سأنتقم، ولو بعد حين – ترجمة الفيلم الشكسبيري Titus

بسم الله الرحمن الرحيم

إن للمسرح جذبا وسحرا لا يضاهيه في صنوف الفنون صنف آخر. وله من الأمراء والأسياد من يقف لهم المرء احتراما وإعجابا، وما من شك في أن أكبرهم مقاما وأجلهم مكانة هو وليام شكسبير. وإذ نقدم اليوم ترجمة لرائعة مسرحية ألفها هذا الأديب اللامع، فإننا نحاول أن نزيل شيئا من الغبار عما أثير من لغط واضطراب حول هذا العمل المسرحي الذي تجسد على الشاشة السينمائية.

Titus 1999

تـايـتوس

Titus

مشاهدة مباشرة للفيلم


قدمت المخرجة الأمريكية جولي تيمور فيلمها المقتبس عن مسرحية شكسبير (تايتوس أندرونيكوس) سنة 1999 بعد أن أخرجت المسرحية ذاتها على مسرح برودواي في نيويورك سنة 1994. والفيلم من بطولة النجمين أنطوني هوبكنز وجيسيكا لانغ بدوري تايتوس وتامورا. ونال العمل عدة جوائز منها ترشيح لأوسكار أفضل تصميم أزياء، وجوائز أخرى في مهرجانات كثيرة. والمخرجة في الأصل قادمة من ثقافة مسرحية ويعد هذا الفيلم أول أعمالها السينمائية، وقد أخرجت للسينما لاحقا مسرحيتين لشكسبير هما  “الزوبعة” 2010 و”حلم ليلة في منتصف الصيف” 2014، بالإضافة إلى عملها السينمائي الهام “فريدة” 2002.

وعلى الرغم من أن المسرحية تعالج قصة خيالية يفترض وقوعها في وقت غير معلوم من العصر الروماني، إلا أن المخرجة اختارت الطابع الفانتازي الحديث لتقديم العمل، ويبدو أن هذا الاختيار لم يؤثر سلبا على الرؤية السينمائية الجديدة بل منحه روحا جديدة تتسم بالغموض وتشتيت عنصر الزمكان مما جعل التركيز على الأحداث والحوار أمرا حتميا لفهم الحبكة ككل. أما السيناريو الذي كتبته المخرجة أيضا فقد لجأ في البداية إلى تأخير المشهد الذي بدأت فيه المسرحية ألا وهو تنافس الأميران ساتورناين (أو ساتورنينوس) وباسيانوس على زعامة روما بعد وفاة والدهما الإمبراطور، وقدمت عليه مشهد وصول تايتوس وأبناؤه الجنود من المعركة مع القوط ثم دفن من قتل من أبنائه في مقبرة عائلتهم. وهذا برأيي أعطى تناسقا ومنطقية أكثر لتسلسل الأحداث. أما عن الحوار الشكسبيري للمسرحية، فيظهر جليا التزام المخرجة بالنص الأصلي وعدم تغييره لحوار بلغة معاصرة، وقد التزمت المخرجة بنسبة 75 بالمائة تقريبا من نص المسرحية وحذفت بعض الحوارات غير المؤثرة، وهذا أعطى عمقا أكبر للعمل وحافظ على أصالته وثرائه الأدبي واللغوي.

أين شكسبير من تايتوس؟

 أثارت المسرحية لغطا كثيرا بين النقاد والأدباء وشكك عدد لا بأس به منهم من أن يكون هذا العمل قد ألفه وليام شكسبير، الذي كتب أعمالا مسرحية نالت التقدير والثناء في العصور التي تلت حقبته كمسرحية هاملت والملك لير وحلم ليلة في منتصف الصيف وأوثيلو (أو عطيل بحسب ترجمتي خليل مطران وجبرا إبراهيم جبرا)، بل أن أقصر مسرحياته وهي ماكبث نالت تقديرا كبيرا ربما لم يتوقعه شكسبير نفسه. غير أن النقاد توقفوا عند تايتوس واستنكروا الفظاعات التي تعرضها وكمية الدماء والتشويه الجسدي وقطع الأعضاء.

