من وحي طوفان الأقصى: قصة التنين المتغطرس الذي تخيله تولكين

وكأن الروائي الإنكليزي جون رونالد تولكين John Ronald Tolkien ما يزال حيا بيننا اليوم، إذ برع في وصف الكيان الصهيوني الإجرامي بدقة، بتصويره في روايته الأولى “الهوبيت” لذلك الوحش المخيف “التنين سموغ”، الذي يجثم على ثروات قرية مجاورة ومستحوذا على كنوزها (والصحيح أنها كنوز تابعة لعالم الأقزام Dwarves، حسب قصة تولكين)، التي لا يحلو له النوم العميق إلا متمرغا عليها (لاحظ وجه الشبه بين الكيان المتوحش وغزة، التي يحاصرها ليحرمها من أبسط مقدراتها منذ عشرين عاما وأكثر، وبين التنين سموغ الذي يحرم “قرية البحيرة” من خيرات هذه الكنوز المسلوبة).

وهذا التنين “سموغ”، الذي يمتلك قدرة على الكلام والتعبير (حسب القصة الخيالية لمؤلفها تولكين)، يتسم بالصلف والغرور وشدة الغطرسة، ولا يشعر أن شيئا في هذه الدنيا بإمكانه أن يردعه عما يشتهي فعله (أيضا قارن مع سلوك الكيان الإجرامي). وكان قد هدد القرية، قبل نومه الوثير تحت الكنوز، بأن يحرقها، بأنفاسه النارية، عن بكرة أبيها بأهلها كافةً، ولن يرحم منهم أحدا، مع أن الذي عكّر عليه نومته ليس أحدا منهم، بل لص متسلل قصد جوهرة بعينها ضمن الكنوز التي يضطجع عليها؛ لحاجة في نفسه.

المشكلة أن أهل “قرية البحيرة” منقسمون إزاء كيفية التعامل مع هذا الوحش الذي أمسى غاضبا الآن، ولا يسعى إلا في الخراب والتدمير. فمنهم من يرى الهرب والنجاة بالنفس حلا، ومنهم المهادنون والمرجفون ممن يعتقدون أن منح التنين مزيدا من ثروات المنطقة وكنوزها كفيل بإسكاته، ولو إلى حين (المهم، عيشني الآن، وموتني غدا). وهناك القلة القليلة التي لا ترى مفرا من “المقاومة”، وألا معنى للحياة ولا قيمة تحت هذا الإذلال المهين (ولعل هذه الحال تنطبق كذلك على قصتنا في غزة).

يدرك أهل العلم في القرية وما جاورها أن الكائن المتوحش، على الرغم من قوته الهائلة وجبروته وغطرسته، يخفي نقطة ضعف قاتلة، متى ما استغلها أحد ما فستكون ضربةً في مقتل، وهو ما قادهم إلى الاعتقاد بحتمية زوال الوحش عاجلا أو آجلا. هنا، وفي وسط الدمار والخراب، انتفض قائد المقاومة الأوحد “الرمّاح”، وقرر أن يكيل للتنين المتوحش المغرور ضربات تبدو غير مجدية، لكن شيئا فشيئا، كلما اقترب منه الوحش الفتاك لاحظ نقطة ضعفه القاتلة. بيد أن التحدي المصيري يكمن في اقتناص هذه النقطة القاتلة ضمن جنبات الكائن العملاق!

عزيزي القارئ، هذه ليست أمنياتي إزاء الواقع الصعب الحالي، بل هي تجسد قصة للأطفال ألّفها الأديب الإنكليزي جون رونالد تولكين في عام 1937. غير أن أوجه الشبه، عند وصولنا إلى هذه النقطة من الزمن، مثيرة للتعجب والتأمل. الكيان المتوحش سيزول، كما يصف تولكين، لا محالة. لكن هذا لا يعني زوال الشر!

أضف تعليق