بمناسبة الحديث عن التسريبات الجديدة التي يزدري فيها السيسي ورجالاته “دول الخليج” فإننا أمام جملة من الحقائق التي تستحق الدراسة والاهتمام: * إن احتقار العسكر في مصر وغيرها لمشايخ الخليج ليس جديدا، بل قديم ومتجذر في أذهانهم وأعماقهم، فهم يجيدون فن إخفاء النوايا. فعلى سبيل المثال، عندما ترجمتُ قبل عام ونصف تقريبا ورقة عبد الفتاح السيسي (الديمقراطية في الشرق الأوسط) التي قدمها سنة 2006 للكلية الحربية في كارلايل في الولايات المتحدة، اطلعت على شيء من هذا الازدراء، حيث يقول بخط يده ما نصه: “لقد ظلت أمريكا هي القوة الدافعة في الشرق الأوسط، لاسيّما عندما يتعلق الأمر بدعم مصالحها القومية. وقد دعمت أمريكا، في سعيها لتحقيق ذلك، أنظمة غير ديمقراطية وبعض الأنظمة التي [لا تتمتع بالضرورة بالاحترام في الشرق الأوسط، مثل أنظمة الدول الخليجية، كالمملكة العربية السعودية]، ونظام صدام حسين في بداياته، والمغرب، والجزائر، وغيرها. فيشكّك الكثيرون نتيجة لهذا بدوافع الولايات المتحدة ورغبتها في إقامة الديمقراطية في الوقت الراهن…” يمكنكم قراءة البحث كاملا من هنا http://www.masress.com/ismailia/107898 * إن الزعم بأن “دول الخليج” ما هي إلا ((أنصاف دول)) لا يبتعد عن الحقيقة كثيرا. فقد صدق الرجل الذي قالها وهو كذوب. بل هي أصلا لم تصل لمستوى أنصاف الدول، ففي ذلك مجاملة مبتذلة من عقلية فاشية هزيلة، فأقرب الأوصاف الدقيقة لهذه الشظايا “مزارع بقرية”، “حظائر جاموسية” أو “مراعي غنم وخرفان”. ولن نسترسل في ذلك حتى لا يضيع الوقت. فالجيد هنا هو معاينة مصطلح “الدولة” لنقيس مدى قرب أي بلد من معاييره ومواصفاته أو ابتعاده عنها. فثمة أكثر من تعريف للدولة، فالتعريف التقليدي، وهي أنها التي “تتكون من شعب وإقليم وحكومة وسيادة” أصبح لا يلبي متطلبات العصر وتعقيداته وضرورياته. في حين أن المواصفات الحديثة تقتضي وجود عنصرين إضافيين وهما “الاستقلال والاعتراف الدولي”، لكن من أهم متطلبات الدولة الحديثة هو وجود الدستور الشرعي والقانون واحترامه وتطبيقه على كل الفئات والطبقات المجتمعية وخصوصا على الطبقة الحاكمة والمقربين منها (وهو ما يطلق عليه “سيادة القانون”). وهذه سمات غير موجودة وغير منظورة البتة في الخليج. كما أن الدولة الوحيدة التي يوجد فيها دستور مقبول نوعا ما، فهمت سلطتها مسألة سيادة القانون بطريقة معكوسة تماما بل منكوسة فعلا، حيث تتشدق بوجود الدستور والقانون ثم تسحق الرأي المعارض وتقمعه وتعمل على خنقه. فمرحى للدستور الذي يسحق الإنسان. وهنا مواقع مفيدة لتعريف مصطلح الدولة لمن يرغب بالاستزادة https://www.facebook.com/permalink.php… http://droit-tlemcen.over-blog.com/article-28610833.html http://www.lawjo.net/vb/showthread.php… * لا يجب أن يلام العسكر في مصر على كل حال، فقد وجدوا أمامهم بقرات حلوب، ومن الغباء الشديد عدم حلبهن حتى آخر قطرة، لا سيما إن كان ذلك بضوء أخضر من “ماما أمريكا”. فهذه شعوب نائمة ومستغفلة، فلا هي التي حافظت على مواردها وثرواتها واستثمرتها بما ينفعها، ولا هي التي وجهتها لمن يستحق لتعينه على مشاق الحياة. ماء سبيل مفتوح يشرب منه البغيض قبل الطيب. * بالنسبة لردة فعل “دول الخليج” على التسريبات الجديدة، فكل شيء متوقع. فهي -كما ذكرنا آنفا- ليست دولا مؤسساتية تعتمد على مبادئ واضحة ومناهج متبعة في مواجهة أية أزمة، بل تنحو إلى الشخصانية والمزاجية بالإضافة إلى عامل البراغماتية المصلحية بطبيعة الحال، فإذا كانت دولا مستقلة بالفعل فلتبرهن على ذلك بإجراءات صارمة وقاسية ضد السيسي وطغمة العسكر الانقلابيين. لكني لا أتوقع ذلك لأسباب لا تخفى عن كل لبيب. * نسأل في النهاية إخواننا مؤيدي الانقلاب ومفوضي العسكر، دعكم من فحوى التسريبات فمعظمه هراء في هراء، لكن ألا تتساءلون كيف حدثت كل هذه التسريبات المتتالية إلى أن بلغت رأس الدولة (السيسي)؟ فمن الذي يسرب ولماذا وكيف ينتفع من ذلك؟ وانتبه هنا إلى أن المراد هو الدفع بالسيسي وحلقته الضيقة كعباس كامل وغيرهم ليكونوا كبش فداء أو واجهة أو مصد يحول الأنظار عن الطرف الحقيقي الذي يمسك بمقاليد الأمور ويحركها، والمؤكد أن هنالك مغفلين كثر سواء من جماعة الإخوان أو غيرهم سيبتلعون الطعم وينتهي الأمر بالتضحية بالسيسي وجماعته (وبس خلاص انتهى المسلسل). فنقول لمؤيدي الانقلاب سيتلاعب العسكر ومخابراتهم بمصير البلاد ولن تصلوا لشيء في النهاية. والمشكلة أن جماعة الإخوان لا يصدر منها أية إشارات تشير إلى إنها تدرك هذه اللعبة الشريرة، فمعظم الناس يزمجرون أن السيسي هو سبب المصائب كما كانوا يصرخون في الماضي القريب أن مبارك ونظامه هو المشكلة. وكل هذا من السخافة والابتذال الفكري، فالمشكلة تتجاوز مبارك والسيسي، وفي الدور ينتظر مئات غير مبارك والسيسي ليكملوا مسلسل مصدات الشر الحقيقي. فعلى الناس أن تصفي نواياها وتتدارس الطريقة المثلى لكسر هذه الحلقات المتوالية من الشر المبين. ونأمل من الله تعالى أن يحدث هذا بالقريب العاجل، فقد سئمنا الانتظار.