 

لكن مما لا ريب فيه أن تأليف شكسبير لهذه المسرحية ثابت عند أغلب النقاد ومؤرخي الأدب المسرحي. فيبدو أن هذه المسرحية تعد أولى أعمال شكسبير وقدمها في بداية العقد الأخير من القرن السادس عشر. وحواراتها الأدبية البليغة تؤكد أنها لشكسبير. وقد تعرضت المسرحية لهجوم جاء معظمه من العصر الفيكتوري تحديدا، وكذلك من عدة أدباء مثل تي أس إيليوت الذي انتقدها نقدا لاذعا. لكن مسرحية تايتوس نالت أهميتها مجددا في العصر الحديث الذي نظر لها من منظور مختلف بعد معايشة كثير من فظاعات القرن العشرين ومآسيه. ولعل كلمة السر في إدراك المسرحية هو أنها -على النقيض من معظم مسرحيات شكسبير المعروفة- مصمّمَة للعرض على المسرح لا لكي تقرأ على صفحات الورق، أو كما ذكر أحد الكُتاب بشيء من السجع
not to be read on page, but seen on stage
كما أن المسرحية تعرض عددا لا بأس به من المواضيع الرئيسة وكذلك مواضيع فرعية، كمسألة السلطة والاستبداد، والانتقام والرغبة، والعنصرية والحرية. ولا يمكنني التفصيل بكل هذه القضايا المثيرة للاهتمام، بيد أنني سألتقط بالتناول واحدا منها. ولكن قبل ذلك أود الإشارة إلى تغير الحالة الفكرية والأدبية في الأوساط الإنجليزية مع حلول العصر الفيكتوري، وبالتالي سقوط أهمية مسرحية تايتوس -مؤقتا- في حين أن مثل هذه الأعمال كانت تحظى بمتابعة واهتمام في العصر الإليزابيثي، وأبرز مثال على ذلك أعمال كريستوفر مارلو (الذي عاصر شكسبير واشتبه أنه هو شكسبير ذاته) الذي ألف مسرحيته الشهيرة تامبورلين وكذلك توماس كيد صاحب مسرحية التراجيديا الأسبانية، حيث كانت أحداث العنف والغدر والانتقام والفظاعات وتكريس النظرة للإنسان وتطلعاته وطموحاته الفردية من أبرز سمات ذلك العصر الذي أُطلق عليه عصر النهضة، كما أن الجمهور أقبل على هذه المواضيع والحبكات فنالت رواجا جيدا آنذاك. ويبدو أن شكسبير جارى هذا الإطار العام في بدايته عبر مسرحية تايتوس ووضع للجمهور في ذلك الوقت هذه الحبكة المثيرة، لكنه كذلك أظهر براعته الأدبية ورشاقته اللغوية وعمقه الدرامي في هذا العمل. ولعل من المدهش أن نعلم أن الجمهور في عصرنا الحاضرالذي يقدم على مشاهدة عروض مسرحية تايتوس أندرونيكوس يفقد فيها بعض المشاهدين وعيهم من شدة المناظر الصادمة التي يرونها في المسرحية، وهو ما دعا الفرق المسرحية البريطانية وإداراتها إلى تخصيص كوادر طبية عند عرض المسرحية لكي لا يحدث ما لا يحمد عقباه.

