عن مصطلح “إسرائيل” وعلاقته بنبي الله يعقوب

إن مصطلح ‫#‏إسرائيل‬ ، الذي يسمي به الكيان الصهيوني الحالي ذاته، يعنى به التسمية التي أطلقت على نبي الله ‫#‏يعقوب‬ عليه السلام. وعند دراستنا لأصل المصطلح وجذوره فسنصطدم بالرواية التوراتية الشائعة، وملخصها أن “يعقوب تصارع مع ملاك وظهر عليه منتصرا بالرب”، كما ورد في سفر التكوين 32:28. وهذه القصة لا تستقيم مع المنطق أو العقل لانعدام الحكمة منها. وتعترف موسوعة الويكيبيديا الإنجليزية نقلا عن الكتاب المقدس للدراسات اليهودية بصفحة 68 الصادر عن دار طبع جامعة أوكسفورد أن أصل كلمة “إسرائيل” غير مؤكد”، وأفضل “تخمين” لتفسير معناها هو “حكم الرب”، وتردف الموسوعة قائلة “إن كلمة إسرائيل أو إسرائيلي في الكيان الصهيوني أصبحت تعني الشخص مجهول أو غير محدد الاسم”. وهذا إقرار بائن بعدم القدرة على إيجاد المفهوم الدقيق للمصطلح، ولعل السبب في ذلك يكمن في سوء الترجمات الأولية للعهد القديم، أو عدم دقتها وموضوعيتها إن أحسنا الظن.

إن أقرب لغة للعبرية هي ‫#‏العربية‬ بلا شك، بل إن الأولى تعتبر الشقيقة الصغرى للثانية، إن لم تكن العربية هي الأصل ومنها تفرعت اللغات الجزيرية (السامية) القديمة كالعبرية والسريانية وكذلك الأغريقية التي تأثرت بالاحتكاك معها. وبما أن مسمى “إسرائيل” عبراني، وفشل اليهود بتوضيح مفهومه الدقيق حاليا، فإن العودة للغة الأصلية (العربية) كفيل بكشف النقاب عن المعنى الأقرب للكلمة.

إسرائيل هي كلمة مكوّنة من مقطعين، الأول إسر (أو إصر) والثاني إيل. معنى المقطع الثاني متفق عليه بالإجماع كاسم للرب أو الإله. ومنه قول الله تعالى {لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون} التوبة: 9، ومنه مثلا رد أبو بكر على الكلمات التي زعم مسيلمة الكذاب نزولها من عند الله، فقال أبو بكر: “هذا كلام لم ينزل به إل”. أما المقطع الأول إسر أو إصر (ويبدو أن الألف المضافة “إسرا” ضمير متصل للشخص أو للذات في العبرية) فهي كلمة عربية المصدر. ومعنى الإصر حسب قاموس المعاني هو “العهد المؤكَّد” كما في قوله تعالى {قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} آل عمران: 81 وهو استجواب الله تعالى لأنبيائه بأخذ العهد والوصية ونصرتها والعمل على نشرها وتوطيدها بين الناس، وهي أمانة الرسالة السماوية، أو بمعنى “الثِّقْل” كما في قوله تعالى {رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} البقرة: 286. وكلا المعنيان متقاربان بالطبيعة، فالعهد والوصية فيها من الثقل والمسؤولية الكبرى التي يخشى الإنسان المؤمن من عدم إيفائها على الوجه الأكمل.

وبالتالي فإن مسمى “إسرائيل” لن يخرج عن كونه تكليفا إلهيا لهذا النبي الكريم (كما وصفه رسولنا المصطفى عليه الصلاة والسلام) بحمل هذا العهد والوصية لأبنائه من بني إسرائيل والإيفاء به كما أمرهم الله تعالى به. ويتضح لنا أن هذا التكليف المحدد ليعقوب عليه السلام جاء بوقت معين بحيث أن الله عز وجل ناداه بيعقوب قبله ثم إسرائيل بعده حسب السياقات الواردة عنه في القرآن الكريم. وهذا هو المهم من كل هذا الأمر، أما قصة أنه تصارع مع ملاك وغلبه، فهذا في علم الله تعالى، إلا أن الشك بها هو الأقرب لانعدام الحكمة والتماهي مع أساطير وخرافات الأمم السابقة. ونتيجة لذلك، فإن إطلاق اسم “إسرائيل” على الكيان الصهيوني الإجرامي يعتبر إهانة عظمى لنبي الله يعقوب، لكون هذا الكيان قائما على المجازر والإبادة والتهجير والاحتلال والاعتماد على القوى العظمى المتجبرة الحاقدة على العرب والمسلمين، فإن كانوا يقبلون الإساءة لهذا النبي الكريم فنحن لا نقبل، ولو كان الزمن غير الزمن، لقطعت الرقاب دون ذلك. لكن هذا هو ديدن الجبناء، ففي عز دولة الإسلام لم يكن الأوروبيون ليجرؤوا على ترديد مثل هذه الترهات السقيمة. ولعل من الطرافة أن العثمانيين حين هاجموا كبرى إمبراطوريتهم أطلقوا عليها اسم “نام-سه” (النمسا) أي النائمون بالتركية القديمة. أما الآن استيقظ النائمون على كفر وفجور دون رادع أو مانع فحق لهم ذلك، حيث يقول المثل البدوي “الرؤوس نامت والعصائص قامت”. والسلام ختام.

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s