سؤال جدير بالتوقف عنده كثيرا… فنحن دائما نسمع عن المافيا في إيطاليا وكذلك تفرعها في الولايات المتحدة وما نتج عنها من عنف وتهريب وترويج لكل ما هو ممنوع وغير قانوني. يسلط فيلم Romanzo Criminale الضوء على هذه العصابة التي تتنامى وتكبر في غفلة من رجال المافيا الآخرين وكذلك قوات الشرطة والمباحث.
وتتلخص قصة الفيلم لأحداث حقيقية استمرت منذ السبعينات وحتى التسعينات من القرن الماضي حول مجموعة من الأصدقاء منذ الطفولة يتجهون نحو عالم الجريمة ثم يتجه بهم التفكير بعد عملية سطو كبرى قاموا بها أن يستفيدوا من هذه الأموال بالسيطرة على عالم الجريمة السفلي في روما وكان ذلك ببداية السبعينات فنجحوا نجاحا باهرا، فتطور بهم الأمر أن ينازعوا كبرى المافيات في إيطاليا في نفوذهم وطغيانهم حتى يصبح لهم من الكعكة نصيب. كل هذا يتم على مرأى ومسمع الحكومة الذين لا يحركون ساكنا، لماذا؟ الجواب بسيط، وهو أن الفساد ينخر بعظام الحكومات المتعاقبة في ذلك البلد وينتتظرون هم أيضا حصتهم من تلك الكعكة. وهؤلاء العصابات كذلك يُنظر إليهم بنظرة اعجاب من المجتمع عموما وويتم توفير لها الغطاء به في معظم الأحيان بل ويُتستر عليهم أحيانا أخرى، ولكن كل ذلك تغير حين استفاق ذلك المجتمع الفاقد للضمير على هول ما ارتكبه هؤلاء المجرمون وإلى أي حد قد لا يتوقفون عنده لإشباع جوعهم للمال والسلطة والنفوذ.
يتولى قيادة العصابة بالفيلم، وهم كما ذكرنا أشخاص حقيقيون، في البداية زعيمههم الأول ليبانو Pierfrancesco Favino (اللبناني) وهو ليس لبنانيا من لبنان بل هم هكذا يسمون أنفسهم باماء رمزية ووهمية ثم يستلم مقاليد القيادة مكرها فريدو Kim Rossi Stuart ثم تصل الزعامة للثالث داندي Claudio Santamaria وتتدحرج الزعامة بين كل منهم بشكل مأساوي. لتعطينا نهايتهم المنطقية والطبيعية وهي نهاية كل من يفكر بالدخول لنفق الاجرام المظلم.
في الحقيقة ما يشد انتباههنا باالفيلم هو ذلك الربط بين فكرتين متناقضتين تماما ألا وهما الجريمة Criminale والرومانسية Romanzo . لقد حاول المخرج ميكيلي بلاسيدو بشتى الوسائل تقريب صورة هذه الشخصيات لنا بحيث تظهر لنا أن لها ضميرا ومشاعر عميقة ولكن لا أعتقد أنه نجح بمسعاه على كل حال بسبب غياب الدافع نحو الخير حتى وإن كان الحب هو من يدفع شخصية فريدو مثلا نحو ترك هذا الطريق إلى أن ينجر بالنهاية لعصبيته نحو الثأر لمقتل ليبانو صديقه وقائده. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فلسبب أن الفيلم يتحدث عن وقت زمني عريض وقائمة ممثلين كبيرة، فيبدو أن المخرج لم يركز عمله ببناء خط درامي واضح ومؤثر، بل تشتت تركيزه نحو العديد من الحوادث التي وقعت خلال هذه الفترة الحالكة من تاريخ ايطاليا المعاصر. ولكن الفيلم عموما يستحق المشاهدة بسبب ضخامة العمل ورووعة التصوير المستخدم وجودة عملية المونتاج وتسليطه الضوء على مثل هذه الفترة العصيبة من عمر هذه الجمهورية.
وقد استوقفني بأحد أحداث الفيلم حادثة خطيرة وقعت واستدعت الرجوع بالتاريخ لايضاحها ألا وهي حادثة اغتيال رئيس وزراء ايطاليا الأسبق ألدو موروو. وقد ترأس الوزرة خمس مرات من 1963-1968 وكذلك 1974-1976 وهو من أبرز سياسي ايطاليا في تلك الفترة ومن مؤسسي الحزب الديمقراطي المسيحيوأحد أكبر قياديه. وقد اختطفته مجموعة شيوعية ارهابية تدعى “اللواء الأحمر” في 16 مارس 1978 وبعد 54 يوما من المعاناة والابتزاز والمساومات من الحكومة للإبقاء على حياته، وقد قامت بالكثير من الغارات المفاجئة على معاقل هذه المجموعة المحتملة سواء في روما أو ميلانو أو تورينو دون جدوى، وقد سمح الخاطفون له ببعث رسائل لعائلته ولأفراد حزبه وللبابا بول السادس ولم يكشف عن نقاب هذه الرسائل إلا في فترة التسعينات حيث وجه عبرها لوما شديدا للحكومة ولحزبه لتشددهم مع مطالب الخاطفين دون مراعاة للحفاظ على حياته أو لتوسلات عائلته لعدم التشدد معهم. والمفارقة التي حدثت بعد ذلك بفترة وجيزة أن الحكومة تساهلت مع مطالب عصابة أخرى اختطفت برلمانيا ايطاليا أقل من مورو شأنا . ويظهر مورو هنا بالصورة تحت أسر هذه المجموعة
وقد جثمت هذه الأزمة على نفوس الايطاليين طوال هذه المدة إلى درجة أن البابا بول السادس Paul VI توسل لهذه المجموعة المتطرفة واقترح عليهم أن يأخذوه بدلا من (مورو) ولكن كل هذه التوسلات ولأماني ذهبت أدراج الرياح حين وجدوا جثة (ألدو مورو) ملقية في أحد السيارات قرب روما وقرب مبنى تابع لحزبه.
وقد أيقن الإيطاليون بعد هذه الحادثة أن البلد في قبضة المافيات والعصابات. طبعا العصابة التي بالفيلم لم يكن لها ناقة ولا جمل بهذه الحادثة ولكن المخرج أبرزها نوعا ما. وهذه النقطة السلبية التي تحدثنا عنها بالفيلم حيث لم يتمسك المخرج ميكيلي بلاسيدو بخط درامي واضح ليبني عليه الأحداث على الرغم من تناوله لموضوع حساس وشائك عبر هذه الفترة الزمنية الطويلة.
أبطال الفيلم:
Kim Rossi Stuart —– Fredo
Anna Mouglalis —– Patriziia
Pierfrancesco Favino —— Libanno
Claudio Santamaria —– Dandi
Stefano Accorsi —– Commissario Scialoja