استتباعا لما ناقشناه عن دور الجيوش العربية، فإن وضع ما يسمى “الجيش العراقي” ما بعد الاحتلال الأمريكي يسترعي الانتباه. والنتيجة التي نصطدم أمامها دائما أن هذه الجيوش، أيًا كان حكامها أو قياداتها، فإن دورها الرئيس هو حماية النظام القائم مهما كان شكله (طائفيا أو قوميا أو عسكريا أو ملكيا… إلخ) من الشعب الذي يتسلط عليه. وإذا كان لنا أن نجزم بأن الجيش العراقي الحالي لا بد أن يحتوي على قيادات سابقة كثيرة من الجيش الذي حله الأمريكان (فليس من المنطق التخلص كلية من خبرات عسكرية سابقة تقبل أن تتواءم مع النظام الجديد الذي يغلب عليه الجانب الطائفي والتبعية للجار الشرقي الكبير)، فإن المثير للاهتمام هو السمات المشتركة بين الجيشين السابق واللاحق في العراق.
لم يختلف دور الجيش الحالي عن نظيره السابق فيما يخص قمع أية حركات تحررية تنادي بالعدالة ونيل الحريات. فجيش صدام حسين على مدار أكثر من ربع قرن بفروعه المتعددة أصبح رأس حربة ضد تطلعات الشعب العراقي نحو الحرية والكرامة، وكان يقمع بقسوة أية تحركات لذلك حتى لو اتسمت بالسلمية المبالغ بها (لاحظ وجه الشبه مع النظام السوري القمعي وقارن ذلك بالجيش المصري الذي نزع عنه مؤخرا رداء “الوطنية وعدم سفك دماء الشعب”). وفي الجانب الآخر، نرى بوضوح أن جيش المالكي يؤدي ذات الدور والاختلاف أنه يقوم به على فئة أخرى من الشعب حيث اتجه غربا وأخذ يعيث فسادا وقتلا ودمارا لم يسلم منه طفل أو امرأة أو شيخ طاعن السن. وإذا كان جزمنا صحيحا، فإن هذا يعزز النتيجة آنفة الذكر، وهي أن الدور الأكبر للجيوش العربية المعاصرة هو قمع شعوبها فيما لو طالبوا بالاستحقاقات المفروضة على كل نظام حكم، وعلى رأسها اختيار من يحكمهم.
أصبحت الصورة واضحة للعيان ولا مناص من مناقشتها بجدية ووعي. الجيوش الوطنية العربية تقوم بدور مرسوم لها بدقة ولا تستطيع الخروج منه أو التلكؤ فيه، ألا وهو الحيلولة دون الحصول على الاستقلال الفعلي والحقيقي الذي ظن الناس أنهم حصلوا عليه بعد الحرب العالمية الثانية وتبين أنه استقلال وهمي وسراب خيالي يستحيل رؤيته على الواقع. فقد عين المستعمر (المستخرب) حراسا ونواطير لمصالحه ومخططاته في المنطقة، وكان العسكر الذين رباهم المستعمر على عينه أحد أهم الارتكازات التي قامت لتكريس واقع سايكس-بيكو في العالم العربي. ويوما إثر يوم، تتعزز هذه النظرية وتتوطد بسبب الحالة التي نواجهها من تعطيل للإرادة الشعبية من خلال الجيوش العربية التي باعت أكثر مما اشترت.