أعلنت القاعدة في بيان منسوب لها نقلته العديد من وكالات الأنباء منذ الأمس أن لا علاقة لها بما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ويرمز إليه اختصارا “داعش”. وهو ما يعني أن القاعدة تتبرأ من داعش وكل ما ارتكبته من جرائم يندى لها جبين كل مسلم يخشى الله تعالى ويتقيه. وقد تعزز هذا البيان بشهادة الوسيط عبد الله المحيسني الذي أكد رفض داعش للمصالحة ورفضها كذلك لتحكيم محكمة شرعية محايدة يشهد لها بالعلم والنزاهة. وقد ذكر المحيسني من جانبه عددا من المشاهدات الحية مما “يشيب له الولدان” حسب وصفه من ممارسات داعش التي تصب لصالح نظام الأسد المجرم.
والملفت في بيان القاعدة ذكره نصا “تعلن جماعة قاعدة الجهاد أنها لا صلة لها بجماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام، فلم تخطر بإنشائها، ولم تستأمر فيها ولم تستشر، ولم ترضها، بل أمرت بوقف العمل بها” وكنتُ قد تتبعت بمشاركة سابقة في هذه الصفحة أصول تنظيم داعش وحقيقتها وكيف أنهم فرضوا أنفسهم على القاعدة منذ تشكيل “تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين” على يد أبي مصعب الزرقاوي -نحسبه عند الله شهيدا- وكيف أن القاعدة لم تجد مفرا من القبول بذلك خلال ظروف الحرب وما تلاها. إلا أن تواتر المعلومات الخارجة خلال السنين القليلة الماضية عن أسلوب التنظيم في العراق وكراهية الناس له ونفورهم منه، أوضح صورة كانت خافية على الجميع وبيّن السبب الحقيقي لنشوء الصحوات في العراق، وأن هذه الصحوات تنشأ لسبب خطير نابع من ممارسات التنظيم التكفيرية والاقصائية، وليس كما يوهم الداعشيون الناس أنها لأسباب خارجية. ولعل ما يدعم الجزم بأن سلوك داعش مشبوه وفاسد هو شهادة أكبر العلماء السلفيين الجهاديين تشددا كأبي محمد المقدسي وأبي قتادة الفلسطيني وغيرهم بذلك وتبرؤهم منهم ومن أفعالهم. فماذا لدى الداعشيون ومؤيدوهم ليقولوه بعد ذلك؟
والآن، فإن القاعدة ذاتها محاسبة أمام الله تعالى عن العبث الذي حدث بالسماح لكل من هب ودب بالانضواء تحت لوائها واستغلال اسمها دونما تحقق أو تمحيص لحقيقة عقائدهم. لكن المشكلة أعمق من ذلك بكثير، فالخلل العقائدي من الواضح أنه متجذر لدى أطراف عديدة داخل القاعدة. وهذا يؤدي غالبا إلى سهولة اختراقهم من أجهزة الاستخبارات الغربية والصهيونية. فمدراء وكالة الاستخبارات المركزي الأمريكي CIA يتشدقون بأنهم يخترقون جميع التنظيمات الاسلامية، والأشد والأنكى أن الموساد كذلك يزعمون ذات الشيء، وإن كان بقدر أكبر من الحذر. واللعبة الاستخباراتية ليست بالسهلة، فعملاء المخابرات المنضوين تحت لواء التنظيمات الجهادية، بما فيها القاعدة، لديهم ضوءا أخضر بالاشتراك بعمليات ترويعية عبثية لا فائدة تذكر منها في البلدان التي يعملون لصالحها -مثل تفجيرات لندن ومدريد بل وحتى نيويورك 2001- مقابل الاستمرار بالحصول على معلومات عن هذه التنظيمات وربما توجيهها نحو وجهات لا تؤدي لصالح الأهداف الجهادية السليمة، كما يحدث الآن عبر داعش، وذلك بسبب الخلل العقائدي والفكري المتجذر فيهم حول الإسلام وشموليته وكيفية بناء دولته وتطبيق شريعته وتحكيمها على البشر أجمع.
ومن هذا المنطلق، فإن على الدكتور أيمن الظواهري مسؤولية كبرى بالدعوة إلى تصحيح المفاهيم وتمحيص حقيقة من ينضوي تحت لواء القاعدة وماهية عقائدهم حتى يتجنب تجذر الاختراق في تنظيمه، والوعي بأن إعلان الجهاد بحد ذاته ليس كافيا بتحقيق المراد منه، فلا بد أن يكون الجهاد على أسس عقائدية صحيحة بناء على فهم سليم للأصول الواردة في كتاب الله وسنة نبيه الكريم، وإدراك الفقه العصري المناسب لتحقيق غايات الإسلام الكبرى، وترك ما سوى ذلك من فتاوى عصور التأويل والتبديل التي اجتهدت حسب واقعها التي عايشته، أما عصرنا الحالي فلدينا كتاب الله وسنة نبيه اللذان ما إن تمسكنا بهما لن نضل أبدا حسب ما قال لنا الرسول المصطفى عليه الصلاة والسلام بوصيته العظمى.