دول الخليج والنفط: نعمة تنقلب إلى سخط

في الثمانينيات من القرن الماضي انخفض سعر برميل النفط ليصل إلى مستوى 12-15 دولار وتواصل سقوطه إلى حد 7 دولارات. ولم أندهش إلا من النظام العراقي ورئيسه آنذاك صدام حسين الذي أشار بأصابع الاتهام في انخفاض سعر النفط إلى الكويت والإمارات، وهذا غير منطقي تماما. والانخفاض الحالي يدلل على ذلك. فهاتان الدولتان لا تستطيعان لوحدهما إغراق السوق النفطية إلى الحد الذي يهبط بسعر البرميل وهذا ليس دفاعا عنهما بل الحسبة البسيطة تشير إلى ذلك. وللأسف الشديد، استخدم صدام حسين هذه الذريعة غير الصحيحة لتسويغ غزوه للكويت، وابتلع الطعم الذي أودى بالمنطقة إلى مآسي كان يمكن تجنبها بالحكمة والروية.
وما أريد تسليط الضوء عليه هو هذا التلاعب في السوق النفطية لأجل أغراض سياسية، وهو ما ينعكس مباشرة على دول الخليج التي ينحصر اعتمادها في النفط وموارده كمصدر رئيس للدخل الفردي والقومي وما انشأته دولها من اقتصاد ريعي واستهلاكي غير منتج أو مصنع. والسيء في الأمر أن شعوب هذه المنطقة هي الحلقة الأضعف في معادلة -أو فلنقل رقص- السوق النفطية المأفونة. فها هي الآن تواجه ارتفاع أسعار الخدمات والكهرباء والماء والوقود بسبب انخفاض النفط. ولأن هناك حالة عامة من عدم الوعي، تجد الأدوات الإعلامية تروج أن الخدمات في منطقة الخليج مثلا هي “الأرخص عالميا”، ليبرروا الزيادات في الرسوم، وكأن هؤلاء ناموا عقودا طويلة ليكتشفوا الآن فقط أنها “رخيصة” على حد زعمهم. أي أنهم -وأقصد السلطة والطبقة التجارية والاقتصادية المرفهة وأدواتهم الإعلامية وسواهم- يذلون الطبقة الوسطى والفقيرة ويمنون عليهم “رخص” الخدمات كلما ساءت أحوال النفط وسوقها. فإذا جف ضرع البقرة يتجهون بأنظارهم إلى من يعتني بها ليجففوه هو أيضا ولا يحاسبون أنفسهم ولا يكفون عن بذخهم وتبذيرهم لأنهم فوق النقد وأسمى من المحاسبة. ولا يكفيهم كل ذلك، بل يلجأون إلى المقارنة مع الدول ذات الخدمات عالية التكاليف ليتحججوا بأوضاعها متغافلين عن أوضاعهم هم. فذروا رمادهم على أعين الناس الذين لو لم يكن منهم من يصدق وتردد هذه الأكاذيب والأباطيل لما أثاروها وتجرأوا في ذلك. وهذا المسلسل الإذلالي الممل ليس جديدا بل متكرر وقديم قدم ظهور الثروات الباطنية.
يتحتم على الدول المحترمة تكوين شعوب منتجة ومبدعة وخلاقة تعمل بإنتاجها وصناعتها على حل مشكلاتها ومتطلباتها الاجتماعية والاقتصادية، وليس مجرد عبيد تعمل في المصانع والمعامل بلا هدف أو غاية سوى خدمة قلة مرفهة من الناس، أو”ليس تروسا صغيرة في آلة كبيرة” كما وصفها فرانز كافكا في رواياته. ويجب استثمار الثروات الطبيعية المكنوزة في الأرض لصالح هذه الأمة، لا أن يعبث بها لأغراض مجهولة فلا تصب لصالح الشعب عامة. كما أن الشفافية والرقابة في استخدام المال العام واستثماره عنصر أساس لتثبيت أركان الدولة، ومن يقرأ التاريخ مليا يرى الأنظمة التي سقطت والعروش التي زالت بسبب الفساد وتبديد المال العام.

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s