السلطة المطلقة وعقدة الإستئخاذ

يبرز للمشاهد أحد أهم مواضيع مسرحية تايتوس أندرونيكوس: ألا وهو مسألة السلطة والحكم. فحبكة القصة وتعقيدها تتلخص بعبارة ماركوس لأخيه تايتوس “تنصيب رأس لروما التي بلا رأس” وهو ما يجعل العامل السياسي عنصرا بارزا في في العمل. ومن المفارقات التي نلحظها أن التنصيب يتم عبر الانتخاب، في حين أن المنصب هو الإمبراطور. فروما عاشت فترات طويلة امتدت لستمائة عام كجمهورية، وعندما تحولت إلى إمبراطورية لم يحدث تنصيب الحاكم عبر الانتخاب بل عبر التوريث أو الانقلابات الدموية واغتصاب السلطة، ولعل هذا من أخطاء شكسبير بوضع التوليفة المناسبة، فهي إما جمهورية فتحدث فيها انتخابات عامة أو إمبراطورية وينَصب فيها القوي أو المغتصب حاكما مطلقا ويعبده الناس من دون الله، كما حدث في الإمبراطورية الرومانية التي عبد شعبها حكامها القياصرة. لكننا نرى في العمل كلتا الصورتين معا.
من الناحية الأخرى، يكمن العيب الرئيس في شخصية تايتوس في اختياره الخاطئ -إن لم يكن الكارثي- للحاكم وعدم استشعاره للعيوب الخطيرة في شخصية ساتورناين، وهو ما أدى إلى وقوع مآسي المسرحية تباعا. لكن الأزمة لم تقف عند هذا الاختيار، بل تجاوزته لتصل إلى حد الرضوخ والخنوع المطلق للإمبراطور ورغباته غير المقبولة. فتايتوس مصاب بعمى بصيرة شديد يمنعه من إدراك فساد هذا الحاكم على الرغم من وضوح هذا قبل تنصيبه حيث يظهر تعطش ساتورناين للسلطة ورغبته الجامحة فيها لدرجة استعداده لرفع السلاح مع أنصاره على أخيه لأخذها بالقوة. لكن تايتوس، الذي لم تكن تنقصه القوة لكبح جماح ساتورناين، اختاره ليصبح الإمبراطور وسط دهشة جميع الشخصيات. وهذه هي نقطة سقوط تايتوس وسبب تردي حالته.
يعكس هذا الوضع الضوء على واقع شعوب بأكملها ارتضت السير بطريق الخضوع والاستعباد، فهي -كتايتوس- آثرت الخلود إلى الحل الأسهل، ولم تكافح لبقاء سلطتها بيدها وعدم التفريط بإرادتها ومقدراتها. لا اختلاف جوهري بين الاثنين، فهي كالمعادلة الرياضية الثابتة: من يفرط بأسباب قوته يصبح ضعيفا، ومن يبيع إرادته يمسي عبدا، ومن يداهن بكرامته يغدو ذليلا. فأجاد شكسبير كثيرا بهذا التصوير.

أسلوب ترجمة العمل الشكسبيري

إن الإقدام على ترجمة عمل لوليام شكسبير يحتاج إلى وعي كافٍ بمدى القدرة على نجاح هذه التجربة لأي مترجم. ولا شك أن الترجمة الأدبية تتطلب مهارات خاصة وإجادة توظيف اللغة والعبارات والمفردات ليظهر النص الأدبي المترجم بمستوى يجاري النص المترجم منه. ولا أنكر رغبتي القديمة بترجمة عمل جيد لشكسبير، وهو ما وجدته في نص تايتوس أندرونيكوس الذي يجسده فيلم جولي تيمور تجسيدا لائقا، فوجدته بلا ترجمة على مواقع أقدم الترجمات النصية (مثل موقع صب سين) مدة طويلة من الزمن قاربت 12 سنة حسب مدة وجود أقدم ملف ترجمة إنجليزي للفيلم في ذلك الموقع. فسنحت لي فرصة مناسبة لترجمة هذا العمل وتحقيق رغبتي القديمة. وعندما أتحدث عن ترجمتي هذه فلا بد من الإشارة إلى أنها “ترجمة تعبيرية” في المقام الأول، أي أنها تتعامل مع الفحوى والمعنى وزبدة الكلام وبيت القصيد وقد لا تترجم العبارات بكامل دقتها أو ضبطها، بل تقدم للمشاهد المعنى المفهوم والخلاصة المعبرة. لكن يستوقفنا هنا محذوران: الأول يتعلق بمتطلبات الترجمة المرئية من تحديد لعدد الكلمات في كل تيتر مما يكبل القدرة الترجمية عن الانطلاق إلى أقصى تعبيراتها. الثاني يتعلق بالنص الشكسبيري ذاته، حيث ظهر غموض كثير من العبارات والمفردات بسبب تحور المعاني وتحولها في اللغة الإنجليزي ما بين العصرين الوسيط (وهو عصر شكسبير) والحديث. لكن لحسن الحظ، وقعت على عدة مواقع إنجليزية تشرح المسرحية وما يستعجم فيها من مصطلحات ومفردات، ومنها موقع  shakespeareswords الذي خصص مسردا كبيرا للمصطلحات الشكسبيرية ووضع أهمها على هامش نص المسرحية، فساعدني هذا كثيرا على استنباط معظم المعاني العامة لمشاهد المسرحية وفصولها وكيفية إخراج ترجمة حواراتها إخراجا موفيا للمعنى حسب علمي، والله أعلم.
وأود كذلك أن أشير إلى أنني بعد أن ترجمت 90 بالمائة من النص اكتشفت أن المسرحية مترجمة من قبل، والحق أنني لم أعلم بذلك، وإلا كنت سأختصر الوقت وأنقل الترجمة على النص ونشير لاسم المترجم ونكتفي بذلك. لكن شاء الله أن يتم الأمر على ذلك. والترجمة التي أنهيتها تختلف من ناحية الأسلوب عن الترجمتين السابقتين. فالأولى ترجمها الأستاذ أنطوان مشاطي والثانية الأستاذة صفية ربيع. ولاحظت أن الترجمة الثانية تتسم بدقة أكثر نسبيا بالرغم من الأولى كان لها السبق. لكن على كل حال تختلف هذه الترجمة الثالثة للفيلم من ناحية الأسلوب اختلافا واضحا عن الترجمتين المذكورتين.
وألفت عناية المتابعين الكرام إلى اضطراري عمل ملف شرح لبعض المصطلحات الميثولوجية واللغوية التي استخدمها شكسبير في مسرحيته مرارا وتكرارا والتي يصعب تأويلها أو تبديلها، فوضعت على كل مصطلح علامة * وشرحته في الملف النصي المرفق. وسأضعه لكم رابطه أدناه، وأرجو ممن يود مشاهدة العمل قراءته حتى يفهم معاني هذه المصطلحت وخلفياتها حين ورودها بحوار العمل. وأعلم أن هذا قد يفسد متعة المشاهدة، لكن لا مفر من ذلك أحيانا.
 كما لا يفوتني توجيه الشكر المتجدد للأستاذ الفاضل والأديب المتميز منتظر السوادي على مراجعته اللغوية والأدبية للنص وتنقيحه ليصل للقارئ بأفضل صورة ومستوى ممكن.

