الساموراي واليابان والتاريخ – ترجمة فيلم Twilight Samurai – للنجم الياباني (سانادا) وللمخرج (يوجي يامادا)

بسم الله الرحمن الرحيم

يسعدني أيها الاخوة الكرام تقديم عمل سينمائي متميز ورائع من بلاد الشمس المشرقة والمعروفة عند شعبها بـ(نيبون) والتي يطلق عليها العالم “اليابان” وهذا العمل يعتبر من أفضل الأعمال اليابانية عبر الألفية الجديدة.

فيلم Twilight Samurai أو “ساموراي الشفق” انتاج عام 2002 ومن اخراج وسيناريو المخرج الياباني المخضرم (يوجي يامادا) الذي اشتهر باخراجه سلسلة أفلام تورا سان الكوميدية الرومانسية. والفيلم تأليف الكاتب الياباني شوهي فوجيساوا ، وبطولة النجم الياباني هيريوكي سانادا والممثلة اليابانية راي ميازاوا. ويستند الفيلم على رواية المؤلف المذكور الذي يعود بنا إلى نهاية الحقبة الإقطاعية في اليابان والصراع الذي كان قائما بين النظام القائم والمستحكم على حياة الشعب ألا وهو النظام الاقطاعي المرتكز على تقسيم اراضي الدولة على النبلاء والأسياد Lords (أو كما كان يطلق عليهم في تركيا وبلاد الشام ومصر، الباشاوات والبكوات) بما فيها من عباد، وبين النظام القادم بقوة ألا وهو الحداثة والمدنية وسيطرة الدولة المركزية على جميع الثروات وتوزيعها على الناس حسب العمل والقدرة الانتاجية. ويكمن ما بين ثنايا هذا التغير والانتقال السياسي والاقتصادي والاجتماعي، تكمن قصة مقاتل الساموري البسيط (سايبي إجوتشي) وهي قصة متميزة وفريدة تعكس كل هذه التحولات الكبرى بهذا بتلك الفترة. ولجعل الأمر أكثر وضوحا وبساطة للقارئ الكريم، فضّلتُ تقسيم الموضوع على النحو التالي.

