يبدو أن القوم قد غلب عليهم الإحباط فأخذ بعضهم يؤوّل تأويلا متعسفا بعض علامات الساعة وأشراطها. لكن بعض البعض منهم تمادى في تعسفه وأصبح الهوس يتملكهم بهذه الأمور، وأعني بالقوم أهل السنة والجماعة أما الفرق الأخرى فالله أعلم بحالات هوسهم. ومن ذلك، توقع ظهور المهدي قريبا “خلال بضع سنين” كما ذكر بعضهم. وإن تفاقم هذا الوضع فسيصبح حالة مرضية جديدة، وكأن ذلك ينقصنا حاليا. فمما هو ثابت عند علماء الفقه أن ظهور المهدي وصلاة المسيح خلفه يعود في معظمه “إلى لفظة مدرجة في حديث واحد وردت في مسند الحارث بن أبي أسامة فقط” بالإضافة إلى أحاديث أخرى قابلة للتصحيح كما أكد علماء آخرون، وظهور المهدي مسألة لا علاقة لها البتة بالعقيدة فهو من “أخبار الآحاد” كما ذكر العلماء، ولا يكفّر منكره، وقد يتحقق ولا يتحقق، وهو من النبوءات التي قد يقع خطأ في فهمها وتطبيقها، وليس خطأ في العقيدة ولا يدخل من بابها، بل هو من الأمور الفقهية وتحتاج إلى إدراك دقيق بكيفية تطبيقها. والعبرة دائما تنبني من خلال محوري الإيمان والعمل. فهل يعقل أن نبني حياتنا وتوقعاتنا على خبر قد لا يتحقق؟ هذا ليس من العمل بشيء بل هو قعود وتواكل وإتكال. والمغزى أن مسألة المهدي تأتي من البشارات التي يقدمها لنا ديننا الحنيف، والرأي الراجح الذي وقف عليه العلماء أن معظم أحاديث المهدي صحيحة ونصدقها، بالرغم من أن المعطيات الحالية لا توفر فسحة زمنية كافية لتحقّق كافة أحداث نبوءة المهدي وتحركاته ومعاركه وكل أفعاله، لكن قد تكون هذه قراءة خاطئة أيضا والله أعلم. إلا أن ما يهم المرء الحصيف هو ألا يشغل تفكيره بظهور المهدي من عدمه، بل عليه أن يفكر بما أسهمه كإنسان مسلم بسيط لخدمة دينه وأمته، وأول الغيث هو الخلاص من هذه الأنظمة المجرمة المسلطة على رقاب العرب والمسلمين، لأنها أول من يحارب الدين. والله أخشى أن يأتي المهدي فعلا ويرى ضعفنا وهواننا فيؤثر السلامة ويختار ترك هذا الأمر إشفاقا على نفسه، لإنه لا قيمة للمهدي دون وجود أمة واعية متمسكة بدينها. ويكفينا خزيا أن الربا، وهو ما أمر الله ورسوله بمحاربته، متفشي بيننا دون حراك مننا. المهدي هو أنت وأنا وذاك، طالما نعي هويتنا ومرجعتنا الحقيقية. فإن عدنا لوعينا وتركنا “الفَرْنَجَة” بما لايفيد، سيظهر المهدي الحقيقي ومن خلفه أمة قادرة على فتح العالم أجمع لنشر حرية الفكر الإسلامي.