الظروف أو الخوف من بطش القوات المخابراتية العراقية آنذاك. فتم اتهام البدون بعد التحرير اتهامات شمولية مثل أن أصولهم عراقية وهو اتهام كان يرعب القلوب آنذاك، وكان أبسط اتهام مثل الحصول على رخصة قيادة عراقية صادرة بوقت الاحتلال يودي بصاحبه من البدون إلى مشاكل كبيرة في حين أن كثيرا من الكويتيين الصامدين ممن اضطروا إلى استخراج مثل هذه الوثائق إبان فترة الاحتلال المشؤومة كان بردا وسلاما. ومع مرور الزمن قرر كثير من البدون الهجرة للحصول على فرصة أفضل. فمنهم من هاجر للعراق لأن لديه وثائق عراقية فعلا ولكن النظام العراقي أقفل الحدود وقرر عدم استقبال البدون بدءا من عام 1994، وآخرين تمكنوا من الهجرة لأوروبا وحصلوا على فرصة أفضل نسبيا بعد أن تم قبولهم كلاجئين إنسانيين. إلا أن الدول الأوروبية وأمريكا الشمالية لم تعد توافق على استقبال البدون أو صعبت من شروط استقبالهم كلاجئين بدءا من عام 1998-1999. وكان أن تم الإقدام على التضييق على البدون منذ منتصف التسعينات بناء على خطة حكومية معلنة.
إلا أن البدون لم يكن لهم أي هامش من الحركة لعدة أسباب:
1- وجود بعبع أو فزاعة اسمها “صدام حسين”. فأي تحرك للمطالبة بحقوق بسيطة وإنسانية سيفسر على أنه تحريك من هذا البعبع الخطير.
2- عدم وجود وعي كافي من قبل ابناء البدون أنفسهم، بسبب استمرار سياسة عدم تعليمهم أو عدم تشجيعهم على التعليم وبسبب الرسوم الكبيرة التي تفرض على البدون حصرا الذين لا يعمل كثير منهم أصلا.
3- التعتيم الإعلامي الشديد على قضيتهم مما أدى لخمول هذه القضية وعدم تحريكها بشكل كافي.
ولا بد أن أشير أن هذه السياسة التعتيمية أدت لعدم فهم ما هي مشكلة البدون حتى ما بين مجموعات كبيرة من الناس بالكويت. ويشاع ما بينهم مقولات مثل “هؤلاء عراقيين، فليعودوا للعراق” أو “من أين جاؤوا؟ هل من المريخ؟” أو “هل نبتوا مثل الفقع (الكمأة) وظهروا فجأة؟” وللأسف صدق البعض مثل هذه المقولات العنصرية المقيتة. وأصبح هناك اضطراب وعدم اجتماع على حل القضية، وساعد هذا الوضع الحكومة على المماطلة والتسويف بحلها.
ثم حدث ما حدث من غزو العراق وسقوط نظام صدام حسين عام 2003. ولجأ البدون لأساليب المؤتمرات والندوات المصرح بها من السلطات لعرض قضيتهم دون جدوى. ولجأ بعض النواب إلى استغلال قضيتهم والصعود عليها حتى يتسلقوا نحو كراسي البرلمان الخضراء. مما ولد حالة من الإحباط الشديد وانعدام الأمل وخاصة لدى الشباب من البدون من تحريك قضيتهم فضلا عن حلها حلا شاملا وعادلا، لا سيما أن أعداد البدون أصبحت ليست بالكثيرة حيث يقدر أعدادهم حاليا ما بين 100 إلى 120 ألف فقط.ولكن مع سقوط فزاعة “صدام حسين” وتوالي السنين أصبح من الواضح أن هناك من لا يريد حل هذه المسألة إلى الأبد. وقد تعالت أصوت الكثير من العقلاء أمثال د. غانم النجار ومسلم البراك ود. حسن جوهر وغيرهم الكثير بأن: فلنعمل على حل القضية بأسرع وقت ممكن حتى لا يأتوا اليوم الذي تنفجر على الجميع ولا يمكننا جينها التحكم بمجرياتها وتوقيتاتها، وهذا رد بسيط على من تفضل بالقول “أن توقيت المظاهرات خاطيء رغم إن المطالبات صحيحة ومشروعة”.
والحرية أيها الأخوة لا تتجزأ وهي للناس جميعا وليس لفئة دون أخرى. وهذا مجرد عرض تاريخي بسيط لمراحل قضية البدون.
وتقبلوا مني أطيب تحية
فيصل كريم