كتاب د. كمال الصليبي (التوراة جاءت من جزيرة العرب)، قرأناه، فخرجنا بنتيجة مفادها: أنني مش هنا، ولا أنت هناك، وفلسطين مش في فلسطين، وبني إسرائيل ربما ليسوا من كوكب الأرض (ههههه)… لكن بعيدا عن المزاح، ربما يعد كتاب (التوراة جاءت من جزيرة العرب) من أوائل الأعمال التي شككت بالروايات التوراتية القديمة، ولحقته كتب أخرى لفاضل الربيعي وغيره. ويزعم المؤلف أنه تقصى المواقع الجغرافية التي تقصدها التوراة، ويقول إن مسرح أحداثها الحقيقي في منطقة عسير، لا في فلسطين! لكن المؤلف لم يرفق في كتابه صورا له وهو يتتبع هذه العملية المضنية، وأعتقد أن هذا يكفي للتقليل من أهمية ما يقدمه. غير أنه حاول تقديم منهجية تدلل على صحة تحقيقه تعتمد على:
1) التحليل اللغوي (وهنا يجب أن نتحرى ذلك من المختصين اللغويين)،
2) التتبع الجغرافي لمواقع التوراة والزعم أن الشواهد اللغوية والجغرافي تؤكد بالقطع أن مسرح أحداث التوراة تقع في منطقة واسعة من عسير واليمن.
كما أنه لجأ إلى بعض التفسيرات السياسية، مثل أن قورش هو من أقنع بني إسرائيل (بعد تحريرهم) بالتوجه نحو فلسطين بدلا من جنوب غرب جزيرة العرب، لرغبته بوجود حليف هناك buffer state
ويزعم المؤلف أن “رحلة الشتاء والصيف” المذكورة في القرآن رسخت من وجود بني إسرائيل في عسير وازدهروا عبرها إقتصاديا وسياسيا، مما أشعر البابليين والمصريين بالخطر، وهذا ما يفسر-حسب الصليبي-هجومهما عليهم وأسرهم وتشتيت شملهم، كما أن “شيشنق هجم عليهم من البحر الأحمر، وليس من بر سيناء”
علاوة على ذلك، يفسر الصليبي أسباب التشابه في أسماء بعض المواقع في الشام وعسير “أن بني إسرائيل كرروا تلك الأسماء التي كانت في مناطقهم الأصلية في جنوب غرب الجزيرة إلى مناطقهم الجديدة في فلسطين”، أي أنهم استنسخوها بشيء من التغيّر اللفظي النسبي.
الحقيقة أنه لم يتسن لي الاطلاع على الانتقادات والتصويبات اللغوية والجغرافية الموجهة للكتاب (إن وُجدت)1، لكنه واجه قطعا موجات هائلة من الاعتراض والاستنكار؛ لأنه خالف السائد في المفاهيم الدينية التوراتية التي انتقلت إلى أذهان المسلمين.
على أنني أظن أن كتاب (التوراة جاءت من جزيرة العرب) ربما ترتفع أهميته إذا وُفق -على الأقل- من ناحية منهجيته اللغوية والصوتية، وهي أساس هذا العمل.
أما تعليقي على كل ما ورد في الكتاب، فالله أعلم؛ لأنني لم أكن معهم حينذاك.
- موجودة بالتأكيد، وأهمها الكتاب الذي ظهر خصيصا للرد على كتاب الصليبي، ألا وهو كتاب د. عبد الله بن أحمد الفيفي “تاريخ بني إسرائيل وجزيرة العرب”، وهو عمل ضخم يربو على 600 صفحة. ↩︎

