بمناسبة ما نراه من قوات الأمن والشرطة في كثير من الدول العربية، بما فيها التي تدعي “الديمقراطية والدستور” حيث ضُربت مؤخرا النساء والمعاقين وسُحل آخرين، شاهدت فيلما إيطاليا غريبا بعنوان (كل الشرطة أوغاد). ولا أنكر أن العنوان لفت انتباهي، لكن عند متابعة العمل الذي أخرجه ستيفانو سوليما رأيت ملامح حبكة مترابطة وقصة مقنعة وأداء تمثيلي لا بأس به. وصدر الفيلم تقريبا بنفس توقيت فيلم آخر بعنوان (دياز-لا تنظف هذه الدماء) لدانييل فيكاري الذي يروي بعض الأحداث العنيفة التي مارستها الشرطة الإيطالية في جنوا والتي واكبت قمة الثمانية سنة 2001، ويعود فيلم (كل الشرطة أوغاد) بالذاكرة إلى تلك الأحداث الدموية. كما أن العمل يناقش قضية العنصرية اليمينية المتفشية في أوروبا وكذلك الهجرة غير الشرعية في إيطاليا وتداعياتهما على المجتمع الإيطالي.
هل “كل الشرطة أوغاد” فعلا؟ ربما يقول قائل إنهم ليسوا أوغادا فحسب، بل:
كلاب،
أنجاس،
سفلة.
لكن ليس المقصود بالشمولية هنا الأفراد والشرطة الصغار -على الرغم من أن الأغلبية الساحقة منهم هم من الجهلة والفاشلين دراسيا وبعضهم يعاني من عقدة نقص نفسية عميقة- بل المقصود هو المنظومة الأمنية بحد ذاتها التي تعرضت لفساد شبه كامل، وفسد معها تعريف وظيفة الشرطة واختل معناه، ليقترب من عمل المرتزقة الذين يعملون للجهة التي تمنحهم مبالغ مجزية، وليس جهازا منضبطا ذو قواعد وقوانين ضامنة للحريات العامة ويوفر الأمن للمجتمع ويحميه من كبار المجرمين قبل صغارهم. ولقد تعرضت بلدان كثيرة ومنها إيطاليا لهذه الأزمة (راجع حقبة “سنوات الرصاص” في إيطاليا http://en.wikipedia.org/wiki/Years_of_Lead_%28Italy%29)، ليس فقط بتعريف القوات الأمنية لوظيفتها، بل تجاوز الأمر إلى التأزم في تحديد الدولة لصلب هويتها وكيانها. وظن الإيطاليون أنهم تجاوزوا هذه الأزمة مع نهاية القرن العشرين وبداية الواحد والعشرين مع فترة الانتعاش الاقتصادي القصيرة نسبيا -بل وتجرأوا على خوض مغامرة خارج حدودهم باشتراكهم مع القوات التي غزت العراق سنة 2003- وهو ما يسري على البلدان العربية قاطبة، حيث تعاني القوات الأمنية من تشوّه صورتها لأنها أصبحت تحمي الأنظمة بكل تهور ووحشية وليس المجتمعات والشعوب، وهذا ما يؤذن لحدوث أزمات أعمق وأخطر في المراحل التالية.
عندك نسخة من الفيلم؟
إعجابإعجاب