بسم الله الرحمن الرحيم
—————–
من هو الملك لير حقا
يُعتقد أن الكاتب الدرامي والشاعر التاريخي البريطاني ويليام شكسبير قد ألف المسرحية الترجيدية الملك لير King Lear في الفترة ما بين عام 1603 وعام 1606 وقد نجحت هذه المسرحية نجاحا هائلا وعدها النقاد والأدباء واحدة من أعظم أعمال شكسبير وأكثرها روعة (على الرغم من عدم تحبيذ المسرحيين لصيغة هذا العمل بعصر التجديد الملكي The Restoration وذلك لوجود العنصر العَدَمي Nihilism، لكن بعد الحرب العالمية الثانية وجدت المسرحية ما تستحقه من اهتمام ومتابعة). وهذه المسرحية يوجد لها نسختان منفصلتان، الأولى منها هي “السجلات الحقيقية لتاريخ وحياة وموت الملك لير وبناته الثلاث” والثانية هي “مأساة الملك لير” وهي النسخة الأكثر شهرة وتأثيرا وقوة وعمقا دراميا. وقد اقتبست كما هو معروف هذه المسرحية للعديد من الأعمال الدرامية والسينمائية والتلفزيونية وأصبحت من الشهرة ما لا تحتاج إلى إشارة. لكن بحكم معرفتنا باسلوب شكسبير عبر الاقتباس وتناول الاحداث والشخصيات التاريخية المؤثرة انسانيا وعاطفيا، يجدر بنا أن نسلط الضوء على تلك الشخصية المعالَجة بهذا العمل، وهل هي وهمية أو تم مؤلفة بالكامل، أم أنها شخصية تاريخية حقيقية كانت موجودة على أرض الواقع البريطانية؟ اعتمد شكسبير بتأليف شخصية الملك لير -كما يُعتقد- على الاصدار الثاني من “سجلات انجلترا واسكتلندا وإيرلندا” للمؤرخ رافائيل هولينشيد عام 1587 وهو كان قد عثر على هذه الحكاية في الكتاب التاريخي Historia Regum Britanniae (تاريخ ملوك بريطانيا) للقس البريطاني جيفري مونماوث بعام 1138 عن الملك لير أو لاير King Lier الذي حكم بفترات غابرة جدا لما قبل التدوين التاريخي، إلا أن هناك روايات تقول أن هذه الحكاية لا تخرج عن كونها إحدى الحكايات الشعبية أو كما يطلق عليها غربيا Fairy Tale عن ذلك الإله البحري ذو البنات الثلاث، وروي كذلك أنها من قصص الأطفال الإيرلندية. على العموم، القصة معروفة عالميا وهي حول ذلك الملك الذي حكم ردحا طويلا من الزمن فقرر في يوم ما أن يقسم مملكته الكبيرة على بناته الثلاث لكن على أن يعبرن عن مدى حبهن له. وكان الملك يحب ابنته الثالثة (كورديليا) حبا جما ويعاملها معاملة خاصة، فعبرت الابنتان الكبيرتان عن حبهن لأبيهن خير تعبير، فيما رفضت كورديليا مجاراتهن بهذا الاستعراض للمشاعر حيث المبالغة غير الصادقة. فقسم الملك أرضه على ابنتيه الكبيرتين (جونريل و ريجان) فيما ترك ابنته الثالثة تذهب خارجا عنه ليتزوجها ملك فرنسا ودوق بورجندي. وتحصل المأساة المعروفة للملك لاحقا ثم النهاية القاسية لها بنهاية المسرحية. والحقيقة المتداولة نسبيا أن الأحداث التاريخية تتفق مع الحكاية عموما فيما عدا النهاية حيث تشير بعض المصادر إلى أن الملك لير تحالف مع حكام فرنسا وقام بغزو الأراضي البريطانية ونجح بالقضاء على حكم ابنتيه وحكم لمدة ثلاث سنوات أخرى ثم مات، وخلفته بعد ذلك كورديليا بنفسها وقامت بدفنه بغرفة تحت نهر سور قرب مدينة ليشيستر.
—————–
أنتج فيلم Ran عام 1985 وسط أزمة شديدة تعرض لها المخرج أكيرا كوروساوا منذ السبعينات والثمانينات من القرن الماضي بسبب عدم نجاحه بالحصول على تمويل لعمل مشاريعه وأفلامه مما أضطره للجوء لخارج اليابان للحصول على الدعم المطلوب وكان أن حصل على تمويل من فرنسا لانتاج الفيلم وقد أعتبر كأضخم انتاج سينمائي بالتاريخ الياباني بلغ 12 مليون دولار. ومن المعلومات المثيرة للاهتمام أن كوروساوا أقدم على الانتحار بعد عدم الحصول على تمويلات لافلامه وافلاس شركة كان قد أسسها مع ثلاثة مخرجين يابانيين، لكنه خرج ناجيا من هذه الأزمة. ثم أتته ضربة قوية بعد موت زوجته أثناء تصوير فيلم Ran مما أحبطه وعرضه لأزمة نفسية شديدة.
