هذه كلمتي التي ألقيتها في الندوة التي أقيمت بمناسبة احتفالية يوم الترجمة الدولي تحت عنوان:
“يوم المترجم”
وذلك في جلستها الثانية بعنوان”تجربتي مع التجربة” في رابطة الأدباء الكويتية بمنطقة العديلية مساء الأربعاء الثامن من نوفمبر 2017، حيث رشحني للتحدث فيها الدكتور طارق عبد الله فخر الدين. وأضع كلمتي الكاملة قبل الاختصار المناسب لوقت العشر دقائق المخصص للمتحدثين، بالإضافة إلى تسجيل لوقائع الندوة على قناتي في اليوتيوب.
========================
هنا تسجيل للجلسة الأولى من الندوة (أثر الترجمة في العلوم الإنسانية)
========================
تجربتي مع الترجمة
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
بادئ ذي بدء، أوجه الشكر الجزيل للكرام القائمين على احتفالية اليوم الدولي للترجمة لهذا العام وندوة “يوم المترجم”. وأخصّ بالشكر أستاذنا الدكتور طارق عبد الله فخر الدين لثقته وترشيحه لي للتحدث من على هذا المنبر، مع أنني أكرر على مسامعه دومًا أنني “لستُ مترجمًا” ولا أضع ذاتي البسيطة تحت هذا اللقب الفخم والعظيم، بل أرى محدثكم كضيفٍ على الترجمة ينهَلُ من أهلها ما جادوا، ويعبّ من سلسبيلها ما يروي ظمأ الأفكار. فليس كل من أدرك لغتين أصبح بينهما ناقلا حصيفًا. لكنني ممن يطرقون الأبواب استئذانًا بالدخول، ومن يطرق الباب يجد الجواب.
-
لعل تجربتي مع الترجمة بدأت منذ أوائل الثمانينيات، والمفارقة أنها كانت مع الترجمة التلفزيونية: مشاهدة البرامج التلفزيونية لما يُسمى آنذاك “البرنامج الثاني” –أي القناة الثانية لتلفزيون الكويت- جعلتني أحتكّ بهذا الصنف الترجمي مبكرًا. (إشكاليات: قراءة الترجمة المرئية السريعة- مشكلة الترجمة للبرامج الوثائقية ومحتواها الغزير… إلخ).
-
القراءة عنصر له علاقة وثيقة بالترجمة بطبيعة الحال، إذ ساعدني الإقبال المبكر على القراءة (لاسيما في كتب التاريخ والأدب التاريخي والسيرة) على الحصول على حد أدنى مقبول في اللغة وقواعدها وأساليبها وجمالياتها فهمًا وتطبيقًا.
-
التحاقي بقسم اللغة الإنجليزية في كلية الآداب سنة 1993، وتسجيلي لأول مادة ترجمة في المقرر (الترجمة فيه تخصص مساند من 12 وحدة دراسية -4مواد-) مع الدكتور الفاضل حمد بنعلي -الله يذكره بالخير.
-
تعمّق احتكاكي بالترجمة بعد التخرج سنة 1998، إثر الانضمام لشركة الأبراج للترجمة مع الدكتور طارق عبد الله فخر الدين. لكن غلب على تجربتي تلك الطابع العملي والمهني: ترجمات تجارية وإقتصادية ودعائية وقانونية… إلخ. لم أجد ذاتي في هذا النوع من الترجمات، بالرغم من أهميتها الحيوية لسوق العمل، ربما لميولي السابقة نحو التخصص الأدبي والسردي في الكتابة والتفكير، لا الجانب التقني الاصطلاحي البحت. فبرزت أمامي مشكلة التخصص في الترجمة، وأن سوق العمل الحالي يرجّح كفة الجانب الذي لا أجد نفسي فيه.
-
تعمقتْ هذه المشكلة معي لاحقا حين تعاقدت مع “مجلة مائدتي” برئاسة الأستاذ (ماهر أحمد السليم) حينما تطلّب مني العمل نقل إصطلاحات غذائية ووصفات ومقادير ووجبات وتعريب لأنواع الخضار والفواكه واللحوم والمشروبات إلى اللغة السائدة والمفهومة في الكويت الخليج. ورغم عدم نيل توفيق كبير بهذه المهمة، إلا أن لها أهمية لا بأس بها في تلمس الذات في طريق الترجمة.
-
بعد ذلك، لاحظتُ من خلال انتشار الانترنت في الفترة ما بين 2002-2004 أن ثمة من يترجم المواد المرئية وينشرها من منتديات ومواقع شهيرة مثل منتدى الديفيدي العربي com وأنا في الأصل لي عضوية فيه. فقلت ما المانع من المساهمة في ذلك؟ كان يوجد مانع طبعا، وهو ضرورة توفر سرعات جيدة للتحميل من الانترنت وامتلاك خط DSL في حين أنني امتلكت خط نت عادي dial-up فتأخرت مساهمتي في تلك الترجمات لعامين قادمين بعد الانتقال إلى منطقة جديدة.
