نابليون بونابرت – حلم الامبراطورية والسقوط (معركة ووترلو)

من هو نابليون بونابرت؟
أقدم لكم هذه النبذة التاريخية عن نابليون بونابرت أشير أثناءها لدوره بالوطن العربي وموقفه من مصر وفلسطين واليهود، ومدى ارتباط هذا الدور بالصراع الدائر بيننا وبين الصهاينة واليهود المحتلين لفلسطين قلب الأمة الاسلامية والعربية ومهد الديانات والحضارات الانسانية.
والد نابليون (كارلو بونابارتي)

ولد نابليون بونابرت أو نابليون الأول في عام 1769 في جزيرة كورسيكا الأيطالية حيث كانت تتبع فرنسا بتلك الفترة وكان من المعروف عن نابليون التحدث باللغة الفرنسية بلكنة إيطالية بسبب جذوره بتلك المنطقة حيث كانت تنحدر عائلته من طبقة النبلاء الصغار في كورسيكا. وقد تمت تسمية والده كارلو بونابارتي (أو بونابارت حسب الفرنسية) ممثلا لكورسيكا لدى ملك فرنسا الأخير لويس السادس عشر عام 1777. وكان هذا المركز الرفيع عاملا مساعدا لنابليون لتلقي تعليم عالي المستوى فالتحق في أحد المدارس الدينية المرموقة في مدينة أوتون بفرنسا، ثم تم تسجيله في الأكاديمية العسكرية في مدينة بريين-لو-شاتو. ولم يتمكن نابليون من اجادة اللهجة الفرنسية بطلاقة حيث اللهجة الكورسيكية تغلب عليه فتعرض لكثير من التهكم والسخرية من قبل زملائه الفرنسيين مما أشعره بالضيق، فانكب على الدراسة والاجتهاد والقراءة. فلاحظ معلموه نبوغه في الرياضيات والتاريخ والجغرافيا فاعتقدوا “أنه سيصبح بحارا متميزا” لكنه التحق بدلا من ذلك بالكلية الحربية في باريس Ecole Militaire منهين أحلامه باقتحام البحر. فدرس هناك تقنية “المدافع” وأنهى دراسته بشكل سريع جدا حيث تخرج برتبة عسكرية ملازم ثاني مفوض عام 1785. ومن الأمور المثيرة للاهتمام أن نابليون وقت اندلاع الثورة الفرنسية عام 1789 كان وطنيا كورسيكيا، ولم تنل الثورة لديه بالبداية كثيرا من الاعجاب وبقي بكورسيكا خلال بداية الثورة مدة سنتين. والغريب كذلك أن نابليون ساند جماعة متطرفة تدعى نادي اليعاقبة خلال الثورة وقاتل الجيش الفرنسي بعد توليه لقيادة فرقة من المتطوعين ولكن رغم هذا فإنه نجح بشكل غامض باقناع القيادة العسكرية في باريس بترقيته إلى رتبة “نقيب”. ولكن بعد أعلان باسكوال باولي -صديق نابليون والقائد الكورسيكي- انفصال كورسيكا عن فرنسا، اضطر نابليون وعائلته للهروب من كورسيكا واللجوء للأراضي الفرنسية. وهناك أعجب به الكثير من قادة الثورة ومنهم ماكسيميليان روبيسبيير فعينوه قائدا للمدفعية في حملة حصار طولون حيث ثارت المدينة ضد حكومة الجمهورية الناشئة وتم احتلالها من البريطانيين. فنجح نابليون بخطة عسكرية، رغم اصابته بجرح في فخذه، بطرد المعتدين واستعادة المدينة، فتمت ترقيته كذلك إلى رتبة لواء ركن. وبعد ذلك حدثت النزاعات والقلاقل التي جرت ما بعد الثورة ما بين الجمهوريين والملكيين حيث تمت الاستعانة به من قبل القيادة الحديثة لحماية أعضاء المجلس الوطني (البرلمان الجمهوري) الذين تحصنوا بقصر تويليري. فنجح نابليون عبر سلاح المدافع الرهيب بطرد الملكيين عنهم حيث قتل 1400 منهم بفترة وجيزة. وسرعان ما حاز هذا الرجل على أسمى آيات الشهرة والثراء والشرف بسبب أفعاله البطولية، وتم تعيينه قائدا للشؤون الداخلية بفرنسا.


