أقدم هذا العمل الصيني الجميل والذي يحمل رؤية إبداعية متجددة تصلح لكل زمان وموقع. وقد حفزني هذا العمل لإعادة ترجمته بصورة متكاملة لما فيه من إسقاطات ورمزيات تاريخية تتجاوز حدود بلد العمل لتمتد لأي بقعة تعاني ذات الظروف والملابسات. وهو ما تواجهه منطقتنا العربية منذ زمن ليس بالقليل طال لفترة نصف قرن من الزمان.
الـمـعـبـد
عن الفيلم
العمل من إخراج بيني تشان وبطولة النجم الصيني آندي لاو ونيكولاس تسي والممثلة بينجبينج فان والنجم المعروف والمحبوب جاكي تشان. والعمل يندرج تحت صنف الدراما والحركة ويأخذ شكلا تاريخيا في أثناء بداية تكوين الجمهورية الصينية بعد سقوط النظام االامبراطوري عام 1912. حيث وقعت البلاد بفوضى عارمة جراء تقاسم مجموعات كبيرة من أمراء الحرب الإقطاعيين لمقاطعات الصين الشاسعة واندلاع صراعات عديدة فيما بينهم طمعا بالسيطرة على حدود جديدة وثروات المقاطعات الأخرى. مما أدى لسهولة سقوط الجمهورية الوليدة بيد القوى الغربية المتنازعة على الحصول على نفوذ كبير بأرض الصين العريقة والتنافس على سرقة ثرواتها ومقدراتها، بينما يرزح معظم ابناء الشعب الصيني تحت وطأة الفقر والمرض والتخلف.
والعمل بحد ذاته يقدم مضامين جذابة وعميقة، ولعل هذا الفيلم يعتبر من أهم أعمال المخرج بيني تشان الشهير بأفلام الحركة السريعة، وهو كذلك ممثل صيني موهوب وحاصل على جوائز تقديرية لتمثيله. إلا إن هذا الفيلم لا يقدم وجبة حركة وقتال كونج فو لوحدها هكذا. بل نجد عناصر أخرى تكمل من وضوح فكرة الهدف من العمل. والحقيقة أن مضمون العمل مغلف بشكل الحركة لكنه يتطرق لأفكار سياسية واجتماعية ليست بالهينة. فهو يعرض جانبا من تاريخ الصين الحديث الذي غرق بوحول من الفرقة والتشرذم والضعف، وإلى جانب ذلك فإن العمل يعرض صورة درامية مقنعة ومنطقية، حيث تتحول شخصية بطل الفيلم وتنقلب من النقيض إلى النقيض دون افتعال أو تكلف، وهو ما نجح به النجم أندي لاو باقتدار كبير. ورغم أن الفيلم يعرض مباديء وفلسفة التعاليم الدينية البوذية، إلا أن هذه الصورة ليست إلا صورة إطارية أو غلاف عام يقدم للمشاهد. بمعنى أن العمل لا يقصد تمجيد أساليب الحياة البوذية بالمعبد الصيني الشهير “الشاولين”، بقدر ما يقصد طرح الفكرة السياسية العامة عبر إطار الفكر البوذي وأحكامه. ولعل ما يخفف من وطأة الجانب الدراماتيكي بالعمل خفة الظل التي يقدمها النجم المحبوب جاكي تشان بحيث أن قفشاته الكوميدية ليست مفتعلة بل تأتي من قلب المأساة التي تمثلها شخصية آندي لاو.
