من نوافذ التاريخ: يقول ليو تولستوي صاحب الكتاب الشهير (الحرب والسلم): “إنني حين أقوم بعمل من الأعمال أكون موقنا بأنني حر الإرادة وأنني سيد نفسي. لكن لو نظرت إلى عملي على أنه مشاركة في مجموع حياة الإنسانية (في دلالته التاريخية) خلصتُ إلى أنه مقدّر من قبل”

ويتفق معه المؤرخ البريطاني إيان موريس في كتاب (لماذا يهيمن الغرب): “أن المجاميع البشرية الضخمة، على خلاف البشر الفرادى، يتسمون جميعا بقدر كبير من التشابه. لو أخذنا شخصين عشوائيين من جماعة كبيرة، فلأحدنا أن يتصور أنهما مختلفان كما يشاء، لكننا لو جمعنا مجموعتين كاملتين من الناس فسيميلون نحو مواصفات شديدة التطابق بين بعضهما بعضا.”

وينهي موريس جانبا من نظريته التي تقارن بين سلوك مجاميع الحيوانات بالمجاميع البشرية الكبرى قائلا “وإذا قارن المرء بين ملايين المجموعات بإحكام وثبات (…) فسيغلب عليهم امتلاك مقادير شديدة التشابه من الأشخاص ذوي الحيوية والخصوبة والفضول والإبداع والذكاء والهذر والجانب العملي.”

ومن واقع منظورَي تولستوي وموريس والمؤمنين بالتفسير الجبري لفهم حركة التاريخ: أن الإنسان كفرد قد يتمتع بحرية الإرادة، لكنه ليس كذلك حين يتعلق الأمر بقرارات وأحداث كبرى، إذ يصبح البشر مسيرّين مجبورين نحو اتجاهات حتمية أو شبه حتمية يمكن التنبؤ بها أو استقرائها، حتى وإن كان من نتائجها وتداعياتها الحتمية هلاك الملايين من البشر.

لعل هذه النظرية الجبرية تصلح لتفسير ما وقع من حروب مهلكة في أوروبا على إثر اندلاع ثورات شعبية كبرى في القرن التاسع عشر. لكن هل تصلح النظرية ذاتها لتفسير ما يقع من حروب جارية في البلدان العربية وحروب أخرى يراد الإعداد لها حاليا على إثر قيام الثورات العربية؟ أو أن الحالة العربية قادرة على كسر أركان تلك النظرية المفزعة، لا سيما وأن الحروب الحالية -على مرارتها ودمارها وما سببته من أوبئة وفقر- لم تصل لمستوى حروب أوروبا من هلاك ملايين البشر دفعة واحدة؟ ويبقى السؤال قائما للتأمل.