باسكوال باولي القائد الكورسيكي
الحملة على إيطاليا

يذكر المؤرخون لنابليون أنه عمل على توحيد إيطاليا المتفرقة والمتبعثرة لعدد من الممالك الكبيرة والصغيرة شمال وجنوب شبه الجزيرة الإيطالية، وتمكن من تحقيق الغزو وذلك بعد انتصاره على القوات النمساوية في معركة جسر أركولا عام 1796 ولكنه ترك الدويلات البابوية وروما خشية وجود حالة فراغ يسمح لملك نابولي باستغلاله. ومن ثم تمكن اللحاق بالجيش النمساوي بعقر داره وارغامه على توقيع اتفاقية سلام. فسيطر بذلك على إيطاليا تماما. وعاد إلى باريس في ديسمبر 1796 كبطل فاتح.


بونابرت قائدا في معركة جسر آركولا

الحملة على مصر


لوحة فنية رمزية لبونابرت أمام ابو الهول


لا شك أن هناك الكثير من الذي قيل عن حملة نابليون على مصر -وهي على أي حال درسنا تفاصيلها بكتب التاريخ مدرسيا- ولكن ما يسترعي الانتباه هو الاسلوب الذي اتبعه نابليون بتلك الحملة. هناك مقولات تاريخية تؤكد أن نابليون كان يحب مصر -ومن منا لا يشاركه هذا الشعور- وهناك من ناحية أخرى من يرى أنه حب الغزو والاستعمار ويأتي من ضمن الصراع الامبريالي ضد بريطانيا. على أي حال، وبعد انتخابه عضوا في الأكاديمية الفرنسية للعلوم، قرر نابليون أن يجلب معه في حملته على مصر ما يقرب من 167 عالما من علماء الكيمياء والطبيعة والرياضيات والرسامين وغيرهم، وفتح بهذا عصرا جديدا من التنوير . ومن اكتشافاتهم الطبيعية الشهيرة حجر رشيد Rosetta Stone ثم تمكن هؤلاء العلماء من نشر جميع الاكتشافات التي توصلوا لها بمجلدات ضخمة سميت بـ”وصف مصر” عام 1809. ولكن لأن الغزو لا يتغير لونه ولا يتجمل مهما كان جالبا للعلم وللتنوير و الثقافة، فإن نابليون واجه مقاومة ومعارك عديدة. منها معركة شبرا الخيمة الافتتاحية، ثم المعركة الكبيرة معركة الأهرامات ضد المماليك. ومن أوجه المقومة التي واجهها نابليون هي مقاومة حاكم الاسكندرية الشجاع محمد كريم الذي قاوم بضراوة إلى أن اعتصم بقلعة قايتباي وبعد أن نفذت ذخيرته وذخيرة كل من معه اضطر للاستسلام ولم يلبث أن قرر نابليون اعدامه لاحقا.


معركة الاهرامات

لقد اشتهر عن نابليون اجادته لسلاحي الجاسوسية والخديعة وهذا ما طبقه بالفعل حين نزوله على شواطئ العجمي غرب الاسكندرية عام 1798. حيث أرسل هذا النداء الغريب العجيب لشعب مصر:

” بسم الله الرحمن الرحيم لا اله الا الله لا ولد له ولا شريك له في ملكه …

ايها المشايخ والأئمة ..

قولوا لأمتكم ان الفرنساوية هم ايضاً مسلمون مخلصون وإثبات ذلك انهم قد نزلوا في روما الكبرى وخرّبوا فيها كرسي البابا الذي كان دائماً يحّث النصارى على محاربة الإسلام ، ثم قصدوا جزيرة مالطا وطردوا منها الكوالليرية الذين كانوا يزعمون ان الله تعالى يطلب منهم مقاتلة المسلمين ، ومع ذلك فإن الفرنساوية في كل وقت من الأوقات صاروا محبين مخلصين لحضرة السلطان العثماني ..ادام الله ملكه… ادام الله اجلال السلطان العثماني ادام الله اجلال العسكر الفرنساوي لعن الله المماليك واصلح حال الأمة المصرية”