-
حدثت المفارقة الزمنية هنا أنني عدت إلى الترجمة التي احتككتُ فيها بالصغر (التلفزيونية) لكنها تختلف عنها من ناحية الفردية والتعامل.
-
بدأت أولى مساهماتي في الترجمة المرئية التطوعية subtitling أو ما يوصف بدقة Fan-subbing (ترجمة الهواة) أواخر سنة 2006.
-
كان مجالا واسعا في المنتديات التي تخصصت في الترجمة التطوعية وأصبح هناك أسماء لامعة يشار لها بالبنان من ناحية دقة الانتقاء للأعمال المرئية وجودتها. فهناك من تخصص بالأفلام الأمريكية وآخرون بالأوروبية والهندية والآسيوية. كما أن هناك مجال الترجمة للأعمال الوثائقية التسجيلية BBC – PBS – Discovery – CNN – National Geoghraphic وهذه الأعمال أيضا من ناحيتها لها تفريعات متعددة: علوم – تاريخ – تقنيات – طب – هندسة – طبيعة وحياة برية – إقتصاد – قانون – سياسة – دين – مناظرات
-
كان ثمة تزاحم جليّ على ترجمة الأفلام الأمريكية الهوليودية، لسببين رئيسين:
-
رغبة الجمهور والمتابعين بسرعة ترجمة الأعمال الحديثة
-
وكذلك طموح ممارس الترجمة في الشهرة السريعة.
أيضا لم أجد نفسي في هذه الدوامة السريعة، فأنا كما تلاحظون لا أحب “الزحمة” أو التزاحم. فلاحظت أن السينما اليابانية تضم أعمالا مميزة وتناقش قضايا جادة، فنصحني أصدقاء بعد استشارتهم بسلك طريقها وتعريفها للجمهور العربي والاجتهاد في ذلك، مع صعوبة المهمة.
-
استراتيجية ترجمة الأفلام اليابانية –وغيرها من الأفلام الآسيوية الأخرى- تلخصت ببساطة في ترجمة الملف المصاحب والمتزامن توقيتًا مع الفيلم، وبعد الانتهاء من ترجمة النص نراجع الفيلم بالترجمة وتدقيقها وتصحيحها وجعلها منطقية وإنسانية (أنسنة النص) مع العمل. وبعد التيقن –قدر الإمكان- من جودة النص، نرفعه على المواقع والمنتديات المتخصصة مثل dvd4arab.com وسابقًا على منتدى الديفيدي العربي.
-
هذا يقودنا إلى تقنية الترجمة عبر لغة وسيطة أو ثالثة. فالفيلم الآسيوي نجد له ملف إنجليزي متزامن فيترجمه ممارسو ترجمة هذه النوعية من الأفلام. لكن هذا لا يكفي طبعا، إذ لا بد من أنسنة النص وجعله منطقيًا كما ذكرت آنفًا. رأينا ترجمات أدبية نتجت من تقنية اللغة الوسيطة، يحضرني منها ترجمة د. كامل يوسف حسين لرواية شوساكو إندو العظيمة “الصمت” أو باليابانية 沈黙 (تشينموكوه)، فهو كما يبدو ترجمها من الترجمة الإنجليزية لوليام جونستون. لكن الدكتور حسين لا يذكر ذلك في مقدمة طبعته الأولى من ترجمة الرواية الصادرة سنة 2006، وأجهل السبب في ذلك. وكما نعلم، فإن الترجمة من ترجمة ليست كالترجمة المباشرة بين اللغتين المصدر والهدف. إلا أن الترجمة المرئية تحتوي على عامل مساعد وحاسم ألا وهو المادة المرئية ذاتها التي يمكن لممارس الترجمة من خلالها “أنسنة الترجمة” وإخراجها من جمود النص إلى روح المشاهَدة وحيويتها. (المحصلة ترجمتُ ما يربو على 30 فيلما يابانيا خلال عقد من الزمان)
-
اتجهتُ بعد ذلك لترجمة الأعمال الوثائقية وسلاسلها الطويلة، فترجمت بمشاركة زملاء سلاسل وثائقية هامة مثل: تاريخ بريطانيا – تاريخ اللغة الإنجليزية Adventure of English – المستقبل الأمريكي ونظرة تاريخية – الأزمة المالية سنة 2008 Love of the Money – اصطدام العالمين (الإسلامي والغربي) Clash of Worlds – الغرب وإيران – تاريخ الدبلوماسية البريطانية – تاريخ العالم، بالإضافة إلى عشرات الأفلام الوثائقية الكاملة التي تحدثت عن قضايا مثيرة وهامة مثل: فلسطين والصهيونية – فن الحرب لصن تزو – آخر أيام الديناصورات وكارثة الفناء – حرب أكتوبر/تشرين – وتورط اليابان بالحرب العالمية الثانية – وداعش… وأعمال وثائقية أخرى كثيرة يمكن الاطلاع على بعضها في مدونة com
-
الأعمال الوثائقية أحيانا لا يصاحبها ملف مفرغ للحوار، فقادني هذا إلى التوسع بمهارة الترجمة السمعية Translation By Hearing إذ تتوفر برمجيات تساعد من يقوم بهذه المهمة. وبالتالي تبين أن ثمة شكلاً وصيغةً لترجمة الوثائقيات لا بد من مراعاتها عند تكوين ترجمة سمعية جيدة وملبية للمعنى. ويجدر القول إن الترجمة السمعية قد لا تتمكن من ترجمة كافة ألفاظ العمل لعدم وضوح نطقها أحيانا أو وجود تشويش أو مؤثر خارجي على صوت المتحدث، لكن المهم فيها إيصال الفكرة بصحة وموضوعية واجتهاد. وبإمكاننا وصف الترجمة السمعية أنها قريبة من وظيفة الترجمة التتابعية Consecutive Translation.