(سانادا) ساموراي الغسق المتألق

الحبكة والتناول الدرامي للمخرج وأداء (سانادا) الرائع

المخرج (يامادا) يوجه التصوير

يبدأ المخرج الفيلم بحركة كاميرا هادئة لكشف معالم وملامح الوجوه ببيت (سايبي) بشكل عفوي محكم وكأنه يجعلنا نتطفل على هذه العائلة لنكتشف أن كارثة قد ألمت بهم جميعا وهي وفاة زوجة (سايبي) إثر داء السل. إلا المخرج سرعان ما يستخدم الاسترجاع السردي Retrospective بلسان ابنة (سايبي) الصغرى (إيتو) التي تروي لنا ماهية الأحداث والمكان والزمان بشكل طفيف لا يؤثر على المشاهد بقطع اتصاله مع سلسلة الاحداث. وحتى لا نقدم التفاصيل الكاملة للفيلم، فإننا لا بد أن نشير أن (سايبي) يعيل أسرة مكونة من ابنتين صغيرتين وأم عجوز. وهو يعمل بمستودعات قلعة أحدى عشائر المقاطعة الاقطاعية التي يعيش بها. وقد تخلى هذا المقاتل عن مركزه كـ(ساموراي) بعد أن أصبح محترفو هذا العمل غير مرغوب بهم من قبل السادة الاقطاعيين خاصة في أوقات اللاحرب (كما لاحظنا ذلك في فيلم Harakiri للمخرج الياباني ماساكي كوباياشي انتاج عام 1962). وقد أتاه لقب “ساموراي الشفق” تهكما عليه من رفاقه وزملائه في العمل حيث يذهبون هم للهو والشراب بالحانات والمراقص بينما يجدونه لا ينضم إليهم ويفضل الذهاب لعائلته الصغيرة منذ بداية مغيب الشمس فاطلقوا عليه هذا اللقب دون أن يعلموا ما هيته كمقاتل ساموراي سابق. وهذا الرجل العامل حاليا يتسم بالتواضع الشديد وهدوء الطباع وسمو الاخلاق ويحث بناته دائما على التعلم والعلم بكافة الاشكال رغم أن ذلك العصر لا يعتمد اجتماعيا ولا ثقافيا في تعليم البنات سوى على الخياطة والأمور المنزلية. لكن هذه الشخصية فريدة من نوعها. نجده لا يحاول اظهار مهاراته كساموراي إلا بعد أن أُكره على ذلك في منازلة أجبر على خوضها حيث تبدأ العقدة الدرامية للفيلم بهذه المنازلة التي يذيع صيت (سايبي) عبرها بعموم العشيرة التي تطلب منه تبعا لذلك أمرا سيؤثر على معظم حياته. لقد تميز برأيي النجم السينمائي الياباني (هيريوكي سانادا) في تقديم وتشخيص هذه الشخصية الفريدة (سايبي “الغسق” إيجوتشي) بهدوئه ورصانته وثقته الكبيرة بنفسه وأظهر مشاعر تحمل المسؤولية والتفاني إلى درجة كبت مشاعره عن محبوبته (توموي) التي قامت بدورها النجمة اليابانية (راي ميازاوا) بسبب ضيق ذات اليد وعسر الحال. وهو إن قارنا دوره في فيلم “الساموراي الأخير” الذي أنتج بعد هذا الفيلم بعام حيث كان سانادا بدور شبه صامت، فإننا سنجد الفرق كبيرا حيث العمق الدرامي الكبير والاسقاطات الاجتماعية والاقتصادية واضحة وعميقة في “ساموراي الشفق”. وعلى الرغم من وجود كلمة “الساموراي” مما يدل على الحركة السريعة للكاميرا واسلوب تقطيع اللقطات بشكل سريع إلا أن المخرج فاجأنا باسلوب تصوير متزن وهادئ في اللقطات واستخدم كذلك الاضاءة الخافتة حتى يجعلنا ننغمس بالحوار والصوت، وقد اقتصد في استخدام الموسيقى التصويرية ولم يكثر من عرضها إلا إن كان المشهد يفرض ذلك. وكانت المفاجأة المترتبة على ذلك هي كيفية تصويره لمشاهد المبارزة بالساموراي حيث انتهج نفس الخط ولم يلجأ للقطع الكثير، بل جعل المشاهد وكأنه يعيش أمام معركة حقيقية تعتمد على اسلوب الساموراي الحقيقي بالقتال وهو “هدوء وانقضاض السباع والأسود” فكانت هذه المشاهد ذات مصداقية كبيرة. هذا الفيلم كما أعتقد هو يشكل عملا متميزا يتوج به المخرج يوجي يامادا مسيرته الاخراجية الطويلة حيث ترشح الفيلم لجائزة الأوسكار عن أفضل فيلم أجنبي لعام 2002 ونال العديد من الجوائز الأخرى ومن أهمها معظم الجوائز الكبرى بمهرجان أكاديمية السينما اليابانية بذلك الموسم. وهذا الفيلم يمنح النجم هيريوكي سانادا علامات مرتفعة تضاف إلى رصيده الفني ويبدو أن عمله في المسرح الملكي البريطاني الشكسبيري قد أضاف الكثير لصقل موهبته التي رعاها معلمه النجم الياباني الكبير سوني شيبا (الذي قام بدور صانع سيوف الساموراي (هاتوري هانزو) في فيلم Kill Bill للمخرج الأمريكي كونتن تارانتينو). وقد لاحظنا هذا العمق مقارنة بأدوار سانادا الأولى سواء في أفلام Legend of Eight Samurai أو Ninja Wars أو غيرها من الأعمال التي تعتمد على الحركة والموسيقى الصاخبة فقط. وبالتالي يعد هذا الفيلم من أنجح أفلامه على الاطلاق. والفيلم تبعا لذلك نجح عبر أداء سانادا رفيع المستوى.