بل تعدى الأمر هذا حين أشاع أنه أسلم وأصبح يلقب “بونابردي باشا” وقيل كذلك “علي نابليون بونابرت” وأخذ يلبس العمامة والجلباب والملابس الشرقية وأنه كان يتردد إلى المسجد أيام الجمعة ويسهم بالشعائر الدينية وإلى ما هنالك من هذا القبيل. والمحصلة أن بونابرت بدأ يتجرع الهزيمة المريرة في مصر بسبب المقاومة الشديدة من الشعب وكذلك لملاقاة البريطانيين له وإيقاع الهزيمة به بمعركة النيل البحرية بقيادة القائد البريطاني هوراشيو نيلسون في الفاتح من أغسطس 1798. مما اضطره للهروب إلى الأمام ومحاولة الهجوم على “الأراضي المقدسة”

الحملة على الشام وفلسطين وموقف نابليون من اليهود

يعتقد الكثير من المؤرخين أن حملة بونابرت ظهرت على وجهها الحقيقي حين انتقل بجنوده الثلاثة عشر ألف للهجوم على الولايات العثمانية بالشام وذلك عبر احتلاله للمدن الساحلية كالعريش وغزة ويافا وحيفا. وكان هجومه على يافا وحشيا وبربريا حيث أقدم على قتل 1400 أسير دفعة واحدة بالحراب أو بالغرق وذلك حتى يوفر الرصاص، وأقدم كذلك على نهب وذبح النساء والأطفال والرجال بمنازلهم ومحلاتهم لمدة ثلاثة أيام متتالية. لكنه حاول رغم قلة موارده واصابة معظم جنوده “بالطاعون الدبلي” أن يحاصر عكا، وهنا لنا وقفة لأهمية الحدث ودلالته.

بونابرت يزور ضحايا الطاعون في يافا
حيث تفشى المرض منذ شهور

حصار عكّا

تكمن أهمية عكا الاسترتيجية أنها ذات طريق بحري مهم يصل ما بين مصر والشام. وتعتبر هذه المحطة بالنسبة لحملة بونابرت نقطة تحول كبيرة. وكان نابليون يأمل أن يسيطر على ميناء عكا الحيوي حال رسوه على الشواطئ المصرية وذلك عبر افتعال تمرد على الحكم العثماني هناك وكان متيقنا أن عكا لن تقاوم لأكثر من أسبوعين ثم تقع في قبضته. ولكن شيئا من هذا الأمر لم يتحقق، بل العكس هو ما حصل تماما، حيث عزز الانجليز التحصينات العثمانية بسفن تهاجم وصول المؤن والتعزيزات للفرنسيين من الخلف. ومن خلال صمود المدافعين وتعرض الفرنسيين للطاعون والأمراض المختلفة وقلة الغذاء والمؤن، وبعد موت ما يقرب من ألفي جندي فرنسي لتلك الأسباب، قرر نابليون الانسحاب إلى مصر بعد شهرين من الحصار. وكان الانسحاب مذلا لأن الجنود أمروا بتسميم زملائهم المرضى أو الجرحى حتى لا يتعرضوا “للتعذيب” وقطع الرأس من العثمانيين كما تم ابلاغهم من بعض الجنود التائهين. ثم تجمعت قوات بونابرت المنسحبة إلى مصر وكان عليها مواجهة غزوا عثمانيا وشيكا على مصر، وكان هذا ما تم فعلا في معركة ابو قير حيثقامت قوات نابليون بدحر هجوم برمائي عثماني.