-
الترجمة المرئية التطوعية تضم بين جنباتها عدة تحديات:
-
أ- الترجمة عمل جماعي ولا يقتصر على فرد مهما علا كعبه فيها، فهذه طبيعة البشر: النسيان أو السهو أو الزلل أو الضغوط النفسية والاجتماعية. فكلما كان العمل جماعيًا في الترجمة، قلّت أخطاؤه واختفت عثراته. وهنا يكمن تحدي التخلي عن حب الذات والبروز المنفرد.
-
ب- العمل الدرامي (فيلم – مسلسل – مسرحية… إلخ) قد يبدو سهل التعامل والإنجاز الترجمي مهما كثرت حواراته، غير أن صعوبته تتجلى في نقل أفكار العمل وروحه نقلاً مقنعًا للمتفرج يجعله يدرك مضامينه ومراميه الظاهرة والباطنة بسلاسة ويسر ودون تعقيد. وأرجّح أن هذه الصعوبة تتجسد في الأعمال الكوميدية التي تعتمد على الحوار الإبداعي والطريف لكاتبها. وهذا مكمن آخر للتحدي الذي يواجهه ممارس الترجمة، إذ يتحتم عليه أن يواجه إبداع اللفظ والفكرة وطرفتها بإبداع لفظي ومضحك مقابل لثقافة اللغة المصدر في اللغة الهدف. وهنا وضعت نفسي في خضم هذا التحدي بمواجهتي، مثلاً، لترجمة أعمال المؤلف والسينمائي الياباني كوكي ميتاني، ومنها ثلاثة أفلام مميزة له: جامعة الضحك – اللحظة السحرية – فرصة مع الشبح. وكلها موجودة في المدونة المذكورة سالفًا.
-
ج- تحدي إتقان ممارس الترجمة المرئية التطوعية لبرامجها لكي تسهل عليه هذه المهمة بأفضل صورة، فإن اعتبر ذلك عبئًا، فهو شر لا بد منه.
-
د- تحدي الصبر والتنظيم. فالصبر عامل حاسم لإنجاز الترجمات الكبيرة والكثيفة. أما التنظيم فهو عامل يساعد في برمجة توقيت أي عمل وتفتيته إلى أقسام مما يؤدي إلى تسهيل إنجاز هذه الوحدات المنفصلة من العمل ثم ربطها جميعًا عند الانتهاء من ترجمته وتكوين وحدته الموضوعية واتساقه المتكامل. كل عمل ترجمي يتطلب خطة عمل متكاملة.
-
مع تدشيني لمدونتي الشخصية faisalkareem.com سنة 2014، برزت الحاجة إلى تنويع الأصناف الترجمية التي يمكن لصاحب المدونة تقديمها، فأنشأ لهذا الغرض قسم “ترجمات نصية” في المدونة الذي يضم ترجمات نصية لبعض الأعمال كالمقالات ومواضيع من الويكيبديا ومقدمات كتب مثيرة للاهتمام من أبرزها: “الهدوء: قوة الانطوائيين في عالم لا يكف عن الصمت” – ختامية كتاب “سلام ما بعده سلام: سقوط الإمبراطورية العثمانية وظهور الشرق الأوسط الحديث” للمؤرخ الشهير ديفيد فرومكين – “السعي نحو المجد: أوروبا بين عامي 1648 و1815” للمؤرخ تيم بلانينج – ومقدمة الكتاب التاريخي الضخم Why The West Rules, For Now وتعريبي لهذا العنوان “الهيمنة الغربية على العالم: منهج في الأسباب والتفسير” للمؤرخ إيان موريس.
