مذكرات ألماني طيّب في نانكينج – ترجمة الفيلم الألماني John Rabe

أحييكم أيها الأخوة والأخوات الكرام، وأقدم لكم اليوم نموذجا من نماذج النبل والشهامة التي ظهرت بالقرن العشرين وجاءت من الغرب الذي لا يظهر كثيرا من الحالات الإنسانية. وهو نموذج قد يقترن بحالة متفردة واستثنائية لا يملك المرء إلا أن يحترمها ويضيء حولها الشموع.

John Rabe
جون رابـَـه

يعتبر هذا العمل من الانتاجات الضخمة والمشتركة، حيث اشترك بانتاجه دول ألمانيا وفرنسا والصين. وهو من اخراج الألماني فلوريان جالينبيرجر ومن بطولة الألماني أولريخ توكور بدور جون رابه والنجم الأمريكي ستيف يسكومي والألماني دانييل بروهل والنجم الياباني تيريوكي كاجاوا بدور الأمير آساكا ياسوهيكو. ويجسد الفيلم قصة السيد جون رابه مدير شركة سيمنز فرع الصين إبان بداية الحرب الصينية اليابانية الثانية عام 1937 التي كانت تندرج ضمن بدايات الحرب العالمية الثانية. والعمل مبني على مذكرات جون رابه Der gute Deutsche von Nanking أو ألماني طيب في نانكينج. ورغم أن الفيلم مقتبس من اليوميات المذكورة في مذكراته وتعرض إنجازاته ومآثره، إلا أن مخرج العمل يحاول إبراز صورة واقعية لرابه من ناحية أبرز عيوبه -من وجهة النظر الغربية على الأقل- ألا وهي عضويته في الحزب الوطني الاشتراكي الألماني أو حسب شهرته المختصرة “الحزب النازي”. ثم أن العمل لا يظهر صفات البطولة والإيثار بشكل بسيط ومفتعل، بل عبر تراكم تصاعدي للأحداث يضع هذه الشخصية أمام الخيار الصعب.

john-rabe-photo-535x348

قد يحق لنا عقد مقارنة عن هذا العمل مع رائعة المخرج ستيفن سبيلبرج “لائحة تشيندلر“. وقد تكون كلتا الواقعتين صحيحتين تاريخيا وإن كان يشوبهما بعض المبالغة الدرامية، إلا أنه من المدهش عدم الترويج الكافي للعمل الألماني رغم إنسانية القصة وصدقيتها والدليل على ذلك النصب التذكاري الضخم الذي شيده أهالي مدينة نانجينج لهذا الرجل والمنطقة الآمنة التي أقامها خلال اجتياح القوات اليابانية لمدينة نانجينج الصينية حيث حافظ على 200 ألف نسمة من التصفيات الجماعية، ورغم أن عناصرها تتشابه وبمحض الصدفة مع قصة السيد أوسكار شيندلر الذي حافظ على أرواح عشرات الآلاف من اليهود البولنديين من المحرقة النازية. ويحق لنا أن نتساءل عن السبب وراء هذه التعمية الإعلامية أو فلنقل عدم تسليط الضوء الكافي عليه. هل لأن هذا الرجل جون رابه كان منضما للحزب النازي مثلا؟ وهل من المفروض أن كل من انضم لهذا الحزب مغضوب عليه إلى يوم الدين في نظر البعض؟ بغض النظر عن هذا، يستحق هذا العمل المتابعة والتأمل واعتباره كسيرة ذاتية “لألماني طيب” دخل التاريخ من بوابة نانكينج.

 


لمن يود الإطلاع بصورة موسعة على جريمة “اغتصاب نانكينج” من وجهة نظر صينية، يرى مشاهدة فيلم Nanking Nanking: City Of Life And Death الذي كان قد ترجمه الزميل العزيز أحمد زليط.

 

نبل جون رابه
وإنسانية تشي جيفارا

 

 

قصة السيد جون رابه تمتلك رمزية خاصة بها لأنها مليئة بسمات الإيثار وتقديم حماية البشر على مصالحه ورفاهيته الخاصة. فكما ذكرنا كان هذا الرجل يتبوأ منصبا اقتصاديا وصناعيا هاما في شركة سيمنز وعمل على تكوين ثروة شخصية وهو ما سنشهده بالعمل. ولكن ما لم نشهده به هو أنه حال عودته لألمانيا اعتقل من النازيين وتم استجوابه لدوره بمدينة نانكينج. أما بعد انتصار الحلفاء فلم يسلم من توجيه أصابع الاتهام وظل مطاردا كونه عضوا بالحزب النازي وضحية لإجراءات اجتثاث النازية في ألمانيا. ورغم أنه لم تتم إدانته بأي جريمة من جرائم نظام هتلر، إلا إنه تعرض للتهميش وواجه النسيان وكابد العوز، فمات جون رابه فقيرا عام 1950. ولم يبق منه إلا مذكراته التي كشف به فظائع ما ارتكبته القوات اليابانية في نانكينج وهو ما لم يشفع له عند السادة بالغرب.

