بسم الله الرحمن الرحيم
أقدم لكم أيها الاخوة خاتمة أعمال المخرج العبقري الراحل الياباني (أكيرا كيروساوا)
مشاهدة الفيلم
لكن قبل أن نتطرق بالتفصيل لهذا الفيلم، يجب أن نقدم نبذة ولو موجزة عن هذا المخرج الياباني الراحل الذي أثر تأثيرا فاعلا بتاريخ السينما العالمية.
ولد أكيرا كوروساوا في أحد ضواحي طوكيو عام 1910 لعائلة ميسورة الحال، وكان هو آخر العنقود ما بين اخوته الثمانية. عمل والده (إيسامو) مديرا لمدرسة ابتدائية تدار لصالح الجيش الياباني، وقد استهوت الوالد الحياة الغربية، وأحد مظاهرها الذهاب لدور السينما ومشاهدة الأفلام الغربية. تأثر أكيرا بأخيه (هايجو) كثيرا، وهو يكبره بأربعة أعوام، فكان هذا الأخ ذكيا جدا وفاز بالعديد من المسابقات الأكاديمية. وبدأت معالم هذا التأثر تبدأ بالظهور عند وقوع زالزال كانتو العظيم عام 1923 الذي خلف ما لا يقل عن مائة ألف قتيل والكثير من الدمار والخراب، فحث هايجو أكيرا على عدم التهرب من هذه الفاجعة ومواجهة ما سببته من فواجع. وازداد تأثر أكيرا بأخيه هذا عند عمله راويا للسينما اليابانية الصامتة أو كما يطلق عليه Benshi، وهذه النوع من السينما كان هو الرائج قبل السينما الناطقة إلا إنه بظهور الأخيرة تخلت الدور السينمائية عن السينما الصامتة تماما، فساد الكساد والبطالة للعاملين بهذا النوع القديم من السينما ومنهم هايجو، الذي اعترض وشارك بإضرابات عمالية، واشترك أكيرا بهذا النضال العمالي، حين كتب في بداية شبابه العديد من المقالات التي قيل أنها أخذت طابعا شيوعيا لتطرفها الشديد (لكنه كان ينفي ذلك دائما). وفي نهاية المطاف، لم تجد هذه المطالب والاضرابات آذانا مصغية ،فباءت فشلا. وسرعان ما أقدم هايجو على الانتحار، وما لبث كذلك أن توفي الأخ الأكبر لأكيرا بسبب المرض، ليظل هو الابن الوحيد الباقي على قيد الحياة.

حياة كوروساوا المهنية
بدأ أكيرا كوروساوا حياته المهنية مخرجا عندما انضوى بالتمرين الاخراجي لكبرى شركات السينما باليابان (توهو) عام 1936 وعمل بداية بوصفه مخرجا مساعدا للمخرج (كاجيرو ياماموتو). ثم عمل بعد ذلك أول فيلم سينمائي وهو Sanshiro Sugata عام 1943، وكانت أفلامه أثناء الحرب العالمية الثانية تتخذ طابعا دعائيا توجيهيا، لكن الفكر السينمائي الناضج لكوروساوا ظهر بعد الحرب، وبعد الاستفاقة المريرة من هوائلها، فقدم نقدا لاذعا للنظام الحاكم السابق في فيلم No Regrets for Our Youth عام 1946، إلا إن محطته الأبرز ببداياته كانت بفيلم Rashomon الذي نال من خلاله جائزة الأسد الذهبي بمهرجان فينيسيا السينمائي ونال ترشيحا للأوسكار عام 1951 .

