نقدم لكم أيها الاخوة الكرام باكورة أعمال (فريق كاظمة للترجمة) الذي سيتخصص بترجمة روائع أعمال السينما العالمية شرقا وغربا. وكاظمة هو موقع تاريخي يقع شمال دولة الكويت، ووقعت به معركة اسلامية تاريخية في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله. وأتشرف بمشاركة الاخ محمد العازمي بهذا الفريق وهو الأخ والصديق والزميل والجار.
—————————–
ويسعدنا أن تكون باكورة ترجمة أعمال هذا الفريق عبر عمل رائع ومميز بتاريخ الصين السينمائي، وذلك من خلال أحد ألمع مخرجيها ألا وهو المخرج الكبير كايجي تشين الذي قدم الكثير من الروائع لعل من أبرزها Farewell My Concubine “وداعا يا محظيتي” (وقد قام بترجمته كل من الأساتذة محمد علي وشريف الحداد) وكان هذا المخرج قد استهل أعماله برائعة Yellow Earth “الأرض الصفراء” (وقد قام بترجمته الاخ هيثم المصري) والرائعة الاسطورية The Promise “الوعد” (وقد قام بترجمته الاخ Night-666) وغيرها من الروائع، لدرجة أنه يذكرنا بمخرجي الروائع والروائع فقط أمثال كوروساوا وتاكيشي كيتانو وماساكي كوباياشي وآنج لي وسيرجيو ليوني وستانلي كوبريك وكلينت إيستوود وستيفن سبيلبيرج وجيوسيبي تورناتوري وغيرهم من المبدعين الكبار الذين لا يقدمون أعمالا لمجرد الاسترزاق والاستهلاك المحلي، فهؤلاء لا يقدمون إلا ما هو يثير بهم الفضول تحو الابداع والتميز. ويبقى مخرجنا اليوم كايجي تشين، الذي يعتبر من الجيل الخامس لصناع السينما الصينيين، مستمرا بهذا وهو يحمل أصلا إرثا سينمائيا استلمه من والده تشين هواياي المخرج المعروف، ولم ينغص على كايجي هذا التميز سوى نكرانه لأبيه بسبب ثوريته الجارفة إبان الثورة الثقافية -التي أشعلت الصين منذ بداية الستينات واستمرت آثارها حتى بداية الثمانينات- وقد ندم كايجي على ذلك ندما شديدا وقد يكون من ملامح هذا الندم ما قدمه في فيلمه الرائع “وداعا يا محظيتي”. لكننا اليوم نتحدث عن عمل آخر من أعماله يعتبر من الملاحم الدرامية التاريخية، بل لا أبالغ إن قلت أنه يعد دراسة تحليلية ونفسية وعميقة لأهم شخصية صينية تاريخية عبر تارخ الصين الطويل. إنه الامبراطور الأول يينج تشينج


أجد نفسي مندهشا عندما يقول لي اصدقاء كثيرون أنهم لا يفضلون أو على الأقل غير معتادين بالسينما الآسيوية سوى على “النط والنطع والركل والرفس” وغيرها من فنون الضرب. فأرد عليهم قائلا أنكم لم تروا بعد مثل هذه الروائع حتى تحكموا على سينما آسيوية تتميز بالعراقة والسينما الراقية. وكما أن هناك أعمالا أمريكية كبيرة وجميلة فإن 80 بالمائة منها للأعمال التجارية والاستهلاكية. لكن نسبة هذه الاعمال الساذجة تقل بشكل أكبر بالأعمال الآسيوية، فيصبح لدينا هامش أعمال رائعة وجادة أكبر. في الواقع، لقد شاهدنا أعمالا تاريخية ملحمية مثل Brave Heart و Kingdom Of Heaven و غيرها الكثير، وقد لاحظنا عدم الدقة إن لم يكن تحريف الحقائق التاريخية وتطويعها للمنظور الدرامي لمخرجي مثل هذه الأعمال. مما يجعلنا نتساءل هل من الممكن أن نشاهد عمل تاريخي يتسم بالموضوعية التاريخية وبنفس الوقت يتميز بالقوة والعمق الدرامي؟ لقد أثبت كايجي تشين أنه عمل على حدوث التوازن الفني مع عدم تشويه الحقائق التاريخية. هذا العمل يتحدث عن أول امبراطور للصين قام بتوحيد ممالك هذه البقعة الشاسعة من هذه الأرض الشرقية في العالم، ألا وهو الامبراطور يينج تشين الذي يصوره المخرج ويقدمه لنا بصورة تشريحية نفسية دقيقة بل وبدراسة نفسية عميقة وليست بالسهلة. ولقد أدى النجم الصيني (شيوجان لي) الدور

