نظرات في كتاب (( السنن الإلهية في الأمم والجماعات والأفراد في الشريعة الإسلامية )) للعلامة دكتور عبد الكريم زيدان، رحمه الله

قرأت لك: كتاب العلامة الدكتور عبد الكريم زيدان، طيب الله ثراه

(( السنن الإلهية في الأمم والجماعات والأفراد في الشريعة الإسلامية ))

صدر الكتاب في طبعته الأولى سنة 1994 عن مؤسسة الرسالة.

وموضوع السنن الإلهية في الكون من الموضوعات التي تشغل بال الكثيرين في كل عصر وزمان، لكنه كذلك من الأمور المعقّدة التي تقتضي ربطا هائلا بين الأفكار والواقع، ورقيا عاليا في مستوى التفكير، وقد يتأتى هذا في عصر، لكنه قد يستعصي في آخر.

يفرّق الدكتور زيدان رحمه الله بين السنن الكونية المادية (مثل قوانين الحركة الفيزيائية والتجاذب الكوني والجاذبية الأرضية والأفعال المادية وردودها، وغيرها) والسنن المعنوية عند البشر وحركات التاريخ والأمم ونهوض الدول وسقوطها. ويركّز الكتاب على السنن المعنوية بطبيعة الحال، من خلال دراسة الآيات القرآنية التي حللت هذه السنن وكيفية انطباقها على الأمم والجماعات والأفراد.

ومما لا شك فيه أن كل سنة من هذه السنن إنما هي “قانون عام ثابت صارم لا يخرج عن أحكامه شيء” كما تذكر مقدمة الكتاب. والإنسان والبشرية جمعاء لا تستطيع الفرار من هذه السنن، ولا تغييرها، لكن من الممكن إدراكها وتوسيع المعرفة بها.

هذه السنن الإلهية كثيرة، لكن يجوز أن نذكر منها ما يلي:

* سنة الأسباب والمسببات (قانون السببية)
* سنة التدافع (دفع الله الناس بعضهم ببعض) وكيف أن هذا من رحمته سبحانه.
* سنة الفتنة والابتلاء
* سنة الظلم والظالمين
* سنة الاختلاف والمختلفين
* سنة المتساوين والمختلفين (قانون التماثل والأضداد)
* سنة الترف والمترفين
* سنة الطغيان والطغاة
* سنة البطر
* سنة الذنوب
* سنة التقوى والإيمان والعمل الصالح
* سنة الاستدراج
* سنة المكر والماكرين
* سنة طلب الدنيا والآخرة
* سنة الرزق
* سنة الفظاظة والغلظة والرفق

ويفصّل الكتاب في كل من هذه السنن العجيبة التي تسير عبرها الحياة على الأرض، ومع أن الكتاب يأخذ الشكل الوعظي الديني، يلاحظ القارئ أن هذه القوانين مفروضة على البشر كافة، سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين، والذكي هو من يدركها ويلتزم بها لكي يتفوق وينجح، ولا يحابي الله أحدا في هذه السنن، سواء أكان مؤمنا به أم كافرا أو حتى ملحدا. كما يفرد المؤلف نصائح إلى ما يسميه “الجماعة المسلمة”، وما ينبغي أن تتسم به وتطبقه من تلك السنن.

والسؤال الذي يشغل بال المتفكر والمعتبر: لماذا يزيل الله أمما ودولا ويترك أخرى، بناء على هذه السنن؟ من المهم ملاحظة أن هذه المسألة تتطلب تضافر أكثر من سنة لكي يحدث الزوال، أو يستمر دوام تلك الأمة أو الأخرى. فإذا أخذنا قوم سدوم وعمورة (وهم قوم النبي لوط عليه السلام) نموذجا على هذه المسألة، سنرى أن مجموعة من السنن تجمعت وتكالبت عليهم أدت إلى حتمية زوالهم وعقابهم الفوري، إذ تجمعت عليهم السنن والقوانين الآتية:

– الكفر (لأنهم كفروا بما جاء به نبي الله)

– الإباحية المطلقة (ليس لانتشار المثلية فقط، بل لأنهم شرعنوها وشرعوها قانونيا، وهو الأخطر هنا، فما من مجتمع يسلم كثيرا أو قليلا من هذا المرض الاجتماعي، لكن تشريعه قانونيا يؤدي إلى تسريع العقاب)

– الظلم وانعدام العدل (من المعلوم انتشار الظلم في هؤلاء القوم، وتدلنا المقولة الشهيرة “أجوَر من قاضي سدوم” على ذلك، كما اشتهر عنهم أن قاضيهم يحكم لصالح ابن بلده على الغريب القادم للمدينة حتى وإن فعل الأول الموبقات الواضحة على الثاني).

ومن المؤكد أنهم ارتكبوا مظاهر إجرامية أخرى جعلت من رصيد نجاتهم من العقاب الإلهي يساوي صفرا، فاستحقوا العذاب المهين.

وللمرء أن يتساءل: لماذا لا يوقع الله تعالى العقاب على أمم حالية شرّعت المثلية الجنسية بقوانين رسمية؟ والجواب هو السنن الإلهية التي لم تتضافر على أي من تلك الأمم. خذ مثالا على ذلك في الولايات المتحدة، إذ أقر الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما -خيبه الله- زواج المثليين رسميا في القانون الأمريكي سنة 2011 (على ما أتذكر)، فلمَ لم يحدث للقوم عقاب واضح؟ من الجلي أن الولايات المتحدة ما زالت تقيم العدل في بلادها، والقضاء لديهم مستقل، كما هو حال معظم الدول الغربية، وهذا مانع مهم لتضافر أسباب العقاب الإلهي، كما أن الله تعالى يذكر {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} هود:117، وهذا كذلك قانون وضعه الله على نفسه سبحانه، فينتفي هنا مبرر العقاب طالما وجد المصلحون في أي بلد، ولكن طبعا ليس دائما، بل إلى حين زوال الإصلاح، وبقاء الظلم، وتضافر المظاهر الكفرية الأخرى لاستحقاق العقاب الذي قد يكون على أيدي المؤمنين، وليس بالضرورة كعقاب قوم لوط أو عاد أو ثمود..

ينبغي أن ندرك جيدا أن حال البشرية الآن ليس كما كان من قبل، إذ نضجت وتعقلت كثيرا، حتى عند الأمم الكافرة، وهذا يشير إلى سبب عدم حدوث عقاب أو عذاب إلهي مباشر في القرون الأخيرة، وخصوصا بعد ظهور الدين الإسلامي، والله أعلم.

كتاب (( السنن الإلهية في الأمم والجماعات والأفراد في الشريعة الإسلامية )) للعلامة الدكتور عبد الكريم زيدان، من الأعمال المهمة التي تستحق التأمل، ولا بد من تعضيده بمؤلفات أخرى في هذا الموضوع بالغ الأهمية.

يمكن تحميل النسخة الإليكترونية للكتاب

من هذا الرابط

أضف تعليق