أسلوب كوروساوا المميز
اشتهر أكيرا كوروساوا باسلوبه المميز والمبتكر والذي يتميز به عن باقي المخرجين منذ بداية الخمسينات. وبداية يحدثنا الاستاذ سعيد عبد الجليل مشرف منتدى ترجمة الأفلام والمسلسلات في منتدى الديفيدي العربي عن انطباعاته عن اسلوب وتقنية كوروساوا الفذ:
المعروف عن كيروساوا انه كان يقوم برسم افكاره والصورة التي كان يريد ان يكون عليها عمله ، بمعنى اخر كان يرفق مع سيناريو الفيلم صور لتخيله لشكل اللقطة المطلوب وهذه الطريقة كان يستعملها العبقري الايطالي (فيلليني) وحين سأل عن هذا الاسلوب قال بان تلك الصور تساعد الممثل على فهم افضل للمعنى والجو العام للمشهد .. وعن علاقته بمدرس الرسم قال :انفجر الفصل يوما بالضحك حين رأي رسومات الطالب كيروساوا ، غير ان مدرس الرسم قال لهم: ان رسمه بطريقة متطورة جدا وكان يشجعه باستمرار مما دفعه للتطور السريع في الرسم . .
و فيلم (ليس بعد) أو باللغة المصرية (و لسه) هو الفيلم رقم ثلاثون في أعمال (كيروساوا) وهو يلخص فيه وجة نظره في التعليم والثقافة والصداقة والوفاء وايضا في الموت والحياه . .
حين سألوه عن عما يريد قوله في هذا الفيلم أجاب .. أنا فاشل دائما في شرح الرسالة من أفلامي ، ولو كنت استطيع تلخيصها لكنت كتبتها في عبارة وتجولت بها في الطرقات .
وأخيرا سألوه بصيغة اخرى . . كيف يرى ايام زمان بالمقارنة بالحاضر؟ فأجاب . .إن الماض أكثر اثارة من الحاضر .. كانت القرية فيها انسانية ودفئا أقوى من كل العلاقات الاقتصادية العالمية الحالية . .كانت افضل الاوقات . .صحيح كانت صعبة ولكني كلما نظرت للخلف ارى العلاقات الانسانية كانت اعمق وادفأ .. المدرسون والتلاميذ كانوا اكثر التحاما ، العالم الان كانا غريبا جدا والمدرسون والتلاميذ لا يفهمون بعضهم ..
وفي رأي هذه خلاصة فكره في هذا العمل الجميل وهذا العمل الاخير في مشوار هذا المخرج الاستاذ.
وابتكر هذا المخرج العبقري كذلك أسلوب ما يسمى استخدام عدسات التصوير السينمائي لجعل اطار الصورة مسطحا. وكان مؤمنا كذلك أن وضع الكاميرات في أماكن أبعد بالمشاهد يعطي أداءً أفضل. وكان يحب أن يستخدم كاميرات متعددة للمشهد الحركي الواحد من زوايا مختلفة. وظف كوروساوا أيضا التأثيرات الجوية المتقلبة بأفلامه لصالح المَشاهد، حيث استخدم المطر ببداية فيلم (راشومون) وبالمعركة الختامية بفيلم (الساموراي السبعة)، والحرارة الشديدة بفيلم (الكلب الضال) والرياح الباردة في فيلم (يوجيمبو) والثلج بفيلم (إكيرو) والضباب بفيلم (عرش من الدماء).
لُقّب كوروساوا باليابان بلقب Tenno أي الامبراطور، وذلك لتركيزه وهيمنته الكاملة على العمل. ومن أمثلة ذلك أنه قضى على مخزون مائي كامل لمنطقة محلية ليوضح غزارة المطر وسكب على الماء حبرا أسود ليجعل من المطر ثقيلا وذلك بفيلم (راشومون). وقد بنى قلعة كاملة حقيقية بفيلم Ran فقط لكي تتدمر كما بالفيلم.
