من يطلع على الوضع بالمغرب الشقيق سيتبين له أن هناك موقفا يحتاج للتأمل والمتابعة. لقد ذكرنا مرارا أن جميع أنظمة الدول العربية تشترك بصفة الاستبداد السياسي، فكيف ينطبق هذا على المملكة المغربية؟ تنقسم الدول العربية إلى أنظمة متسلطة وقمعية واضحة لا لبس فيها، وبالمقابل توجد أنظمة ركبت موضة العصر وادعت أن لديها دستورا شرعيا وحياة برلمانية وديمقراطية. وهي بهذا الإدعاء محقة ولكن شكلا لا مضمونا
لا شك أن العائلة المالكة بالمغرب لديها من الذكاء السياسي والقدرة على الاستشراف المستقبلي ما يجعلها تتفوق على نظرائها من الأنظمة العربية الأخرى. فقد فوجئنا عام 1998 أن انتخابات حرة قد جرت بالمغرب وأن الملك الحسن الثاني قد كلف السيد عبد الرحمن اليوسفي بتشكيل الحكومة، وهو شخصية معارضة معروفة وقدم على سبيل المثال شهادته بحاكمة مختطفي المهدي بن بركة الشهيرة. وهذا الأمر يدل على القدرة الكبيرة للنظام المغربي باحتواء الألوان السياسية بالبلاد. ولكن هل الواقع الفعلي مختزل بهذه الصورة الوردية؟ إن الحكم بالمغرب لا يختلف عن غيره من الأنظمة العربية بمحاولة امتصاص المطالبات الشعبية الدائمة والمستمرة بإطلاق الحريات العامة والسماح بحرية التظاهر السلمي القضاء على الفساد الإداري والاقتصادي الذي استشرى بالبلاد. ويتميز هذا النظام بأنه يتمتع بذكاء سياسي عن غيره من نظرائه العرب من ناحة قدرته الاستباقية على احتواء تلك المطالبات. وهنا لا بد أن ندرك أن هذا النوع من الأنظمة يمثل تحديا كبيرا أمام الحراك الشعبي المطالب بالإصلاحات والحريات، لأنه يتذرع بقوانين قد تكون مبهمة بمعظم الأحيان لوأد الزخم الناجم عن الحراك الشعبي والشبابي ومنظمات المجتمع المدني، وهو بذلك يشكل خطرا على تجسيد وتطبيق الحريات العامة، لأنه من خلال الديمقراطية يضرب الديمقراطية
ولهذا فإن الحركات الشعبية والشبابية المطالبة بالتغيير في المغرب المتمثلة بحركة 20 فبراير تدرك تماما هذا التحدي، وترغب بوضع النظام أمام اختبار استحقاقاته الديمقراطية. ولعل ما شهدناه أخيرا عندما حاول المتظاهرين من السير والتجمع مقابل سجن تمارة السري الذي يعتبر بمثابة سجن غوانتانامو بالمغرب من اللجوء لسياسة العنف والضر بالعصي وتفريق المتظاهرين سلميا لوقف ممارسات الاعتقال السياسي الظالم (وهذا السجن يذكرنا بالواقع بسجن تازمامرت الرهيب الذي ذاعت شهرته السيئة أرجاء العالم)، وكذلك منع المسيرة السلمية للأطباء الذين لم يطالبوا سوى بالحصول على شهاداتهم بعد الدراسة لمدة 13 عاما فكان مصيرهم الضرب واإهانة الكرامة من قبل من لا يملك حتى شهادة ثانوية، ثم تكرر هذا الأسلوب القمعي بعد منع للمسيرة التي كان مزمعا القيام بها بتاريخ 22-5-2011 والضرب المبرح بالعصي والهروات للنشطاء والمتظاهرين في حي العكاري الشعبي في العاصمة الرباط ومطاردتهم عبر الشوارع والأزقة مما أدى إلى إصابة 90 متظاهر منهم بجروح متفرقة، كل هذا لا يشي بأن هناك جدية بالوعود التي أطلقها النظام من السماح بالحريات وتعميمها على جميع فئات الشعب. وعلى الرغم من أن الوعود السابقة قد ذكرت بأن هناك إصلاحات دستورية واسعة النطاق وستشكل نقلة جديدة بالحياة البرلمانية المغربية، إلا أن هناك شكوكا عميقة تراود البعض من مغبة كونها إصلاحات ورقية لا تسمن ولا تغني من جوع، ولن يكون لها أثر على الواقع المغربي السياسي والاقتصادي. فعلى سبيل المثال هناك مطالبات عديدة حول فتح تحقيقات موسعة حول تضخم ثروات بعض العائلات المعروفة والتي تهيمن على الشؤون الاقتصادية والتجارية وحصولها على صفقات مالية عديدة على حساب المال العام، فضلا عن احتكارها للمناصب القيادية الرفيعة واستحواذها على حصانة تمنع عدالة القضاء من محاسبتها ومحاكمتها إن هي أمعنت بالفساد والاستبداد، ولا شك أن القاريء المغربي المتابع والمطلع يعلم مسبقا هوية معظم هذه العائلات ذات النفوذ الواسع. فهل سيكون النظام قادرا على كف يد الأطراف المتنفذة؟ وهل هو قادر كذلك على تحمل إجراء محاكمات لكل من يثبت استيلاؤه على أموال وممتلكات الدولة؟ ومن المؤكد أن هذا التوجه يتطلب استقلالا قضائيا صارما ويحاسب الكبير قبل الصغير. ومما لا شك فيه أن الشعب المغربي لا يتحمل تبعات ونتائج الفساد الاقتصادي لأن البلاد لا تتمتع بفائض ثروات كبير كما هو عليه الحال في جارتها اللدودة الجزائر، فعلى الحكم بالمغرب التخلص من الثالوث المدمر للسلطة:
1- الاستبداد السياسي واستئثار القلة بالقرار بالدولة
2- سوء توزيع الثروة
3- التبعية والإذعان للقوى الخارجية. وذلك حتى يضمن استقرارا حقيقيا وتوجها فعليا نحو التنمية والرخاء. إنه تحد كبير تواجهه السلطة
ومن ناحية أخرى، يسود بالأوساط المغربية قلق وتوجس من فكرة انضمام المملكة المغربية لمنظومة مجلس التعاون الخليجي، وقيل كذلك أن هذا الاقتراح قوبل بالسخرية والازدراء من ناحية عدم منطقيته وملاءمته للواقع المغربي. ولا شك أن هذا الاقتراح المفاجيء بالمقابل قوبل بالدهشة والاستغراب من بعض الدول الخليجية نفسها تصاعد إلى حد الرفض، مما يدل على أن الاقتراح نابع من جهة واحدة فقط، السعودية. وعندما نحاول قراءة تأثير هذا الانضمام المقترح على الداخل المغربي سنجد أنه من الممكن أن يؤثر سلبا على وعود الاصلاحات التي أطلقها الملك محمد الخامس. فعلينا أن لا ننسى أن مقدمي الاقتراح في معظمهم لا يتمتعون بنظم ديمقراطية واضحة بل أن بعضهم ليس له دستور قائم يسيّر شؤون البلاد. وقد يؤدي هذا الوضع إلى انتكاسة بالوعود الإصلاحية بالمغرب. ومن الواضح أيضا أن الفوائد الاقتصادية المرجوة للشعب المغربي من جراء هذا الانضمام لن تكون عاملا رئيسيا بحيث يؤدي إلى رخاء المغربيين وازدهارهم اقتصاديا، لا سيما أننا لم نلحظ أن الاستثمار الخليجي بالمغرب قد انعكس بالإيجاب على الطبقات المسحوقة والفقيرة بالمغرب لأنه ببساطة لا يلتزم بمعايير الشفافية والنزاهة، فلم نر سوى أن كروش المنتفعين قد زادت وبطون الفقراء قد اضمحلت. وهكذا فإن ما يظهر أمامنا جليا من هذا الاقتراح الخطير أنه مجرد استدعاء أمني للقوة العسكرية المغربية في حال حدوث اضطرابات داخلية أو نزاعات أقليمية بالمستقبل المنظور أو البعيد. وبمعنى آخر، يراد للمغاربة أن يكونوا بمثابة معول عسكري تحركه الأموال الخليجية. ولا أظن أن المغربيين ليس لديهم ما يكفيهم من التوترات والنزاعات الأقليمية بحيث أن يكونوا قادرين على التفرغ لحل مشاكل الخليج المزمنة. ولا أظن أن المغاربة سيتحمسون لزج ابنائهم بحروب قد تأخذ شكلا طائفيا بالمستقبل مع إيران أو غير إيران، رغم أن المغاربة أثبتوا أنهم لم يقصروا أو يتخاذلوا عند ندائهم إبان أزمة غزو الكويت عام 1990. والظن الغالب أن هذا الاقتراح بانضمام المغرب لمجلس التعاون الخليجي لن يقدم فوائد تذكر للشعب المغربي بل هو اتفاق بين مصالح الحكام والأنظمة
ومن المعروف عن الملك محمد السادس عدم توجهه نحو قضايا الشرق الأوسط والعرب كثيرا، بل هو مهتم بشكل أكبر بمحاولة الاستفادة من المزايا الأوروبية عبر الانضمام للاتحاد الأوروبي من خلال طلب الانضمام لعضويته بالعديد من المرات. ولكن ما هو خير وأبقى له الاهتمام بشؤون شعبه الداخلية ومنح الحريات وتوفير الرخاء والرفاهية ومنع الفساد بكافة أشكاله واستقلال القضاء التام. ولن يفيده، إن لم ينفذ هذا التوجه، لا الخليج ولا أوروبا.