jazaar
مسجد أحمد باشا الجزار في عكا
في فلسطين المحتلة

ولعل من الكارثي جدا أن نلاحظ مدى دهاء وخبث نابليون عندما نادى خلال هذا الحصار بأن يكون لليهود وطن بفلسطين وأن وعده الرسمي لهم جاهز بشكل خطي على شرط أن يكونوا معه بعكا وليسوا ضده. مما يضعنا أمام نقطة تاريخية مفصلية، حيث يعتبر نابليون بونابرت هو أول شخصية أوروبية غير يهودية تطالب بإقامة وطن لليهود في فلسطين عام 1799. ومن الجدير بالذكر أنه بعد هذا التاريخ بمائة وثمانية عشر عاما، أتى وعد بلفور المشؤوم. حيث يبدو أن وعد نابليون غير المُصْدر لاقى آذانا صاغية عند بعض اليهود وعملوا على تنفيذ هذا الحلم لمدة مائة وخمسين عاما وتحقق لهم بعد مخطط عالمي هائل. لكن بالنسبة لنابليون بونابرت كان هذا الأمر غير جاد اطلاقا، وقد يكون ذو أغراض تكتيكية بحتة، لأن الحاكم العثماني لعكا بذلك الوقت أحمد باشا الجزار كان له مستشار يهودي يدعى حاييم فرحي وهو شخصية ذات أهمية بعكا والشام عموما. ومن الواضح أن بونابرت كان يحاول استمالة هذه الشخصية أو تحييدها على الأقل ولكنه لم يفلح بمسعاه. ولكن من ناحية أخرى، يجب الاشارة بشكل عام على أن اليهود يكنون تقديرا وحبا كبيرين لبونابرت بسبب اصداره اعلان حقوق الانسان والمواطن عام 1789 الذي كفل حرية الأديان وممارسة كافة أشكال العبادات. ولا شك فإن هذا الأمر عمل عتق اليهود وتحريرهم واخراجهم من الأحياء المنعزلين بها (الغيتو) وشجعهم على الشعور بالمواطنة ومسؤولياتها. وما من أدنى شك أن تصريح نابليون لليهود بعكا عمل على نهوض الشعور القومي لهم مما أدى لنشوء النظرية الصهيونية والحركة الصهيونية والمؤتمر الصهيوني الأول عام 1899 بقيادة سيء الذكر ثيودور هيرتزل حيث تمت المطالبة عبره بانشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وعمل هذا المؤتمر على التخطيط بكل دقة لتحقيق هذا الهدف. وقد استخدم مؤسسوا “اسرائيل” بعام 1948 تصريح نابليون كذريعة لهم بأحقية وجود هذا الكيان الشاذ.

نابليون بونابرت حاكما على فرنسا ثم امبراطورا لها

نابليون بونابرت بعد تتويجه امبراطورا على فرنسا
وتبدو زوجته جوزيفين راكعة

بعد تلقيه للأنباء بهزيمة فرنسا في عدد من المعارك أهمها حرب التحالف الثاني، قرر بونابرت مغادرة مصر تاركا قواته بقيادة جون بابتيست كليبر. وبعد عودته إلى فرنسا وجد أن الفوضى عارمة وأن البلاد تعرضت للافلاس وأنه أيضا أصدر إليه أمر بالعودة لمواجهة تلك الحروب لكن لم يصل له شيء. وبعد أخذ ورد وشد وجذب انجلى الأمر على تشكيل مجلس استشاري من ثلاثة مستشارين يكون نابليون هو مستشارهم الأول. وهذه الفترة بالواقع تعتبر من أفضل الفترات التي حكم بها بونابرت حيث أقر الاصلاحات الشاملة بما فيها تشكيل الادارة المركزية للدولة والتعليم العالي ونظام الضرائب وعمل نظام الصرف الصحي وانشأ بنك فرنسا المركزي وأبرم اتفاقا مع الكنيسة الكاثوليكية بحيث تعمل على التوفيق بين الغالبية الكاثوليكية من الشعب مع نظامه. ثم أصدر الميثاق المدني أو الميثاق النابليوني الذي يتضمن مجموعة من القوانين المدنية. وقد أدى وجود مثل هذه القوانين والاصلاحات إلى حدوث انجازات اجتماعية واقتصادية وتعليمية كبيرة في فرنسا ومن ثم ببقية البلدان الأوروبية بعد اقتدائها بها. لكن سرعان ما لبث أن عاد بونابرت للغزوات، فهجم على إيطاليا للمرة الثانية بعد نكوص النمساويين عن وعودهم السابقة معه فهزمهم بمعركة شهيرة سيرد ذكرها بالفيلم على لسان بونابرت وهي معركة مارينجو عام 1800. وفي عام 1804 اكتشفت الشرطة وجود مؤامرة لاغتيال نابليون مع بعض الشخصيات الأخرى، فاستغل الأخير هذا الأمر لتكوين ملكية وراثية له بفرنسا فنصّب نفسه بهذا العام امبراطورا على فرنسا.