تأثرٌ بالغرب وتأثير فيه
اشتهر كوروساوا بأن أغلب أعماله مقتبسة من كتاب غير يابانيين أو بالأحرى غربيين أمثال شكسبير ودويستويفسكي وتولستوي وإد ماكبين وغيرهم، وهذا ما أدى بالواقع إلى ارتفاع أصوات النقد عليه داخل اليابان. إلا إن هذا التأثر لم يكن بشكل أعمى بل كان اقتباسا ليقدمه كصورة فكرية وابداعية جديدة. وهذا الناتج الابداعي أدى بحقيقة الأمر إلى نشوء تأثير مقابل من كوروساوا ذاته غربا وشرقا، وكذلك عمل على ابتكار أساليب سينمائية جديدة ظهرت على سطح الفن السابع تلقفها واستلهمها كثير ممن يهتمون بهذا المجال. وفي الواقع لا داعي لتكرار ذكر هذه التأثيرات التي قام بها كوروساوا لورودها بالكثير من المقالات المتخصصة هنا.
حياة كوروساوا
تزوج كوراساوا من السيدة يوكو يوجوتشي وأنجب منها طفلين ابن (هيساو) وابنة (كازوكو)، وكان مسرفا بشكل فاحش على المأكل والمشرب خاصة عندما يتعلق الأمر بالانتاج الذي يقوم به. كان كوروساوا صديقا حميما للمخرج الياباني الشهير (إيشيرو هوندا) الذي اشتهر باخراج فيلم (جودزيلا) 1954. توفي أكيرا كوروساوا الشهير كذلك (برجل الرياح) بالسادس من سبتمبر عام 1998 عن عمر يناهز الـ88 عاما إثر نوبة قلبية.
هياكين يوشيدا
كاتب الفيلم (مقالات)
كان فيلم Madadayo هو آخر أفلام المخرج الراحل أكيرا كوروساوا وقد أنتج الفيلم عام 1993 وهو مقتبس من مقالات للكاتب الياباني هياكين يوشيدا وذلك عن محطات ذاتية مرت على هذا الكاتب، كانت الطرفة والعامل الإنساني نقاطا مهمة بهذه المقالات التي اقتبسها كوروساوا ليجسد من خلالها عناصر حقيقية وواقعية عن شخصية الانسان الياباني خاصة في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وما أفرزته من نتائج وخيمة على شخصية الانسان الياباني الذي يعيش في زاوية من الكرة الأرضية.
ليس بعد
هذه العناصر تتجسد عبر أداة السينما المفضلة ألا وهي “الانتقائية” في هذا العمل، إذ يتقمص الممثل الياباني القدير (تاتسو ماتسومورا) شخصية “الاستاذ” يوشيدا المحبوبة ما بين طلبته، حيث يقوم على تدريس اللغة الألمانية في الجامعة، وهو متصل اتصالا كبيرا مع طلبته الذين تخرجوا منذ زمن إلى درجة اعتبارهم كابناء له، وهم يعتبرونه كأب لهم، وهو لم يرزق بأبناء من زوجته كما يظهر من الفيلم. ويبدأ الفيلم من قرار الأستاذ تقديم استقالته قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية من التدريس، إلا أنه بعد تدمر منزله جراء قصف الحلفاء العشوائي ونجاته هو وزوجته بصعوبة، ساءت حاله، وتردّت أوضاعه، خصوصا بعد تعطل دور النشر عن طباعة الكتب التي كان يعتاش على تأليفها بعد الاستقالة. فقرر هؤلاء الطلبة الخريجين (وهم موظفين كبار السن) عمل رابطة لمساعدة الأستاذ في شراء قطعة الأرض وبناء منزل. وبعد هذا يقرر هؤلاء الطلبة الأوفياء عمل حفل سنوي يطلق عليه (المادا كاي) أي “أليس بعد؟” إذ أن هنالك أغنية معروفة وقديمة يقوم الطلبة بتمثيلها أمام الأستاذ الذي يرد على هذه الكلمة بعبارة، (مادادايو) أي ليس بعد. وهذه الأغنية كما يتضح لنا تاليا، يقوم بها الأطفال حين يلعبون “الاستغماية” باللهجة المصرية أو “الضمّيمة” أو “الدسّيسة” باللهجة الخليجية. ثم تتطور الأمور بالفيلم بعضها بلمسات كوميدية وأخرى درامية.
