الشهيد والمشهود عليه في الشام وما جاورها

أصبح كل من يُقتل هذه الأيام “شهيدا” عند جماعته. وهذا تشويه ما بعده تشويه لمعنى الشهادة والاستشهاد. فأسمى مراتبها هو الشهادة في سبيل الله، ويصعب وجود هذه الدرجة في هذا الزمن، وإن زعم ذلك أي طرف من الأطراف (لكن الله أعلم بكل حال). فالأمة الإسلامية مبعثرة ومشتتة وتخضع لأنظمة غير خارجة من رحمها، وكلّ يقاتل لمصالحه الضيقة والصغيرة (إلا من رحم الله). لكن من رحمة الله تعالى على هذه الأمة وشفاعةً من رسوله المصطفى عليه الصلاة والسلام، أن توفرت درجات كثيرة من الشهادة يرحم الله بها هذه الأمة ويوسع مدخلها في الجنة بإذنه تعالى، ويجب أن يعيها جيدا كل مسلم ومسلمة، ومنها التالي:

الأول : الشهيد في سبيل الله، وهو من أهرق دمه وعقر جواده .
الثاني : المطعون. (أي من مات بالطاعون)
الثالث : المبطون. (أي مات إثر آلام شديدة بالبطن)
الرابع : الغريق.
الخامس : صاحب الهدم. (أي من تهدمت عليه جدران وسقف منزله)
السادس : صاحب ذات الجنب. (أي ذلك الذي تظهر عليه دمل كبيرة أو تقرحات في الجنب وتنفجر إلى داخل الجسم، وهي ميتة تسبقها آلام شديدة)
السابع : الحريق. (من مات محترقا)
الثامن : المرأة تموت بجمع ( أي حامله ) .
التاسع : من قتل دون دمه.
العاشر : من قتل دون ماله.
الحادي عشر : من قتل دون أهله، (أي دفاعا عن عرضه)
الثاني عشر : النفساء. (المرأة في النفاس)
الثالث عشر : السل.
الرابع عشر : من صرع عن دابته.
الخامس عشر : من قتل دون مظلمته.

وبالتالي فإن الشهادة لها شروط وأحكام محددة وواضحة، ولا تخضع للأهواء والمزايدة. وغني عن القول أن الشهادة ليست للتشدق والمباهاة لطرف على طرف، بالرغم من أن موت مسلم أو مقتله بناء على شروط الشهادة الحقة لا بد أن يكون معلوما للكافة. لكن، ومن جهة أخرى، كيف لأناس يزعمون أنهم مسلمون أن يتباهوا بأن قتلاهم الذين سقطوا بمواجهة مسلمين آخرين هم “شهداء”؟ فمن المعلوم بالضرورة أن قتل المسلم للمسلم مهلكة له ومودية إلى جهنم والعياذ بالله. وما أرمي إليه بصراحة، أن القتال الجاري بين الفصائل السورية المقاتلة لنظام الأسد وقوات حزب الله في سوريا يدخل في هذا الإطار. لكن علينا أن ندرك أمرا جليا وهو أن ميلشيات حزب الله تركت أرضها وعقر أرضها “كحركة مقاومة” كما تزعم ودخلت في مشكلة لا تعنيها البتة، وهي رغبة الشعب السوري بالتحرر من النظام القمعي الذي عاش بذل تحت ظله ردحا من الزمن. فما الذي جاء بقوات حزب الله وميليشياته إلى الأرض السورية ومقاتلة ابناء الشعب السوري الثائر وتركها للمنطقة الذي يفترض أن تقاتل فيه الكيان الصهيوني حصرا؟ ومن هنا فإن قتال الفصائل السورية للميليشيات اللبنانية يأتي من باب دفع المعتدي أو ما يطلق عليه “رد الصائل” وهو دفاع مشروع عن النفس، في حين أن حزب الله أدخل نفسه في دائرة البغي والعدوان السافر، وكل الحجج التي يسوقها دهاقنة الحزب وكبراؤه لتبرير ذلك لا يقبلها العقل السليم مطلقا. فالتذرع بحماية الأضرحة حجة أوهى من بيت العنكبوت، حيث بات من المعروف أن من قام بأعمال تفجير هذه الأماكن أو تخريبها (وهو فعل أخرق بطبيعة الحال) ليسوا سوى مجموعة داعش الإجرامية، والتحالف الخبيث للنظام مع داعش لا يحتاج لخبير عسكري حتى يتلمسه على أرض الواقع، فهو واضح وضوح الشمس في رابعة النهار. وما الانكسارات الأخيرة لقوات النظام والحزب المتحالف معه إلا لغياب داعش عن الميدان السوري وانشغالها بمعاركها في العراق. فكيف يكون قتلى المعتدي “شهداء” في ظل هذا الوضع المعقد الذي خلقه النظام السوري المجرم ببطشه وقمعه؟ ولماذا يُجبر ابناء الطائفة الشيعية على إلقاء أنفسهم بلا تفكير في هذه المحرقة؟ ولصالح من يرمون أنفسهم بالمهلكة وهم يعلمون علم اليقين أن من أيد ظالما رافقه إلى النار حسب القاعدة القرآنية {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} هود: 113. وهذا لمجرد التأييد والموالاة فقط، فما بالك بالقتال إلى جانب الظالم ومظاهرته على المظلومين والأبرياء؟ إن سلك هذا الطريق دون تفكر أو إدراك لهو محرقة وندامة. ولقد عجبتُ من أمر الناس كيف يسوقهم كبراؤهم وزعماؤهم نحو الهلاك في الدنيا والآخرة وهم لا يعقلون! ولو كنت شيعيا في لبنان أو غيرها (مع يقيني أن فيهم عقلاء وحكماء كثر لا يقبلون أن يكونوا قطيعا يساقون بلا هدي) لسألت نفسي: “ما شأني أنا بالنظام السوري، وما هي قضيتي لو قاتلت معه؟ بل ما شأني بما تريده مني إيران، وهل يتحتم علي أن أسلمها رقبتي ورقبة ابنائي على الحق والباطل حتى ترضى عني؟ أنا موجود هنا لكي أدافع عن أرضي ضد عدوان الصهاينة، فكيف أذهب لأرض غيري لأعتدي على أهلها؟” وهذه الاسئلة كفيلة بأن تجعل صاحبها ينحو نحو النجاة من الهلاك. أما إن كان النظام السوري قد أسدى جميلا لحزب الله يوما ما في الحرب اللبنانية الأهلية أو أثناء قتاله للصهاينة المحتلين لجنوب لبنان آنذاك، فإن هذا لا يعني إطلاقا أن يُرَد الجميل على حساب الشعب السوري، فالتعاون يكون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان كما أمرنا الله تعالى.
هذا أمركم بينكم أيها الناس فاعقلوا واتقوا الله، أما أمر الله فيكم فهو قد كان وكائن وسيكون. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s