بسم الله الرحمن الرحيم
هذه ترجمة للقسمين الأخيرين من الفصل الثاني والعشرين لكتاب
Jesus Is Coming
(( اليسوع قادم ))
لمؤلفه القسيس الصهيوني الأبرز في عصره وليام يوجين بلاكستون
وتأتي متابعتنا لهذا الكتاب الذي يتبنى الطابع الوعظي الأنجليكاني بوصفه حلقة ضمن الإشارات الكثيرة التي وردت في كتاب “تلمود العم سام” لمؤلفه منير العكش (الذي نأمل أن نفرد له في هذه المدونة مقالات ومناقشات عدة)، والذي أورد في كتابه هذا المرجع لتعزيز النظرية القائلة بالمظهر الصهيوني الكامن في جذور تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية. فلنقرأ نص الترجمة، ومن ثم نعلق عليه بإيجاز
فهذا العمل الذي لاقى رواجا شعبيا هو لمؤلفه القسيس الإنجليكاني الأكبر في عصره “وليام يوجين بلاكستون” William E. Blackstone، وهو من كبار دعاة الصهيونية في الولايات المتحدة، وكانت له حظوة ونفوذ عند الرؤساء الأمريكان المتعاقبين حتى قبل صدور كتابه هذا في سنة 1871 حين ظهرت طبعته الأولى، وأصبح من أكثر الكتب مبيعا منذ ذلك العام، ويبدو أن الطبعة التي بين أيدينا صدرت عام 1908، وهي بذلك تدندن حول سياقاتٍ سبقت اندلاع الحرب العالمية الأولى.
أما عن سبب انتقائنا لهذا النص العجيب، فهو تعزيزه للنظرية القائلة باختراع آيديولوجية “الحركة الصهيونية” على يد العالم الغربي البروتستانتي بالدرجة الأولى (وفي مقدمتهم بريطانيا والولايات المتحدة وهولندا) وليس على أيدي اليهود. وأنا هنا أتحدث عن توقيت محدد، ألا وهي العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر، حين لم يقتنع كبار الجماعات اليهودية وحاخاماتهم ومثقفيهم بالفكرة الصهيونية (أي تجميع اليهود في فلسطين وتكوين دولة لهم فيها). في حين يشير كتاب بلاكستون بصراحة إلى مراودة الدول الغربية اليهود عن أنفسهم (إن صح الوصف) بتحريضهم للتوجه إلى فلسطين تحديدا، وليس إلى مكان آخر، إن هم أرادوا الخلاص من الاضطهاد الذي كابدوه في وسط أوروبا وشرقها.
وهذا كله جرى قبل بروز نجم “ثيودور هرتزل” بوصفه قائد الصهيونية الأبرز، غير أنه عاني من جفاء معظم التيارات اليهودية له ولمشروعه الغربي؛ لأنه -كما يصفه بلاكستون- رجل “يؤمن بالغنوصية” ولا يفقه البتة بالدين اليهودي على وجه الحقيقة، ويجهل طقوسه وشعائره.
ومن جانب آخر، يظهر من النص الذي ترجمناه مدى انتهازية بلاكستون وبراجميته مع أنه يصف نفسه “رجل دين”؛ لأنه يقر أن الدولة الصهيونية المزمع اغتصابها من منطقة فلسطين إنما هي “دولة كافرة” godless state حسب فكرتها صهيونية التكوين، في الوقت الذي يكثر في كتابه من الاستشهاد بالأسفار والاصحاحات من التوراة والإنجيل.
أُنهي هذا المقال بالإشارة إلى أن هذه الترجمة الموجزة جاءت بعد قراءة كتاب كتاب المفكر العربي منير العكش “تلمود العم سام: الأساطير التي تأسست عليها أميركا”، إذ استند العكش في إلى مجموعة كبيرة من المراجع الأمريكية المبينة للروح الصهيونية المكونة للولايات المتحدة منذ بواكير القرن السابع عشر، وما سبق ذلك من بدايات تكون الفكرة الصهيونية في إنكلترا منذ منتصف القرن السادس عشر. وقد كتبتُ في هذا الصدد عددا من المقالات في وسائل التواصل الاجتماعي (لعلي أعيد نشرها في هذه المدونة تباعا) حول النظرية التي يعرضها العكش لفكرة صهيونية الولايات المتحدة حتى قبل تكوين نظامها السياسي، والحقيقة أنها نظرية تختلف نسبيا عما طرحه المفكر العربي الراحل عبد الوهاب المسيري. ومن هنا تنبع أهمية كتاب بلاكستون، حيث أنه يعزز نظرية العكش من ناحية آيديولوجية الصراع مع الصهيونية، وأنها ليست مجرد حركة استعمارية ساعدتها القوى الغربية لمصالح إمبريالية، حسب نظرية المسيري، وتعتمد عليها كذلك كثير من الأطروحات العربية التقليدية في القرن العشرين.
وللموضوع بقية إن شاء الله تعالى.
فيصل كريم الظفيري