الطلبة أمام الاستاذ يقولون: مادا كاي؟ فيرد عليهم: مادادايو
معاني الفيلم
يبعدنا العمل عن الشخصية النمطية التي ظهرت في العديد من أفلام الساموراي والحركة والخيال العلمي. فهذا الفيلم الذي أخرجه كوروساوا وهو يبلغ الثالثة والثمانين، أشاع به جواً من الحنين والتفاؤل والأمل والذكريات المكتسبة. فهذا الأستاذ، الذي يتسلط عليه الضوء بالفيلم، يعرّج على جميع هذه العواطف والمشاعر كاشفا من خلال مجمل وقائع الفيلم عن الطينة الحقيقية التي تشكّل هذا الانسان، وهنااك نماذج عديدة منها مثلا جار الأستاذ الذي رفض بيع قطعة الأرض المواجهة لبيت الأستاذ الجديد وذلك لرغبة المشتري بناء طابق ثالث، مما سيحجب أشعة الشمس من الدخول لبيت الأستاذ رغم حاجة البائع الشديدة للبيع بعد الحرب. وهناك نموذج عاطفي، ألا وهو تعلق الأستاذ بالقط (نورا) -قط ذكر هكذا اسمه الياباني- الذي عدّه كابن له لأنه لم يرزق بالأطفال- وعندما اختفى (نورا) فجأة أسودّت الدنيا في وجهه وامتنع عن الأكل والشرب. ولذلك أعتقد أن هذا الفيلم يشكل ختاما بروح إيجابية وتفاؤلية لمسيرة أكيرا كوروساوا. وقد لاحظنا بالفيلم التطور الاجتماعي بذلك الزمن، حين اشتركت العوائل والعنصر النسائي والأطفال على اختلاف اعمارهم بحفل (المادا كاي) الأخير بالفيلم، بعد أن اقتصرت المشاركة في الحفلات السابقة على الرجال وعلى من تتلمذ على يد الأستاذ. وعلى الرغم من وفاة أكيرا كوروساوا بعد الفيلم بخمسة أعوام، ألا إنه ظل يردد بعد إنتاج العمل كالأستاذ “مادادايو” مادادايو”.
شرح لبعض المفردات الواردة بالفيلم
Kamo no Chomei
رسم تقريبي للشاعر كومو نو تشوميي
كامو نو تشوميي، شاعر ومؤلف ياباني عاش بالفترة ما بين 1155 – 1216 م. حظى بالعديد من الامتيازات إلا أنه واجه العديد من النكبات والمصائب، دعته أن يعتزل الناس ويعيش بصومعة جبلية. وهذا ما تصوره الأستاذ بعد قصف منزله ومعيشته بهذا الكوخ البسيط ذو الغرفة الواحدة، لولا أن تكفل هؤلاء الطلبة بإعانة استاذهم
Heian period
حقبة هيان، وهي فترة باليابان امتدت من 794 إلى 1185 حيث بلغت المعتقدات الصينية أوجها، ومنها طبعا الكونفوشية. وكانت هذه الفترة هي ذروة وجود مجلس الحكم الامبراطوري. وازدهر كذلك بهذه الحقبة الفن والشعر والأدب عموما.
Edo period
حقبة إيدو، هي فترة من التاريخ الياباني تمتد من 1603 إلى 1868 وهي بداية دخول الحداثة والتمدن بالتاريخ الياباني. وقد شهدت تقلص بعض سلطات الحكم الامبراطوري.
Shamisen
ورد بالفيلم حين ضاع أثر القط (نورا) قيل أنه عملوه (شاميسين) وهي آلة وترية تشبه العود والجيتار
صور من الفيلم
مواصفات النسخة:
اسم النسخة:
Madadayo[Not.Yet]1993.DVDRip.XviD-behemot
مدة الفيلم: ساعتان و14 دقيقة
معدل الاطارات: 29.970