وأبدع أيما ابداع فيه عبر تجسيد كل المشاعر والحركات الممكنة لهذه الشخصية ذات الأبعاد العميقة والمتناقضة. فهو رجل مغوار شجاع وقت المعارك وهذا شيء حتمي حتى يصبح ملكا يهابه الجميع، وهو رومانسي ذو قلب محب لحبيبته ومحظيته المأثورة السيدة تشاو، لكن ما يضعه أمام اللحظة المصيرية يجعله ينكشف كما تنكشف البرتقالة عند نزع قشورها، فتظهر نوازعه وضعفه الانساني، فتبرز لنا معالم الخوف والرغبة بالانتقام والغدر والخيانة. تمثيل لا يضاهى وأداء أكاديمي يستحق الدراسة من النجم شيوجان لي.

أما النجم الصيني المتميز فينجاي تشانج الذي تميز بفيلم “وداعا يا محظيتي”. فإن ما يثير الاهتمام به هنا هو أن دوره بشخصية القاتل (جينج كوه) يعتبر آخر دور قدمه واعتزل طوعيا أو توقف بشكل تام بعدها عن التمثيل لمدة تسع سنوات كاملة (ولا أعلم السبب الكامن وراء هذا القرار) قبل أن يعود بدور (ساو ساو) بفيلم الحافة الحمراء للمخرج جون ووه. المهم أن دوره بفيلم الامبراطور والقاتل تميز بالرومانسية الرقيقة رغم كونه قاتل محترف لا يعرف الشفقة. لكن الدور لم يبرز ما لهذا النجم من طاقات وابداعات كما حدث في فيلم “وداعا يا محظيتي”.

وبرزت بالفيلم النجمة الصينية الجميلة لي يونج بدور السيدة (تشاو)، التي تميزت بأعمال صينية كثيرة وعديدة منها Memoirs of a Geisha و فيلم 2046 (الذي قام بترجمته الاستاذ سعيد عبد الجليل) و Lifetimes (الذي قام بترجمته الاستاذ جورج منصور) و Farewell My Concubine. وهي بهذا الفيلم أظهرت قدرات السيدة الأرستقراطية التي تتنازعها مشاعر الحب لمحبوبها ذو الشخصية الصعبة ومشاعر ولائها لموطنها (تشاو) الذي فتك به هذا المحبوب فتكا مما جعل مشاعرها تتضارب وتتصارع وتضطرب. ومع هذا أظهرت لمسات كوميدية طريفة.

ولا شك أن من سيتابع الفيلم سيلاحظ قوة الأداء التمثيلي لجميع نجوم الفيلم وسنشعر كأننا في مباراة في من سيتفوق بأفضل قدرات تمثيلية بين كل هذه الكوكبة من نجوم الصين المتألقين، ومن المفاجيء أيضا أن المخرج نفسه شاركهم بأداء تمثيلي قدير عبر تجسيده دور (لو بواي) المحوري بالعمل.