-
في الختام اسمحوا لي بالقول إن الترجمة، التي هي كذلك الجسر الواصل بين ضفتين أو أكثر، مسألةٌ ومشروعٌ يتسم بالحساسية المطلقة، ويبدو أنها أمست نشاطًا وفعلاً طاردًا لكل من يسعى للإسهام الثقافي وتفاهم الحضارات. وما لم يقدم المجتمع بمؤسساته وهياكله المدنية دعمًا لا محدودًا للترجمة بكل تفريعاتها وآلياتها الاحترافية والتطوعية، فإن مصير ثقافة المجتمع وحضارته على المحك كما أنه سيواجه لامحالة خطر الاضمحلال على المدى الطويل. ولهذا لا بد من قرع ناقوس الإنذار إنقاذًا لهذه العملية، التي كانت توزن بميزان الذهب، فلا حضارة بلا ثقافة، ولا ثقافة بلا ترجمة.
لقطات من الندوة
سرد جميل بأسلوب متناسق أحتوى عصارة تجربتكم الرائدة في مجال الترجمة وأمتعني جداً كلماتك المرتبطة بالترجمة كجهد جماعي وتذوق الترجمة وتكييفها مع الصور المشاهدة، كل التوفيق الدائم.
إعجابإعجاب
أنا أحب الترجمة مثلك وممارس ترجمة ولكني لست مترجما مبدعا مثلك . تعجبني جزالة ألفاظك وكلماتك وجملك البليغة بالعربية ، ولكي لا أكون مجاملا أكثر من اللزوم هناك لك بعض الأخطاء النحوية البسيطة ، مثل:
1. قاتل أو قتل المحاربين، بل قاتل أو قتل المحاربون ، (فاعل أو نائب فاعل)
2. كانوا حديثين العهد ، بل كانوا حديثي العهد ، (بحذف النون ، مضاف إليه)
3. لم يمضي وقت طويل ، بل لم يمض وقت طويل ،(مجزومة بحذف الياء)
4. ذهب الطالبين ، بل ذهب الطالبان ، (مرفوعة بالألف)
6. كان الأمر سهل ، بل كان الأمر سهلا (خبر كان منصوبة)
7. في الخمسون من العمر ، بل في الخمسين من العمر ، (مجرورة جمع مذكر سالم)
8. بعث بكتابا ، بل بعث بكتاب (مجرور بعد حرف جر)
9. جاء والديهما ورأيت والداهما ، بل جاء والداهما ورأيت والديهما. (مثنى مرفوع بألألف ومثنى منصوب بالياء)
10. صلي على النبي ، بل صل على النبي (لأنها أمر وتجزم بحذف الياء )
حبذا لو يتم تدارك هذه الأخطاء والتي تقع بغير عمد ، ,ولكنها عند النحويين تعتبر قاتلة. وأنا قد سقطت في الامتحان بسببهم ، وقالوا لي هي لغة القرآن إذا أنت تتدبره كل يوم . وشكرا
إعجابLiked by 1 person
11. عن العهود الغير نقية ، بل عن عن العهود غير النقية (غير الــ ….. غير تدخل على الاسم) في فيلم تاريخ بريطانيا – حلقة 13- الوقت 5:19.
لكنها ترجمة وجهد جبارين بكل ما للكلمة من معنى . وكان صعبا علي أن أشق لك غبار. ما عدا هذه النقاط البسيطة التي لا تكاد تذكر. كل الود والتقدير من عاشق ومحب لترجماتك ومواضيعك الشيقة فعلا . فلك الله يا مبدع .
إعجابإعجاب
حياكم الله أخي علي الهاشمي، وشكر لكم ما تفضلتم به.
ملاحظاتكم طيبة وتستحق الاعتناء بها. لكن لعلك تقصد ما ورد بترجمة السلسلة الوثائقية “تاريخ بريطانيا” ونصها المترجم على الشاشة. وهذا جهد طيب منك أن تولي النص عناية مراجعتك وتدقيقك. لكن هذا الموضوع مختلف ويخص فعالية ندوة “يوم المترجم” التي أقيمت في الكويت مؤخرا. فإن صح ظني، فاستأذن منك نقل تعليقاتك الجيدة هنا إلى موضوعها المناسب.
وتقبل أطيب تحية
إعجابإعجاب
سيدي الفاضل
أشكرك على تنبيهك لي على نقل البيانات إلى الموقع المناسب.
ستظل مبدعا وعظيما حتى في ردك وأدبك العالي ، وفق الله .
إعجابإعجاب