ملف شرح المصطلحات

عبر هذا الرابط

من هنا

محاذير المشاهدة وتوجيهاتها

الفيلم بطبيعة الحال للمشاهدين كبار السن، ولجأت المخرجة لسوء الحظ إلى حشر مشاهد غير موجودة بنص المسرحية، وننبه لضرورة تحري الرقابة عند مشاهدتها ويمكن القفز عنها لما فيها من خلاعة وتعري أو مشاهد حميمة، وتوقيتاتها بنسخ البلوراي كالتالي:
* مشهد الأصنام الحية: من التوقيت 00:08:13 وحتى 00:08:50
* مشهد تامورا وهارون في الغابة: من التوقيت 00:51:51 وحتى 00:52:34
* مشهد في البلاط: من التوقيت 01:50:03 وحتى 01:51:10

مشهد إطلاق السهام على بلاط الإمبراطور: من التوقيت 01:55:10 وحتى 01:55:5


نسخ البلوراي والديفيدي المتوافقة

Titus 1999 1080p BluRay X264-AMIABLE

13 جيجا و300 ميجا

Titus 1999 720p BluRay X264-AMIABLE

7 جيجا و650 ميجا

وجميع نسخ البلوراي الأخرى

ونسخة الديفيدي

Titus.(1999).iNT.DVDRip.DivX3LM

مكونة من اسطوانتين


روابط الترجمة

ترجمة البلوراي

ترجمة الديفيدي


وبهذا ننهي صفحة ترجمة هذا العمل الطويل والشاق الذي انتظره متابعون كثر
وتقبلوا مني أطيب تحية
فيصل كريم
الإعلان