صورة لأحد معارك نابليون حيث توضح مدى
قرب العلاقة بينه وبين جنوده

والحقيقة أن المعارك التي خاضتها فرنسا في عهد نابليون بونابرت كامبراطور كثيرة ومتعددة لدرجة أن المرء يدهش من كثرتها، وخلال فترة قصيرة لا تتعدى العشرة أعوام. حيث حارب في النمسا وألمانيا وإيطاليا ثم جنوبا في شبه جزية أيبيريا على البرتغال أولا ثم على حلفائه الأسبان وكان السبب الرئيس في اندلاع هذه الحروب رغبة بونابرت بفرض نظام اقتصادي بحاصر به بريطانيا يطبق بجميع أنحاء أوروبا التي سيطر على معظم أجزائها في الفترة ما بين 1804 إلى 1813. أما من يرفض تطبيق هذا “النظام القاري” يكون مصيره الحرب أو الاعتقال كما حدث مع البابا بايوس السابع.
napoleonic
خريطة توضح مدى اتساع الامبراطورية الفرنسية. الأحمر فرنسا،
والبني الفاتح والغامق هم عملاء أو حلفاء لفرنسا. أما الجزء البنفسجي هم المناوئون
بداية النهاية في روسيا

بعد أن عمل الروس على تخفيف ما سمي بعقوبات “النظام القاري” على بريطانيا، قرر نابليون شن الحرب عليهم في يونيو 1812 متجاهلا النصائح التي تشير لصعوبة تحقيق غزو ناجح على روسيا بسبب البعد الجغرافي والطبيعة الجليدية الصعبة بروسيا شتاءً والتي لن يستطيع أي جيش مقاومتها. وعند دخول الفرنسيين لروسيا، تجنب الجيش الروسي الالتحام معهم وتركوهم يتوغلون للمدينة تلو الأخرى وقد كانوا قبل ذلك قد اتبعوا سياسة الأرض المحروقة في كل شبر يتركون بما فيها موسكو نفسها. وفي موسكو جرت المعركة الأكثر دموية بالتاريخ معركة بورودينو حيث قتل بيوم واحد 44 ألف جندي روسي و35 ألف جندي فرنسي ورغم هزيمة الجيش الروسي وتراجعه إلا إن هذا الثمن كان باهظا على الفرنسيين. ولما دخلوا موسكو متوقعين أن يقدم القيصر على توقيع معاهدة سلام، لم يجدوا شيئا سوى الخراب والأرض المحروقة. وبعد أن عرف نابليون أن الوضع في باريس بات قلقا قرر ترك روسيا بهذه الحالة دون تحقيق ما كان يصبو إليه من نصر واضح كاسح. وكانت رحلة العودة بمثابة التوقيع على الهزيمة، حيث أنه أتى لروسيا بجيش مكون من 450 ألف جندي لكنه انتهى بعدد 40 ألف على مدار 6 إلى 8 شهور قضاها بمحاولة غزو روسيا مما يعتبر كارثة بجميع المقاييس العسكرية.



صورة لمعركة بورودينو

لكن الجيش الفرنسي عمل على اعادة بناء نفسه وتمكن من تجميع 350 ألف جندي (كان معظمهم موجودين كمحتلين لأسبانيا والبرتغال. وعند محاولة عودة جيش بونابرت لفرنسا واجه ما يسمى التحالف السادس (أي التحالف السادس من نوعه ضد بونابرت) في ألمانيا وحدثت معارك جانبية ثم المعركة الأطول في الحروب النابليونية” وهي معركة لايبزيج (ولسبب غير مفهوم ذكرها مترجم الفيلم على أنها “لاينبيرج”). وهذه المعركة تحديدا حطمت جميع أحلام نابليون الامبريالية بتكوين امبراطورية فرنسية تكون سيدة على جميع الممالك والدول الأوروبية، حيث قضى تحالف مكون من 7 سبع دول وهي بروسيا والسويد وروسيا والنمسا وبريطانيا وأسبانيا والبرتغال على الجيش الفرنسي وحليفه البولندي وذلك في التاسع عشر من أكتوبر 1813. واتضح بعد هذه المعركة أن الدوائر بدأت تدور على فرنسا وبونابرت. حيث أصبحت الجمهورية الفرنسية في خطر داهم. فالقوات البريطانية تحاصرها من الجنوب والقوات المتحالفة تهاجمها من الشمال. فقام القادة الفرنسيون بتمرد ضد نابليون بونابرت امبراطور فرنسا مجبرينه عن التخلي عن العرش ووافق مُكرها وبعد ضغوط شديدة منهم وبسبب حصار التحالف المناويء له الذي اشترط عزله عن الحكم ونفيه إلى جزيرة إيطالية نائية وهي جزيرة (إيلبا). وتم ذلك الأمر في في التاسع عشر من أبريل 1814 وذلك بناء على اتفاقية فونتينبلو