ولعل رمزية جون رابه تنسحب على نموذج مليء بالمآثر والعبر ألا وهو تجربة المناضل تشي جيفارا. ذلك الرجل الأرجنتيني الذي ينتمي لعائلة ثرية وتتمتع بالنفوذ، إلا أن هذا الطبيب قرر أن يتنازل من عليائه ليهبط للواقع ويرى معاناة الإنسان الحقيقية وبكل ما تحتويه من آلام ومحن وآهات وذلك عبر رحلته الشهيرة التي جاب بها أرجاء أمريكا الجنوبية. فاكتشف هذا الرجل المصاب بداء الربو منذ صغره أن النظام الرأسمالي المتوحش يشكل خطرا داهما على البشرية، وأن “الأمبريالية” لن تسمح للشعوب ببناء حياة مستقلة وكريمة بل لن ترضى بديلا عن الهيمنة على مقدرات الأمم المستضعفة. فاعتبره الغرب عدوهم اللدود بتلك المنطقة، فلاحقوه ومرتزقتهم من مكان إلى مكان “ومن زنقة إلى زنقة” وذلك بعد رفض الجلوس بكراسي الوزارة الوثيرة في كوبا وقال كلمته الشهيرة “إن الثورة تتجمد وإن الثوار ينتابهم الصقيع حين يجلسون فوق الكراسي، وأنا لا أستطيع أن أعيش ودماء الثورة مجمدة داخلي”. فأخذ يواصل نضاله ضد قوى الظلام “حتى جسد نضاله بمصرعه” بذلك العام الكئيب 1967 بعد أن أحاطوا به وأسروه وقطعوا أطرافه إمعانا بتعذيبه. فكان أن بكاه “الشاعر البندقية” أحمد فؤاد نجم بمرثية مؤثرة:

اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد فؤاد نجم

جيفارا مات

جيفارا مات
آخر خبر فِ الراديوهات
و فِ الكنايس
و الجوامع
و فِ الحواري
و الشوارع
وعَ القهاوي و َ البارات
جيفارا مات
جيفارا مات
و اتمد حبل الدردشة والتعليقات
********
مات المناضل المثال
يا ميت خسارة عَ الرجال
مات الجدع فوق مدفعه جوّه الغابات
جسّد نضاله بمصرعه
و من سُكات
لا طبالين يفرقعوا
و لا اعلانات
********
ما رأيكم دام عزكم؟
يا انتيكات
يا غرقانين
فِ المأكولات و الملبوسات
يا دفيانين
و مولعين الدفايات
يا محفلطين
يا ملمّعين يا جيمسنات
يا بتوع نضال آخر زمن
ف العوامات
ما رأيكم دام عزّكم؟
********
جيفارا مات
لا طنطنة
و لا شنشنة
و لا إعلامات و استعلامات
عيني عليه ساعة القضا
من غير رفاقه تودّعه
يطلع أنينه للفضا
يزعق و لا مين يسمعه
يمكن صرخ من الألم
من لسعة النار فِ الحشا
يمكن ضحك
أو ابتسم
أو ارتعش
أو انتشى
يمكن لفظ آخر نفس كلمة وداع
لَجل الجياع
يمكن وصية للي حاضنين القضية
بالصراع
صور كتير ملو الخيال
و ألف مليون إحتمال
لكن أكيد و لا جدال
جيفارا مات موتة رجال
********
يا شغالين ومحرومين
يا مسلسلين
رجلين و راس
خلاص خلاص
مالكوش خلاص
غيرالبنادق و الرصاص
دا منطق العصر السعيد
عصر الزنوج و الامريكان
الكلمة للنار و الحديد
و العدل أخرس أو جبان
********
صرخة جيفارا يا عبيد
في أي موطن أومكان
ما فيش بديل
مافيش مناص
يا تجهّزو جيش الخلاص
يا تقولو عَ العالم
خلاص
********


وما بين جيفارا وجون رابه يمتد هذا الخيط الرفيع من الأمل بتقدير الإنسانية والتضحية من أجلها بهذا العصر الذي استبدل به حق الإنسان بثروة الآلة ولم يعد للبشر من موقع لهم إلا كتروس بها لا نعلم متى تدوسهم ومتى بهم تدور.

———————————————-

أصدقكم القول “أنني لم أكن انتوي” ترجمة هذا الفيلم لأنه لا يدخل ضمن قائمة ترجماتي الطويلة، ولكن نزولا عند رغبة الأخ العزيز سليمان الراشد الذي ألح علي بذلك. وقد يكون هذا أمرا إيجابيا لأنه يندرج ضمن تنشيط القسم الأوروبي بالأعمال المميزة والهادفة. فإلى لقاء قريب مع رائعة أخرى.

نسخ العمل

John.Rabe.2009.480p.BRRip.XviD.AC3-ViSiON

John.Rabe.2009.BRRip.XviD.AC3-CaLLioPE_MoNTEDiaZ

الترجمة

من هنا

 

أكرر الرجاء الوارد بالتوقيع بعدم نقل الترجمة لأي موقع. ومن يريد نقلها فيسعدني القيام بذلك حتى تحفظ الحقوق الأدبية للمترجم. فأرجو احترام هذا الحق.

 

وتقبلوا أطيب تحية

فيصل كريم

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s