يبدو أن خروج جون كيري من السلطة أصابه بمقتل في عقله. فهو يطالب بتطبيق القرار 181 لسنة 1947 بإنشاء دولتين عربية ويهودية ما يعني تسليم الفلسطينيين 70% من أرض فلسطين حسب سياق ذلك القرار الذي أطلق عليه قرار “التقسيم” ورفضه العرب آنذاك وشنت جيوشهم المفترضة حربا كرتونية هزلية، قام على إثرها الكيان الصهيوني، وهو ما يصنفه مؤرخون كثر على أنه المرحلة الثانية الفعلية من حقبة “سايكس-بيكو”.
وألاحظ أن كل إدارة أمريكية تفوز بدورتين رئاسيتين متتاليتين تطلق تخريفات دبلوماسية في نهاية فترة حكمها الثانية لكي تظهر أنها ملتزمة بما يسمى “القانون الدولي”، على الرغم من أنها تخالف ما تبدأ فيه فترة حكمها من التزام برفاهية الكيان الصهيوني وتدليله والحرص على تلبية مطالبه كافة. وقد رأينا هذا ماثلا لدى جيمي كارتر حين أهدى “لإسرائيل” أعظم هدية يمكن أن تحصل عليها في تاريخها القصير، ألا وهي “اتفاقية السلام” مع مصر منفصلة وتحييدها عن إخوانها العرب (مؤقتا)، ثم أن كارتر لما شعر أنه طُعن وغُدر فيه (ووضعوا له قشرة موزة فتزحلق على وجهه في منتصف الطريق) وخرج من الرئاسة الثانية بلعبة قذرة (وربما أحس بأصابع يهودية وراءها لشدة حبكها واتقانها، ألا وهي أزمة الرهائن الأمريكيين في طهران سنة 1979) أدرك متأخرا أنه يجب أن يهاجم الكيان الصهيوني وسياساته العنصرية السافرة للعالم أجمع. فطفق يؤلف الكتب ويقطع الرحلات العبثية لهذا الغرض.

ثم أن إدارة بيل كلينتون اتخذت ذات المسار المتعرج، فاستهلت دورتيها خاضعة خانعة ملبية لكل طلبات الصهاينة المعقولة وغير المعقولة، إلى أن طفح كيل كلينتون فأخذ يقرّع علنا بنيامين نتنياهو (رئيس الوزراء أيضا في منتصف التسعينيات). لكن ذات قشرة الموزة جاهزة، وجاءت هذه المرة على شكل فاتنة يهودية تدعى مونيكا لوينسكي. وصاحبنا بيل الرئيس هذا يمتلك شهرة قديمة بأن “قلبه أخضر”، فسقط الرجل سقوطا أخلاقيا كارثيا في بلاده، وذكر أحد الحرس الرئاسيين لاحقا أنه رأى هيلاري زوجته تضربه بجزمتها وهو راكع تحتها لا يفتح فاه، أو ما يشبه ذلك من صنوف الذل. وعلى غرار حنفي في الفيلم الشهير ابن حميدو، أعلن كلينتون أن كلمته بعقد اتفاق فلسطيني-إسرائيلي في أواخر عهده “لن تنزل الأرض أبدا”. لكن يبدو أن أصحاب الموزة صاحوا عليه “حنفي!” أو “وليام!” وهو اسمه الحقيقي، فطأطأ قائلا “خلاص، حتنزل المرة دي. بس اعملوا حسابكم…” فأغلقوا الباب في وجهه قبل أن يكمل العبارة المضحكة خاوية المعنى.