الفيلا التي كان يسكنها بونابرت في جزيرة إيلبا

إلا أنه بعد فترة قضاها وحيدا في هذه الجزيرة، استمع نابليون للعديد من الأقاويل التي تقول أنه سيتم نفيه لجزيرة بعيدة في المحيط الأطلنطي. وبعد أن تم قطع راتبه المنصوص عليه في اتفاقية فونتينبلو السابقة، تمكن من بونابرت من الهرب نحو الأراضي الفرنسية مجددا حيث تم اعتراضه من قبل فرقة عسكرية فرنسية. فتقدم لهم نابليون أعزلا وصاح بهم قائلا:”هيا، اقتلوا امبراطوركم!” فما كان ردهم سوى: “Vive L’Empereur!” أي يعيش الامبراطور!.
وحكم نابليون فترة سُميت بـ”المائة يوم”. وبها تداعت الامبراطوريات الأوروبية مرة أخرى لتشكيل جبهة مضادة. فقرر نابليون البدء بهجوم يشق به إسفينا بين الجيش الانجليزي القادم من ناحية بلجيكا وبين الجيش البروسي المنطلق من الشرق. فتلاقى الجيشان الفرنسي والانجليزي عند نقطة اختارها القائد الانجليزي دوق ويلينجتون بذكاء وهي منطقة واترلو.

المعركة النهائية واترلو


صورة عن معركة واترلو

تمكن نابليون من تجميع ما لا يقل عن 200 ألف جندي فرنسي لهذه المعركة التي جرت في الثامن عشر من يونيو 1815. وكان عدده يفوق الانجليز بكثير. ولكن القائد الذكي هو من يستفيد من أرض المعركة والظروف المناخية ويجعلها لصالحه، وهذا ما طبقه ويلنجتون بدهاء شديد. حيث اختار منطقة ضحلة بواترلو للتمركز ولعب الحظ كذلك دورا بهطول الأمطار بغزارة قبل المعركة. لأن جيش نابليون يعتمد كما ذكرنا على المدفعية ويجيد استخدامها. وهذه المدفعية تحتاج للتحرك بمرونة بأرض المعركة وهذا ما لم يكن متاحا بمثل تلك الأرض. فنجح ويلنجتون بتحييد المدفعية بشكل مؤقت على الأقل. لكن على أي حال كان جيش نابليون متفوقا بتلك المعركة وكان قاب قوسين أو أدنى من النصر لولا العديد من العوامل الحاسمة منها صمود الجيش الانجليزي وتطبيقه لاسلوب الخداع الاستراتيجي، وتأخر الجناح الفرنسي الملاحق للجيش البروسي، وحدوث ضعف بالقيادة الفرنسية بعد مرض نابليون أثناء أوقات حاسمة بالمعركة، ووصول الجيش البروسي بقيادة القائد فون بلوخر وضربه للميمنة الفرنسية وتمكنه بذلك من فك الضغط على الانجليز. فانهار الفرنسيون من جراء الضربات التي تلقوها من كل حدب وصوب وانهار جيشهم الامبراطوري ودخلت القوات المتحالفة إلى باريس مطيحة بنظام نابليون بونابرت الذي طلب اللجوء السياسي من البريطانيين الذين قاموا بنفيه في جزيرة سانت هيلانة البعيدة في المحيط الأطلنطي.

موت نابليون بونابرت

موت نابليون بونابرت كما تصوره الرسام شارلز دو ستيوبين

بعد أن قضى فترة في جزيرة سانت هيلانة، عانى بونابرت من تضييق الخناق عليه من قبل الحاكم البريطاني بالجزيرة ونقله من قصر فخم ومريح إلى منزل مرمم وغير جدير بأن يعيش به امبراطور بمكانة نابليون. وكانت هناك الكثير من النداءات التي أتته من أمريكا الشمالية والجنوبية ليكون امبراطورا على أجزاء منها. وحتى في بريطانيا أطلقت نداءات ومطالبات تدعو بعدم مضايقته أو التشديد عليه بحكم أنه يعتبر “بطل رومانسي”. لكن كل هذه المطالبات والنداءات ذهبت أدراج الرياح حين تم الاعلان عن وفاة نابليون بونابرت في فبراير عام 1821. وانتهت اسطورة رجل لم يعمر طويلا لكنه أحدث تأثيرا كبيرا سواء بالشرق أو الغرب، وقد لا نزال نلمس بعض آثار هذا التأثير إلى يومنا هذا.