المبارزة التي كشفت المستور

الاسقاطات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية

صورة نادرة لمقاتلي ساموراي عشيرة ساتسوما التي قاتلت بجانب الامبراطور خلال حرب البوشين

هذا الفيلم الدرامي العميق يتناول قصة جديرة بالمتابعة ولكنها تقدم بشكل غير مباشر ملمحا تاريخيا عن تطور اليابان الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. وهذا البلد أيها السادة يفتقد لأي من الثروات الطبيعية الكامنة بأرض الله. وكان النظام الاقطاعي يفتك بكل نواحي المجتمع ولا يدع مجالا للعيش بكرامة. ولنا أن تأخذنا الدهشة والاستغراب حين نرى نفس البلد حاليا يتصدر اقتصاديات العالم أجمع في الانتاج والتصدير والسيطرة على اسواق العالم قاطبة. فكيف يا ترى تمكن هذا البلد من هذا النجاح الاقتصادي على الأقل، على الرغم من كل المجاعات والأوبئة الفتاكة ثم الحروب الأهلية الطاحنة ومرورا بشن الحروب الخارجية واحتلال البلدان المجاورة لها ردحا من الزمان بكل وحشية وطغيان وانتهاءا بالهزيمة المريرة بالحرب العالمية الثانية حيث ألقيت القنبلة الذرية مرتين خلال ثلاثة أيام فعمت الفوضى وعم الخراب بكل أنحاء البلاد وعانت من الكساد والبطالة والفوضى الاجتماعية والاقتصادية. فكان يجدر باليايان أن تظل كأفقر دول العالم أجمع، لكن ذلك لم يحصل ورفض هذا البلد الموت والاستسلام. والاجابة نستطيع اختصارها بكلمة واحدة ألا وهي “الانسان” . نعم فالانسان هو الثروة الأكبر والأفضل بهذا العالم متى ما تعلم جيدا وفكر بشكل حسن وخطط فستصبح له قدرة هائلة على التنمية والإعمار ونماء العالم، وهذا ما يجب علينا تعلمه من درس اليابان الذي لا يملك من الثروات الكامنة سوى الأراض الغير مستقرة والزلازل والبراكين.

المبارزة المصيرية مع زينيمون يوجو المتمرد على العشيرة

وبالعودة لخلفية الفيلم التاريخية، فنجد أننا سنطلع على فترة ما قبل الحرب الأهلية التي نشبت بعد حركة مايجي التجديدية في الفترة الواقعة ما بعد منتصف القرن التاسع عشر ونشوب الحرب الأهلية الأخيرة في تاريخ اليابان على إثرها وهي كما تسمى “حرب البوشين” أو ما يعني حرب عام التنين الياباني (ونستطيع رؤية بعض من ملامح هذه الحرب في فيلم “الساموراي الأخير“). ومن الناحية الاجتماعية والطبقية، فإننا سنلحظ أن المجتمع الياباني الاقطاعي ينقسم إلى عدة طبقات. أولا، طبقة البلاط الامبراطوري والعائلة المالكة والحاشية التابعة لها (ويجدر أن نشير إلى أن معظم اليابانيين يعبدون الشمس ويعتبرون الامبراطور هو ابن الشمس المنزل إليهم ولذا فهو معبود إيضا). ثانيا، طبقة الأسياد والنبلاء الذين يملكون الأراضي والناس الذي يعيشون بها. ثالثا، طبقة قيادة المحاربين أو كما يطلق عليهم Shogun وكذلك من يتبعونهم من المقاتلين الساموراي وهؤلاء ينقسمون أيضا تبعا لعشائرهم المختلفة داخل البلد وكل ولاؤه لقبيلته وعشيرته التي يعتمد ولاؤها أن يكون إما للبلاط الامبراطوري أو للجبهة المضادة التي تكونت خلال “حرب البوشين”. رابعا، طبقة العامة وعموم الشعب الذين ينقسمون ما بين تجار وطبقة وسطى والطبقة المسحوقة الكادحة. أما الفروقات والاختلافات الاقتصادية فهي شاسعة ما بين الطبقتين الأوليتين وباقي فئات الشعب حيث ينتشر الجوع والمرض كما سيتابع المشاهدون بالفيلم، فبطل الفيلم لا يجد وقتا حتى للاستحمام بسبب الكد والجهد المتواصل لتوفير لقمة لعائلته الصغيرة، وهنا يبرز ذكاء المخرج بحيث جعل البطل يكون من طبقتين في آن واحد بما أنه من طبقة مقاتلي الساموراي من جهة ومن جهة أخرى هو عامل من الطبقة الوسطى. كل هذه الفروق الطبقية والاقتصادية تظهر جلية بالفيلم لكن المخرج لم يحاول عرضها بشكل قسري على المشاهد بل ظهر كل شيء بشكل طبيعي ومنطقي حسب أحداث قصة الفيلم، وهذه بالتأكيد تحسب لصالح الفيلم فنيا. فأن توصل أي أفكار إيجابية من خلال الأدوات الدرامية السليمة بطريق غير مباشر للمتلقي فإن هذا سيجعل العمل ثريا وغنيا من الناحية الفنية والفكرية والثقافية.

