عندما نحاول أن نعقد مقارنة بين الحالة الأوكرانية والحالة المصرية فإننا سنجد فروقات كبيرة جدا، بالرغم من تماثل الهدف والمسعى الشعبي وهو نيل الحرية والاستقلال ونبذ التبعية. حالة الأوكرانيين اسوأ بكثير من الحالة المصريين. فالشعب الأوكراني خاض غمار الثورة البرتقالية بدءا من عام 2004، ونجحت المعارضة بتولي السلطة لفترة وجيزة. فماذا كانت النتيجة؟ النتيجة مخيبة بكل المقاييس، فالنظام القديم الذي ترعاه روسيا عاد للسلطة، وزعيمة الثورة البرتقالية يوليا تيموشينكو زُج بها بالسجن بذرائع واهية منذ أكثر من ثلاث سنين والصورة لا تدعو للتفاؤل بأوكرانيا لأنها تواجه بمفردها الغول الروسي المصمم على وراثة الاتحاد السوفييتي البائد، وهو لا يسمح بأن تخرج أوكرانيا عن دائرة نفوذه. وأوكرانيا لن تتحرك من موقعها الجغرافي ومصيرها الدائم هو مواجهة الغول.
أما مصر فوضعها أفضل بكثير، فلا توجد قوة أقليمية تسيطر عليها أو تهددها تهديدا وجوديا، فالكيان الصهيوني ليس سوى شوكة في خاصرة مصر والعرب وخُلق فقط للمشاغبة وتعطيل المشروع الوحدوي والتنموي. وقد اضطر الغرب لحبك خيوط مؤامرة طويلة المدى تستنزف من موارده وجهوده الشيء الكثير لإدامة هذا الإضعاف والإرهاق الذي تعاني منه أمتنا. ومشكلتنا في مصر ليست الجغرافيا كما هي في أوكرانيا التي تواجه الغول الروسي، أو في الكويت التي تواجه خطر ما يسمى “مثلث الرعب”، أو في كوبا التي تواجه التهديد والضغط الأمريكي العسكري والاقتصادي، بمعنى أن هذه دول تعاني وستظل تعاني من هذه الإشكالية الجغرافية. أما في مصر فالمشكلة أن مجموعة ما قررت أن تبيع نفسها للغرب وتربط مصيرها بمصيره، وهي تحكم البلاد ليس منذ 40 أو 60 سنة بل منذ ما بعد مرحلة محمد علي باشا. أي أن محاولة محمد علي جعل مصر دولة عظمى أو نقل الخلافة إليها وذلك من خلال مشروع فردي انعزالي أيقظ أنظار الغرب لهذه الفرصة وانتظروا أخطاء الرجل التي ستحدث لا محالة لأن مشروعه فردي. وهو ما أدى لاحقا إلى شيوع الفكر التغريبي شيئا فشيئا وطمس معالم الهوية. فنشأ مشروع حكم يتكون من عسكر ومثقفين ورجال دين ورجال مال واقتصاد يرمي إلى إبقاء مصر بهذه الدائرة وإبعادها عن محيطها العربي الإسلامي. بصراحة، المشكلة في مصر مشكلة استقلال، وهو استقلال تطهيري من الداخل واستقلال تحرري من الخارج. أعتقد أن خير من وصف ذلك هو مجدي أحمد حسين الذي وصف الثورة بأنها معركة استقلال من التبعية الصهيو-أمريكية، وهي معركتنا جميعا على كل حال. فأنصح بمتابعته لأنه طالب بذلك قبل الثورة بسنوات طويلة، ولكن لا حياة لمن تنادي. أما الغرب الذي لن يسمح بالروس بالهيمنة على أوكرانيا، فهذا مجرد وهم، وانظر كيف تخلوا عن حلفائهم المعارضة الأوكرانية بدءا من عام 2008 لأن أمريكا عقدت صفقة من تحت الطاولة -كالعادة- مع الروس وأخذت حاجتها وأعرضت صفحًا عن الأوكرانيين الذين اخطأوا قراءة اللعبة جيدا. لا نملك للأوكرانيين إلا الشفقة والتعاطف طالما روسيا دولة قوية مجاورة لها والغرب يريدها أن تتمرد على الغول الذي يسيطر عليها فيخدعها ويمنيها بالوعود الزائفة، والأوكرانيون كالغريق الذي يتعلق بقشة. إنها مشكلة مزمنة ولا خلاص من هذا الكابوس الجغرافي.
لكن عندما يقول المصريون والعرب كلمتهم نحو الاستقلال فلن يكون بوسع الغرب إلا النظر بحسرة على تدمير مشروعه التخريبي الإجرامي. والمعنى أن الشعب الأوكراني لو اجتمعت كلمته على رجل واحد فإن الكابوس الروسي سيظل جاثما على أنفاسهم. أما مصر والأمة العربية فلا ينقصها سوى قول الكلمة ورفع الراية، وسنرى ما لم نره من قبل. هذا ما نقرأه واضحا من الجغرافيا والتاريخ.