تقبلوا أطيب تحية

فيصل كريم

————————————————————————————————————————————-

نقدم لكم أيها الاخوة الكرام بالتعاون مع الاخ العزيز طارق عبد الهادي هذه الترجمة المسحوبة من اسطوانة رقمية. وانتهز هذه الفرصة لتقديم الشكر للاخ ابو فارس على مجهوداته الكبيرة باستخراج كم كبير وثري من الترجمات المستخرجة من اسطوانات الديفيدي بحيث أنعش المنتدى بكميات وافرة من الترجمات، فشكرا له على هذا المجهود ولا حرمنا الله منه. وقد استأذنته بتقديم ترجمة هذا العمل الضخم لما تشكله الشخصية المحورية من أهمية وأثر تاريخي لا يزال راسخا إلى اليوم، ولما يشكله هذا الفيلم من ذكريات قديمة حيث شاهدت هذا العمل بمنتصف الثمانينات ببرنامج تلفزيوني كان يقدمه الاستاذ الناقد السينمائي المصري فاروق عبد العزيز بتلفزيون الكويت. وهذه الشخصية التاريخية المثيرة للجدل هي شخصية القائد والامبراطور الفرنسي نابليون بونابرت. أما الفيلم موضوع ترجمة اليوم فهو فيلم Waterloo المنتج في عام 1970 للممخرج الأوكراني (السوفييتي سابقا) سيرجي بوندارشوك المتوفي سنة 1995، ومن انتاج المنتج الإيطالي المعروف دينو دي لورينتيس. وأود هنا أن ابدأ بالتحدث عن هذا الفيلم الرائع، ومن ثم سأقدم لكم نبذة تاريخية عن نابليون بونابرت وهو الشخصية المحورية بهذا العمل.


Waterloo

يعتبر فيلم Waterloo من الأفلام الحربية البحتة ويتحدث عن موضوع محدد وهي معركة واترلو الشهيرة بين الجيش الفرنسي من جهة والجيش البريطاني والبروسي من جهة أخرى عام 1815. ولذلك فإن هذا الفيلم السوفييتي-الإيطالي الانتاج هو لمن يحبون مشاهدة الدراما الحربية والتاريخية. وقد يقترب ببعض الأحيان من الجانب الوثائقي بعرض الأحداث، لكن هذا لن يستغرق سوى فترات بسيطة من زمن الفيلم. والحقيقة التي ستجدها أمامك بعد مشاهدتك لهذا العمل الضخم هو أن المرء سيشعر بالاعجاب الشديد لهذا الانتاج الهائل والقدرة الانتاجية الكبيرة سواء من المنتج الإيطالي المعروف دينو دي لورينتيس أو من الجيش السوفييتي (سابقا) الذي تكفل بأمور عديدة سنذكرها لاحقا.

وعلى الرغم من أن الحدث تاريخي، وكذلك المعالجة التي تمت للفيلم بنفس الاتجاه، إلا أن هناك جوانب درامية تبارى باظهارها النجمان الكبيران الراحل رود شتايجر بدور نابليون بونابرت وكريستوفر بلامر بدور دوق ويلنجتون. فتجد مشاعر الحماس والغضب والحنق، وإن كانت بشكل مبالغ به قليلا، واضحة عل أداء شتايجر حيث يؤدي دور تلك الشخصية الكاريزمية الجذابة، بكل إرثها وثقلها السابق على أحداث الفيلم، حيث تعرض نابليون لهزائم فادحة ونفيا قبل المعركة، مما يجعله قلقا متحفزا وغير راضٍ عن أي شيء، بالاضافة لمسألة مرض نابليون الشديد. وهذه العوامل أبرزها شتايجر، وإن كان بالغ قليلا بعرضها كما ذكرنا. ومن الجهة الأخرى، تظهر لنا تلك الشخصية الانجليزية الواثقة والهادئة والذكية التي أبدع بتجسيدها كريستوفر بلامر بكل اقتدار، بل وأضاف عليها عنصر الطرفة الانجليزية التقليدية. وعبر هذين النجمين، ارتقى العمل الدرامي بالفيلم وتم توضيح بعض من العوامل الانسانية التي يفضل دائما تجسيدها دراميا عند التطرق لشخصيات وأحداث تاريخية مهمة.

