استرداد “الحَلْقَة“: فرقة استجمام الجزائرية
وعودة المسرح التجريبي إلى الفضاء الشعبي بحثا عن “تفاحة“
(مقال مترجم من موقع Rock Paper Scissors)[i]
ترجمة: فيصل كريم الظفيري

فرقة استجمام، ومسرحية التفاحة
بطاقة تعريفية: استجمام، هي فرقة عروض مسرحية، تتبنى بعضا من مبادئ بريخت وغروتوفسكي سعيا لإعادة الروح الجماهيرية لمسرح الحلقة، وهو المسرح الجزائري الذي يقام في الأسواق والميادين. وتهدف كذلك إلى تجديد التقاليد الشعبية في فن الارتجال والتفاعل الحسي. وتسلط مسرحية “التفاحة” الاهتمام على القمع الوحشي والعنف المذهبي الذي استنزف الجزائر خلال عقد التسعينيات الأسود. يؤدي المسرحية ثلاثي تمثيل مسرحي تقوده رحاب علولة ومن تأليف والدها المخرج والكاتب المسرحي عبد القادر علولة الذي أغتيل سنة 1994. ويكتنز هذا العمل المسرحي الصارم والشرس والحميمي، الذي يعرض في مسرح مكشوف، بكثير من السخرية السوداء والتعليقات الشائكة، كشهادة على ماضي الجزائر الذي خيمت عليه تلك الكارثة، وكواجهة لتعقيدات المصير في الزمن الراهن.
عامل مصنع مفصول، ونقابي تجاري مخضرم، وممثل يتقابلون جميعا بلا ميعاد في حمام عام. وقد جلبتهم مطاردة عبثية لفاكهة من الفواكه والحاجة الماسة إلى مساحة صافية وهادئة لمراجعة مسرحية جوليوس قيصر. هذه الشخصيات الثلاث تجسد جوهر مسرحية “التفاحة” التي تعرضها فرقة استجمام المسرحية المتخصصة بالعروض المسرحية التجريبية. والعمل يعرض حكاية ساخرة ومليئة بالشحنات الحقيقية التي تلتقط إحباطات الحياة اليومية وعبثيتها وشكوكها.
تسلط مسرحية “التفاحة” الاهتمام على القمع الوحشي والعنف المذهبي الذي استنزف الجزائر خلال عقد التسعينيات الأسود. يؤدي المسرحية، التي تُعرض باللغة العربية وممزوجة بالإنجليزية، ثلاثي تمثيل مسرحي من إخراج جميل بن حماموش وتأليف المبدع المسرحي الراحل عبد القادر علولة، الذي أغتيل بالقرب من منزله سنة 1994. يكتنز هذا العمل المسرحي الصارم والشرس والحميمي، الذي يعرض في مسرح مكشوف، بكثير من السخرية السوداء والتعليقات الشائكة، كشهادة على ماضي الجزائر الذي خيمت عليه تلك الكارثة، وكواجهة لتعقيدات المصير في الزمن الراهن.
تقول الممثلة (إبنة المؤلف الراحل) رحاب علولة “إن المسرح في الجزائر يكمن في المجتمع، والمجتمع يكمن في المسرح”. هذه العبارة ليست عبارة مجرّدة لرواد مسرح فرقة استجمام، الذين عرضوا أعمالهم في السينما والميادين والساحات العامة والمسارح. أما الهدف والمسعى فيتمثل بإعادة الروح الشعبية إلى مسرح “الحلقة” الذي كان يعرض في الميادين والأسواق الشعبية الجزائرية، وتحديث تقاليد التفاعل والارتجال أمام الجمهور بعد مضي عقدين من العنف المذهبي والحكم السلطوي القمعي الذي أخرس ذلك الصوت المسرحي وأفرغه تماما من جماهيريته.
سيحظى الأمريكيون بأول فرصة لهم للتعرف عن قرب على أعمال هذه الفرقة المسرحية، حيث ستدشن “استجمام” أول عروضها في الولايات المتحدة في 2016 كجزء من برنامج تبادل ثقافي يرعاه المكتب التربوي والثقافي بوزارة الخارجية الأمريكية وينظمه مركز (سنتر ستايج)، وتنتجه مؤسسة نيو إنجلاند للفنون. ويستضيف مركز (سنتر ستايج) بدءا من يوليو/تموز وحتى ديسمبر/كانون الأول خمس فرق مسرحية من الجزائر وتنزانيا في الولايات المتحدة لإقامة جولات مسرحية تستغرق شهرا كاملا. وستشمل نشاطات الفرق ومقراتها العروض التي ستقدمها بالإضافة إلى ورش عمل وحلقات نقاشية ورحلات جماعية ولقاءات اجتماعية.