4 responses to “سأنتقم، ولو بعد حين – ترجمة الفيلم الشكسبيري Titus

  1. صراحة لا اتحمس كثيرا لعمل تقف خلفه امرأة … حتى أن هناك بعض النساء من مشاهير هوليوود صرحوا بأنهم لا يتحمسون كثيرا عندما يشاركون بفيلم تكون مخرجته امرأة مثلهم … بالنسبه للمسرحية لا املك فكرة عنها لذا سأتحدث عن ما شاهدته فى الفيلم أولا بالنسبة لقرار المخرجة بأن تصور فيلمها على انه يدور فى زمن معاصر وأن منصب الحاكم يتم بالانتخاب كان قرار جيد منها لأنه كان اسقاط مباشر على ما يتم حاليا فى كثير من الدول الجمهورية فى العالم الثالث والتى يأتى حكامها بالانتخاب ومع ذلك تشهد كواليس الحياة السياسية بها احداث قريبة ومشابهه لما حدث فى تايتوس لكن تحفظى على الفيلم هو ان المخرجة لم توضح اسباب اختيار قائد مثل تايتوس لحاكم فاسد رغم أن تايتوس كان يملك مركز قوة يتيح له حرية الاختيار واذا كانت المسرحية لم توضح دوافع هذا الاختيار فأن المخرجة لها عذرها أم أذا كان الأصل الذى كتبه شكسبير اهتم بشرح دوافع واسباب تايتوس التى لم يوضحها الفيلم فهنا يكون التقصير من المخرجة … الفيلم لم تكن اجوائه قاتمه على النحو الذى تخيلته ومشاهدى مسلسل صراع العروش ربما يشعرون بالتشابه فى بعض الأجواء لكن اللقطه التى سببت لى النفور هى لقطه اوفيليا ابنه تايتوس عندما استخدمت فمها لكى تحمل يد والدها كانت حينها اشبه بحيوان اقرب منها الى البشر وهى لقطة منفرة خصيصا ان المخرجه جعلتها فيما بعد تحمل الوعاء بأيدى مستعاره مما يعنى أنه كان يمكنها استعمال ذلك الحل فى اللقطة الخاصة بحمل اليد … كذلك شحصية هارون لم يتم توضيح دوافعه فى تقديسه المطلق للشر ومع ذلك فأن اللغة الشعرية الخاصة بشكسبير والتى استعملها للتعبير عن دوافعه اعطت جمال للمشهد الخاص بمحاكمته … فى النهاية أرى ان تايتوس لم يكن راضخا الى هذا الحد لأنه قرر أن ينتقم وأن لم يكن الانتقام هو الحل الذى اسعد المشاهد الذى تعاطف مع تايتوس لأن الرجل حقق الانتقام بالفعل ولكنه دمر نفسه فى النهاية

    Liked by 1 person

    • شكرا لكم صديقي العزيز توني على ما تفضلت به من ملاحظات نقدية للفيلم، وهي ملاحظات دقيقة من عين مشاهد واعٍ.
      الحق أن محاولة جولي تيمور لتقديم رؤية معاصرة لمسرحية تايتوس أندرونيكوس اتسمت بالجرأة والنظرة الشخصانية، لأنها مسرحية تتسم أصلا بهذه الخصلتين.
      أما دوافع تايتوس لرضوخه غير المبرر لحاكم ضعيف، فقد تركه شكسبير -لا المخرجة- لخيال المشاهد وتحليله. ونظرا إلى أن المسرحية تأخذ الشكل الفانتازي أصلا، فهذا يمنح مشاهد العمل حرية في التفسير والتأويل، فتايتوس مثلا قائد عسكري محارب وهو لا يرى بنفسه تمرسا في السياسة وشئون الحكم. وربما شعر أن الدخول في هذه المعمعة قد يورطه في صراعات داخلية هو في غنى عنها، لا سيما وأن أخ الإمبراطور يسعى للحكم كذلك، وربما هنالك أسباب أخرى دفعته لمثل هذا القرار الكارثي بترك السلطة لغير مستحقيها.
      لكن من المفيد فهم عقلية شكسبير في هذه النقطة تحديدا. فهو ابن عصره، وهذا العصر هو زمن إليزابيث الأولى، الذي جاء بعد زمن حرب أهلية (حرب الوردتين) تجلت مشكلتها الأولى في السعي للسلطة، ثم عصر الملك هنري الثامن الذي دخلت إنجلترا معه في أتون صراع ديني وسياسي شديد. وكل هذا يلقي بظلاله على تفكير شكسبير في مسألة السلطة أو الزهد فيها، وتبعات هذا أو ذاك.
      وقد يكون لحديث تتمة لاحقا.

      إعجاب

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s