بعد أن انتهيت في ربيع عام 2010 من ترجمة السلسلة الوثائقية A History Of Britain بالمشاركة مع الزميل العزيز أحمد الزعبي
جاءني أحد الزملاء النصارى معاتبا استخدامي لمصطلح العالم النصراني أو المنطقة النصرانية (لا أذكر تحديدا) كمقابل لمصطلح Christendom. واحتج ذاك الزميل المحترم في منتدى الديفيدي العربي أن مصطلحي النصرانية والنصارى لا يستخدمها إلا المسلمون فقط في حين أن وصفهم المفضل هو “المسيحيون والعالم المسيحي”.
لكن صاحبنا هذا وغيره كثيرون لا يرون الفرق بين المصطلحين، بل وأصبحوا يرون بالوصف الأنسب والأرقى شتيمة وحطا للشأن. والمفارقة هنا أن العكس صحيح. كيف ذلك؟
فلنفتح معا “قاموس الكتاب المقدس” التابع لدائرة المعارف المسيحية الكتابية، ونذهب لمادة حرف (م) لنجد مدخلا لمصطلح “مسيحي” وتعريفه بالنص كالتالي:
“دُعي المؤمنون مسيحيين أول مرة في أنطاكية (اع 11: 26) نحو سنة 42 أو 43م. ويرجّح أن ذلك اللقب كان في الأول شتيمة (1 بط 4: 16) قال المؤرخ تاسيتس (المولود نحو 54م.) أن تابعي المسيح كانوا أناسًا سفلة عاميين ولما قال أغريباس لبولس “بقليل تقنعني أن أصير مسيحيًا” (اع 26: 28) فالراجح أنه أراد أن حسن برهانك كان يجعلني أرضى بأن أعاب بهذا الاسم.”
أما مصطلح “نصراني ونصارى” فهي أقدم بلا شك وأقرب إلى عهد الرسول عيسى عليه السلام. ولأصل هذه التسمية رأيان:
الأول: وهو أن عيسى عليه السلام ولد في مدينة الناصرة التي تقع في شمال فلسطين وجنوب غرب بحيرة طبريا بعشرين كيلومتر تقريبا.
الثاني: ثمة دليل على أن بولس -الذي حارب النصرانية في بدايتها ثم أصبح قديسا مسيحيا بين ليلة وضحاها بل قيل إن المسيحية الحالية تنسب إليه لا إلى الرسول عيسى- عندما حوكم كما يذكر الكتاب المسيحي “أعمال الرسل” وجهت إليه التهمة بالصيغة التالية: “وجَدنا هذا الرَّجُلَ مُفسِدًا يُثيرُ الفِتنَ بَينَ اليَهودِ في العالَمِ كُلِّهِ، وزَعيمًا على شيعةِ النَّصارى”
ويتضح أن التسمية في الأصل هي ليسوع الذي ينسب إلى مدينة الناصرة فيقال له “الناصري” ومن يتبعه يقال لهم “نصارى”، أما “مسيحي ومسيحيون” فكانت تقال للازدراء والتقليل من الشأن كما يذكر قاموس الكتاب المقدس أعلاه.
وقد أيد الله تعالى هذا الأمر بذكره للحوار الذي جرى بين عيسى عليه السلام والحواريين فتذكر الآية الرابعة عشر من سورة الصف {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ} وهذا احتمال آخر للتسمية أنها تأتي من معنى النصرة لله ولرسوله.
ولا شيء يعيب هذه التسمية على الإطلاق، بل هي وصف جميل لفعل أجمل. لكن أكثر الناس لا يفقهون.
=================