تأملات قرآنية في سورة الفيل

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)}

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} دعوة ربانية لقراءة التاريخ وأخذ العظة والعبرة والتأمل بالوقائع والأحداث.

{ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ} دائما ما يكيد الطغاة والجبابرة ويحيكون المؤامرات والدسائس لأصحاب الحق ودعوتهم ورسالتهم، والمتأمل هنا يلحظ أن الكيد يأتي كدرجة أقوى من التآمر وحبك الدسائس لأنه يكون مصحوبا بالكره لأصحاب الحق والحقد عليهم وعلى كل ما يمت إليهم بصلة، إلى جانب تخطيطهم الشرير ومكرهم الخبيث، لكن الله تعالى لهم في المرصاد فهو خير الماكرين، ودائما ما يردّ كيدهم إلى نحورهم، ويزيدهم مضيًا في الضلال لأنه سيحشرهم عميًا يوم القيامة قبل أن يدحرهم في الأرض.

{وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ} إن لله جنودا نراهم ولا نراهم، يسخّرهم الله متى شاء وكيفما شاء سبحانه. ومنذ أن جاء الإسلام، مثّل المسلمون الصورة المثلى لجند الله الذين يعلون كلمة الحق ويفتدون الرسالة ونبيها المصطفى عليه صلوات الله وتسليمه بأرواحهم وأنفسهم وأبنائهم وأموالهم. هم الجند الذين يبتغيهم الباري عز وجل ليضعهم أمام الشدائد والابتلاءات فيختبر إيمانهم وصبرهم ودرجات جهادهم، فكفوا عن مخلوقات الله الأخرى أعظم اكتفاء، ومصيرهم جنات الخلد هم فيها مطمئنون مسرورون.

{تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ} الثبات والصلابة عند المنازلات من اسباب سداد الرمي والتوفيق فيه من عند العزيز الحكيم. ولا يأخذن جند الله رأفة ولا رحمة بالظالمين المعتدين والمنافقين والأفاكين الذين خانوا عهد الله وميثاقه. وهذا الرمي المؤزّر من الله تبارك وتعالى لن يخطأ أعداء الله، فهو رمي من الله بأيدي جنده، وكل رمية ستأتي هدفها إن شاء الله وإن لم ير ذلك الرامي.

{فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} وهي النتيجة الحتمية لأعداء الله وأتباعهم ومن ناصرهم ومن والاهم ومن سكت عنهم. والسكوت عن الحق أكثر بلاء من العدوان عليه لا سيما في وقت الشدائد. والهلاك والدمار هو مصير أعداء كلمة الله تبارك وتعالى قبل أن يخزيهم سبحانه بغار الخزي والعار في الدنيا الفانية تمهيدا بسحلهم بأغلال العقاب وشدّة الحساب ليواجهوا الحكم العادل الدائم: كلّ في مكانه الصحيح بدرجات النار وتلقّي صنوف العذاب المريع التي لا يحيون منها ولا يموتون، ألا بئسا لهذا المصير الذي سيلاقيه كل من أغلق عينيه وصمّ أذنيه عن نور وكلمات الحق.

اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

اللهم آمين

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s