بالنسبة للتصوير والمونتاج بهذا الفيلم فانا أنصح كل من يريد دراسة هذين التخصصين بالفن السابع فلا بد له من دراسة اسلوب التصوير والمونتاج الذي أبدعه طاقم هذا العمل بشكل ابداعي كبير. فلأول مرة أشاهد الكاميرا وهي تنقل حركة حالة اضطراب المشاعر وتوصيف حالة الهم والعبء الثقيل على النفس وهي بحالة ثبات وليست كاميرا محمولة يدويا كما هي الموضة الآن. بالأضافة إلى إنني لاحظت الاسلوب الابداعي بتقطيع المشهد الواحد وبنفس الحوار الجاري بحيث قسم المونتير المشهد الواحد لعدد من المشاهد مع المحافظة على حالة التقمص والشعور للمثل بلا تغيير. وقد يكون من أمر تقنية الصوت المذهلة عاملا مساعدا بدرجة كبيرة لإنجاز هذه التقنيات المثيرة للاعجاب وتمكن طاقم العمل كله من أدواته. أما ما يسلب ألبابنا بهذا العمل فهو تلك الموسيقى التصويرية الساحرة النابعة من قلب الصين وأجوائها طبيعتها الجذابة. أما الأزياء فحدث ولا حرج من تمكن هؤلاء النجوم من التحرك بها بانسيابية ومرونة مع تزيينها بألوان حسب حالة المشهد. بالنسبة للانتاج فلا يمكننا الادعاء أن هذا العمل صيني بحت بل كان واضحا أن التمويل مشترك كوري وياباني وصيني. وكان سخيا للغاية، فساعد هذا المخرج على أن يقدم منظوره الخاص ويجدر بالمتفرج الكريم هنا أن يلاحظ أن المخرج لم يركز على المناظر الحربية الكبيرة والجموع المحتشدة رغم وجودها بالعمل بل جعلها كبعد ثاني وجعل الأساس ما سنشاهده بالعمل من دراما مؤثرة وعميقة للأحداث.

تمثال للامبراطور (تشين شي هوانج)
أو حسب اسمه الشخصي (يينج تشين)
قرب موقع ضريحه حيث يحرسه آلاف من
أشكال الجنود الطينية (تيرا كوتا)

آلاف من أشكال الجنود الطينيون (تيرا كوتا)
يحرسون ضريح الامبراطور الأول
على الرغم من أن العمل تاريخي إلا أنني لن أخوض كثيرا بالجوانب التاريخية بالعمل رغم أن هذا يشكل اغراءً كبيرا لي. حيث أنه يشير لحياة ملك (تشين) الذي وحد مجموعة كبيرة من الممالك والولايات وانشأ ما يسمى اليوم بالصين وهي البلد الأكثر تعدادا بالسكان بالعالم وقد تعرض هذا الملك الشرس والعنيف (ومن ثم لاحقا الامبراطور) للعديد من محاولات الاغتيال والتصفية لعل من أطرفها هو ما تلى محاولة (جينج كوه) المذكور بالفيلم، حيث قام صديق لـ(كوه) يدعى جاو جيانلي بمحاولة الثأر لصديقه الذي أعدم فقرر استغلال موهبته وشهرته بعزف العود الصيني لاغتيال الملك، فعندما استدعاه الأخير عزف له وكان أن وضع بعضا من الرصاص بآلته يطلقه بشكل مفاجيء وقت العزف، لكن تصويبه اخطأ الهدف فلاقى نفس مصير صاحبه. وتظل شخصية الامبراطور يينج تشينج أو حسب اسمه الامبراطوري الفخم (تشين شي هوانج) شخصية تاريخية مؤثرة بالصين وشرق آسيا مع الاعجوبة المتمثلة بالجيش الذي يحرس ضريحه إلى اليوم والمؤلف من آلاف الجنود المشكلون من الطين (أنظر الصورة أعلاه). لكن على أي حال قوة مستوى الفيلم تكفينا عن التطرق للخلفية التاريخية للفيلم.