إن النظرة التعظيمية إلى التفوق الغربي بدأت بسبب جمود فكر المسلمين عددا من القرون إلى حد انعدام النظر المنطقي للأمور. ففي الوقت الذي شرعت فيه أوروبا بالطباعة والاستفادة منها لنشر الفكر الحديث منذ القرن الخامس عشر، كان المسلمون يحرمون استخدام تقنية الطباعة لمدة ثلاثة قرون متتالية، ولم يسمح في استخدامها إلا في القرن التاسع عشر. فحدث التقدم والتوسع الفكري في أوروبا وتعثر ذلك في منطقتنا. وعندما جاء نابليون غازيا في مصر واجهه المماليك بالسيوف وجها لوجه، فما كان أسهل من إبادة صفوفهم بالمدافع الفتاكة (سلاح ذلك العصر الجديد). فحدث انبهار وتعظيم لكل ما تأتي به أوروبا، ومنه قدوم الفكر العلماني الذي يعالج مشكلة أوروبية بحتة تختلف في مظهرها جملة وتفصيلا عن مشكلة الجمود الفكري لدى المسلمين وأسبابه وتداعياته والذي لا علاقة للإسلام وأفكاره بهذا الجمود الذي أوقع المسلمون أنفسهم فيه بسبب تراكمات سياسية وتاريخية محضة. وعلى الرغم من التقدم الأوروبي ماديا، إلا إن الفكر الأوروبي الفلسفي إذا ما تعمقنا فيه على مدار القرون يعاني من اختلالات مركزية ومنهجية عميقة. فلا تقوم لهم مدرسة فكرية جادة إلا ويثبت بطلان تنظيراتها أو تشوه مرتكزاتها، ولا تصمد مع مرور الزمن. ولا يُقصد بذلك الاكتشافات العلمية المادية، فهم متفوقون بهذا ولا شك، بل يقصد بالأفكار والفلسفات التي تصلح كمنهاج حياة شامل وثابت، والأمثلة على ذلك كثيرة. ومن نافلة القول أن الضعيف خاوي الشخصية ومنعدم التمسك بإرثه الحضاري سيعجب بهذا القوي الذي يمتلك أسباب التفوق المادية، وسيعمل الضعيف على تبني أفكاره الفلسفية، بالرغم من هشاشتها وقابليتها للانكسار. وتكمن الإشكالية الآن بكيفية إظهار نموذج إسلامي يخرج المسلمين من جمودهم وقابل لأن يتبناه الجميع كطريقة مثلى نحو تكوين مظلة شاملة تعبر عن هوية هذه المنطقة وثقافتها الخاصة والمميزة!!!