كلمة بمناسبة صدور ترجمتي الثلاثين

على الرغم من أني لا أحب تعداد الأعمال التي أترجمها لكنني أشعر بأن هذا العمل يأتي تتويجا لهذه المسيرة المفيدة لي شخصيا والتي آمل أن كنت عند حسن ظن المشاهدين لهذه الأعمال وكذلك القارئين لهذه المواضيع والتي غالبا ما اجتهد بكتابتها قدر المشتطاع وقد أصيب حينا واخطئ أحيانا أخرى والتوفيق لا يأتي إلا من لدن الخالق الكريم. وقد كان الخط الذي ارتسمته لنفسي بترجمة الأعمال الأسيوية وخاصة اليابانية منها دافعا لي نحو عرض ما تميز منها للمشاهدين العرب، لكني أعمل أحيانا أخرى نحو التوجه شمالا وانتقاء بعض المتميز من الأعمال الأوروبية التي لم تخطها أقلام الترجمة إلى الآن. وقد ساعدني بذلك هو وفرة الاخوة المترجمين الممتازين المختصين بالسينما الأمريكية بحيث شكل لي ذلك مجالا نحو التخصص والتوجه نحو رحاب آسيا وأوروبا. واعتذر من جميع الاخوة لتأخر صدور هذه الترجمة لأسباب خارجة عن الارادة. إلا أنني راعيت الدقة والعناية باللغة المستخدمة بالترجمة والتي تبدو كلاسيكية عربية الطابع بعض الشيء لتناسب جو الفيلم الذي يستخدم الدراما التاريخية كفكرة رئيسية بفيلم “ساموراي الغسق”. وأتمنى لكم طيب المشاهدة وحسن الاستمتاع بنهاية هذا القول.

صور أخرى من الفيلم

النجمة الجميلة (راي ميازاوا) بدور (توموي)

صورة انتظار الموت بوجه (زينيمون يوجو)

طقوس الزينة للمعركة والموت

مواصفات نسخة الفيلم:

اسم النسخة: The.Twilight.Samurai.2002.Dvdrip.Xvid-Aen
المدة: ساعتان وتسع دقائق
الحجم: 700.16 ميجا بايت
معدل الاطارات:
23.976


————————————

وتقبلوا مني أطيب المنى وجزيل التحية

فيصل كريم

4 responses to “الساموراي واليابان والتاريخ – ترجمة فيلم Twilight Samurai – للنجم الياباني (سانادا) وللمخرج (يوجي يامادا)

أضف تعليق