وكما ذكرت آنفا فإن دور الحكومة السوفييتية وجيشها كان بارزا بانجاح هذا العمل. حيث تم الاتفاق مع دي لورينتيس على الانتاج المشترك للفيلم بأواخر الستينات، بعد أن واجه ذلك المنتج صعوبات جمة بتوفير الانتاج من الشركات الأمريكية. وقد كانت التكلفة النهائية 12 مليون جنيه استرليني أي ما يعادل 38 مليون دولار أمريكي (لو حسبنا المبلغ بالقيمة الحالية فقد يخرج لنا رقم خرافي) وهو على أي حال يبقى من أكثر الاعمال السينمائية تكلفة إلى يومنا هذا. لقد تم تجنيد 16 ألف جندي (فعلي) من الجيش السوفييتي آنذاك أي لواء عسكري كامل، وتم كذلك الاستعانة بالعديد من المهندسين والعمال لتجهيز أرض المعركة التي تم تصويرها خارج مدينة آزغورود (أوكرانيا حاليا). ومن الأعمال الجبارة التي قام بها السوفييت لجعل صورة الفيلم تحاكي المنطقة المقصودة، تجريف مرتفعين كاملين وترصيف طرق بطول خمسة أميال، وزراعة وري خمسة آلاف شجرة وسقاية نباتات الشعير والجاودار والزهور البرية. وتم كذلك بناء أربع بنايات تاريخية تماثل بنايات تلك المرحلة. ولكي توجد الأراضي الضحلة والمستنقعات تم رش الماء بأنابيب على مسافة تبلغ أكثر من 6 أميال. وقد تم تصوير معارك الفيلم باستخدام خمس كاميرات (بانافيجن) في آن واحد، من المستوى الأرضي ومن مستوى أبراج ترتفع بعلو 100 قدم ومن طائرة عمودية وأخيرا تصوير من عربة حديدية تم بناؤها بجانب موقع التصوير تماما. وقد استغرق تصوير الفيلم مدة 28 أسبوع منها 16 يوم توقف بسبب سوء الأحوال الجوية. وقبل شهور من التصوير تم تدريب الجنود السوفييت على التشكيلات القتالية التي تم خوضها بالفيلم كما تم تدريبهم على أنواع الأسلحة المستخدمة. وكان كل من هؤلاء الجنود يذهبون يوميا بعد الافطار لارتداء أزيائهم العسكرية المختلفة البريطانية والفرنسية والبروسية، ويتم توجيه الأوامر لهم من خلال ضباطهم العسكريين الذين يتم توجيههم من قبل المخرج عبر جهاز لاسلكي. وتلقى المخرج المساعدة من أربع مترجمين إنجليزي وإيطالي وفرنسي ويوغسلافي عدا الروسي التي يجيدها طبعا. يعني بالمختصر المفيد فيلم حربي تم تصويره وانتاجه بانضباط عسكري صارم! والعمل عموما يستحق المشاهدة والاستمتاع به لمن يحب هذه النوعية من الأعمال.

مواصفات نسخ الفيلم:

(نسخة الايميول)

اسم النسخة: Waterloo.1970
حجم النسخة: 836 ميجا
المدة: ساعتان و8 دقائق
معدل الاطارات: 25
تنزيل عبر الايميول:

Waterloo.1970

رابط ترجمة نسخة التورينت
(نسخة التورينت)

اسم النسخة: Waterloo.1970.DVDrip.WS.DivX
حجم النسخة: 890 ميجا
المدة: ساعتان و8 دقائق
معدل الاطارات: 25
تنزيل عبر التورنت:

Waterloo.1970.DVDrip.WS.DivX

رابط ترجمة نسخة التورينت

 

2 responses to “نابليون بونابرت – حلم الامبراطورية والسقوط (معركة ووترلو)

  1. اخي فيصل
    انت شخص استفدت منك الكثير والكثير
    نعم الرجل انت ونعم المعلم انت لقد اثريتنا
    باختياراتك ..
    انت عمله نادرة وارجوا لك دوام الصحه والسعاده
    وان لا تحرمنا من ابداعاتك

    Liked by 1 person

أضف تعليق