عمل جميل وممتع ويحتوي على أفكار تستحث التأمل، والعمل يصلح للمشاهدة العائلية بهذا الشهر الكريم
إسقاط تاريخي صيني على واقع العرب
ليس من الغريب أن نرى عوامل متشابهة بين أكثر من بقعة بالعالم، ولكن المثير للدهشة أن إن الإسقاط التاريخي لهذا العمل على الواقع العربي منذ حصول الدول عربية على استقلالها (الشكلي) يتطابق تقريبا مع الواقع الصيني المفكك في بدايات تأسيس الجمهورية (ما قبل الشيوعية). فالصين، هذا البلد الذي أصبح يتحكم باقتصاد العالم حاليا، كان يتحكم به مجموعات كبيرة من أمراء الحرب الاقطاعيين الذين أمكن إغراء معظمهم بالجاه والمال أو التغلب على من لا يسير بفلك القوى الغربية (أو اليابان) التي تسعى للهيمنة على هذا البلد الشاسع، وتفكيكه لدويلات مستقلة وضعيفة. ولعل هذا الواقع المرير الذي كان يريد الغرب فرضه على الصين يماثل واقعنا العربي الحالي من وجود لدويلات مصطنعة ومتنازعة فيما بينها. وأمراء الحرب هنا هم من يسمون أنفسهم “زعماء وحكام” هذه الدول، فمقاييس الزعامة وأصول الحكم لا تنطبق عليهم بتاتا، بل هم أقرب ما يكونون إلى زعامات اللصوصية والعصابات التي لا تجيد سوى النهب والسلب وإشعال الحروب العبثية وسفك دماء الأبرياء تماما كما حدث بالفيلم. وبالتالي، عاثوا بالأرض فساد وأهلكوا العباد والبلاد. ولا بد أن أقول أن الثورات العربية التي تجري هذه الأيام كانت متأخرة جدا عن موعدها، ولهذا فإننا نلحظ استفحال خطر هذه الأنظمة العربية التي تمادى معظمها بالأجرام وسفك دماء الشعوب وأصبحت هذه الأنظمة لا تهتم كثيرا من مغبة الوقوع بالحرب الأهلية التي قد تقع جراء الإفراط باستخدام العنف. إنها أنظمة لا تستمد أي شرعية من الشعب فبالتأكيد ستلجأ للعنف والقتل، ولكن إلى متى وما هو الثمن الذي سيتم دفعه من استمرار مسلسل دوامة الدم المراق؟ تصرفات “زعماء” هذه الأنظمة لا تدل سوى على أنهم أمراء حرب مصلتين على رقاب الشعوب التي يحكمونها. فحتى الصين التي كانت تحكم بهذا الأسلوب البائد تطورت ونمت وأصبحت قوة عظمى، رغم تأخرها بمجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، لكنها على الأقل أنجزت شيئا وتخلصت من تخلفها وتقوقعها. بينما السادة الأفاضل لدينا لا يزالون يسيرون حسب “الموضة” التي يراد لهم أن يسيروا عليها، دون إدراك أو تفكير. وأجزم أن الإسقاط الذي يعرضه العمل الصيني متطابق تماما مع واقعنا الحالي رغم محاولة الشعوب المتأخرة النهوض من هذا الإنحدار والتدهور، لكن الإيجابي بالأمر أن الفرصة لم تفت بعد على إصلاح حالنا، والأمل قائم بأن يستيقظ الذين يغطون بسبات عميق ليفتحوا عقولهم وليروا الطريق القويم.
بشأن إعادة ترجمة العمل
الحقيقة أنني شاهدت الفيلم بترجمة عربية لأحد الزملاء قبل فترة. ولكن ما استدعاني لإعادة ترجمته هو مضمونه الهام وإسقاطاته التي ذكرنا آنفا شيئا منها. وما زاد على ذلك أن الترجمات الإنجليزية الابتدائية لم تكن نموذجية أو حتى مكتملة، حيث كانت هناك الكثير من الحوارات الناقصة مما يخل من اتساق معاني ومنطقية عديد من المَشاهد. ثم إنني وبعد أن ترجمت العمل وجدت أن ملف ترجمة نسخة البلوراي أدق بكثير من نسخة الديفيدي المطروحة، مما دعاني لمقارنة الملفين وتنقيح الترجمة العربية حسب أفضل معنى متوفر كما لاحظته في كل مشهد. والحقيقة أنني أشكر اجتهاد الزملاء الذين سبقوني بترجمة العمل، إلا إنه احتوى على حوارات فلسفية معمقة تتطرق للحكم والمصطلحات البوذية والتي لا تحتمل سوى أكبر قدر ممكن الدقة، وهو ما آمل أن أكون قد وفقت به.
تكفل مشكورا الاستاذ طارق عبد الهادي بتحويل الترجمة
إلى الشكل الجميل لترجمات البلوراي
أقدم رابطها هنا لمن يفضل مشاهدتها بهذا الخط المريح للعين
وتمت الترجمة على النسخ التالية
Shaolin.2011.DVDRip.XviD-CoWRY
Shaolin.2011.720p.BDRip.XviD.AC3-ViSiON
ونسخة البلوراي السابقة متوافقة مع جميع نسخ البلوراي الأخرى
وتقبلوا مني أطيب تحية وكل عام وأنتم بخير
فيصل كريم