بدأت فرقة استجمام نشاطاتها سنة 2007 حيث تشرح رحاب علولة ذلك قائلة “بدأ ذلك كمشروع بحثي أردنا جميعا أن ننفذه معا” وأردفت قائلة “وهو أشبه بالمختبر… لعمل بحثي، وتجريبي، وعملية تحدث في إطاره”.
يعمل هذا النمط التجريبي على التأمل العميق في جذور المسرح الأهلي الجزائري والتأثير الثقافي والأدبي للهيمنة الاستعمارية الفرنسية على الجزائر التي استغرقت 132 سنة، وهو أطول استعمار في بلدان المغرب العربي وشمال أفريقيا. وتضيف علولة “لا يمتلك المسرح في الجزائر كثيرا من النظريات التي ترسخ تقاليده. لقد بدأنا عملنا على النصوص الكلاسيكية التي كتبها مسرحيون من أمثال غروتوفسكي وستانيسلافسكي وأرتود، واكتشفنا خيوط التشابه والتقارب”.
يقول المخرج المسرحي بن حماموش “إن المسرح الجزائري يعد تقليديا مسرحا تفاعليا.” ويسترسل مفسرا “فهذا يعتمد على مهارة ‘القوّال’ أو الراوي أو حاكي القصة الذي يتحول من أداء دور إلى دور آخر، ولا ينحصر بأداء شخصية بعينها”. وعلى هذا المنوال، فثمة أوجه شبه مع نظرية “تأثير الاغتراب” لبريخت. ثم يكمل بن حماموش “فهو قادر على حكاية قصة كاملة دون وجود موقع للعرض أو أزياء، فينشئ رابطا شخصيا يعمل على الخيال الذي يخلو من أي تدخل آخر. أما ما يستهدفه من متفرجيه فهو أن يتخيلوا القصة ويتصوروها، لا أن يشاهدوها. وقد قال عبد القادر علولة يوما ‘أعطيك أذني لأرى وعيني لأسمع’ وهذا هو لب مسرحنا.”
يقتفي مسرح استجمام أثر أسلوب “القوّال” فيقلل من الزخارف والبهرجة الخارجية إلى أقل حد ممكن. فيقوم ممثلوه بدلا من ذلك بالغناء وعزف الآلات الموسيقية واستخدام الإيماءات والحركات الديناميكية لبث الروح في النصوص المسرحية. ويؤدي هذا النهج الحسي النشيط إلى استثارة طاقة مقابلة من جمهورهم الذي غالبا ما يظهر أنه ينخرط في العرض انخراطا مباشرا. فيذكر بن حماموش عن ذلك “النظّارة يشتركون في القصة. فهم لا يتفرجون عليها فقط، بل يساهمون بخلقها.”
تعلق رحاب علولة على ذلك بالقول “هذه ليست المحصلة النهائية، فعندما نحتك احتكاكا مباشرا مع جمهورنا- ونؤدي في منتزه على سبيل المثال، فإن محصلة العمل تختلف في كل مرة.” وتسهم هذه الحركة الحيوية والمرنة بصياغة قالب أعمال مسرح “استجمام”. فتسهب علولة إثر تفكير عميق “نحن لسنا فريدين من نوعنا في هذا المجال، لكن تقديم المسرح هو بمثابة عملية اختيار، وقد وقع اختيارنا على العمل بتراثنا الثقافي الذي اكتسبناه من تقاليدنا الشعبية. ونشعر بالإلهام الشديد من هذا الاكتساب، وهي مسألة تتسم بالحميمية الشخصية لجميع أعضاء فرقتنا.”
تضفي الروابط الشخصية لهذا النهج وعناصره إثارة حادة للمشاعر في مسرحية التفاحة. فهي تضخ إحساسا قويا بنضال الجزائر الذي استمر زهاء سبعين عاما لتحقيق استقلالها ونيل تقرير مصيرها، والثمن الباهظ الملقيّ على عاتق مواطنيها، والإرث الذي يشير للوجهة التي يسير إليها مصير الجزائر. وعلى الرغم من أنه حتى بالنسبة للجمهور الذي قد لا يمتلك هذه الخلفية المعرفية المباشرة لسياق المسرحية، إلا أن الفرقة إذ تلتزم بإطلاق العنان لحماس حوارات المسرحية، فإنها تسلط ضوءا كافيا على هوية عموم أشكال النضال الإنساني ومعانيه، سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو ذاتية عميقة.
تنبِّه رحاب علولة إلى أن “أفراد الجمهور الناطق بالإنجليزية سيدركون (معاني المسرحية) حتى مع الحوار العربي. فالحيلة تكمن بربطهما معا، فنحن لا نسعى للهيمنة عليهم عبر الكلمات، بل نستهدف نقل ثقافتنا وأقصوصتنا.”

الفنان المسرحي الراحل عبد القادر علولة