شخصية تاريخية ورسوم كوروساوا
بدأ كوروساوا بمنتصف السبعينات بالقراءة عن عن عصر ياباني قديم فوقع على سيرة مثيرة لسيد اقطاع حربي كبير يدعى موتوناري موري كان لديه من الابناء ثلاثة قام بتوزيع الأراضي التي استولى عليها ما بين هؤلاء الابناء الثلاثة. وأخذ الخيال يسبح به فيما لو كان هؤلاء الابناء عاقين أو سيئين فماذا سيحدث حينها ؟ وفعلا، استهل كوروساوا بتلك الفترة بوضع الرسومات والاسكتشات كعادته قبل افتتاح العمل. فكانت تلك النقلة والتحول الذي أحدثه كوروساوا قربت العمل تماما من مأساة الملك لير وجعلته كاقتباس لتلك المسرحية. في حين أن كوروساوا يقول أنه لا يعتبر عمله كاقتباس مباشر لمسرحية شكسبير، إلا إنه لم ينفي تأثره بذلك العمل تمام. وعوامل التشابه ما بين العملين لا يوجد هناك شك بتقاربهما الواضح والشديد. إلا أنه توجد عوامل أخرى تعطي مؤشرات على اختلافات ليست بالهينة فيما بين العملين. لعل من أبرزها هو شخصيتي الملك لير وشخصية هديتورا إيتشيمونجي (الشخصية الرئيسية بفيلم ران)، حيث يعتبر النقاد الشخصية الأولى أن مصيرها غير مستحق حيث أنه مجني عليه دون ذنب بل وقد يوصف باسوأ الاحوال بالحمق. فيما تعبر شخصية هيديتورا عن الحاكم طاغية ويداه ملطختان بدماء الأبرياء والمساكين ممن قمعهم سابقا. إلى جانب اختلافات أخرى مميزة لعمل كوروساوا.
لقد تم تقديم ميزانية ضخمة للعمل بلغت رقما قياسيا يابانيا (ولا أعرف بالواقع إن كان قد تم كسره لاحقا!) وصل كما ذكرنا إلى 12 مليون دولار حيث بلغ البذخ الانتاجي حدا أن تم عمل 1400 زي ورداء بدروع حربية مما جعل جائزة الأوسكار تذهب إلى مصممة الأزياء إيمي وادا. فيما نافس العمل على جوائز أفضل تصوير وأفضل تصميم ديكور ونافس كوروساوا نفسه على جائزة أفضل اخراج. تعامل كوروساوا مع هذه الملحمة عبر صور ذات ألوان غزيرة وصادمة يستحق الحديث عنها موضوعا منفصلا كاملا ويحتاج الأمر لخبراء نفسيين لمعرفة توافق كنه هذه الألوان ومدى ارتباطها مع الشخصيات. استخدم المخرج تركيبا صوتيا متميزا معتمدا على السكون الصوتي أحيانا وعلى صوت الطبيعة أحيانا آخرى كأصوات العواصف وهبوب الرياح العاتية وغيرها. لجأ كوروساوا إلى اسلوب تقطيع المشاهد السريع وهو شيء طبيعي نظرا للطبيعة الملحمية والحربية للفيلم واستخدام زوايا ثلاثية لنفس اللقطة وهو ما يمتاز به كوروساوا وقام باتبع منهجه عموم الدارسين والمهتمين بالسينما وعلومه وفنونه. ويبقى هذا الفيلم الملحمي آخر أعمال أكيرا كوروساوا الكبيرة والملحمية والتي لن تمحي من الذاكرة
ترجمة مشتركة مع الغائب الحاضر ديلمون البحراني
قدمت بالاعلان عن الترجمة ما يفيد بأنني قد أفتح موضوعا منفصلا عن موضوع الاخ ديلمون البحراني، لكن بعد تعديلي للقليل من الأسطر تبين لي أن العملية متعبة قليلا، فقررت الترجمة مباشرة من النص الانجليزي مع الاستعانة بترجمة ديلمون البحراني في بعض الأحيان. ولهذا ستكون الترجمة مشتركة بيننا.
—————–
حجم النسخة: 2 جيجا و180 ميجا
المدة: ساعتان و42 دقيقة
معدل الاطارات: 23.976
وتقبلوا أطيب تحية من مترجم العمل
فيصل كريم